تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فى شرح كشف الشبهات للامام محمد ابن عبد الوهاب

    (فَنَقُولُ: لاَ خِلاَفَ) بل إِجْمَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ (أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ) فَلاَبُدَّ مِن الثَّلاَثَةِ:
    -لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو المُعْتَقَدَ في قَلْبِهِ.

    -وَلاَبُدَّ أنْ يَكُونَ هو الذِي يَنْطِقُ بِهِ لِسَانُهُ.

    -ولاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو الَّذِي تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُ.
    (فَإِنِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِن هَذَا) لَوْ وَحَّدَ بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ مَا نَفَعَهُ تَوْحيِدُهُ، وَلَوْ وَحَّدَ بِقَلْبِهِ وأَرْكَانِهِ دونَ لِسَانِهِ ما نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ وَحَّدَ بِأَرْكَانِهِ دونَ البَاقِي (لِمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مُسْلِمًا) هَذَا إِجْمَاعٌ، أَنَّ الإِنْسَانَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوَحِّدًا باعْتِقَادِهِ ولِسَانِهِ وعَمَلِهِ،
    وهذه أَمْثِلَةُ اخْتِلاَلِ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.


    (فَإِنْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فهو كَافِرٌ مُعَانِدٌ) إِذَا اعْتَقَدَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ عَمِلَ بالحَقِّ بأَرْكَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الأُمَّةِ (كَفِرْعَوْنَ) كَمَا في آيَةِ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} (وإِبْلِيسَ) وَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ يَعْرِفُ الحَقَّ كَمَا قَالَ: {فَبِعِزَّتِكَ} { رب بما أغويتنى} فَكُفْرُهُمَا كُفْرُ عِنَادٍ؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ وإِبْلِيسَ يَعْرِفَانِ الحَقَّ في الجُمْلَةِ، وَقَدْ يَنْطِقُونَ بِهِ، وبَعْضُ الكُفْرِ يَكُونُ عَن جَهْلٍ وعَدَمِ بَصِيرَةٍ. (وأمثالهما) كَعُلَمَاءِ اليَهُودِ أُمَّةِ الغَضَبِ وَأَمْثَالِهِم مِمَّن يَعْلَمُ الحَقَّ وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ، (وَهَذَا) المَقَامُ مَقَامُ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّه لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ (يَغْلَطُ فيه كَثِيرٌ مِن النَّاسِ) مِنْهُم مَن إِذَا نُعِتَ له التَّوْحِيدُ (يَقُولُونَ: هَذَا حَقٌّ) وهَذَا الذي نَدِينُ اللهَ بِهِ (وَلَكِنْ) يَعْتَذِرُونَ يَقُولُونَ: (لاَ نَقْدِرُ أنْ نَفْعَلَهُ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلاَّ مَن وَافَقَهُم) يَعْنِي: ما يُوَافِقُونَ أَهْلَ بَلَدِهِ (وغَيْرَ ذَلِكَ مِن الأَعْذَارِ) الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا، يَعْنِي: لَيْسَ عَن جَهْلٍ بِهَا، مَا جَحَدُوهَا لَكِنْ آثَرُوا العَاجِلَ والحُطَامَ عَلَى الآجِلِ.(وَلَمْ يَدْرِ المِسْكِينُ أَنَّ غَالِبَ أَئِمَّةِ الكُفْرِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ إِلاَّ لِشَيْءٍ مِن الأَعْذَارِ) الَّتِي هي مِثْلُ هَذِهِ الأَعْذَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} ففي هَذَا أَنَّهُم عَرَفُوا الحَقَّ وَإِنَّمَا آفَتُهُم شَهْوَتُهُم وإِيثَارُ عَاجِلِهِم عَلَى آجِلِهِم، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ كَقَوْلِهِ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فَعُلَمَاءُ اليَهُودِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ الحَقُّ، ولَكِنْ رِيَاسَاتُهُم مَنَعَتْهُم مِن الانْقِيادِ لَهُ.
    فَمَعْرِفَتُهُم وإِقْرَارُهُم بالحَقِّ مَا نَفَعَهُم حَيْثُ تَرَكُوا العَمَلَ به والانْقِيادَ كَمَا كَانَ اليَهُودُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: (إِنَّه أَظَلََّ زَمَنُ الأَنْبِيَاءِ، وواللهِ لَئِنْ بُعِثَ نَبِيٌّ لَنُقَاتِلَنَّك ُمْ مَعَه) قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} الآيةَ.

    (فَإِنْ عَمِلَ بالتَّوْحِيدِ عَمَلاً ظَاهِرًا) جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وعَمِلَتْ بِهِ أَرْكَانُهُ (وهو لاَ يَفْهَمُهُ، أو لاَ يَعْتَقِدُه بِقَلْبِهِ) أَوْ فَهِمَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقَدْ بِجَنَانِهِ (فهو مُنَافِقٌ، وهو شَرٌّ مِن الكَافِرِ الخَالِصِ) فَإِنَّ الكَافِرَ الخَالِصَ أَتَى الشَّرَّ مِن وَجْهِهِ، ولاَ خَادَعَ وَلاَ دلَّسَ، ولاَ لَبَّسَ وَخَانَ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} يَعْنِي: تَحْتَ الكُفَّارِ، فَهُم أَشَرُّ مِن الكُفَّارِ في الآخِرَةِ.


    والنِّفَاقُ:مُشْتَقٌّ مِن نَافِقَاءِ اليَرْبُوعِ إِذَا خَالَفَ بَابَ جُحْرِهِ.

    وفي الشَّرْعِ:مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ للبَاطِن:

    -إِمَّا في الاعْتِقَادِ كَمَنْ يَقُولُ باللِّسَانِ وَيَعْمَلُ بالأَرْكَانِ ولَكِنْ مُخَالِفٌ بالجَنَانِ، فهَذَا نِفَاقٌ أَكَبْرُ نَاقِلٌ عَن المِلَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ المُنَافِقِينَ في ثلاََثَ عَشْرَةَ آيَةً مِن سُورَةِ البَقَرَةِ، بِخِلاَفِ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ كُفْرًا مِن المُنَافِقِ، والكُفَّارُ الأَصْلِيُّونَ ذُكِرُوا في آيَتَيْنِ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ.
    والقِسْمُ الثَّانِي: نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ، وهو مَا ذُكِرَ في الحَدِيثِ: ((إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ)) وصَاحِبُهُ لاَ يَكُونُ مِثْلَ الأَوَّلِ، وهو أَعْظَمُ مِن الكَبَائِرِ؛ فَإِنَّ جِنْسَ مَا أَتَى في النُّصُوصِ بِتَسْمِيَتِهِ كُفْرًا أَوْ نِفَاقًا فهو أَعْظَمُ مِمَّا أَتَى أَنَّه مَعْصِيَةٌ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا بِوَعِيدٍ؛ لأَِنَّ ذَنْبَ الشِّرْكِ والنِّفَاقِ أَعْظَمُ مِن غَيْرِه وأَقْبَحُ.

    (وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ) مَسْأَلَةُ أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ (مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ طَوِيلَةٌ) جِدًّا (تَتَبَيَّنُ لَكَ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا في أَلْسِنَةِ النَّاسِ)
    في أَحْوَالِ النَّاسِ، وَأَرَدْتَ تَحْصِيلَ ثَلاَثَةِ الأُمُورِ: كَوْنُهُم اعْتَقَدُوهُ، ونَطَقُوا بِهِ بأَلْسِنَتِهِم، وكَمَّلُوه بِأَعْمَالِهِم؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ الأَكْثَرَ لَمْ يُكْمِلُوا هَذِهِ الثَّلاَثَةَ، بل إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا وَإِمَّا اثْنَانِ (تَرَى مَن يَعْرِفُ الحَقَّ) لَكِنْ (يَتْرُكُ العَمَلَ بِهِ) وهَذَا مِثْلُ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وَمِثْلُ فِرْعَوْنَ ومِثْلُ إِبْلِيسَ (لِخَوْفِ نَقْصِ دُنْيَا أَوْ جَاهٍ أَو مُدَارَاةٍ) هَذَا قِسْمٌ.

