قال القاضي نصر بن علي الجهضمي (ت 282 هـ) رحمه الله :كان في جيراني رجلٌ طُفَيلي، وكنتُ إذا دُعِيتُ إلىمَدعاةٍ رَكِبَ لركوبي، فإذا دخلنا الموضع أُكرِمَ من أَجلي، فاتّخذ جعفر بن سليمان أمير البصرة دعوة فدُعِيتُ إليها،وقلتُ في نفسي : والله إن جاء هذا الرجل معي لأخزِيَنَّه .
فلمّا أن ركبتُ رَكِبَ لركوبي، ثم دخلتُ الدارَ فدخل معي وأُكرِمَ من أجلي، فلما حضرت المائدة قلتُ :حدّثنا دُرُست بنزياد، عن أبان بن طارق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " منمشى إلى طعامٍ لم يُدعَ إليه مشى فاسقاً وأكل حراماً ".
فقال الطُّفَيليُّ : استحييتُ لك يا أبا عمرو، مثلك يتكلّم بهذا الكلام على مائدة الأمير، فليس ها هنا أحد إلاّ يظنُّأنك رميته بهذا الكلام، ثم إنك لا تستحي، فتحدِّث عن دُرُست بن زياد، ودُرُست كذّاب لا يُحتَجُّ بحديثه، عن أبان بنطارق، وأبان كان صبيًّا من صبيان أهل المدينة يلعبون،
ولكن أين أنت عمّا حدّثنا أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، عن النبيصلى الله عليه وسلّم قال : " طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة " !
قال القاضي نصر : فكأنّي أُلقِمت حجراً ! فلمّا خرجنا من الدار أنشأ الطُّفَيليُّ :
ومن ظنَّ ممّن يُلاقي الحروب
بألاّ يُصاب فقد ظنّ عجزا
" انباه الرواة على أنباه النّحاة " لابن القفطي ( 2 / 25 – 26 )