ابن تيمية والتكفير..

ممّا انتشر في الآونة الأخيرة، ربط مصطلح التكفير والإرهاب وداعش بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
فكان هذا كافيًا لبيان منهج شيخ الإسلام ابن تيمية (باختصار)

قالت العرب: ”ثبِّت العرش ثم انقُش“
أولًا: لماذا ندافع عن شيخ الإسلام ابن تيمية؟
- قال د/ المقدّم:
"قد يتصور بعض الناس أننا حين نتكلم عن شيخ الإسلام أن هذا نوع من التعصب لشخص شيخ الإسلام، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق
لكن ماذا نفعل، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ..!
هو ربُّنا -سبحانه وتعالى- جعل شيخ الإسلام محطَّة تاريخية
وتقريبًا.. ما أتى أحدٌ من بعده فعلًا صادق في سلفيَّته وفي اتباع الكتاب والسنة، إلّا بصورةٍ أو بأخرى يكون نبع من سلالة شيخ الإسلام العلمية، لا أقول سلالة التناسل
لكن السُّلالة العلمية إلى اليوم، حتى أنه يصدق عليه فعلا هذا التعبير رجل لكلِّ العصور" أ.هـ
- وقال الأستاذ المفكّر مالك بن نبي:
"إنّ تراث ابن تيمية يكوّن الترسانة الفكرية، التي لا زالت تمدّ الحركات الإصلاحية بالأفكار النّموذجية إلى اليوم" أ.هـ

ثانيًا: أمّا عن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في التكفير !!
أقول -أنا-: ما رأيت بحثًا ولا رسالة ولا كتابًا في التحذير من فتنة التكفير، إلّا ووقعت عيني على هذا الكلام المبارك لشيخ الإسلام ابن تيمية
إذ يقول -رحمه الله-:
"وليس لأحد أن يكفّر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجّة وتبيّن له المحجّة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلّا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة" أ.هـ
بل..
وكان كثيرًا ما يقول: [فَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ] أ.هـ

رحمة الله عليه..
فقد سدَّ باب الإفراط في التكفير، وما زالت كلماته في هذا الباب نهرٌ مَعين لا ينضب ماءه ولا يجف
وكان يقول في آخر أيامه: "أنا لا أكفّر أحدًا من الأمة، لقول النبي ﷺ: [لا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن]
فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم" أ.هـ
بل..
وشيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي علمنا: أن التكفير لا يدخل في باب المعاملة بالمثل
فلا يجوز لك أن تكفّر من كفّرك، لأن التكفير لا يكون بالمقابلة والجزاء
حيث قال -رحمه الله-:
"فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفّرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفّرهم، لأن الكفر حكمٌ شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله" أ.هـ
بل..
حتى مع ألدّ خصومه وأعداءه، الذين سجنوه وضربوه وكفّروه وطلبوا بقتله، ورغم ذلك !!
صبر عليهم وعفىٰ عنهم ولم يكفّرهم، وكان يقول:
" هذا وأنا في سعة صدرٍ لمن يُخالفني، فإنه وإن تعدّى حدود الله فيّ، بتكفير أوتفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدّى حدود الله فيه" أ.هـ