    (و) القِسْمُ الثَّانِي (تَرَى مَن يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا) أَمَّا قَلْبُهُ فَلاَ يَصِلُ إِلَيْهِ حَقِيقَةُ الاعْتِقَادِ (فَإِذَا سَأَلْتَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ فَإِذَا هو لاَ يَعْرِفُهُ) فالأَوَّلُ كَثِيرٌ، والثَّانِي دونَهُ والثَّالِثُ قَلِيلٌ، فالذي يَعْرِفُهُ ويَنْطِقُ بِهِ كَثِيرٌ، وكَذَلِكَ الذي يَعْتَقِدُه ويَتَكَلَّمُ به كَثِيرٌ، والثَّالِثُ الذي يَعْتَقِدُ ويَعْمَلُ وَلاَ يَنْطِقُ وهو قَلِيلٌ.

    (وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِفَهْمِ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ) فَإِنَّ بِفَهْمِهِمَا يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ مِن أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ… إلخ، (أُولاَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الذِينَ غَزَوُا الرُّومَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ (قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ، تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الذي يَتَكَلَّمُ بالكُفْرِ أو يَعْمَلُ بِهِ خَوْفًا مِن نَقْصِ مَالٍ أو جَاهٍ أَوْ مُدَارَاةً لأَِحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا) وأَوْلَى وَأَحَقُّ بالكُفْرِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا وهو مِن الصَّحَابَةِ. أَفَالصَّحَابَة ُ الَّذِينَ قَالُوهَا يَصِيرُونَ كُفَّارًا وهؤلاء لاَ يَصِيرُونَ كُفَّارًا؟!

    (والآيَةُ الثَّانِيَةُ) مِن الآيَتَيْنِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى مُرَادِ المُصَنِّفِ أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ… إلخ، (قَوْلُه تَعَالَى: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ}) أي: مَن صَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} أي: إِلاَّ مَن كَانَ فِي حَقِّهِ شَرْطَانِ:


    الأَوَّلُ: الإِكْرَاهُ، فَلاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا.

    وَالثَّانِي: كَوْنُ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا سَاكِنًا بالإِيمَانِ (فَلَمْ يَعْذِرِ اللهُ) لَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ (مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَن أُكْرِهَ مَعَ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ).
    والإِكْرَاهُ كَوْنُه وَصَلَ إِلَى حَدٍّ يَخْشَى عَلَى نَفِسِه القَتْلَ أو وَلَدِهِ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْطِقَ بكَلِمَةِ الكُفْرِ التي أُكْرِهَ عَلَيْهَا بِشَرْطِ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ؛ أي: مُعْتَقِدَ الحَقِّ بِجَنَانِهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لَمَّا أُكْرِهَ طَاوَعَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَكُنْ مُطْمَئِنًّا فهو مِن أَهْلِ الكُفْرَانِ.


    وأَمَّا غَيْرُ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ سَواءٌ فَعَلَهُ خَوْفًا أَوْ مُدَارَاةً أو مَشَحَّةً بوَطَنِهِ أو أَهْلِهِ أو عَشِيرَتِهِ أو مَالِهِ، أو فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ المَزْحِ، أو لِغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَغْرَاضِ، إِلاَّ المُكْرَهَ.

    (والآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا) أنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ (مِن جِهَتَيْنِ: الأُولَى قَوْلُهُ: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}فَلَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ إِلاَّ المُكْرَهَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يُكْرَهُ) لاَ يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ الإِكْرَاهُ إِلاَّ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ (إِلاَّ عَلَى العَمَلِ أو الكَلاَمِ، وَأَمَّا عَقِيدَةُ القَلْبِ فَلاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ) فَإِذَا فَعَلَ وصَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِعْدَ إِيمَانِهِ.
    (والثَّانِيَةُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ المُصَنِّفِ أَنَّها تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِن جِهَتَيْنِ وتَقَدَّمَت الجِهَةُ الأُولَى،
    وهذه الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ} البَاءُ للسَّبَبِ، يَعْنِي ذَلِكَ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِم {الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} يَعْنِي: الجَنَّةَ.(فَصَرَّحَ أَنَّ هَذَا الكُفْرَ والعَذَابَ) المَحْكُومَ به عَلَيْهِم في هذه الآيَةِ والمُتَرَتِّبَ عَلَى مَا صَدَرَ منهم
    (لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الاعْتِقَادِ أو الجَهْلِ أو البُغْضِ للدِّينِ ومَحَبَّةِ الكُفْرِ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ) أي: صَدُورُ الكُفْرِ مِنْه، أنَّه تَكَلَّمَ بالكُفْرِ لسَبَبٍ وهو أنَّ له في التَّكَلُّمِ بالكُفْرِ شَيْئًا وَاحِدًا، وهو (أَنَّ لَهُ في ذَلِكَ حَظًّا مِن حُظُوظِ الدُّنْيا) يَحْصُلُ له فَيَرْتَكِبُ هَذَا المَحْظُورَ لأَِجْلِ أَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ له مَطْلُوبُه إِلاَّ -والعِيَاذُ باللهِ- بإِيثَارِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا (فآثَرَهُ عَلَى الدِّينِ) عَلَى الآخِرَةِ.



    فالإنسانُ الذي يُلْجِئُه مَن يُلجئُه إلى أَنْ يَصْدُرَ منه الكُفْرُ له حَالاَتٌ:
    أَحَدُهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ ويَصْبِرَ عَلَيْهَا، فهذه أَفْضَلُ الحَالاَتِ.


    الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْطِقَ بِلِسَانِهِ مَعَ اعْتِقَادِ جَنَانِهِ الإيمانَ، فَهَذَا جَائِزٌ له تَخْفِيفًا ورَحْمَةً.

    الثَّالِثَةُ: أَنْ يُكْرَهَ فيُجِيبَ ولاَ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بالإيمانِ؛ فَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ وهوكافرٌ.

    الرَّابِعَةُ: أَنْ يُطْلَبَ منه ولا يُلْجَأَ؛ فَيُجِيبَ مَا وَصَلَ إلى حَدِّ الإِكْرَاهِ ولَكِنْ يُوَافِقُ بِلِسَانِهِ، وقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهذا كافرٌ.
    الخَامِسَةُ: أنْ يُذْكَرَ له ولا يَصِلَ إلى حَدِّ الإكْرَاهِ، فيُوافِقُ بِقَلْبِهِ ولِسَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ.(واللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَعْلَم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل

    قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح كشف الشبهات

    خَتَمَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- هذه الرِّسَالَةَ بِمَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ يَجِبُ تَفَهُّمُهَا وتَعَقُّلُهَا؛ لأَِنَّه إِذَا فَهِمَهَا الإِنْسَانُ فإنَّه يُدْرِكُ أَخْطَاءَ النَّاسِ في العَقِيدَةِ،
    وهذه المَسْأَلَةُ هي أنَّ التَّوْحِيدَ يَكُونُ بالقَوْلِ والعَمَلِ والاعْتِقَادِ،
    لاَبُدَّ مِن هذه الأُمُورِ الثَّلاَثَةِ،
    فإِذَا اجْتَمَعَتْ هذه الأُمُورُ الثَّلاَثَةُ صَارَ الإِنْسَانُ مُوَحِّدًا مُؤْمِنًا باللهِ ورَسُولِهِ،
    وإذا اخْتَلَّ واحِدٌ منها لم يَكُنْ مُؤْمِنًا ولا مُوَحِّدًا،
    فإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ بِقَلْبِهِ ويَعْرِفُ أنَّه (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ) وأَنَّ عِبَادَةَ مَا سِوَاهُ باطِلَةٌ، ولَكِنَّهُ لاَ يَعْمَلُ به بِجَوَارِحِهِ، ولاَ يُقِرُّ بِهِ بِلِسَانِهِ، فهذا كَافِرٌ مِثْلَ فِرْعَوْنَ، فإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مُعْتَرِفًا بالتَّوْحِيدِ في قَلْبِهِ، وأَنَّ مَا جَاءَ به مُوسَى هو الحَقُّ، ولَكِنَّه تَرَكَ العَمَلَ به، وتَظَاهَرَ بِخِلاَفِهِ وجَحَدَهُ تَكَبُّرًا وعِنَادًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ}.


    وقَالَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لفِرْعَوْنَ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاَءِ إلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} لَقَدْ عَلِمْتَ، أي: عَرَفْتَ بِقَلْبِكَ مَا أَنْزَلَ هذه الآياتِ الَّتِي جِئْتُكَ بِهَا إلاَّ ربُّ السَّماواتِ والأَرْضِ بَصَائِرَ للنَّاسِ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مُسْتَيْقِنًا بِقَلْبِهِ صِدْقَ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وإنَّما جَحَدَ ذلك وتَظَاهَرَ بِجَحْدِهِ، كَحَالِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} دَلَّت الآيَةُ عَلَى أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ يُصَدِّقُونَ بالرَّسُولِ بِقُلُوبِهِم، ولكن يَجْحَدُونَ ذَلِكَ بظَوَاهِرِهِم وأَلْسِنَتِهِم، وكَمَا قَالَ اللهُ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- في اليَهُودِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} يَعْرِفُونَ هذا بِقُلُوبِهِم، ويَتَظَاهَرُونَ بالكِتْمَانِ والجُحُودِ، مَعَ تَيَقُّنِهِم في قُلُوبِهِم بأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وأَنَّه جَاءَ بالحَقِّ مِن عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولَكِنْ مَنَعَهُم الكِبْرُ والحَسَدُ مِن اتِّبَاعِهِ، واعْتِقَادُهُم بقُلُوبِهِم لا يَنْفَعُهُم، وهم كُفَّارٌ مُخَلَّدُونَ في النَّارِ.

    وكثيرٌ مِن عُبَّادِ القُبُورِ اليَوْمَ عَلَى هذا، يَقولُون: نَعْرِفُ أنَّ الَّذي تَقُولُونَ هو التَّوْحِيدُ، ولكنْ مَا نَقْدِرُ أَنْ نُخَالِفَ أَهْلَ بَلَدِنَا؛ لأَِنَّ أَهْلَ بَلَدِنَا عِنْدَهُم أَضْرِحَةٌ واسْتِغَاثَةٌ بالأَمْوَاتِ، ولا نَقْدِرُ أَنْ نُخَالِفَهُم لأَِجْلِ أَنْ نَعِيشَ مَعَهُم، وَلاَ نَقْدِرُ عَلَى مُجَابَهَةِ النَّاسِ، فَهُم يُوَافِقُونَ الكُفَّارَ والمُشْرِكِينَ عَلَى عَقَائِدِهِم.

    إمَّا أنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِم وهم يَعْتَقِدُونَ بُطْلاَنَ ذلك، وإمَّا أنْ لا يُنْكِرُوا عَلَيْهِم ولا يُبَيِّنُوا الحَقَّ، هذا هو واقِعُهُم الآنَ، ويَقُولُونَ لِمَن دَعَاهُم إلى الحَقِّ: هذا الرَّجُلُ خَارِجِيٌّ، وهذا الرَّجُلُ جَاءَ بِمَذْهَبٍ خَامِسٍ،وهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ما جَاءَ به هو ما جَاءَ به الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو مُقْتَضَى الكِتَابِ والسُّنَّةِ، يَعْرِفُونَ هَذَا وإنَّمَا حَمَلَهُم الحَسَدُ أو الكِبْرُ أو الطَمَعُ في أُمُورِ الدُّنيا؛ لأَِنَّهم يَظُنُّونَ أَنَّهم إِذَا وَافَقُوا عَلَى هذا الحَقِّ وقَبِلُوه، سَيَخْسَرُونَ رِئَاسَتَهُم، ويَخْسَرُونَ أَمْوَالَهُم، ويَخْسَرُونَ جَاهَهُم عِنْدَ النَّاسِ.

    والجَانِبُ الثَّانِي:


    مَن وَافَقَ في الظَّاهِرِ ونَطَقَ بالتَّوْحِيدِ وقَالَ: هذا هو الصَّحِيحُ وهذا هو الحَقُّ وصَلَّى وصَامَ وصَارَ مَعَ المُسْلِمِينَ، لكن في قَلْبِهِ لاَ يَعْتَقِدُ هذا، ويَعْتَقِدُ أنَّ هذا خُرَافَاتٌ، وأَنَّهُ تَقَالِيدُ بَالِيَةٌ، فهو لَمْ يَعْمَلْ به ولَمْ يَتَكَلَّمْ به إِيمَانًا؛وإنَّما عَمِلَ به وتَكَلَّمَ به نِفَاقًا، كحَالَةِ المُنَافِقِينَ الَّذينَ هم في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِن النَّارِ؛ لأَِنَّهم يَقُولُونَ بأَلْسِنَتِهِم ما ليس في قُلُوبِهِم: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}.
    فالنَّاسُ مَعَ التَّوْحِيدِ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ:
    القِسْمُ الأَوَّلُ: مَنْ يَعْرِفُه ويُؤْمِنُ به بَاطِنًا ويَجْحَدُه ظَاهِرًا ويُنْكِرُه.
    القِسْمُ الثَّانِي:مَن يَتَكَلَّمُ به ويَعْمَلُ به ظَاهِرًا ويُنْكِرُه ويَكْفُرُ به باطِنًا.
    القِسْمُ الثَّالِثُ: مَن يَعْتَقِدُه بَاطِنًا وَيَعْمَلُ به ظَاهِرًا، والقِسْمَانِ الأَوَّلاَنِ كَافِرَانِ خَاسِرَانِ، والقِسْمُ الثَّالِثُ مُؤْمِنٌ مُفْلِحٌ.

    نعم إِذَا عَرَفْتَ هذه القَاعِدَةَ وهي مَعْرِفَةُ مَا يَحْصُلُ به الإيمانُ الصَّحيحُ؛ فإنَّه يَجِبُ أَنْ تَعْرِفَ مَا يُضَادُّهَا مِن الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ، ومِن ذلك الكَلاَمُ الَّذي يَتَكَلَّمُ به الإنسانُ وهو مِن نَوَاقِضِ الإِسْلاَمِ، لَكِنَّه يَمْزَحُ بِه فإنَّه يَكْفُرُ ولو كَانَ لَيْسَ جَادًّا في كَلاَمِهِ.

    فالدِّينُ لَيْسَ فيه مَزْحٌ،والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ هؤلاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في غَزْوَةِ تَبُوكَ لغَزْوِ الرُّومِ، لَمَّا بَلَغَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنَّ الرُّومَ يُجْمِعُونَ عَلَى غَزْوِ المُسْلِمِينَ، فالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَادَرَ في وَقْتِ الحَرِّ وشِدَّةِ القَيْظِ والصَّيْفِ، ووَقْتِ طِيبِ الثِّمَارِ، والمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ مِن المَدِينَةِ إلى تَبُوكَ، وأَنَّ نَاسًا مِن الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- جَلَسُوا في مَجْلِسٍ يَمْزَحُونَ.

    قَالَ واحِدٌ منهم:ما رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هؤلاء أَرْغَبَ بُطُونًا ولا أَكْذَبَ أَلْسِنَةً ولا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، يَعْنُونَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وأَصْحَابَهُ، وكَانَ في المَجْلِسِ غُلاَمٌ مِن الأَنْصَارِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وقَالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فَلَمَّا ذَهَبَ هَذَا الفَتَى لِيُخْبِرَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وَجَدَ الوَحْيَ قد سَبَقَهُ، ونَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قولُه تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فَجَاءَ هؤلاء إلى الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يَعْتَذِرُونَ ويَقُولُونَ: يا رَسُولَ اللهِ، مَا قَصَدْنَا إلاَّ المَزْحَ، حَدِيثُ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ عَنَاءَ الطَّرِيقِ، وَلاَ يَزِيدُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- على تِلاَوَةِ الآيةِ ولا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِم.

    فإِذَا كَانَ هؤلاء كَفَرُوا باللهِ وارْتَدُّوا -وكَانُوا مُسْلِمِينَ- بِسَبَبِ كَلِمَةٍ قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ، فكيف بِمَنْ يَقُولُ كَلاَمَ الكُفْرِ لاَ مِن بَابِ المَزْحِ، وإنَّما مِن بَابِ المُحَافَظَةِ عَلَى مَالِهِ وعَلَى جَاهِهِ وعَلَى مَكَانَتِهِ، وهذا شَرٌّ مِن المَازِحِ؛ لأَِنَّه اشْتَرَى الحَيَاةَ الدُّنيا بالآخِرَةِ.

