هَذَا وَثَانِي نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ إِفْرَادُ رَبِّ الْعَرْشِ عَنْ نَدِيدِ
أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ إِلَهًا وَاحِدَا مُعْتَرِفًا بِحَقِّهِ لَا جَاحِدَا
وَهْوَ الَّذِي بِهِ الْإِلَهُ أَرْسَلَا رُسْلَهُ يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَوَّلَا
وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالتِّبْيَانَا مِنْ أَجْلِهِ وَفَرَقَ الْفُرْقَانَا
وَكَلَّفَ اللَّهُ الرَّسُولَ الْمُجْتَبَى قِتَالَ مَنْ عَنْهُ تَوَلَّى وَأَبَى
حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لَهُ سِرًّا وَجَهْرًا دِقَّهُ وَجِلَّهُ
وَهَكَذَا أُمَّتُهُ قَدْ كُلِّفُوا بِذَا وَفِي نَصِّ الْكِتَابِ وُصِفُوا
وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَهْيَ سَبِيلُ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ
مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا
فَإِنَّ مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ دَلَّتْ يَقِينًا وَهَدَتْ إِلَيْهِ
أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلَهٌ يُعْبَدُ إِلَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ
قال الشيخ عبد الرحمن البراك
هذا الفصل ذكرَ توحيدَ العبادة، وبيَّنَ أنهُ هو المقصودُ في إرسال الرسلِ وإنزالِ الكُتبِ، لأنَّ أكثرَ الأممِ تُقِرُّ بتوحيدِ الرُّبوبيةِ، ولهذا يحتجُّ اللهُ عليهم في ما أنكروهُ بما أقرُّوا به.
بيَّنَ أنَّ توحيدَ العبادةِ هو معنى لا إلهَ إلا الله، كلمةُ التوحيدِ معناها الله هو الإلهُ الحقُّ، كلُّ معبودٍ سواهُ باطلٌ، وهذا توحيدُ العبادةِ، فيؤمنُ العبدُ بأنَّ الله هو الإلهُ الحقُّ الذي لا يستحقُّ العبادةَ سِواهُ، ثمَّ يُحقِّقُ ذلك بالعمل، وذلك بأنْ لا يعبُدَ إلا اللهَ، وبأنْ يكفُرَ ويبرَأَ من عبادةِ ما سواه.
ونبَّهَ إلى أنِّ أنهُ لا بُدَّ من العلمِ بمعناها، والصِّدقِ والإخلاصِ والانقيادِ، أما أن يقولَها بلسانهِ من غيرِ بصيرةٍ، أو أن يقولَها بلسانهِ كاذباً كما يفعلُ المنافقونَ، فإنها لا تنفعُهُ، لأنَّ المنافقون يقولون لا إله إلا الله ولا تُجدِي عليهم شيئاً، وكثيرٌ من المُشركينَ يقولونها وهمْ لا يَعقلونَ لها معنى، ولهذا يُشرِكون.