وما فعله البكري مع شيخ الإسلام في قضية الاستغاثة، خير شاهد !!
لمّا كتب شيخ الإسلام رسالة الاستغاثة [وهي رسالة علمية بالأدلة الشرعية في حكم الاستغاثة]
كان الأليق بالعلماء الذين يختلفون معه أن يتصدوا لمثل هذه المسألة بالدليل والبرهان العلمي بعيدًا عن التكفير والحكم بالزندقة والشتائم والسُّباب
لكن الشيخ الصوفي علي البكري كان ردّه على هذه الرسالة بالحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بالكفر والزندقة والخروج عن ملّة الإسلام
ولم يكتف البكري -عفا الله عنه- بمجرد التكفير الذي ليس بعده شيء !!
بل بالغ في إيذاء شيخ الإسلام ابن تيمية بالقول والعمل، فقد قام باستعداء العوام على شيخ الإسلام، وحرّض الجند وأصحاب الدولة عليه، وشهر به وأقذع الشتيمة في حقه
وكان البكري من أشدّ الصوفية على شيخ الإسلام ابن تيمية
ففي محنة الشيخ مع الصوفية سنة 707هـ حول قضية الاستغاثة، طالب بعضهم بتعزير شيخ الإسلام، إلّا أن البكري طالب بقتله وسفك دمه
وفي سنة 711هـ تجمهر بعض الغوغاء من الصوفية بزعامة البكري، وتابعوا شيخ الإسلام ابن تيمية حتى تفردوا به وضربوه
وفي حادثةٍ أخرى تفرّد البكري بابن تيمية ووثب عليه ونتش أطواقه وطيلسانه، وبالغ في إيذاء ابن تيمية
في المقابل.. تجمّع الناس وشاهدوا ما حلّ بشيخ الإسلام من أذية وتعدي، فطلبوا البكري -الإمساك به- فهرب
وُطلب أيضًا من جهة الدّولة فهرب واختفى، وثار بسبب ما فعله فتنة !!
وحضر جماعة كثيرة من الجند ومن الناس إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لأجل الانتصار له، والانتقام من خصمه الذي كفّره واعتدى عليه
والسؤال هنـــا :
ما هو موقف شيخ الإسلام من هذا الرجل -البكري- الذي كفّره وحكم عليه بالزندقة، ثم وثب عليه وضربه ونتش أطواقه؟
حينما تجمّع الجند والناس على ابن تيمية يطالبون بنصرته، وأن يشير عليهم بما يراه مناسبًا للانتقام من خصمه البكري الصوفي
فأجابهم شيخ الإسلام بما يلي :"أنا ما أنتصر لنفسي"
فماج الناس والجند وأكثروا عليه وألحوا في طلب الانتقام، فقال لهم :
"إما أن يكون الحق لي، أو لكم، أو لله !!
فإن كان الحق لي، فهم في حلّ
وإن كان لكم، فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني، وافعلوا ما شئتم
وإن كان الحق لله، فالله يأخذ حقه كما يشاء ومتى يشاء"
ولمّا اشتد طلب الدّولة للبكري وضاقت عليه الأرض بما رحُبت هرب واختفى عند من؟!...
هرب واختفى في بيت ابن تيمية وعند شيخ الإسلام لمّا كان مقيمًا في مصر، حتى شفع فيه ابن تيمية بنفسه عن السلطان وعفا عنه
ولا يقدر على هذا إلا شيخ الإسلام !!

ثالثًا: أمّا عن موقف شيخ الإسلام من الخوارج المارقين، الذين يتلاعبون بأحكام التكفير، لتكفير كلّ من خالفهم ولم يعترف بهم ولا بدولتهم -المزعومة-
كما هو حال بعض الجماعات الصّدامية المنحرفة، مثل
فقد كان -رحمه الله- يقول عنهم: "فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ "
بل..
نقل شيخ الإسلام اتفاق الصحابة على استحلال قِتال الخوارج، وقال -رحمه الله-:
"‏اتفقَ جميعُ الصحابة على استحلالِ قتالِ الخوارج، ونَدِمَ كثيرٌ منهم -كابن عمر وغيرِه- أن لا يكونوا شهدوا قتالَهم مع أمير المؤمنين" أ.هـ

وقال: "الفساد الظاهر كان في الخوارج من سفك الدماء، وأخذ الأموال، والخروج بالسيف، فلهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم، والأحاديث في ذمّهم والأمر بقتالهم كثيرة جدًا، وهي متواترة عند أهل الحديث" أ.هـ

وقال عنهم: "ويكفّرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي ﷺ فيهم: (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)" أ.هـ

وفي الختام..
هذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية -الحقيقي- لا كما يصوّره البعض أنه مصدر التشدّد والتعصب والتكفير والإرهاب
وليس ذنب شيخ الإسلام أن هذه الجماعات الصّدامية المنحرفة قد فسّرت كلامَه تفسيرًا فاسدًا
إذن من باب أولى نقول: لقد فسَّر هؤلاء كلام الله ورسوله تفسيرًا فاسدًا، ووضعوه في غير موضعه
هل معنى ذلك.. أن الخطأ في القرآن والسنة أيضًا !!
قطعًا: لا، ولكن في سوء فهم هؤلاء المنحرفين

وصدق ابن القيم -رحمه الله-:
"سوء الفهم عَن الله وَرَسُوله أصل كلّ بِدعَة وضلالة نشأت فِي الْإِسلَام، بل هُوَ أصل كل خطأ فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع
وَهل أوقع القَدَرِيَّة والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرّافضة، وَسَائِر الطوائف أهل البدع إِلَّا سوء الفَهم عَن الله وَرَسُوله " أ.هـ

فهذا جهد المقلّ وقدرة المفلس
في الذبّ والدفاع عن الإمام العالِم الفذّ ابن تيمية الحرّاني
نوَّر الله ضريحَه ومرقدَه، وفي أعلى فرادِيس الجنان أرقده


اعرف_ابن_تيمية
ابن_تيمية_مش_إره بي
منقول بتصرف