    فالحَاصِلُ أنَّ الَّذي يَتَكَلَّمُ بكَلِمَةِ الكُفْرِ لاَ يَخْلُو مِن أَرْبَعِ حَالاَتٍ:

    الحَالَةُ الأُولَى: أَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا ذلك بِقَلْبِهِ فَهَذَا لاَشَكَّ في كُفْرِهِ.
    الحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لاَ يَكُونَ مُعْتَقِدًا بذلك بقَلْبِهِ ولَمْ يُكْرَهْ عَلَى ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ فَعَلَهُ مِن أَجْلِ طَمَعِ الدُّنيا، أو مُدَارَاةِ النَّاسِ ومُوَافَقَتِهِم ، فهذا كَافِرٌ بِنَصِّ الآيةِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ}، وكذلك في فِعْلِ الكُفْرِ والشِّرْكِ مُوَافَقَةً لأَِهْلِهِ، وهو لاَ يُحِبُّه وَلاَ يَعْتَقِدُه بقَلْبِهِ، وإنَّما فَعَلَهُ شُحًّا بِبَلَدِهِ أو مَالِهِ أو عَشِيرَتِهِ.
    الحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَازِحًا ولاَعِبًا كَمَا حَصَلَ مِن النَّفَرِ المَذْكُورِينَ.
    الحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ مُكْرَهًا لا مُخْتَارًا، وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ، فهذا مُرَخَّصٌ له في ذلك دَفْعًا للإكْرَاهِ، وأَمَّا الأَحْوَالُ الثَّلاَثُ المَاضِيَةُ فإِنَّ صَاحِبَهَا يَكْفُرُ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الآياتُ.

    وفي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الإنْسَانَ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بالكُفْرِ ولَوْ قَالَ كَلِمَةَ الكُفْرِ، أَوْ فَعَلَ أَفْعَالَ الكُفْرِ، حَتَّى يُعْلَمَ مَا في قَلْبِهِ، وهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ للنُّصُوصِ.

    وذَكَرَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- قَاعِدَةً عَظِيمَةً في الإِكْرَاهِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ، والَّذِي لاَ يُعْذَرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يُكْرَهُ إلاَّ عَلَى العَمَلِ أو الكَلاَمِ، وأَمَّا عَقِيدَةُ القَلْبِ فَلاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَيْهَا)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل

    قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح كشف الشبهات
    قال: (ولكن نُفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها) (لعظم شأنها) لأنها بها يفرق بين المؤمن والمنافق، كما سيأتي إن شاء الله.(ولكثرة الغلط فيها) لأن الذين زعموا أنهم من أهل التوحيد وأنهم أقروا به في زمن الشيخ -رحمه الله- غلطوا في ذلك وظنوا أن الإقرار بالتوحيد يكفي عن أن يتركوا الشرك ، وقالوا: نعم، هذا الذي قاله محمد بن عبد الوهاب حق، وهذه دلالات النصوص صحيحة، ولكنهم لم يتركوا الشرك عملاً ولم يتبرءوا منه عملاً مداراةً لقومهم، أو خوفاً على مال، أو جاه، أو ما أشبه ذلك.
    لهذا قال: (ولكثرة الغلط فيها) يعني في زمانه وفي كل زمان يشبه زمانه [نعم ].(فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً).

    قوله: (لا خلاف) يعني: عند أهل السنة والجماعة؛
    لأن أهل السنة والجماعة عندهم الإيمان ثلاثة أشياء، مسماه يقع على ثلاثة أشياء:

    1-الاعتقاد الباطن.
    2-والقول باللسان.
    3-والعمل بالأركان.
    فالإيمان عندنا هو اعتقاد بالجنان، وهذه هي النون الأولى، والقول باللسان، وهذه هي النون الثانية، والعمل بالأركان.
    والإيمان أركانه ستة، وأعظمها وأولها: الإيمان بالله.
    والإيمان بالله منقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1-إيمان بتوحيد الله في ربوبيته.
    2-وإيمان بتوحيد الله في إلهيته.
    3-وإيمان بتوحيد الله في أسمائه وصفاته.
    فإن أقر بقلبه بتوحيد الربوبية والألوهية، ونطق بلسانه بتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، لكنه لم يعمل بتوحيد الألوهية،فلا خلاف أنه فقد ركناً من أركان الإيمان إذ لم يعمل بالإيمان بالله؛
    لأن الإيمان بالله فيه توحيد الله في العبادة،
    فإذا أشرك مع الله -جلَّ وعلا- إلهاً آخر فإنه لا خلاف - كما ذكر الإمام رحمه الله - أنه لم يصر مسلماً بإيمانه بكل الأركان إذا فقد العمل بتوحيد الإلهية.

    ولهذا قال: (فإن اختل شيء من هذا) يعني: من هذه الثلاثة مجتمعة،
    أن يكون بالقلب، والمقصود به
    قول القلب، وهو اعتقاده.


    وقولنا:قول القلب، هذا سماها بعض السلف، سمى الإخلاص والاعتقاد قول القلب، وهذه تسمية اصطلاحية، وإلا فإن القول لا ينسب للقلب لفظاً،
    وإنما قيل: قول القلب للتقسيم ما بين العمل والقول،
    فالقول قسيم العمل، ولما كان للقلب عمل بالاتفاق سموا ما ليس من عمل القلب قول القلب لاكتمال التقسيم،
    ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تعالى يقول في مواضع عن الإخلاص والاعتقاد،
    يقول: (هو الذي يسميه بعضهم قول القلب، وهذا ظاهر).

    المقصود: أن قول الشيخ رحمه الله: (لا بد أن يكون بالقلب) يعني: الإيمان يكون بالقلب الذي هو الإقرار بتوحيد الله -جل وعلا-والعلم بذلك وإخلاص الدين لله جل وعلا، إخلاص الإقرار، يعني: ألا يكون مقراً كحال المنافقين، بل أن يكون في اعتقاده مخلصاً، أو كحال المستكبرين، أو ما أشبه ذلك.(واللسان) يعني: أن يشهد بما دل عليه الإيمان، والشهادة عند السلف فيما فسروا به موارد الشهادة في القرآن كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} وكقوله: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وأشباه ذلك.
    فسروا الشهادة بأنها اعتقاد ونطق وإعلام وإخبار،
    فالشهادة ليست هي القول وحده، وليست هي الاعتقاد وحده، بل لا بد أن يعتقد وأن يقول وأن يُعلم غيره بذلك،
    إلا إذا كان ثَمَّ ما يُرخص به فيكتمان الإيمانفي مواضعه،
    فالشهادة تضم هذا،
    ولهذا صار قول اللسان هذا جزءاً من الإيمان.

    هناك اعتقاد بالجنان وقول باللسان، والعمل بالأركان،يعني: بما دل عليه.
    إذا تقرر هذا:
    فمن المتقرر أيضاً عند أهل السنة والجماعة بلا خلاف بينهم أن الإيمان لا يصح من أحدٍ إلا بقدر يصحح هذا الإيمان من الإسلام.

    وكذلك من المتقرر عندهم باتفاق أن الإسلام لا يصح من أحد - يعني: العمل بالأركان الأربعة العملية وغير ذلك - إلا بقدر من الإيمان هو القدر المجزئ، وهذا القدر المجزئ من الإيمان الذي به يصح الإسلام هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، على القدر المجزئ.
    وإيضاح ذلك له موضعه، وأوضحناه مراراً، يعني: القدر المجزئ بالإيمان بالله، والقدر المجزئ بالإيمان بالرسل، القدر المجزئ بالإيمان بالكتب، إلى آخر ذلك.

