قال ابن القيم رحمه الله فى بدائع الفوائد
الرابع: أن أسماءه الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العَلَمِيّة، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم؛ لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة بخلاف أوصافه تعالى.
الشرح
يقول ابن القيم: أسماؤه الحسنى هي أعلام وأوصاف، أي أن لها نوعين من الدلالة: دلالة على الذات، ودلالة على المعاني. السميع، البصير، العليم، الحكيم، الخبير، إلى آخر أسمائه -سبحانه وتعالى- هذه الأسماء أعلام، وفي الوقت نفسه أوصاف، أعلام أي باعتبار دلالاتها على الذات، دلالتها على الله سبحانه وتعالى، فالسميع هو الله، والبصير هو الله، والحكيم هو الله، والعزيز هو الله، فهي أعلام دالة على ذاته سبحانه وتعالى، وعندما يقال: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الحكيم، إلى آخره، فهذه أسماء دالة على ذاته -جل وعلا- دالة على ذاته، فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار دلالة كل اسم منها على وصف لله -جل وعلا- يليق به، بل بعضها يدل على أكثر من وصف كما مر معنا في قاعدة سابقة، فأسماء الله أعلام وأوصاف، أعلام باعتبار الدلالة على الذات، وأوصاف باعتبار الدلالة على المعاني والصفات. قال: والوصف بها لا ينافي العلمية، الوصف بها أي بهذه الأسماء لا ينافي كونها أعلامًا دالة على ذات الله سبحانه وتعالى، فمثلًا السميع نأخذ منه صفة السمع، والبصير البصر، والعليم العلم، والرحيم الرحمة، فدلالة هذه الأسماء على هذه الصفات لا ينافي كونها أعلامًا دالة على الله سبحانه وتعالى، والوصف بها لا ينافي العَلَمِيَّة، والوصف الذي دلت عليه هو وصف مختص بالله لا شريك ولا مثيل له فيه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾فصفاته مختصة به -جل وعلا- فالوصف بها لا ينافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي عَلَمِيَتهم، أوصاف العباد تنافي علميتهم، لِمَ؟ قال: لأن أوصافهم مشتركة، لو أردت أن تجعل وصفًا من أوصاف العباد علمًا على أحدهم، فمثلًا من أوصاف العباد السمع، أيمكنك أن تجعل هذا علمًا على أحدهم أو البصر، أو الرحمة مثلًا، أو غير ذلك من الأوصاف التي تكون في العباد أو مثلًا الصلاح الاستقامة الهداية الرشاد.
أيمكن أن يجعل شيء من ذلك علما على واحد منهم بعينه دون الآخرين، لا يمكن لأنها أوصافٌ مشتركة، فمنها أوصاف مشتركة في الجميع، ومنها أوصاف مختصة بأهل الإيمان، مثل: الصلاح والاستقامة والهداية ونحو ذلك، فهي أوصاف مشتركة، فلا تصلح أن تكون أعلامًا، أما أسماء الله فدلالتها على صفاته دلالة اختصاص؛ لأن ما يضاف إلى الله -سبحانه وتعالى- يخصه ويليق به، ولا مثيل له في أسمائه تبارك وتعالى، ولا مثيل له -سبحانه وتعالى- في صفاته. قال: لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى، أوصافه مختصة به، سمعه، بصره، علمه، إرادته، حكمته، رحمته، كل أوصافه سبحانه وتعالى مختصة به، لا مثيل له في صفاته، ولا مثيل له -سبحانه وتعالى- في أسمائه. نعم.[ شرح فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى - موقع حلقات جامع شيخ الاسلام]
ويقول الشيخ عبد العزيز الداخل
العلَم هو الاسم الذي يعيّن المسمَّى مطلقاً بلا قيد؛ فيقال: محمَّد علَمٌ لأنَّه يدل على اسم رجل سُمِّي بهذا الاسم، وكذلك سعيد وصالح وجميلة وأمينة في أسماء الرجال والنساء ، وكذلك في أسماء الأماكن والحيوانات والنباتات وغيرها؛ فالاسم الذي يعيّن المسمَّى مطلقا بلا قيد هو العلم في اصطلاح النحاة.
لكن هذه الأعلام التي تحمل معان تدلّ عليها ألفاظها - بالنسبة للمخلوقين - قد تكون موافقة لحقيقة معناها وقد تكون منافية لها؛ فمن سُمّي من الناس باسم "سعيد" لا يقتضي أن يكون سعيداً؛ فقد يكون شقيا وقد يكون سعيداً، وكذلك في الناس من يُسمَّى صالحاً وهو فاسد، وفي النساء من تُسمَّى جميلة وهي دميمة وفيهنَّ من تُسمَّى أمينة وهي غير أمينة، وهذا مراده بالمنافاة بين الوصفيّة والعلمية في الأسماء عند المخلوقين.
وأمّا أسماء الله تعالى فهي أعلام وأوصاف لا تنافي بينها؛ فليست أسماء الله أعلاماً مجرّدة للتعريف فقط لا تدلّ على معنى في نفسها، وليست بينها وبين المعاني الكريمة التي دلت عليها ألفاظها شائبة تنافٍ ولا تعارض.
فاسم الله "المجيد" علَم لدلالته على الذات المقدَّسة، ووصف لتضمنه الدلالة على معنى المجد لله تعالى؛ فليس اسم المجيد علماً مجرَّدا، وليس الوصف فيه منافياً لصفات الموصوف جل وعلا، وهو كذلك الكريم والعظيم والعلي والحكيم والقدير والعليم، وهكذا سائر أسمائه الحسنى هي أعلام وأوصاف، والأوصاف فيها مرادة، ودلالتها على المعاني الجليلة مقصودة، ولا منافاة فيها بين العلميّة والوصفية، ولا يعارض بعضها بعضها على كثرتها وتنوع دلائلها وعظيم آثارها في الخلق والأمر، تبارك اسمه، وتعالى جدّه، ولا إله غيره.