قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- في المجموع :
((وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسِ يُلْجِئُ أَصْحَابَهُ إلَى " الْقَرْمَطَةِ " فِي السَّمْعِيَّاتِ وَ " السَّفْسَطَةِ " فِي الْعَقْلِيَّاتِ)) .
قال العلامة السعدي :
[ قول الشيخ : القرمطة في السمعيات ، والسفسطة في العقليات ، يجمعهما أنهما المكابرة في إنكار ما لا ينكر ، وما يخالف الضرورة والبداهة .
والأدلة نوعان : سمعية وعقلية ، فالدليل السمعي إذا كان صحيحا صريح الدلالة ، فمن حرّف دلالته الصريحة عن مدلولها فقد قرمط ، نسبة للقرامطة الباطنية الذين يفسرون النصوص المعلومة بالضرورة لكل أحد بتحريفات ، يعلم العالم والجاهل أنها تحريف ، كتحريفهم للصلاة أنها معرفة أسرارهم ، والصيام كتمان أسرارهم ، والحج زيارة شيوخهم ، وما أشبه ذلك مما يعلم أنه مكابرة ، وإنكار للمعلوم من النصوص ، فعلم أن أعظم تحريف للنصوص مذهب القرامطة ، وكثير من أهل العلم يشاركونهم في نصوص الصفات ونحوها .
أما السفسطة فهي إنكار المحسوسات أو الشك فيها ، قيل إنه مذهب طائفة من الناس في كل شيء.
وقال الشيخ في كلام له : إنه ليس مذهب طائفة معينة ، لأنه لا يمكن استقرار طائفة معينة على إنكار المحسوسات ، وإنما يعرض لكثير من الناس في إنكار بعض المحسوسات ، أظن ذكر هذا الكلام في المنهاج.
مثال ذلك : أن يقول : هذه السماء أو الأرض أو ما أشبهها من المشاهدات الواضحة يقول : ليست السماء وليست الأرض ، أو لا أدري هل السماء أو الأرض ، ومن وصل به عقله إلى هذه الخيالات فقد أشبه المجانين ، ومع ذلك فكثير من أهل الكلام إذا تكلموا في المعقولات أنكروا الأشياء الواضحة ، فلهذا من سلك هذا المسلك في المعقولات ، قيل : سفسط ، أي أنكر المحسوس.
فالقرمطة والسفسطة نسبة للقرامطة والسوفسطائية ، يعني أن أغلط غلط في تأويل السمعيات يصل بصاحبه إلى القرمطة ، وأغلظ غلط في نفي العقليات يبلغ بصاحبه إلى مذهب السوفسطائية .
والله أعلم]اهـ.
من(الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة).ص291-294