    فلا يصح إسلام أحد حتى يأتي بقدرٍ مجزئ من الإيمان به يُسمى مسلما،
    فلا يُتصور أن يكون ثم مسلم ليس معه إيمان البتة، أو ثم مؤمن ليس معه إسلام البتة،
    بل لا بد في الإسلام من إيمان يصحح ذلك الإسلام، ولا بد في الإيمان من إسلام يصحح ذلك الإيمان، يعني: قدراً مجزءاً،

    إذا تقرر هذا بلا خلاف: تنبهتَ لدقة المصنف -رحمه الله- إذ قال: (فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً) و لم يقل (مؤمناً) لسببين:

    الأول: أنه لو نفى الإيمان قد يُتوهم أنه يثبت الدرجة التي هي أقل منه وهي الإسلام، وهذا غير مراد، فنفى الأقل حتى لا يتوهم المعنى الباطل.
    السبب الثاني: أن نفي الإسلام؛ لأنه أتى بعبادات ولكن لم يأت الإيمان المصحح لها، فنُفي عنه الإسلام؛ لأنه وإن كان أتى بظاهر الإسلام لكن لم يأت بالتوحيد الذي دلت عليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ففيه الركن الأول من الإسلام، وكذلك لم يحقق الإيمان الذي هو بالقلب واللسان والعمل.
    إذا تبين لك ذلك؛ففصَّل بعد ذلك الإمام -عليه رحمة الله تعالى- بقوله: (فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند، كفرعون، وإبليس، وأمثالهما).
    وتقرير هذا: أن الكفر عند أهل السنة والجماعة، الكفر يكون إخراجاً مما هو ضده الذي هو الإيمان،
    فالإيمان إذا كان فيه اعتقاد وقول وعمل
    فضده الكفر، يكون باعتقادٍ يضاد الاعتقاد، وبقول يضاد القول، وبعمل يضاد العمل؛
    ولهذا مورد الكفر يكون بالاعتقاد، ويكون بالقول، ويكون بالعمل؛ لأن الكفر ضد الإيمان،
    ويتصور أن يكون المرء يعتقد اعتقاداً حقاً لكن لا يعمل،
    فليس إذاً داخلاً في الإيمان،
    فهؤلاء هم المستكبرون، والاستكبار أحد نوعي الكفر؛ لأن الذين كفروا على قسمين:

    -منهم من كفر بعد علم، هؤلاء هم المستكبرون {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
    وقال -جلّ وعلا- في فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}.
    وقال -جلّ وعلا- أيضاً عن فرعون، في آخر سورة الإسراء، في قيل موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً}قال: {لَقَدْ عَلِمْتَ}فعلمه حاصل بذاك، فإذاً حين كفر لم يكفر عن جهل، وإنما عن إباء واستكبار، وكذلك أبو جهل، وكذلك صناديد قريش سمعوا القرآن وعلموا حجته، لكن صدهم عن ذلك الإباء والاستكبار {وقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.

    والقسم الثاني

    مما يكون به الكفر: الإعراض،والإعراض قد يكون إعراضاً بعد علمٍ، وقد يكون إعراضاً عن العلم، قال جل وعلا:{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}وهذا في الإعراض الذي هو إعراض عن العلم، كذلك إعراض بعد علم كما في آيات أخر.

    فإذاً: العلم - بالاتفاق - لا يكفي في صحة الدين حتى يعمل بما دل عليه العلم، عَلِم التوحيدَ فلم يعمل به هذا مستكبر، عَلِم الحق الذي هو الإيمان بأركانه فلم يعمل بما دل على ذلك فهو مستكبر، لم يعلم أصلاً مع تمكنه من العلم ولكن أعرض فهذا معرض، فإذا أعرض عن التوحيد مع التمكنفهذا معرض، وهو غير عامل بالتوحيد وغير معتقد له، فلا يكون مؤمناً، لابد من اجتماع الإيمان بحدوده، يعني: الإيمان الذي هو في القلب - وهوالاعتقاد - وقول اللسان وعمل الأركان.
    قال: (فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند) وتعبيره هنا -رحمه الله- بقوله: (فإن عرف التوحيد ولم يعمل به) فيه إشارة إلى أن معرفة التوحيد لمن لم يعمل به أنسب من أن يقال: عَلِم التوحيد؛ لأن المعرفة في القرآن أكثر ما جاءت على سبيل الذم، كما في قوله جل وعلا: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}{ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} ونحو ذلك من الآيات.
    فمن رد الحق نقول: عرفه ورده، وإن قلنا: عَلِمَه ورده فلا بأس؛ كما قال جل وعلا: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} قال رحمه الله: (وهذا يغلط فيه كثير من الناس، يقولون: إن هذا حق، ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق؛ ولكن لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم) يعني: أن هذا الأمر وهو ما عليه كثير من الناس يقولون: (هذا حق ونحن نفهم هذا الشيء الذي هو دلالة التوحيد، وأن الله -جل وعلا- هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه، وأن صرف العبادة لغير الله بأنواعها، من الدعاء وأنواع الدعاء، الاستغاثة، والاستعاذة، وأنواع الطلب، والذبح، والنذر، والرجاء، والخوف، رجاء العبادة وخوف السر، ومحبة العبادة، وأشباه ذلك.
    نعلم أنها حق لله جل وعلا؛ لكن لو لم نفعل ما يوافق أهل البلد لما تمكنا من الحياة، فلا بد أن نوافقهم في الشرك) ففعلوا الشرك مع علمهم بالتوحيد وهذا لا ينجيهم؛ لأنهم علموا فلم يعملوا بالتوحيد، فمن علم حق الله -جل وعلا- في توحيده ولم يعمل به فهذا كافر، مثل ما ذكر الإمام، قال: (فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند) يعني: مستكبراً.(ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم) يعني: ما يمشي عند أهل البلد الذين نسكن فيهم ونسكن معهم، ما يمشي فيهم إلا الذي يوافقهم، لو عاندناهم وخالفناهم لصارت علينا مصائب، أو غير ذلك من الأعذار.
    قال: (ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر، يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} وغير ذلك من الآيات كقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}). (ولم يدر المسكين) وحقاً هو مسكين، بل هو أكثر المساكين في عقله، وفي عدم معرفته بمصلحته وما يؤول إليه أمره.

    قال: (لم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق) الأكثر في الناس، في أئمة الكفر المعرفة والعلم بالحق؛ لكن تركوه إباءً واستكباراً،لم يتركوه عن شبهة قائمة، لم يتركوه عن عدم علم به أو إعراض عنه، إنما تركوه بعد العلم به، بعد المعرفة به.

    قال: (لم يدرِ المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق) ولاحظ استعمال كلمة (يعرفون) مرة أخرى.

    قال: (ولم يتركوه إلا لشيءٍ من الأعذار) لهم عذرهم، الأعذار تختلف، فهذا عذره أن يوافق أهل البلد، وهذا عذره أن يعيش، وهذا عذره أن يأكل هو وأولاده، وهذا عذره كذا، وهذا عذره كذا.

    وإذا كان الله -جل وعلا- لم يعذر طائفة من أهل الإسلام في مساكنة المشركين وعدم الهجرة؛ مع أنهم لم يعملوا الشرك ولم يوافقوا أهل الشرك في الشرك، فأنزل الله -جل وعلا- فيهم قوله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.

    مع أن هؤلاء ليسوا مشركين، ولكنهم تركوا الهجرة مع القدرة على الهجرة، وعدم القدرة على إظهار الدين، يقدرون على الهجرة؛ لأن الله استثنى المستضعفين جل جلاله، ولم يقدروا أن يظهروا الدين، وإنما تعبدوا بالتوحيد وسكتوا ولم يهاجروا؛ في أرض لم يستطيعوا أن يظهروا فيها التوحيد، فتوعدهم الله -جل وعلا- بقوله: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} فكيف بمن مكث في بلد لايستطيع فيها أن يظهر الدين، وأعظم من ذلك أنه يعمل بالشرك والكفر موافقة لأهل البلد من غير إكراه، والله -جل وعلا- قال في سورة النحل: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} فاستثنى المكره.

    وأما هؤلاء الذين وصفهم الشيخ -رحمه الله- فكل واحد يعتذر بعذر، وكذلك أئمة الكفر كل واحد له عذر، هذا عذره جاهه، وهذا ماله، وهذا عذره أنه يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، وهذا عذره، وهذا عذره،والكل يجتمعون في أنهم علموا وعرفوا الحق، ولكنهم فعلوا وعملوا الشرك، ولم يعملوا التوحيد، قال: (كما قال تعالى: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} وغير ذلك من الآيات كقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}).

    ثم قال: إن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}).

    قال: (فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق)؛ لأن الإيمان كما ذكرنا بتوحيد الألهية ثلاثة أقسام لابد منها مجتمعة:
    1-اعتقاد بالقلب.

    2- وقول باللسان.
    3-وعمل بالأركان.
    فإن هو عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً موافقاً للناس لكنه لا يعتقد ذلك بقلبه، لا يعتقد أن هذا الحق، وأن ما عليه أهل الشرك هو الباطل، لا يعرف الطاغوت، ولم يكفر به، يعني: لم يتبرأ من عبادة غير الله جل وعلا، فهذا حاله كحال المنافقين؛ لأنه أحسن الظاهر، وفي الباطن لم يقم شرط الباطن وهو العلم.

    المنافق في الباطن مخالف،ففاته شرط الاعتقاد؛ لأنه اعتقد اعتقاداً مخالفاً،
    وهذا الذي عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً، ولا يفهمه في الباطن ولا يعتقده فاته أن يكون في الباطن معتقداً للحق أصلاً،
    لم يعتقد خلافه، لكن لم يعتقد الحق، وإنما يفعله كما يفعله أهل بلده، فهذا منافق أيضاً.

    قال: (وهو شر من الكافر الخالص {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}) لأن حاله حال أهل النفاق عمل شيئاً بلا قصد، عمل شيئاً بحركة آلة دون اعتقاد، وهذا في هذه الأزمنة نادر؛
    لأن الذي يعمل بالتوحيد مع وجود الشرك وأهله فهو قاصد للعمل بالتوحيد.


    قال: (وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا) يخاف أن تنقص دنياه، لا أن يصير فقيراً، بل حتى نقص الدنيا، يوافق أهل الشرك على شركهم، ويتعبد معهم بالشرك لأجل ألا تنقص دنياه، مثل ما حصل لأمير العيينة في وقت الشيخ لما قال له والي الإحساء أو أمير الأحساء: (إنك إذا وافقت الشيخ على ما هو عليه وأقمته عندك سوف أقطع عنك الخراج) فقال للشيخ: (أنا ما أقدر أن يقطع عني الخراج، كيف أعيش وأُعيش أهل البلد؟) وأوصاه بقتله، فأخرجه من البلد وبعث خلفه بأحد العبيد ليقتله.
    هذا لخوف نقص دنيا، يخاف أن تنقص دنياه.(أو جاه) يخاف ألا يكون معظماً من كل الناس؛ ينقسم عليه الناس، ناس يرضون وناس لا يرضون، هذا نقص في الجاه، فيعمل بالشرك والكفر لكي يرضي طائفة من الناس، وهو يعلم الحق ولكن يريد بفعله الكفر والشرك أن يرضي طائفة، فهذا أيضاً لم يعمل بالتوحيد، وإنما علم وترك.(أو مدارة لأحد) يعني: مجاملات، جامل شيخه، جامل أمير بلده، جامل رئيس البلد، إلى آخره، كما يحصل عند طوائف من الصوفية، بعض مريديهم يدرك الحق لكن يجاملون مشايخهم فيما هم عليه من الضلالات الكفرية.
    قال -رحمه الله- بعد ذلك: (وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً) هذا قسم ثاني من الناس.(ترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقده بقلبه فإذا هو لا يعرفه) يعني: وقع منه هذا الشيء اتفاقاً، يعمل بالتوحيد، (ما أحب هذه الأشياء ولا أحب هذه الخرافات)طيب: تعتقد التوحيد؟ تعتقد بطلان الشرك؟.

    فيقول:لا، ما أدري، كيف؟ يعني: يقول:هذه أشياء الناس كل واحد يعملها، هؤلاء عقولهم ناقصة أو سمِّها بما تسميها.

    فهو يعمل بالتوحيد لكن لا يعتقد أن التوحيد هو الحق، وأن غيره باطل، لا يتبرأ من الكفر، لا يتبرأ من الطاغوت،لا يكفر بالطاغوت،
    فهذا فاته شرط لصحة التوحيد وهو الكفر بالطاغوت
    ، وهو اعتقاد أن عبادة غير الله -جل وعلا- باطلة، وأنها شرك.


    لابد أن يعتقد أن عبادة غير الله شرك، فإذا عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يعتقد أن عبادة غيره شرك، فإن هذا كما ذكر الشيخ - منافق، أو له أحكام المنافقين؛ لأنه لم يعتقد بقلبه أن عمله هذا الذي هو التوحيد عمل واجب.

    قال رحمه الله ورفع درجته: (ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله، أولاهما: قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}) قال: (فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أويعمل به خوفاً من نقص مالٍ أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها).

    وهذه الآية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}، هذه الآية فيها أن كفرهم كان بسبب الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله.

    وقول الإمام -رحمه الله- هنا: (فإذا تحققت أن بعض الصحابة) هذه راجعة إلى الظاهر من حال أولئك، فإن أولئك الذين تكلموا بتلك الكلمة ظاهرهم محكوم بإسلامهم وحالهم أنهم يعدون مع الصحابة، وإلا فإنهم منافقون ظهر نفاقهم بذلك الاستهزاء.

    وهذه مسألة حصل فيها خلاف بين أهل العلم،فمن قائل: إنهم ليسوا منافقين، وقال الجمهور من المفسرين وأهل العلم: إنهم منافقون.
    والصواب من القولين في ذلك: أن أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم بالاستهزاء أنهم منافقون، وهم في الأصل منافقون، ودل هذا على نفاقهم، والاستهزاء كفر؛ لأنه يدل على عدم تعظيم الله جل وعلا، وعدم توقيره، والاستهانة بالله وبآياته وبرسوله؛ لأن المعظِّم المبجِّل لا يستهزئ بمن عظمه وبجله، بل يكون له في قلبه المقام الأعظم بحيث لا يستهزئ به، ولا يستنقصه، ولا يسبه إلى آخر ذلك.
    ودل على أن المراد بهم المنافقون، أوجُه:
    الأول: أن الآية يفهم معناها بدلالة السياق والسباق، وهذه الآية أولها: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} والضمير لابد أن يرجع إلى مذكور معلوم، والآية قبل هذه الآية هي قوله جل وعلا: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا} يعني: أيها المنافقون {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.
    فدل إرجاع الضمير على الآية قبلها أن المراد بذلك المنافقون.
    - ودل عليه أيضاً:
    الآية التي بعدها، وهي التي تسمى السياق أو اللحاق، فقبلها سباقها، وبعدها سياقها أو لحاقها، وهي قوله جل وعلا: - المنافقون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} إذ قال جل وعلا: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
    فهذه الآية أيضاً تدل على أن هذا الذي استهزأ أو تلك الطائفة التي استهزأت هم المنافقون؛لأن السياق والسباق يدل على ذلك.
    وأيضاً يدل عليه: أن السورة - وهو الوجه الثالث - أن السورة - سورة براءة - تسمى الفاضحة، وهي التي فضحت المنافقين، وبعد ذكر المنافقين في أثناء السورة استمر ذكرهم، واستمر فضحهم، وبيان ما هم عليه إلى آخر السورة.
    والوجه الرابع: أن الله -جل وعلا- قال بعد آيات:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} فقوله -جل وعلا- في هذه الآية: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا}المقصود بهم هؤلاء الذين استهزؤا، فإنهم حلفوا أنهم ما قالوا.
    قال جل وعلا: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ}فدل على أن المستهزئ بالكلام قال كلمة الكفر.
    قال سبحانه: {وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}ودلت هذه الآية على أن المراد بالإيمان في قوله تعالى:{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}هو الإسلام؛ لأنه قال: {وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} والمنافقون محكوم بإسلامهم ظاهراً.

    وهذا يجاب به عن قول من قال: إنهم ليسوا بمنافقين؛ لأن هؤلاء احتجوا بأن المنافقين لم يحكم بإيمانهم، وإنما حكم بإسلامهم.
    فالمنافق يقال له:مسلم باعتبار الظاهر ولا يقال إنه مؤمن؛ لأن الإيمان باطن، فقوله تعالى هنا: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} قالوا: دل على أنهم ليسوا بمنافقين.
    وهذا الاحتجاج منهم والإيراد له وجهه، لكن ليس قوياً بقوة ما ذكرنا من الأوجه.

    وجوابه: أن الإيمان -كما هو معلوم- اعتقاد وقول وعمل، والاعتقاد هو الإيمان الباطن، والقول والعمل هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فإذا قيل في المنافق: إنه كفر بعد إيمانه، يعني: بعد إيمانه الظاهر الذي هو الإسلام؛ لأن الإسلام لا يصح إلا بإيمان يصححه، والإيمان لا يصح إلا بإسلام يصححه. والإيمان منقسم إلى:
    -إيمان باطن، وهو: الاعتقاد.
    - وإلى إيمان ظاهر، وهو: القول والعمل.
    فأولئك معهم قول وعمل، فقيل لهم هنا بعد:
    {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} باعتبار الظاهر، وهذا الظاهر هو الإسلام؛ كما قال -جل وعلا- في الآية الأخرى: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}
    فالإيمان في هذه الآية هو الإسلام في الآية الأخرى،ويقوي هذا: ما تعلمه من قواعد أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى: أن الإيمان إذا أفرد عن الإسلام، والإسلام إذا أفرد عن الإيمان فإنه يدل أحدهما على الآخر، فقوله: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} يعني: ما يناسب المخاطب بذلك وهو الإسلام؛ لأن الإيمان إذا أفرد دل على الإسلام، وهذا بحسب حال المخاطبين.
    إذا تقرر لك ذلك: فهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، كفروا بكلمةٍ قالوها على وجه المِزاح واللعب.
    وهذا الكفر منهم هو الاستهزاء - كلمة الكفر:هي الإستهزاء - والاستهزاء مكفرٌ إذا كان استهزاء بالله -جل جلاله-، أو بآيات القران، أو بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو بمجموع ذلك، وهو الدين الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم.
    فإذا استهزأ أحد بالله -جل وعلا- كفر، وإذا استهزأ أحد بالقرآن كفر، وإذا استهزأ أحد برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذاته كفر، وإذا استهزأ بالدين الذي نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- بيقين المستهزئ أنه نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه يكفر.
    فإذاً:رجع الاستهزاء المكفر إلى أحد الثلاثة، وهي التي جاءت في الآية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.
    {قُلْ أَبِاللَّهِ}هذا واحد.
    {وَآيَاتِهِ} اثنين.
    {وَرَسُولِهِ}ثلاثة.
    {كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} قال هنا: (إذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزو الروم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفروا بسببب كلمةٍ قالوها على وجه المزح واللعب: تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفاً من نقص مالٍ أو جاهٍ أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها) وذلك لأن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به قصد ذلك، ولكنه خاف، ولكن القَصْد موجود، قَصْد الكفر، وقصد العمل بالكفر موجود عنده، ولهذا لم يعذر بالخوف من نقص المال أو الجاه أو المداراة؛ لأنه قصد الكفر، وقصد العمل الكفري دون إكراه.

    والمستهزئ، قد يقال: إنه ما قصد الكفر، ولو قيل له: أقلت هذا كفراً؟

    لقال: لا، إنما استهزاء، إنما قلت هذا على سبيل المزاح، وعلى سبيل اللعب، وعلى سبيل الخوض، {كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}.

    ولهذا كلام الإمام -رحمه الله- هنا متين إذ قال: (تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر) يعني: قاصداً الكفر، (أو يعمل به) عالماً أنه شرك، لا شك أنه أعظم كفراً ممن يتكلم بكلمةٍ يمزح بها؛ لأن ذاك فاته التعظيم فدخل في الكفر من جهة الاستهانة.

    ثم قال رحمه الله: (والآية الثانية قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ}).
    هذه الآية في حال الذي يكفر بدون عذر، والعذر الذي لا يؤاخذ به من صدر منه الكفر قولاً أو عملاً شيٌ واحد، وهو الإكراه.
    والإكراه معناه:ما لا يتحمله من العذاب، أكره على هذا القول بما لا يتحمله من العذاب، أو ما هو أعلى من ذلك وهو القتل، فإذا كان لا يتحمل أن يعذب، لا يتحمل أن يضرب ضرباً شديداً، لا يتحمل أن يسجن سجناً طويلاً لا يتحمل في ذلك، ويخشى على دينه، ويخشى أن يوافق، ويخشى أن يحصل له فتنة، أو يخشى أن يتلف بدنه، فإنه معذور، مع أن الكمال أن يصبر، لكنه معذور بشرط اطمئنان القلب بالإيمان، فتكون الموافقة ظاهراً للضرورة، ولكن القلب مطمئن بالإيمان.
    وذلك أن الإيمان كما هو معلوم ثلاثة أركان:
    اعتقاد وقول وعمل.
    والاعتقاد هو الأصل الذي ينشأ عنه القول الإيماني، وينشأ عنه العمل الإيماني،
    فلم يعذر بالأصل في الموافقة أحد البتة، حتى لو أكره،
    فإن الإكراه ولو وصل إلى القتل لا يصل إلى تغيير عقيدة القلب، والله -جلا وعلا- قال سبحانه: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.


    فالصدق هو:استقرار العقيدة في القلب، وأن يصبر المرء على ما جاءه من ابتلاء، فإذا عرض له الإكراه بما لا يتحمله ويؤدي ببدنه إلى التلف أو يخشى على دينه فإن له أن يوافق أولئك ظاهراً لا باطناً؛ لأن الظاهر في الشريعة فيه يسر في الأحكام، بخلاف الباطن، الباطن هو أشد شيء.

    فإذاً: هذه الآية دلت كما قال الشيخ -رحمه الله- هنا في قوله: (فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان).

    فإذاً: له إذا أُكره -بشرطه- أن يقول كلمة يوافقهم بها، أو أن يعمل عملاً يوافقهم به، ولكن يكون ذلك مع اطمئنان القلب بالإيمان.

    وقول كلمة الكفر موافقة لأجل الإكراه هذا محل اتفاق بين أهل العلم، أما العمل فاختلفوا فيه:

    فمنهم من قال:لا يعذر بالعمل، أن يعمل عملاً كفرياً، لكن الإكراه له فيه القول، مثل ما حصل في قصة عمار في قصة آل ياسر المعروفة، ولها نزلت هذه الآية، قول النبي -عليه الصلاة والسلام- له: ((إن عادوا فعد)) وهذا قول لطائفة من أهل العلم أن هذا مختص بالقول وأن العمل ليس فيه إكراه، بل إذا وصل الإكراه للعمل فإنه لا يجوز أن يوافق أولئك على عمل كفري، ويستدلون أيضاً بحديث الذباب المعروف، حديث طارق بن شهاب الذي تعلمونه في (كتاب التوحيد): ((كان هناك صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب فمره رجلان بأهله فقالوا: قربا فقرب أحدهما فدخل النار والآخر قال: أما أنا فما كنت لأقرب شيئاً لغير الله جل وعلا فقتلوه فدخل الجنة)).
    قالوا: هذا يدل على أن الإكراه - يعني: يعلمون من الحال أنهم سيقتلون - أن الإكراه لم يعذر به في الفعل.
    والقول الثاني: أن الإكراه يقع في القول والعمل،وهذا هو الصحيح؛ لأن العمل والقول شيء واحد من جهة التكفير، الله -جل وعلا- قال في الأقوال: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} وإذا كان ذلك في القول وعذر به بالاتفاق، فالعذر بالعمل ظاهر.

    وبالنسبة لحديث الذباب وغيره؛ هناك أجوبة عليه مذكورة في موضعها من شرح (كتاب التوحيد).

    قال رحمه الله ورفع درجته: (وأما غير هذا - يعني غير المكره - فقد كفر بعد إيمانه) يعني: مطلقاً، غير المكره إذا وافق الكفار على الكلام الكفري فقاله ووافق الكفار على العمل الكفري فعمله هذا كافر ولا يعذر في ذلك إلا إذا كان مكرهاً.
    قال: (وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه) يعني: غير المكره كفر بقوله وعمله.(سواء فعله خوفا، أو مداراة، أو مَشَحَّةً بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض) يعني: أن ما ذكره الإمام -رحمه الله- فيما تقدم، فيما ذكرناه في الدرس الماضي، من أن أناساً عرفوا التوحيد ولكنهم يعملون بالشرك مداراةً، أو خوفاً على مالهم، أو خوفاً على أهلهم، أو خوفاً على نقصهم، خوفاً متوهماً، ولم يتركوا الشرك بالله جل وعلا، هذا لا يعذرون فيه إلا في حال الإكراه، أو إذا كان مستضعفاً فإن له أن يبقى بين ظهراني المشركين لكن لا يقول كلمة الكفر، ولا يعمل عملاً كفرياً، فيرخص له بعدم الهجرة؛ لأجل أنه من المستضعفين؛ كما قال -جل وعلا- بعد آية الهجرة: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} قال بعدها: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}المقصود من هذا: أن كلام الشيخ ظاهر، وهذه مسالة عظيمة جداً، وهي أن التكلم بالكفر خشية نقص المال، خشية شيء هذا لا يعذر به صاحبه، بل لا بد أن يجدد دينه وإسلامه إذا كان فعله عن قصد ثم أناب.
    فالواجب على كل موحد أن يتبرأ من الشرك وأهله، أن يبغض الشرك، وأن يعادي الشرك، وأن يبغض أهل الشرك، وأن يعادي أهل الشرك، وهذه حقيقة الإيمان، وهذا معنى كلمة التوحيد؛ كما قال جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

    وفي آية سورة الممتحِنة قال -جل وعلا- مخبراً عن قول إبراهيم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لهذا قال أئمتنا: البراءة من الشرك وأهله، وهذه سنة إبراهيم{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} يعني: من المرسلين {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}فهذه الكلمة أجمع عليها الأنبياء والمرسلون.
    {بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ} نتبرأ من العبادة، من عبادة غير الله، ومن الشرك، ومن أهل الشرك، ببغضهم وبمعاداتهم، يعني: المعاداة القلبية، أما الظاهر فله أحكام معروفة مختلفة.

    قال الإمام -رحمه الله- بعد ذلك: (فالآية تدل على هذا -يعني هذا الذي ذكره- من جهتين: الأولى: قوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} فلم يستثن الله تعالى إلا المكره) وهذا ظاهر؛ لأن مقام الاستثناء مقام حصر، وإذلم يذكر في هذا المقام غير المكره دل على أنه لا يعذر إلا المكره.

    وأيضاً: الاستثناء معيار العموم، فقوله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ}هذا عام واستثني منه، يعني: خرج من العموم المكره الذي حصل منه الكفر ظاهراً؛ لكن لا يُحكم بكفره؛ لأنه مكره.

    قال: (الأولى: قوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام - يعني: القول - أو الفعل، أما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد) وهذا حق، القلب لا يمكن أن يُكره أحدٌ أحدا على تغيير القلب حتى يختار هو؛ لأن القلب لا أحد يطلع عليه إلا الله جل وعلا.

    فعقيدة القلب الموافَقَة فيها كفرٌ بالاتفاق، حتى ولو قال (أكرهت) فهو كاذب؛ لأن العقيدة الباطنة لا يمكن لأحد أن يصل إليها، يكذب في الظاهر، يقول إذا قيل له: أنت في الباطن في قلبك مقتنع بالشرك؟ تقول: - هذه مع اعتقاد الباطن فيكذب ظاهراً - يقول: نعم، هذا نوع من الإجابة في الإكراه، لكن لا يقول ذلك عن صدق بأن يغير قلبه؛ لأنه إن تغير قلبه فوافق، أو تردد أو شك فإنه كافر، كما ذكر الإمام في مسائل (كتاب التوحيد).(والثانية: قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد) يعني: أن العذاب العظيم الذي جاءهم وهو قوله جل وعلا: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
    ما سبب الغضب الذي جاءهم وحل عليهم؟ ما سبب العذاب العظيم؟
    لم يكن بسبب الاعتقاد، أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة الكفر؛ لأن هذه الأشياء لم يعلل بها في الآية، إنما قال الله جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} وقوله: {ذَلِكَ}للمفسرين فيه وجهان، في الرجوع -رجوع اسم الإشارة- يعني: (ذلك)إشارة لأي شيء؟

    - قالت طائفة:الإشارة هنا للكفر، كفروا بعد إيمانهم ولم يكونوا مكرهين، ما سبب ذلك؟ قال الله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} والباء هنا للسببية، ذلك بسبب كونهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، يعني: أنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فوافقوا الكفار من دون إكراه، فقالوا قول الكفر، أو عملوا عمل الشرك والكفر من دون إكراه، فتكون {ذَلِكَ} الرجوع إلى قوله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ}الوجه الثاني: أنه راجع للعذاب العظيم، قال: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}ذلك العذاب بسبب أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وهذان قولان معروفان عند المفسرين.
    والأوجَه منهما والأرجح هو الأول؛لأن (ذلك) ضمير إشارة، فهذا اسم إشارة فيه اللام التي هي للبعد، والعذاب العظيم قريب، والأصل أن الإشارة إلى القريب لفظية، أعني بذلك: أن من قال: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أن اسم الإشارة {ذَلِكَ} يقرون بأن اللام للبعد، ولكن يقولون: هو بعد معنوي؛ لأن مجيء اللام مع اسم الإشارة قد يكون للبعد اللفظي وقد يكون للبعد المعنوي، البعد اللفظي معلوم، مثل ما قال ابن مالك في (الألفية):

    ..... … ... ولدى البعد انطقا


    بالكاف حرفاً دون لام أو معه ............


    فإذاً: في البعد يشار باللام، (أولائي) هذا قريب، (هذا) قريب، (ذاك) قريب، (ذلك) بعيد.

    وقد يكون المراد بمجيء اللام البعد المعنوي، وهذا كثير في القرآن؛ كما في قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ}

    وقد يكون بعداً معنوياً للتعظيم؛ كقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} يعني: جعله بعيداً لعلو مرتبته ومنزلته، وقد يكون بعداً معنويا في السفول مثل ما يوصف عذاب الكافرين في مواضع.

    قالوا هنا -من قال بأن الضمير يرجع إلى العذاب العظيم- {ذَلِكَ} هذا رجوع معنوي.

    المقصود: البحث في الترجيح ليس هذا محله؛ لكن إشارة في معنى قولي (لفظية) لأن الأصل أن تكون الإشارة للبعيد لفظاً لا معنى، هذا هو الأصل.

    والإمام محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمه الله كان من أدق أهل زمنه في التفسير، وأعلم أهل زمنه بأقوال المفسرين، قال رحمه الله: (فصرح أن هذا الكفر والعذاب) فجمع القولين (هذا الكفر والعذاب) فكأنه قال: لا يمنع أن يقال: يرجع اسم الإشارة إلى العذاب أو يرجع إلى الكفر؛ لأن العذاب حاصل والكفر حاصل فإرجاع {ذَلِكَ} للجميع هذا متجه.

    قال: (فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد، أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة الكفر) هذا ظاهرٌ بين.(وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين) وهذا الذي ذكره حاصل وواقع، فإن الذين استحبوا الكفر على الإيمان وكفروا بعد إيمانهم سبب ذلك محبة الدنيا، محبة المال، محبة الجاه، لابد فيه حظ من حظوظ الدنيا، وإلا لو قام الإيمان بالآخرة قوياً في النفس، لما آثر المرء عليه شيئاً من الدنيا.
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((تكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)).

    وهذا حاصل في أن من كفر بل من فتن عن الدين إنما هو بسبب الدنيا، بشهواتها، إما شهوة المال، أو شهوة الجاه، أو شهوة المنصب، أو شهوة النساء، أو شهوة الأمر والنهي، أو إلى آخر ذلك من الشهوات الفانية.

    فما ذكره هنا الإمام -رحمه الله- هذا ينبغي أن يتنبه له كل موحد، فيحذر أشد الحذر من الكفر ومن وسائله.

    قال: (وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين) وهذا الاستدلال موافق للمراد ومقيم للبرهان على أولئك الذين يقولون: (نحن نعلم التوحيد، وإنما عملنا الشرك لأجل الحفاظ على أموالنا، أو على جاهنا، أو على دنيانا).


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •