تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي القرآن .......... وليالى رمضان متجدد




    رمضان والقرآن(*)
    محمد حسين يعقوب
    (1)

    {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

    رمضان شهر القرآن العلاقة بينهما وثيقة والارتباط عظيم.
    فلابد من الحديث عن القرآن بتفصيل شديد والعناية به في هذا الشهر الفضيل عناية خاصة ولذلك إليكم هنا الفصل الماتع
    عن القرآن الكريم فاقرأ بِرَوِيَّة ولا تتعجل كى تعمل.
    القرآن. .
    كتاب الله الخالد، الذي أخرج الله به هذه الأمة من الظلمات إلى النور فأنشأها النشأة الأولى وبدلَّها من بعد خوفها


    أمنا، ومكّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي بها صارت أمة، ولم تكن من قبل شيئًا، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض، ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن ..
    القرآن .. كتاب هذه الأمة، هو روحها وباعثها، وقوامها وكيانها وهو حارسها وراعيها، وهو بيانها وترجمانها، هو دستورها
    ومنهجها، وهو زاد الطريق ..
    ولكن ستظل هناك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا، ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به
    أمة ذات وجود حقيقي، ووجهت به أحداث وإقعية في حياة هذه الأمة، وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك.

    سيظل هناك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة، لا علاقة لها بواقع الحياة البشرية، بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسًا ووقائع وأحداثًا حية.
    آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بهذه الآيات سماء وهذه الآيات لتلك السماء كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم، وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتز أنفالها.
    ضمائر العرب امتنعت عن القرآن بما استوعر فيها من العادات والأخلاق، فنفد إليها وابتزها وغلبها على أمرها ..
    كم صدوا عن سبيله صدًّا، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟، واعترضوه بالألسنة ردا، ولعمري من يرد على الله القدر؟

    ألفاظٌ إذا اشتدت فأمواج البحر الزاخرة، وإذا لانت فأنفاس الحياة الآخرة، متى وُعِدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب.

    وإن أُوعِدت بعذاب الله جعلت الألسن ترعد من حُمَّى القلوب.
    معان هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، تَرِفُّ
    بندى الحياة على زهرة الضمير، وتحلق في أرواحها من معاني العبرة معنى العبير ..
    يجري في الخواطر كما تصعد في الشجر قطراتُ الماء.

    ويتصل بالروح فكأنما يَمُدُّ لها بسبب إلى السماء ..
    ألفاظٌ لم تعهد كَلْمَ أحداقِها، وثمراتٌ لم تَنْبُت في قَلَمِ أوراقها، ونورٌ عليه رونق الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم، وماءٌ يتلألأ من
    النُّور فكأنما عُصِر من النجوم ..وهل رأوا إلا كلاما تضيءُ ألفاظُه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله، وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، وأين نور القمر من كفٍّ يحسِب صاحبُها أنها في


    حجمه فيرفعها كأنما يخفيه!
    وهيهات هيهات، دون ذلك دَرْجُ الشمسِ وهي أم الحياة في كفن، وإنزالُها بالأيدي وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.
    لا جرم أن القرآن سر السماء، فهو نور الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، ولذلك إن تمادى أهل الباطل في طغيانهم يعمهون، فستظل آياته تلقف ما يأفكون، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 118] (1).
    فضائل القرآن:


    (1) القرآن رحمة:
    قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]، أولم
    يكفهم أن يعيشوا مع السماء بهذا القرآن، يشعرهم أن عين الله عليهم، وأنه معنيٌّ بهم يتنزل عليهم كلامه، يحدثهم بما في نفوسهم، وهم هذا الخلق الصغير الضئيل التائه في ملكوت الله الكبير ..
    واللهُ بعد ذلك يكرمهم حتى أنه ينزل عليهم كلماته تتلى عليهم، والذين يؤمنون هم الذين يجدون مسَّ رحمةِ الله في نفوسهم، وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل، ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم إلى حضرته وإلى مائدته وهو العلي الكبير، وهم الذين ينفعهم هذا القرآن؛ لأنه يحيا في قلوبهم، ويفتح لهم عن كنوزه، ويمنحهم ذخائره ويشرق في أرواحهم بالممعرفة والنور ..
    1) إعجاز القرآن للرافعي (29 - 31).

    (*)كتاب أسرار المحبين في رمضان للشيخ محمد حسين يعقوب





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (2)
    فضائل القرآن:
    محمد حسين يعقوب
    (2) القرآن طمأنينة:

    الإيمان بكلام الله والعيش معه طمأنينة في القلب واستقامة على الطريق، وثبات على الدرب، وثقة بالسند، واطمئنان للحِمى، ويقين بالعاقبة، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، وقالتعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].

    الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه، أي تكريم للإنسان يفوق هذا التكريم العلوي الجليل أن يخاطبه الله جل جلاله ويفهم؟!، أي نعمهّ أعظم من نزول القرآن؟!، نعمة لا يسعها حمد البشر، فحمد الله
    نفسه على هذه النعمة فقال جل جلاله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1].
    أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟، أي مقام كريم يتفضل به على الإنسانِ القليل الصغير خالقُه الكريم؟

    هي منة الله على الإنسان في هذه الأرض ..
    المِنَّة التي وُلِد الإنسان معها ميلادًا جديدًا، ونشأ بها الإنسان نشأة جديدة ..
    وليس أشقى على وجه الأرض ممن يُحرْمون طمأنينة الإنس إلى الله، ليس أشقى ممن ينطلق في هذه الأرض مبتور الصلة
    بما حوله في الكون؛ لأنه انفصم من العروة التي تربطه بالله، ليس أشقى في الحياة ممن يشق طريقه وحيدًا شاردًا في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين ..

    هذا القرآن العجيب، الذي لو كان من شأن قرآن أن تسير به الجبال أو تقطع به الأرض أو يكلم به الموتى، لكان في هذا القرآن من الخصائص والمؤثرات ما تتم معه هذه الخوارق والمعجزات، ولكنه جاء لخطاب المكلفين الأحياء.
    (3) القرآن صانع الرجال:
    لقد صنع هذا القرآن في النفوس التي تلقته وتكيفت به أكثر من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى، ولقد صنع في
    هذه النفوس وبهذه النفوس خوارق أضخم وأبعد آثارًا، فكم غَيَّر الإِسلامُ والمسلمون من وجه الأرض، إلى جانب ما غيروا من وجه التاريخ.
    الذين تلقوه وتكيفوا به سيروا ما هو أضخم من الجبال وهو تاريخ الأمم والأجيال، وقطعوا ما هو أصلب من الأرض، وهو جمود الأفكار والتقاليد، وأحيوا ما هو أخمد من الموتى، وهو الشعوب التي قتل روحها الطغيان والأوهام.

    قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بين ظاهر الإنسان وباطنه، في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، في علاقات الناس بعضهم ببعض ..
    (4) القرآن شفاء:
    قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، في القرآن شفاء،
    القرآن رحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان فأشرقت، وتفتحت لتلقي ما في القرآن من روح وطمأنينة ..
    في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة، فهو يصل القلب بالله، فيرضى ويستروح الرضا عن الله والرضى عن الحياة.

    والقلق مرض، والحيرة نصب، والوسوسة داء، ومن ثمَّ هو رحمة للمؤمنين ..
    وفي القرآن شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ونزغات الشيطان.


    وفي القرآن شفاء من الاتجاهات المختلة في الشعور والتفكير، فهو يعصم العقل من الشطط.
    وفي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء المجتمعات.
    (5) القرآن حماية بعد الهداية:
    قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وأسوأ ما يفعله قرين بقرينة أن يصده
    عن السبيل الواحدة القاصدة، ثم لا يدعه يفيق أو يتبين الضلال فيتوب؛ إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم، حتى تفاجئهم النهاية وهم سادرون، هنا يفيقون كما يفيق المخمور، ويفتحون أعينهم بعد العشى والكلال.
    فالقرآن يحميك في طريقك إلى الله، ويصرف عنك شياطين الجن، ويعطيك من الحجة ما تغلب به شياطين الإنس.
    (6) القرآن حياة القلوب:


    وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]، لا يأس من قلبٍ خَمَد وجمد وقسا وتبلَّد، فإنه يمكن أن تَدُبَّ فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور، وأن يخشع لذكر الله، فالله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبض
    بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأُكُل والثمار، وكذلك القلوب حين يشاء الله، وفي هذا القرآن ما يحيي القلوب، كما تحيا الأرض وما يمدها بالغذاء والري والدفء.
    قال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 107 - 108]، هم لا يسجدون ولكن: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}، لا تكفي الألفاظ في تصوير ما يجيش في صدورهم منه، فإذا الدموع تنطلق معبرة عن ذلك التأثر الغامر الذي لا تصوره الألفاظ ..
    هذا أثر القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه، العارفة بطبيعته وقيمته، وإني لأعجب لقراء القرآن كيف يهنيهم النوم
    ومعهم القرآن، أما والله لو علموا ما حملوا لطار النوم عنهم فرحًا.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    رمضان والقرآن
    محمد حسين يعقوب
    (3)
    قال ابن رجب - رحمه الله - في "لطائف المعارف": "الصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها، سواء كان
    تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها، أو لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة، والنظر المحرم والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه
    يشفع له عند الله يوم القيامة،
    ويقول: يا رب .. منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهوات، فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرم الله عليه، فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

    قال بعض السلف: إذا احتُضرِ المؤمن يقال للملك: شُمَّ رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقاله: ثم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه حفظه الله -عز وجل-.
    وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له، أما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار، فإنه ينتصب القرآن خصما له يطالبه بحقوقه التي ضيعها" اهـ.
    وقد "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" (1).
    قال ابن رجب: "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعَرْضِ القرآن على من هو أحفظ


    له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
    وفي الحديث أن المدارسة بين جبريل عليه السلام وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ليلًا، فيدل ذلك على
    استحباب الإكثار من تلاوة القرآن ليلًا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] " اهـ.
    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة" (2)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حَلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقول: اقرأ وارْقَ، ويُزاد بكل آيةٍ حسنة" (3).
    قال أحمد بن الحواري: إني لأقرأ القرآن وانظر في آية فيُحَيَّر عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم

    أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به؛ لذهب عنهم النوم فرحًا بما رزقوا.
    وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن ..
    وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم.

    وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء في كل ليلة من رمضان ..
    وقال ربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة.

    وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم في كل ليلة مرة ..


    وكان النخعى يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث ..
    وكان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وفي غير رمضان في كل ست ليال ..
    إخوتاه ..
    هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن عباد الله، وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيكم بين أظهركم
    ويُسْمَع.
    وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام
    فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع، وتراكمت علينا ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع ..
    كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا

    الشباب منه ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفمالنا فيهم أسوة؟، ما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بين الصفا والمروة، كلما حسنت مِنَّا الأقوال ساءت الأعمال ..
    فهل من توبةٍ صادقة وعزيمةٍ ماضية .. نتلو كتاب الله بالتدبر والفهم فيكون لنا شافعًا عند ربنا فيرفع ما بنا من غمة ..

    هيا لنفهم القرآن مع كيفية تحصيل لذة القرآن:
    أيها الإخوة ..

    إذا عرفنا الآن أهمية القرآن في العودة بالأمة .. وعرفنا كيف نحفظه ونتعلمه كما حفظه الصحابة؛ لنتربى عليه وعرفنا ما هو المطلوب منا بالنسبة للقرآن في نقاط محددة .. بقي أن نعرف كيف نحصل لذة تلاوته وقراءته، لا سيما ونحن في شهر


    القرآن.
    __________
    (1) متفق عليه، البخاري (6)، ومسلم (2308).
    (2) أخرجه أحمد (4/ 103)، وصححه الألباني (644) في "الصحيحة".
    (3) أخرجه الترمذي (2915)، وحسنه الألباني (8030) في "صحيح الجامع".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (4)
    فضائل القرآن:
    محمد حسين يعقوب

    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن (1):
    اعلم أن هذه اللذة لن تحصل إلا بتوافر آداب ظاهرة وآداب باطنة عند تلاوة القرآن العظيم ..
    أما الآداب الظاهرة:

    (1) آداب في القارئ:
    أن يكون القارئ على وضوء، وأن يكون واقفًا على هيئة الأدب والسكون إما قائمًا وإما جالسًا، مستقبل القبلة، مُطْرقًا برأسه،


    غير متربع ولا متكئ، ولا جالسًا على هيئة التكبر، فإن قرأ على غير وضوء أو كان مضطجعًا في فراشه؛ كان له أيضًا فضل؛ ولكنه دون ذلك، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191]، فأثنى على الكل؛ ولكن قدم القيام في الذكر، ثم القعود، ثم الذكر مضجعًا.
    (2) آداب في مقدار القراءة:

    وللقراءة عادات مختلفة، في الاستكثار والاختصار، والمأثور عن عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأُبيِّ أنهم كانوا يختمون القرآن في كل جمعة، يقسمونه سبعة أحزاب.
    (3) الترتيل:
    الترتيل هو المستحب في تلاوة القرآن؛ لأنا سنبيِّن أن المقصود من القراءة التفكير، والترتيلُ مُعِينٌ عليه؛ ولذلك نعتت أمُّ


    سلمة - رضي الله عنها - عنها قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إليَّ من أن أقرأ القرآن كله هَذْرَمَةً، وجَلِيُّ أن الترتيل والتؤدة أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرًا في القلب من الهذرمة والاستعجال.
    (4) البكاء:

    وهو مستحب مع القراءة، ومنشؤه الحزن؛ وذلك أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره؛ فيحزن لا محالة ويبكي.
    (5) أن يراعى حق الآيات:
    فإذا مر بآية سجدة سجد، وكذلك إذا سمع من غيره سجدة سجد إذا سجد التالي، ولا يسجد إلا إذا كان على طهارة، وقد


    قيل في كمالها: إنه يكبر رافعًا يديه لتحريمه من وقوف ثم يهوي ساجدًا، ثم يرفع ويستكمل القراءة.
    (6) آداب الترتيل:
    أن يقول في مبتدإ قراءته: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وفي أثناء القراءة إذا مر بآية تسبيح سبح وكبر، وإذا مر بآية دعاء واستغفار دعا واستغفر، وإن مر بمرجوٍّ سأل، وإن مر بمخوِّفٍ استعاذ، يفعل ذلك بلسانه أو بقلبه.
    (7) الإسرار بالقراءة:
    فهو أبعد عن الرياء والتصنع؛ وهو أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه، فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش
    على مُصَلٍّ؛ فالجهر أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر فيه، ولأنه.
    يطرد النوم في رفع الصوت، ويزيد في نشاطه للقراءة، ويقلل من كسله، فمتى حضره شيءٌ من هذه النيات؛ فالجهر أفضل.



    (8) تحسين القراءة:
    وترتيبها من غير تمطيط مفرط يغيِّر النظم؛ فذلك سُنَّة، وفي الحديث: "زيِّنوا القرآن بأصواتكم" (2)، وفي آخر: "ليس منا من لم
    يتغن بالقرآن" (3)، فقيل: أراد به الاستغناء، وقيل: أراد به الترنم وترديد الألحان به، وهو أقرب عند أهل اللغة، واستمع - صلى الله عليه وسلم - إلى قراءة أبي موسى فقال: "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود" (4)، وُيروى أن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورةً من القرآن.
    وأما الآداب الباطنة:

    (1) فهم عظمة الكلام:
    فهم عظمة الكلام وعلوه والاعتراف بفضله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه،


    فلينظر كيف لطفّ بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهام خلقه؟، وكيف تجلت لهم تلك الصفة في طيِّ حروفٍ وأصوات هي صفات البشر، إذ يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات الله -عز وجل- إلا بوسيلة صفات نفسه، ولولا استتار كُنْهِ جلالة كلامه بكسوة الحروف لما ثبت لسماع الكلام عرشٌ ولا ثرى، ولتلاشى ما بينهما من عظمة سلطانه وسَبُحَات نوره، ولولا تثبيت الله -عز وجل- لموسى - عليه السلام -، لما أطاق سماع كلامه كما لم يطق الجبل مبادي تجليه حيث صار دَكًّا.
    لا بد لك أيها التالي للقرآن أن تعرف أن القرآن كلام الله وأن صفة التكليم من صفات الجلال للرب جل وعلا، وربك جل جلاله إذا تجلى لشيء لم يقم لعظمة جلاله سبحانه شيء، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143].
    فافهم واعرف أيها الحبيب المحب أن صفة الكلام من صفات الملك جل جلاله ولها عظمة من عظمته سبحانه، وكما أنه


    سبحانه كما ثبت في الحديث أن "حجابه النور لو كشفه لأحرفت سبحات وجهه ما امتد إليه بصره من خلقه" (5)؛ فلابد من حجاب لهذه الصفة.
    فجعل الله وهو الرحيم بعباده الكريم الحروفَ والأصوات كأنها حجاب لصفة الكلام؛ لتستطيع القلوب والعقول مطالعة هذه الصفة وإلا لصار الخلق دكًّا كما جرى للجبل، قال سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ} [الحشر: 21].
    فأحمد الله أيها التالي للقرآن على هذه المنة العظيمة أن تتمكن من تلاوة القرآن الذي هو كلام الله، والكلام صفة من صفات
    الله -عز وجل-، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].

    (1) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 277 - 288) باختصار.

    (2) متفق عليه، البخاري (4653)، مسلم (792).
    (3) البخاري (7089).
    (4) متفق عليه، البخاري (4761)، مسلم (793).
    (5) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني (1860) في "صحيح الجامع".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد




    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن
    محمد حسين يعقوب
    (5)
    وأما الآداب الباطنة:

    (2) التعظيم للمتكلم:
    فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في
    تلاوة كلام الله -عز وجل- غايةُ الخطر، فإنه تعالى قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 79]، وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقُه محروسٌ عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرًا، فباطنُ معناه أيضًا بحُكم عِزِّه وجلالِه محجوبٌ عن باطن القلب إلا

    إذا كان القلب متطهرًا من كل رجْس، ومستنيرًا بنور التعظيم والتوقير.
    وكما لا يصلح لِمَسِّ جِلدِ المصحفِ كلُّ يَدٍ، فلا يصلح لتلاوةِ حروفه كلُّ لسان، ولا لنيل معانيه كلُّ قلب.
    فتعظيمُ الكلام تعظيمُ للمتكلم، ولن تَحْضُرَه عظمةُ المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر بباله العرشُ واستواءُ ربِّه عليه، والكرسيُّ الذي وَسِع السموات والأرض، واستحضر مشهد السموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضته مترددون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهذا غاية العظمة والتعالي، فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ومن ثَمَّ تعظيم الكلام.
    (3) حضور القلب وترك حديث النفس:



    قيل في تفسير: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، أي بجدٍّ واجتهاد، وأَخْذُه بالجد أن يكون متجردًا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تُحَدِّث نفسك بشيء؟، فقال: أو شيءٌ أحبُّ إليَّ من القرآن
    حتى أحدِّثَ به نفسي!
    وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.

    وهذه الصفة تتولد عمَّا قبلها من التعظيم، فإن المعظِّمَ للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلًا له، فكيف يُطْلَبُ الإنس بالفكر في غيره وهو متنزه ومتفرج، والذي يتفرج في المتتزهات لا يتفكر في غيرها، فقد قيل: إن القرآن ميادين، وبساتين، ومقاصير، وعرائس، وديابيج، ورياض.
    فإذا دخل القارئ الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديباج، وتنزه في الرياض،


    استغرقه ذلك وشغله عما سواه، فلم يعزب قلبه، ولم يتفرق فكره.
    (4) التدبر:
    وهو وراء حضور القلب، فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه، وهو لا يتدبره، والمقصود عن القراءة التدبر؛ ولذلك سُنَّ الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن.
    قال عليٌّ - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فِقه فيها، ولا في قراءةِ لا تدبر فيها.
    وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد الآية فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإِمام بآية أخرى
    كان مسيئًا، مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهوِ متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس.


    روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟، فقال: لأن تختلف فيَّ الأسنة أحب إليَّ من ذلك؛ ولكن يشتغل قلبي بموقفى بين يدي ربي -عز وجل-، وأني كيف، أنصرف، فَعَدَّ ذلك وَسْواسًا، وهو كذلك؛
    فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.
    وعن أبي ذر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
    لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] وقام سعيد بن جبير يردد هذه الآية {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59] وقال بعظهم: إني لأفتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر.

    وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أَعُدُّ لها ثوابًا وحُكِيَ عن أبي سليمان الدارني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها فيها أربع ليال أو خمس ليال، ولولا أني اقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها.
    وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها، وقال هبعضهم: لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغتُ منها بعد، وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه، وكان هذا أيضًا يقول: أقمت نفسي مقام الأُجَرَاء، فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة.
    (يعني باليومية فهناك ختمة يومية.
    ومجامعة: يعني كل جمعة.
    ومشاهرة: يعني كل شهر.
    ومسانهة: يعني كل سنة).

    (5) التفهم:
    وهو أن يستوضح عن كل آية ما يليق بها؛ إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله -عز وجل- وذكر أفعاله، وذكر أحوال الأنبياء


    عليهم السلام، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار.
    أما صفات الله -عز وجل- فكقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى: 11]، وكقوله تعالى: {هُوَ الله
    الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23]، فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معانٍ مدفونة لا تنكشف إلا للمُوَفقين، وإليه أشار عليٌّ - رضي الله عنه - بقوله لما سئل: هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟، فقال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه.
    وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله -عز وجل- جلاله، إذا الفعل يدل على الفاعل فتدل على عظمته.

    وأما أحوال الأنبياء - عليهم السلام -: فإذا سمع منها كيف كُذِّبوا وضُربوا وقُتِلَ بعضهم؛ فليفهم منه صفة الاستغناء لله -عز وجل- عن الرسل والمرسَلِ إليهم، وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في مُلْكه شيء، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم
    قدرة الله -عز وجل- وإرداته لنصرة الحق.
    وأما أحوال المكذبين، كعاد وثمود وما جرى عليهم، فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظه منه
    الاعتبار في نفسه، وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له، وإنما لكل عبد من القرآن بقدر رزقه:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
    فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه، فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فَهْمٌ في القرآن
    ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16]، والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.
    (1) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني (1860) في "صحيح الجامع".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن
    محمد حسين يعقوب
    (6)

    وأما الآداب الباطنة:
    (6) التخلي عن موانع الفهم:
    لا بد من التخلية قبل التحلية؛ فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحَجُب أسدلها الشيطان على قلوبهم،
    فعُمِّيَت عليهم عجائب أسرار القرآن.
    وحُجُبُ الفهم ثلاثة:


    أولها:
    أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وُكِّلَ بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله -عز وجل -، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله
    مقصورًا على مخارج الحروف فأنى تكشف له المعاني؟، وأعظم ضحكة للشيطان ممن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.
    ثانيها:
    أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد، وجمد عليه، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير
    وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيده معتقده عن أن يتجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده، فصار نظره موقوفًا على مسموعه.
    فإن لمع له برق على بعد، وبدَا له معنى من المعاني التي تُبَاين مسموعه؛ حَمَلَ عليه شيطان التقليد حملةً وقال: كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك، فيرى أن ذلك غرورٌ من الشيطان فيتباعد منه ويتحرز عن مثله، ومثله من يقرأ قوله


    تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وما يحتويه معنى الآية من علو الله -عز وجل- على كل مخلوقاته وهيمنته وتصرفه في كل الموجودات، فيجيئه تقليد المعتقدات الموروثة في التأويل ووجوب تنزيه الله عن الجهة، فيُحرَم من تجليات تأمل صفة العلو والاستواء، وهي من الصفات التي تكررت في القرآن بغرض التنبيه على جلال الله وعظمته وحقيقة علوه على خلقه.
    ثالثها:
    أنا يكون مُصِرًّا على ذنب أو متصفًا بكبرٍ أو مبتلى في الجملة بهوَى في الدنيا مطاع؛ فإن ذلك سببُ ظلمة القلب وصدئه،، وهو كالخبث على المرآة، وهو أعظم حجابٍ للقلب، وبه حُجِبَ الأكثرون.

    وكلما كانت الشهوات أكثر تراكمًا كانت معاني الكلام أشدَّ احتجابًا، وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا، قَرُبَ علي المعنى فيه، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة

    الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة، وقد شرط الله -عز وجل- الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19]، فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة؛ فليس ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب.
    (7) التخصيص:

    وهو أن يقدِّر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قَدَّر أنه هو المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدا فكمثلِ ذلك أن هذا الوعيد يَخُصُّه، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء عَلِمَ أن السمر غيرُ مقصود، وإنما المقصود ليعتير به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، ولذلك قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ في هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى


    لِلْمُؤْمِنِينَ } [هود: 120]، فليُقَدِّر العبدُ أن الله ثبَّت فؤاده بما قصه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى.
    وكيف لا يُقدِّر هذا والقرآن ما أُنْزِل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرسول الله خاصة؛ بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؛ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: 231]، وقال -عز وجل-: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وقال سبحانه: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55]، وقال عز وجل: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138].
    وإذا قُصِد بالخطابِ جميعُ الناس فقد قُصِدَ الآحادُ، فهذا القارئ الواحد مقصودٌ، فماله ولسائر الناس، فليقدر أنه المقصود، قال


    الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، قال محمَّد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسةَ القرآن عملَه، بل يقرؤه كما يقرأُ العبدُ كتابَ مولاه الذي كتبه له ليتأمله ويعمل بمقتضاه، ولذلك قال بعض العلماء:
    هذا القرآن رسائل أتتنا من قَبِلِ ربنا -عز وجل- بعهود نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات، وكان مالك بن دينار يقول:
    ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟، إن
    القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقال قتادة: لم يجالس أحدٌ القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].(8) التأثر:
    وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل آية يقرؤها فهمٌ وحال يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيرها، ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه، فإن التقييد غالب على آيات القرآن، فلا


    يرى ذكر المغفرة إلا مقرونًا بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله -عز وجل-: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ} ثم أتبع ذلك بأربعة شروط: {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3]، ذكر أربعة شروط، وحيث اقتصر شَرَطَ شرطًا جامعًا، فقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، فالإحسان يجمع الكل، وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره، ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حالُه الخشيةَ والحزن.
    ولذلك قال الحسن:
    واللهِ ما أَصبح اليوم عبدٌ يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه، وقل فرحه، وكثر بكاؤه، وقل ضحكه، وكثر نَصَبه
    وشغله، وقَلَّت راحته وبطالته.
    وقال وُهيب بن الورد: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئًا أرق للقلوب ولا أشد استجلابًا للحزن من قراءة


    القرآن، وتفهمه، وتدبره، فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة.
    فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت؛ وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من
    الفرح.
    وعند ذكر الله صفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله واستشعارًا لعظمته.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    رمضان والقرآن
    محمد حسين يعقوب

    (7)
    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن

    وأما الآداب الباطنة:
    وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله -عز وجل- كذكرهم لله -عز وجل- ولدًا وصاحبة -تعالى الله عن ذلك- يغض الصوت
    وينكسر في باطنه حياءً من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
    وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها، ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود: "اقرأ علي" قال:
    فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، رأيت عينيه تذرفان بالدمع؛ فقال لي: "حسبك الآن" (1)؛ وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية - صلى الله عليه


    وسلم -.
    ولقد كان من الخائفين من خَرَّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات.

    فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه، فإذا قال: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15]، ولم يكن خائفًا كان حاكيًا.
    وإذا قال: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]، ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيا.
    وإذا قال: {وَلَنَصْبِرَنّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} [إبراهيم: 12]، فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة.

    فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات؛ كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن علي نفسه في قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:


    3]، وقال -عز وجل-: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]، إلى غير ذلك من الآيات ..
    وكان داخلًا في معنى قوله -عز وجل-: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]، يعني
    التلاوة المجردة، وقوله -عز وجل-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105]؛ لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض، ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضًا عنها؛ ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفًا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى: مالكَ ولكلامي وأنت معرضٌ عني، دع عنك كلامي إن لم تتب إليَّ.
    ومثال ذلك: العاصي إذا قرأ القرآن وكرره، مثال من يكرر كتاب الملك كل يوم مرات، وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو
    مشغول بتخريبها ومقتصرٌ على دراسة كتابه؛ فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت.


    ولذلك قال يوسف بن أسباط: إني لأَهُمُّ بالقرآن فإذا ذكرتُ ما فيه خشيت المقت فأعدل إلى التسبيح والاستغفار.
    والمعرض عن العمل به أريد بقوله -عز وجل-: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:
    187] ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه" (1)، وفي بعض الروايات "فإذا اختلفتم فقوموا عنه"، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله تعالى" (1).
    وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال: جعلتَ القرآن عليَّ عملًا، اذهب فاقرأ على الله -عز وجل-، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.

    لهذا كان شغل الصحابة - رضي الله عنهم - في الأحوال والأعمال، فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشرين ألفًا من الصحابة، لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم، وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم، ولما جاء واحدٌ ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله -عز وجل-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]، قال: يكفي هذا وانصرف، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "انصرف الرجل وهو فقيه" (2)، وأنما العزيز مثلُ تلك الحالة التي مَنَّ الله -عز وجل- بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية.
    فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى، بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقول الله تعالى:
    {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، وبقوله -عز وجل-: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126]، أىِ تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها، فإن المقصر في الأمر يقال: إنه نسى


    الأمر، وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثير بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعمل يترجم، والقلب يتعظ.
    (9) الترقي:
    وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله -عز وجل- لا من نفسه، فدرجات القرآن ثلاث. أدناها: أن يقدر العبد كأنه
    يقرؤه على الله -عز وجل- واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير: السؤال والتملق والتضرع والابتهال.
    الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله -عز وجل- يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم.

    الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه مُنْعمْ عليه، بل يكون مقصورَ الهم على المتكلم، موقوف الفكر عليه، كأنه مستغرقٌ بمشاهدة المتكلم عن غيره، وهذه درجة المقربين، وما قبله درجة أصحاب اليمين، وما خرج عن هذا؛ فهو من الغافلين.
    (10) التبري:
    وأعني به أن يتبرأ العبد من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعيد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك؛ بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله -عز وجل- بهم، وإذا تلا آيات المقتوذم العصاة والمقصرين؛ شهد على نفسه هناك، وقدَّرَ أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.
    ولذلك كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: أستغفرك لظلمي وكفري، فقيل له: هذا الظلم، فما بال الكفر؟، فتلا قوله -عز
    وجل-: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
    وقيل ليوسف بن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟، قال: أستغفر الله -عز وجل- من تقصيري سبعين مرة.



    فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كانت رؤيتُه تقصيره سببَ قربه، فإن من شهد البعد في القرب لُطِف به في الخوف، حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن شهد القرب في البعد مُكِرَ به في الأمن، الذي يفضيه
    إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه.
    ومهما كان مشاهدًا نفسه بعين الرضا صار محجوبًا بنفسه عن الله" انتهى كلام الغزالي - رحمه الله -.

    هذه هي المراتب العشرة لتحصيل لذة تلاوة القرآن أيها الحبيب، ولن تستطيع فهمها بمجرد مرور نظرك عليها لأول مرة؛ بل تحتاج إلى تأمل ومذاكرة مع غيرك من إخوانك أو مشايخك لتلقيح الأفكار وتفتيح الأفهام، ثم العمل.
    ولن يفتح لك من أول مرة إدراك ما ذكرت لك، لكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة وصبر نأنٍ لكي يحصل لك.
    __________
    (1) البخاري (4763).

    (1) متفق عليه، البخاري (4773)، مسلم (2667).
    (1) أخرجه ابن ماجه (1339)، وصححه الألباني (110) في "صحيح ابن ماجه".
    (2) قال الهيثمي في "المجمع" (7/ 141): رجاله رجال الصحيح.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    رمضان والقرآن
    محمد حسين يعقوب

    (8)
    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن

    هيا ابدأ فرصة رمضان مع فتوحاته ونوره .. هيا أبدأ لتنطلق في هذه الأيام المباركة .. هذا هو العلم؛ فأين العمل أيها الطالب لرضا ربك؟
    إخوتاه ..

    الذكر دواء الحياة ومشاكلها، وجلاء القلوب وقوتها، من لزمه سعد في دنياه وأُخراه، وكيف لا والنبي - صلى الله عليه وسلم -
    يقول: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ "، قالوا: بلى، قال: "ذكر الله تعالى" (1).
    وأفضل الذكر القرآن .. وقد جاءكم موسم القرآن .. شهر رمضان شهر القرآن .. فالبدارَ البدارَ يأ أمة القرآن، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" (1)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته "الطعام والشراب في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن أي رب منصته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" (2).
    إخوتاه ..
    القرآن كلام الله، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه .. فداوموا على تلاوته، وأكثروا من قراءته في شهر


    رمضان، والتزموا بما ذكرناه آنفًا من الآداب، الظاهرة والباطنة .. وفقنا الله وإياكم لما قاله ربُّنا سبحانه وتعالى في أول كتابه: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
    استدرك مهم
    أيها الأخوة ..
    بعد أن ذكرنا أهمية القرآن وحال السلف مع القرآن في رمضان لا يفوتني أيها الإخوة استدراك هام.
    هذا الاستدراك توبة للأمة ككل؛ لإصلاح حال الأمة مع القرآن كي يصلح الله حال الأمة في الواقع المرير، فافهم معي علمني


    الله وإياك الحكمة وفصل الخطاب:
    إن توصيف واقع الأمة الإِسلامية اليوم هو كلمة واحدهّ: "التِّيه". . نعم: الأمة الآن في مرحلة التِّيه -نسأل الله أن يعفو عنا-. .
    ولن نخرج من هذه المرحلة إلا بتغيير أنفسنا ليتغير واقعنا؛ فإن لله سننًا ربانية؛ لا تتغير ولا تتبدل، وهو سبحانه القائل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
    وبعد أن جرَّبتِ الأمة مرارًا وتكرارًا كل الوسائل في إعادة كرامتها ومقدساتها؛ لم يعد أمامها إلا الحل الأول والأولى والأصل الذي غفلت عنه .. القرآن الكريم.
    ولذا فإن الأمة بحاجة إلى مشروع قومي تتفق عليه في التربية على القرآن، وتتوحد حوله ليخرجها مما في فيه، ليعيدها إلى مجدها السليب ونهضتها المفقودة.


    أيها الإخوة ..
    "لقد أنزل الله القرآن كتاب هداية وشفاء وتغيير وتقويم لهذه الأمة، وهذا هو سر معجزته، وإن تعلُّم قراءته، وترتيله، وحفظه،
    وسائل مساعدة يتيسر من خلالها الانتفاع بتلك المعجزة، ومما يدعو للأسف أن الأمة قد ابتعدت طوال القرون الماضية عن جوهره، والسبب الذي أنزل عن أجله، فتعاملت مع تلك الوسائل على أنها غايات، وتسابق المسلمون على قراءته وحفظه في أقل وقت ممكن، دون أن يصاحب ذلك اهتمام بالمعاني الإيمانية التي تحملها آياته.
    القرآن حاضرٌ معنا بقُرَّائه وحُفَّاظِه، وغائبٌ عنا بالأفراد القرآنيين الذين يُعرفون بسيمهاهم، قرآنا يمشي على الأرض.

    القرآن حاضرٌ معنا في المساجد وحلقات التعليم ومدارس التحفيظ والإذاعات ووسائل الإعلام؛ لكنه غائبٌ عنا بأثره ومفعوله.
    القرآن حاضرٌ معنا بطبعاته الفاخرة، وتغليفاته المبهرة، وآياته التي تزين الجدران، وتُرسم على المشغولات الذهبية؛ لكنه
    غائبٌ عن دوره الحقيقي في قيادة الحياة وتوجيهها إلى الله -عز وجل-.


    نفتتح به الحفلات، ونصنع منه المسابقات، وننشئ له الكليات، ومع ذلك لا نجني من وراء هذا الاهتمام ثمارًا حقيقية تظهر
    في واقعنا، وتصطبغ بها حياتنا.
    فماذا حدث نتيجة هذا التعامل الشاذ القرآن؟
    توقفت المعجزة القرآنية، أو كادت تتوقف عن العمل، وابتعد المسلمون عن سر عزهم ومجدهم وعلوهم عند الله، قال تعالى {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] فازدادت الفجوة بين الواجب والواقع، والقول والعمل، ولم يعد يظهر في الأمة أجيال قرآنية يتمثل فيها القرآن كما حدث في الجيل الأول، ذلك الجيل العظيم.
    ألسنا من أهل القرآن؟!


    قد يقول قائل: ولكني أقرأ القرآن وأختمه مرة كل شهر -على الأقل- وأحفظه، بل وأعمل على تعليمه للناس، وأعتبر نفسي من أهل القرآن، بل ويتعامل مَنْ حولي معي على هذا الأساس، رغم أنني أشعر داخلي بغير ذلك، فلا يوجد فارق في السلوك بيني وبين غيري ممن لا يهتمون بالقرآن كاهتمامي به؛ بل إنني أشعر مثلهم بتلك القيود التي تكبلني وتمنعني من فعل ما يرضي الله والتضحية من أجله.
    نعم، هذا وصفٌ دقيق لحال البعض مع القرآن، وهذا مما يَزيد الأمر صعوبة، أن يعتبر الواحد منا أن اهتمامه بلفظ القرآن وشكله قد جعله من أهل القرآن، مع أن أهل القرآن هم العاملون به، المنتفعون بمعجزته.
    __________
    (1) أخرجه أحمد (5/ 195)، وصححه الألباني (2629) في "صحيح الجامع".
    (1) أخرجه أحمد (5/ 254)، وصحيح الألباني (3992) في "الصحيحة".

    (2) أخرجه أحمد (2/ 174)، وصححه الألباني (3882)، في "صحيح الجامع".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    رمضان والقرآن
    محمد حسين يعقوب

    (9)
    تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن

    قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "حامل القرآن حامل راية الإِسلام لا يلهو مع من يلهو ولايسهو مع من يسهو".
    إن تلاوة ألفاظ القرآن، وحفظ آياته يقدر عليها الصغير والكبير، المؤمن والمنافق، البر والفاجر، بل والكفار، وبالتالي لايمكن
    لهؤلاء أن يصبحوا من أهله بمجرد حفظهم وكثرة قراءتهم لألفاظه، ولله دَرُّ عمر بن الخطاب حين قال: لا يغرركم من قرأ القرآن؛ ولكن انظروا من يجمل به.
    ويؤكد هذا المعنى ابن القيم فيقول: قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملًا .. ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظ القرآن ولم يفهمه ولم يعمل به، فليس من


    أهله وإن أقام حروفه إقامةَ السهم.
    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر علامات الساعة: "يخرج في آخر الزمان قومٌ أحداثُ الأسنان، سفهاء
    الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يَمْرُوقون من الدين كما يمرق السهمُ من الرَّمِيَّة" (1).
    إن المطلوب من قراء القرآن بالإضافة إلى القراءة والحفظ، شيءٌ آخر في غاية الأهمية، المطلوب هو الانتفاع بمعجزته في
    تغييرنا ووضعنا في القالب الذي يُرضي الله -عز وجل-، المطلوب أن نستخدم القرآن كوسيلة تقودنا للصلح مع الله، ومن ثم نتأهل للدخول في دائرة حمايته وكفايته ونصرته، وهذا لن يتم من خلال قراءته باللسان فقط ولو آلاف المرات.
    هذا لن يتم بحفظ حروفه وترك لآلئه وكنوزه ..
    هذا لن يتم إذا جعلنا المذياع يذيع آياته طيلة الليل والنهار، ونحن غافلون عنه، منشغلون بغيره ..لن يصبح أولادنا قرآنيين

    بمجرد حفظهم لألفاظ القرآن, وإن حفظوه كله ..
    سيصبح أولادنا قرآنيين عندما يتعلمون ما في الآيات من معان وإيمان, ويطبقون ما فيها من عمل , بعد أن يحفظوها, وإن أدى
    إلى حفظهم لأجزاء قليلة من القرآن, فهذا خيرٌ لهم ولأمتهم من أن يكونوا مجرد حفظة وفقط, وإن جمعوا الأمرين -أقصد حفظه كاملًا مع فهمه والعمل به- فهو الأولى بل وهو المطلوب في هذه الأيام؛ فهذا علو همةٌ, وزيادة طاعة, ونصرة الأمة.
    جاء رجل إلى أبي الدراداء فقال: إن ابني جمع القرآن, فقال: اللَّهم غُفْرًا؛ إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع".
    كيف ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة على القرآن؟

    ما ذكرناه هو أيضًا للشباب والكبار .. وانظر كيف تربى الصحابة, يقول الإِمام القرطبي رحمه الله في مقدمة تفسيرة تحت


    عنوان "باب كيف التعلم والفقه لكتاب الله تعالى وسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - , وما جاء على أنه سُهِّلَ على من
    تقدم العمل به دون حفظه":
    ذكر أبو عمرو الداني عن عثمان وابن مسعود وأُبَيّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها
    إلى عشرٍ أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل؛ فيعلمنا القرآن والعمل جميعًا, وعن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيّ قال: كنا إذا تعلمنا عشرَ آياتٍ من القرآن؛ لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها.
    وعن نافع عن ابن عمر قال: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة, فلما ختمها نحر جَزورًا.
    وقال عبد الله بن مسعود: إنا صَعُبَ علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسَهُلَ علينا العملُ به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن،
    ويصعب عليهم العمل به.
    وعن مجاهد عن ابن عمر قال: كان الفاضل من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صدر هذه الأمة لا يحفظ من


    القرآن إلا السورة أو نحوها، ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمة يقرءون القرآن، منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به.
    وقال خلف بن هشام البزار: ما أظن القرآن إلا عارية في أيدينا؛ وذلك أنا روينا أن عمر بن الخطاب حفظ البقرة في بضع عشرة سنة، فلما حفظها نحر جزورًا شُكرًا لله، وإن الغلام في دهرنا هذا يجلس بين يديَّ فيقرأ ثلث القرآن لا يُسقط منه حرفًا، فما
    أحسب القرآن إلا عاريةً في أيدينا.
    وقد قال أهل العلم بالحديث: لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على سماع الحديث وكَتْبِه، دون معرفته وفَهْمه؛ فيكون قد
    أتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل، وليكن تحفظه للحديث على التدريج قليلًا قليلًا مع الليالي والأيام.
    وممن ورد عنه ذلك من حفاظ الحديث: شعبة وابن عطية ومَعْمر، قال معمر: سمعت الزهري يقول: من طلب العلم جملة

    فاته جملة؛ وإنما يُدرك العلم حديثًا وحديثين، والله أعلم.
    وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: اعلموا ما شئتم فلن يأجرَكم الله بعلمكم حتى تعملوا.

    وقال ابن عبد البر: رُوي أن العلماء همتهم الدِّراية، وأنَّ السفهاء همتهم الرواية" اهـ.
    ولابد من تعليق أيها الأحبة في الله بعد كل ما سبق، وإنما ذكرت لكم كل ما سبق جملة واحدة وإن كان يبدو على خلاف
    منهجنا في الأمر بتلاوة القرآن وحفظه بتدبر وبغير تدبر وحفظ القرآن بعلم أو بغير علم، سُقتُ ما سبق لننتقل خطوة إلى الإِمام؛ لذلك ألخص أهدافنا في موضوع القرآن جملة واحدة فأقول:
    أولًا: الاهتمام بالقرآن وجعله نصب أعيننا لا يفارقها ليل نهار.
    ثانيًا: التلاوة للقرآن أهم من الحفظ وهي نوعان لا يُستغنى بأحدهما عن الآخر.




    1 - تلاوة تدبر وتفكر: وهي ختمة لا يتسرع بالوصول إلى آخر القرآن فيها؛ بل يهتم فيها بالعلم فتعطي كل آية حظها من التدبر، والبحث عن العلم بها، والتنقيب عن أسرارها بالقراءة في التفاسير وكتب العلم وسؤال أهل العلم.
    2 - تلاوة الأجر: وهي الختمات التي نطالب بها يوميًّا وفي رمضان وغيره؛ إنما هي ابتغاء الأجر، بكل حرف عشر حسنات، فهذه يُتغاضى فيها عن التدبر، وتُصرَف الهمة إلى تحصيل الأجر من الله فحسب؛ فإن الوعد بأنَّ على كل حرف عشر حسنات
    لم يُشترط فيه التدبر.
    ثالثًا: حفظ القرآن وظيفة الأمة ومطلب شرعي، ولا يزهدك في ذلك ما سقناه من نقولات عن بعض السلف؛ وإنما كان التركيز
    السابق من أجل العمل؛ فلابد أن تحفظ القرآن؛ لأن درجتك في الجنة بقدر حفظك؛ بدليل حديث: "يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارْق، ورتِّل كما كنت ترتل في دار الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" (2).

    إخوتى في الله:
    إنني أريد أن أحذِّر بعض قومنا الذين يأخذون بعض الكلام ويتركون بعضه لأهواء في أنفسهم فينتقون من الكلام ما يؤيدون به
    أهواءهم ورغباتهم.
    أؤكد مرة أخرى أن كل ما هو مطلوب منك:
    - حفظ القرآن.
    - تلاوة القرآن.

    - فهم القرآن.
    - تدبر القرآن.




    - العمل بالقرآن.
    - إسلام زمامك للقرآن.

    أن يربيك القرآن، وأن يصنعك الله بالقرآن، وأن يقودك القرآن، وأن يحكم القرآن حياتك ..
    لتكون من أهل القرآن .. الذين هم أهل الله وخاصته ..
    اللَّهم اجعلنا وأهلينا وذرِّياتنا من أهلِ القرآن أهلِكَ وخاصَّتِه
    __________
    (1) أخرجه أحمد (1/ 131)، وصححه الألباني (3654) في "صحيح الجامع".

    (2) أخرجه أحمد، وصححه الألباني (8122) في "صحيح الجامع".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    (10)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    معنى هجر القرآن
    يتضح معنى هجر القرآن من خلال هذا العرض لأقوال الع
    لماء والمفسرين في بيان قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان
    قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -:

    (واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مه
    جوراً،
    القول الأول: كان اتخاذهم ذلك هُجراً، قولهم فيه السيئ من القول، وزعمهم أنه سحر، وأنه شعر.
    عن مجاهد قوله: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان
    قال: يهجرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر. وعن مجاهد أ
    يضاً قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ ...} الآية. يهجرون فيه بالقول، قال مجاهد: وقوله: {مُسْتَكْبِرِين بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} (67) سورة المؤمنون. قال: مستكبرين بالبلد سامراً مجالس تهجرون، قال: بالقول السيئ في القرآن غير الحق.
    عن إبراهيم في قوله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} قال: قالوا غير ال
    حق، ألم تر إلى المريض إذا هذى قال غير الحق.
    القول الآخر: بل معنى ذلك الخبر عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا به.
    قال ابن زيد في قول الله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَ
    ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان. لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلى الله قالوا: لا. وقرأ: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (26) سورة الأنعام. قال: ينهون عنه، ويبعدون عنه.


    ترجيح ابن جرير الطبري:
    (قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنه أنهم قالوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصل
    ت. وذلك هجرهم إياه) (1).
    قال الإمام الألوسي البغدادي - رحمه الله -:
    (والمراد بالرسول نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم -، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتحقيق العدل والرد على نحورهم حيث كان ما حكى عنهم قدحاً في رسالته - صلى الله عليه وسلم - أن قالوا: كي
    ت وكيت، وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه - عز وجل - والشكوى عليهم {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي} الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ} الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم:

    {مَهْجُورًا} أي متروكاً بالكلية، ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأساً ولم يتأثروا بوعيده وو
    عده، فمهجوراً من الهَجر بفتح الهاء بمعنى الترك وهو الظاهر، وروي ذلك عن مجاهد والنخعي وغيرهما، واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعهده بالقراءة فيه، وكان ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر النظم الكريم، فإن ظاهره ذم الهجر مطلقاً وإن كان المراد به عدم القبول لا عدم الاشتغال مع القبول ولا ما يعمهما فإن كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليلاً آخراً للكراهة. وأورد بعضهم في ذلك خبراً وهو " مَنْ تعلَّم القرآن وعلَّق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول: يا رب عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه " وقد تعقب هذا الخبر العراقي بأنه روي عن أبي هدبة وهو كذَّاب، والحق أنه متى كان ذلك مخلاً باحترام القرآن، والاعتناء به كَرِه، بل حرم وإلا فلا.
    وقيل: مهجوراً من الهُجر بالضم على المشهور أي الهذيان وفحش القول، والكلام على الحذف والإيصال أي جعلوه مهجوراً فيه إما عن زعمهم الباطل نحو ما قالوا أنه أساطير الأولين اكتتبها، وإما بأن هجروا فيه ورفعوا أصواتهم بالهذيان لما قرئ لئلا يسمع كما قالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} (26) سورة فصلت. وفي هذه الشكوى من التخويف والتحذير ما لا يخفى فإن الأنبياء عليهم
    الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا) (1).
    قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: وفي المراد بقوله: {مَهْجُورًا} قولان:
    أحدهما: متروكاً لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
    والثاني: هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذيان، ومنه يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذي، قاله
    ابن قتيبة، وقال الزجاج: الهُجْر: ما لا ينتفع به من القول ..). (2)


    قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -:
    (معنى هذه الآية الكريمة ظاهر، وهو أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - شكى إلى ربه هجر قومه وهم كفار قريش لهذا القرآن العظيم، أي تركهم لتصديقه والعمل به، وهذه شكوى عظيمة وفيها أعظم تخويف لمن هجر القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من عقائد، ويعتبر لما فيه من الزواج
    ر والقصص والأمثال) (1).
    الخلاصة: مما سبق يتضح أن هجر القرآن يقع على المعاني الآتية:
    1 - القول السيئ في القرآن، والزعم الباطل بأنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين (قول مجاهد والنخغي وغيرهما).
    2 - الإعراض والبعد عن القرآن، وعدم سماعه، ورفع أصواتهم بالهذيان إذا قرئ لئلا يسمع. (قول ابن زيد، وابن جرير).
    3 - الترك كلياً: أي تركهم للإيمان به، وتركهم للعمل به، وكذلك عدم
    الالتفات إليه. (قول ابن عباس، ومقاتل).
    4 - وسيأتي مزيد بيان لمعنى هجر ال
    قرآن عند ذكر أنواعه.


    (1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام ابن جرير الطبري (11/ 9) بتصرف طبعة دار الفكر، عام 1405 هـ.
    (1) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للإمام الألوسي البغدادي (19/ 13 - 14) طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405 هـ.

    (2) زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي (6/ 87 - 88) طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى.
    (1) أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للإمام محمد الأمين الشنقيطي (6/ 48) طبعة دار الفكر.
    * فتح الرحمن فى بيان هجر القرآن
    تأليف
    أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (11)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    حكم هجر القرآن.
    تعال معنا - أخي الحبيب - لنتعرف على عاقبة من هجر القرآن، وأعرض عنه في الدنيا والآخرة:
    1 - إن صاحب الهجر والإعراض من أعظم الناس ظلماً.
    2 - يجعل الله على قلبه الأكنة - أغطية وغشاوة - حتى لا تفقه الحق، وعلى
    الآذان الوقر - الصمم المعنوي عن الرشاد -.
    3 - صاحب الهجر من الضالين، وأخبر الله عن عدم اهتدائه أبداً إلى الحق.
    الدليل على هؤلاء قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (57) سورة الكهف
    4 - انتقام الله من المعرضين عن القرآن، ووصفهم بالإجرام.
    قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِ
    ينَ مُنتَقِمُونَ} (22) سورة السجدة
    5 - كون المعرض كالحمار


    قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (49 - 51) سورة المدثر
    6 - ينذر الله من هجر القرآن ويتوعده ب
    صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.
    قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (13) سورة فصلت
    7 - المعيشة الضن
    ك في الدنيا.
    قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (124) سورة طه. إن مَنْ هجر القرآن يعيش معيشة ضنكاً، وهذه الكلمة صعبة في النطق كأنها تشير إلى صعو
    بة تلك الحياة.


    قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في بيان حال من هجر القرآن: (في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليق
    ين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة .. وجاء أيضاً في تفسير الضنك بأنه الكسب الحرام، والعمل السيئ، والرزق الخبيث، وأنه عذاب القبر وضمته). (1)
    قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (وهذه الأقوال متقاربة لا يكذ
    ب بعضها بعضاً، والأولى شمول الآية لجميع الأقوال المذكورة). (2)
    8 - يحشر يوم القيامة أعمى.
    قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُن
    سَى} (124 - 126) سورة طه
    سبحان الله! يحشر من أعرض عن القرآن يوم القيامة أعمى، بعد أن كان بصيراً في الدنيا، لكنه ما
    نظر بعينه إلى القرآن فتلاه، وعمل بمقتضاه، لكنه أعرض عنه، وهجره، وتناساه؛ فصار كالأعمى الذي حرم نعمة البصر؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
    قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي: {أَعْمَى}: لا حجة له.
    وقال عكرمة: عُمِّيَ عليه كُلُّ شيء إلا جهنم.
    وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث، أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً، كما قال تعالى {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} (97) س
    ورة الإسراء) (1).
    9 - يسلكه الله عذاباً صعداً.


    قال تعالى: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (17) سورة الجن.
    قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (أي عذاباً مشقاً، شديداً، موجعاً، مؤلماً. قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد: {عَذَابًا صَعَدًا} أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها) (2).
    لا إله إلا الله! مَنْ منا يقوى على هذا العذاب؟ فهل من توبة إلى الله؟.
    10 - يقيض الله له قريناً من ال
    شيطان.
    قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (36) سورة الزخرف
    (يقول تعالى: {وَمَن يَعْشُ} أي: يتعامى، ويتغافل، ويعرض {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} والعشا في العين: ضعف بصرها، والمراد هنا: عشا البصيرة {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}

    قال تعالى: {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا} (38) سورة النساء. أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم،
    فإذا وافى الله - عز وجل - يوم القيامة يتبرأ من الشيطان الذي وُكِّلَ به: {قَالَ يَا لَيْتَ بَ
    يْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (38) سورة الزخرف) (1).
    11 - الحسرة والندامة يوم القيامة.
    قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} (27 - 29) سورة الفرقان.
    12 - وقوعه تحت شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَ
    ذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان
    قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (وهذه شكوى عظيمة، وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد، ويعتبر بما فيه من الزواجر والقصص والأمثال) (2).


    فكيف يكون حال من هجر القرآن مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الق
    يامة؟ وإذا به يتجه مع المسلمين - وكله شوق وحنين - لرؤية النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - ليشرب من يده شربة هنيئة، لا يظمأ بعدها أبداً، فإذا به يفاجأ بالملائكة تطرده عن الحوض، وتبعده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمتي أمتي» فتقول الملائكة: إنك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك، فيدعو عليهم رسول الله بالهلاك والدمار فيقول: «سُحْقاً سُحْقاً».
    13 - حرمان شفاعة القرآن يوم القيامة.
    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقرءوا القرآن فإنه يأ
    تي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (1).
    وقال أيضاً: «القرآن حجة لك أو عليك» (2).
    بالله عليك كيف يشفع القرآن في رجل هجره، وأعرض عنه، وأقبل على غيره من كلام البشر يقرأه، أو يسمعه؟ فإن المحروم حقيقةً من حرم شفاعة القرآن يوم القيامة.


    14 - يختم لمن هجر القرآن بسوء الخاتمة.
    إن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن الاستفادة منه فيما ينفعه في دار القرار ف
    قد ربحت تجارته، وإن استغله في المعاصي والسيئات حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله، وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه.
    والإنسان يعيش على ما نشأ عليه، ويموت على ما عاش عليه، ويحشر ع
    لى ما مات عليه، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من وفقه الله إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه، والشقي من حرم ذلك، ومنهم من هجر القرآن
    يا مَنْ هجرت القرآن، تب إلى الله، والحق قافلة العائدين إلى الله، التي تزدا
    د يوماً بعد يوم، ورافق أهل القرآن حتى تكون منهم، تفز بالسعادة في الدارين.


    (1) تفسير ابن كثير (3/ 173) بتصرف، طبعة المكتبة القيمة.
    (2) أضواء البيان للشنقيطي (4/ 595 - 596) طبعة مكتبة ابن تيمية.
    1) تفسير ابن كثير (3/ 174) طبعة المكتبة
    القيمة.
    (2) تفسير ابن كثير (4/ 431).
    (1) المرجع السابق (4/ 128) بتصرف.
    (2) أضواء البيان (6/ 48) طبعة دار الفكر.
    (1) رواه مسلم عن أبي أ
    مامة - رضي الله عنه -.
    (2) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبي مالك الأ
    شعري - رضي الله عنه -. انظر صحيح الترغيب رقم (184).
    (31) فتح الرحمن فى بيان هجر القران



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    هجر القرآن
    (12)

    حكم هجر القرآن
    سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم هجر القرآن؟ وهل هو حرام أم مكروه؟.

    فأجابت:
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:

    أنزل الله القرآن للإيمان به وتعلمه وتلاوته وتدبره والعمل به وتحكيمه والتحاكم إليه والاستشفاء به من أمراض القلوب وأدرانها إلى غير ذلك من الحكم التي أرادها الله من إنزاله.
    والإنسان قد يهجر القرآن فلا يؤمن به ولا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد
    يؤمن به ولكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه ولا يتلوه، وقد يتلوه ولكن لا يتدبره، وقد يحصل التدبر ولكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ولا يحكمه ولا يتحاكم إليه ولا يستشفي به مما فيه من أمراض في قلبه وبدنه، فيحصل الهجر للقرآن من


    الشخص بقدر ما يحصل منه من الإعراض كما سبق (1).
    فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه وأن يحرص على الانتفاع بالقرآن في شتى وجوه الانتفاع، ويفوته من الخير بقدر ما
    يتصف به من الهجر).
    وإلى نفس المعنى وهو أن الهجر لا يأخذ حكماً واحداً، ولكن يختلف باختلاف الأشخاص، وعلى حسب ما فيه من الهجر،
    أشار الإمام ابن القيم - رحمه الله -فقال بعد ما ذكر أنواع هجر القرآن: (وإن كان بعض الهجر أهون من بعض). (1)
    وسيأتي مزيد بيان لحكم هجر القرآن عند ذكر أنواعه.

    أنواع هجر القرآن
    قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - موضحاً أنواع هجر القرآن في تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا
    الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان.
    يقول تعالى مخبراً عن رسوله ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي ...} الآية. وذلك أن المشركين


    كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.
    فكانوا إذا يتلى عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، وأن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه، آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب). (2)
    وبَيَّن الإمام ابن القيم - رحمه الله - أنواع هجر القرآن فقال: هجر القرآن أنواع:



    أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
    والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.

    والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
    والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.

    والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به.
    وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان.
    وإن كان بعض
    الهجر أهون من بعض). (1)
    ومما سبق يتضح أن أنواع هجر القرآن والتي ستكون موضوع كتابنا - إن شاء الله - ستة أنواع:



    الأول: هجر التلاوة.
    الثاني: هجر الاستماع.

    الثالث: هجر التدبر.
    الرابع: هجر العمل.

    الخامس: هجر التحاكم.
    السادس: هجر التداوي والاستشفاء.
    (اعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره، ثم لم يحكم أمره؛ ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله؛ فإن الصناعة طويلة والعمر قصير، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير) (1).


    هجر التلاوة
    وفيه خمسة انواع:

    أسباب هجر التلاوة.
    صور من هجر التلاوة.

    أحوال الناس مع القرآن الكريم.
    فضل تلاوة القرآن الكريم.
    آداب وأحكام تلاوة القرآن الكريم.
    _________
    (1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/ 68، 69) من الفتوى رقم (8844) طبعة دار أولي النهى. الطبعة الأولى.
    .
    (1) الفوائد ص (112) طبعة الريان.
    (2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 327) طبعة المكتبة القيمة.

    (1) الفوائد لابن القيم (112) طبعة الريان.
    (1) البرهان في علوم القرآن للإمام الزركشي (1/ 32). دار الفكر، الطبعة الأولى.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد



    (13)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    أسباب هجر التلاوة
    معنى التلاوة لغة واصطلاحًا
    التلاوة لغة: مصدر تلا الشيء يتلوه, وهذا المصدر مأخوذ من مادة (ت ل و) التي تدل ب
    حسب وضع اللغة على معنى واحد هو الإتباع, يقال: تلوته إذا تبعته, ومنه تلاوة القرآن لأن القارئ يتبع آية بعد آية, ويختلف مصدر الفعل (تلا) باختلاف الشيء المتلو.
    يقول الراغب: تلا الشيء أي تبعهم متابعة ليس بينها ما ليس منها, وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم, والمصدر حينئذ هو التُّلُوُّ والتِّلْوُ, وتارة بالقراءة وتدبر المعنى, والمصدر في هذه الحالة هو (التلاوة). (1)
    وقال ابن منظور: تلوته أتلوه وتلوت عنه تلواً, كلاهما: خذلته وتركته, وتلوته تلواً: تبعته. يقال: ما زلت أتلوه حتى أتليته أي تقدمته وصار خلفي.
    وأتليته: أي سبقته، وتلوت القرآن: تلاوة: قرأته, و
    عمَّ به بعضهم كل كلام.


    وقوله عز وجل: {فَالتَّالِيَات ذِكْرًا} قيل: هم الملائكة, وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممن يتلون ذكر الله تعالى.
    وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (121) سورة البقرة. معناه
    يتبعونه حق اتباعه ويعملون به حق عمله.
    وقوله عز وجل: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} (102) سورة البقرة.
    قال عطاء: على ما تُحَدِّث وتَقُصُّ, وقيل: ما تتكلم به كقولك فلان يتلو كتاب الله أي يقرأه ويتكلم به (2).


    التلاوة اصطلاحاً:
    ويراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبين حروفها ويتأنى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني.
    والتلاوة عند القراء: قراءة القرآن الكريم متتابعاً كالأوراد
    والأسباع (3) ".
    أسباب هجر ال
    تلاوة
    إن أسباب هجر القرآن كثيرة ومتعددة تختلف من شخص لآخر وكذلك تختلف حسب نوع هجر القرآن وسيأتي بيان أسباب هجر كل نوع من أنواع هجر القرآن في مكانه ولكننا نذكر أهم الأس
    باب العامة التي تؤدي إلى هجر التلاوة وهي:

    أولاً: الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم.
    ثانياً: الانشغال بالدنيا.
    ثالثاً: الفتور وضعف الهمة.
    رابعاً: تقديم طلب العلوم الأخرى على القرآن.
    خامساً: الغزو الفكري والحرب المع
    لنة ضد القرآن.
    وسوف نتناول هذه الأسباب بشيء من التفصيل
    وذلك بعون الله وتوفيقه.


    أولاً: الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم:
    إن جهل الكثير من أبناء المسلمين بفضل تلاوة القرآن الكريم، والثواب المترتب عليه، من أكبر الدواعي لهجر تلاوة القرآن، وعدم الاعتناء بتحصيله، والمداومة على تلاوت
    ه.
    ولو يعلم المرء ما في هذا القرآن الكريم من الفضل العظيم، والثواب الجزيل، ومنزلة قارئه ف
    ي الدنيا والآخرة؛ لجعله أنيسه آناء الليل وأطراف النهار، وما غفل عنه طرفة عين، ويكفي أن تعلم - أخي الحبيب - حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (1)
    وحديث: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (2).
    قال خباب بن الأرت - رضي الله عنه -: (تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه).
    وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر, فإن كان يحب القرآن, فهو يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -) (3).
    وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا. قال: واغوثاه لمؤمن لا يح
    فظ القرآن فَبِمَ يترنم؟ فَبِمَ يتنعم؟ فَبِمَ يناجي ربه؟ **.
    وسيأتي مزيد بيان لفضائل تلاوة القرآن وسوره في الفصل الرابع من هذا الباب.
    ثانياً: الانشغال بالدنيا:


    إن الواقع الذي يعيشه بعض هذه الأمة من البعد عن الله،
    والجرأة على ما حرم الله، والتعامل بالربا، وغير ذلك من المعاصي والآثام؛ أوقعهم في المعيشة الضنك التي توعد الله بها أمثالهم قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (124 - 126) سورة طه
    ثالثاً: الفتور وضعف الهمة:
    إن الفتور وضعف الهمة من الأمراض التي تكاد تعصف بالكثير منا، فلا تكاد تج
    د من يحافظ على شيء، أو يهتم به _ إلا من رحم الله _، فما أن يمسك المرء المصحف يوماً حتى يتركه أياماً.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في شأن ضعيف الهمة: (لا شيء أقبح بالإنسان أن يك
    ون غافلاً عن الفضائل الدينية، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع، الذين يكدرون الماء، ويغلون الأسعار، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، فقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء) وقال أيضاً: (وهذا الصنف شر البرية، رؤيتهم قذى العيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الدار، ويغلون الأسعار، لا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار، وعند أنفسهم أنهم يعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، ويعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، وينطقون ولكن عن الهوى ينطقون، ويتكلمون ولكن بالجهل يتكلمون ..) (1).


    (1) نضرة النعيم (4/ 1176)
    (2) لسان العرب (14/ 102 - 104) , ومقاييس اللغة
    (1/ 351) والمفردات للراغب ص75.
    (3) فتح الباري (8/ 707) , وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 224).
    (1) (حديث صحيح) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم، والدارمي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (660)، وصحيح الجامع الصغير (64
    69).
    (2) (حديث صحيح) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. ورواه أبوداود، وابن ماجه، وابن حبان
    في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1317)، وصحيح الجامع (8122).
    (3) (سنده صحيح) أخرجه الطبراني في الكبير (ج9 / رقم 8657). قال الهيثمي في (المجمع) (7/ 165): رجاله ثقات. وقال أبو إسحاق الحويني: سنده صحيح. انظر تفسير ابن كثير - تحقيق ال
    حويني (1/ 152).
    (1) مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (1/ 134) نقلاً عن كتاب علو الهمة للشيخ الفاضل محمد بن أحمد بن إسماعيل - حفظه الله - وننصح بقراءته فإنه كتاب نافع ومفيد.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (14)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    أسباب هجر التلاوة
    رابعاً: تقديم طلب العلوم الأخرى على القرآن:
    (إن عدم المنهجية في طلب العلم لدى كثير من طلاب العلم، وعدم الت
    لقي عن العلماء؛ أدى إلى ذلك التخبط، وذلك الغبش الذي أصاب الكثير منهم، حتى قدموا كلام البشر على كلام رب البشر، وأقبلوا على حفظ المتون في شتى الفنون، وما حفظوا كلام الله الذي هو أساس العلوم، وما هكذا فعل السلف الصالح، ولا هذه طريقتهم في طلب العلم) (3).
    دخل أحد فقهاء مصر على الإمام الشافعي - رحمه الله - في المسجد وبين يديه المصحف، فقال له الشافعي: (شغلكم الفقه عن القرآن! إني لأصلي العتمة وأضع المصحف ف
    ي يدي فما أطبقه حتى الصبح) (1).
    قال شعبة بن الحجاج - رحمه الله - لأصحاب الحديث: (يا قوم إنكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم في القرآن) (2).
    وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -: (الذي أرى في طلب العلم أن يبدأ الإنسان ولاسيما الشاب الصغير بحفظ القرآن العظيم قبل كل شيء، أرأيت لو أنك تكلمت في مجمع وتريد أن تستدل بال
    قرآن، وأنت لم تحفظه؛ إنك لا تتمكن من الاستدلال بالقرآن) (3).
    سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الذي يقدم في الطلب حفظ القرآن أو العلم؟

    فأجاب: (أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به، وما نهى الله عنه، فهو مقدم على حفظ ما لا يجب من القرآن، فإن طلب العلم الأول واجب، وطلب الثاني مستحب، والواجب مقدم على المستحب، وأما طلب حفظ القرآن: فهو مقدم في التعليم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أ
    ن يبدأ بحفظ القرآن،فإنه أصل علوم الدين، بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدعة من الأعاجم وغيرهم، حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم: من الكلام، أو الجدال والخلاف، أو الفروع النادرة، أو التقليد الذي لا يحتاج إليه، أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله، فلابد في هذه المسألة من التفصيل، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه، والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين) (1).


    خامساً: الغزو الفكري والحرب الم
    علنة ضد القرآن:
    لما عجز أعداء الله عن السيطرة على بلاد المسلمين عن طريق الغزو العسكري، إذا بهم يلجؤون إلى حيل ماكرة، وطرق ملتوية؛ للقضاء على الإسلام والمسلمين عن طريق الغزو الفكري، وركزوا على إبعاد المسلمين عن كتابهم - القرآن الكريم - الذي منه يستمدون منهجهم، وأسلوب حياتهم،
    ويتضح ذلك من خلال تصريحات الأعداء المعلنة
    هؤلاء هجروا تلاوة القرآن؟!
    إن المعرضين عن القرآن طوائف ك
    ثيرة منهم: (2)


    الطائفة الأولى: (بعض الأئمة)
    ويرجع هجر بعض الأئمة للقرآن وإعراضهم عنه إلى سببين هما:
    السبب الأول: الكتب التي يقرأونها ويتدارسونها والتي تمتلئ بالمسائل المن
    طقية والبيانية والفلسفية، وغيرها من القضايا الجدلية التي لا توصلهم إلى إدراك عظمة الله سبحانه وتعالى، ولا تحقق لهم الترغيب في الطاعة، والترهيب من المعصية، ولذلك ترى بعضهم - إلا مَنْ رحم الله - يخالف قوله فعله، بل أحياناً يتهاون في الطاعة، ويقع في المنكر، فهم المسئولون أمام الله عن ضياع هذه الأمة بسبب إعراضهم عن القرآن.
    فوالله لو ذاق هؤلاء طعم القرآن وحلاوته، ولذة مناجاة الله تعالى لما وقعوا في محارم الله
    الطائفة الثانية: بعض الأغنياء
    هؤلاء أطغتهم الأموال، وألهتهم الآمال، فكانوا ممن أو كمن قال الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} (28) سورة إبراهيم. منعوا الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة وال
    مندوبة، فعشوا عن القرآن الكريم، والذكر الحكيم


    الطائفة الثالثة: بعض قُرَّاءُ القرآن:
    أقصد القُرَّاء الذين لا يقرؤون القرآن إلا لجمع حطام الدنيا، فيتلونه في س
    رادقات المآتم، وفي الختمات والليالي، وكثير منهم يتعلم القراءات لأجل التعيش، ولأجل أن يرغبوا فيه أكثر من غيره، ولو سألتهم عن معنى كلمة واحدة لعجزوا، وهؤلاء يصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أكثر منافقي أمتي قراؤها» (1).


    الطائفة الرابعة: المتصوفة:
    والسبب في إعراض هؤلاء الناس عن القرآن إنما هو اشتغالهم بأحز
    اب مشايخهم، وبالبيارق والبازات، والليالي والختمات، والموالد والحضرات والمنامات، فترى الجماعات من الرجال والنساء - بزعم أنهم إخوة على الطريق - يطوفون حول المقامات، ويقدمون لها النذور، يذبحون لها الذبائح، ويعتقدون فيها جلب النفع، ودفع الضر، ويطلبون منها المدد والولد، ويُقَبِّلُون الأعتاب

    (1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (
    23/ 54 - 55) طبعة دار التقوى.
    (3) الكلمات الحسان فيما يعين على الحفظ والانتفاع بالقرآن لمحمد بن مصطفى بن أحمد بن شعيب
    ص (5) طبعة مكتبة آل ياسر، الطبعة الأولى.


    (1) البرهان في علوم القرآن للإمام الزركشي (1/ 545) طبعة دار الفكر، الطبعة الأولى.
    (2) سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي (7/ 223).
    (3) الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات لابن عثيمين، إعداد وترتيب
    أبوأنس علي بن حسين أبولوز ص (96) طبعة دار المجد.
    (2) مستفاد بتصرف من كتاب (السنن والمبتدعات) لمحمد بن أحمد بن عبد السلام ص (197 - 202) طبعة الريان.
    (1) (حديث صحيح) رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - وصححه الألباني في صحيح الجامع (1203).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (15)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    أسباب هجر التلاوة
    هؤلاء هجروا تلاوة القرآن؟!
    الطائفة الخامسة:
    بعض المثقفين:
    وهؤلاء قد شغلوا أنفسهم بقراءة الجرائد السياسية، والمجلات الفكاهية والهزلية، وكتب الحكايات والروايات، والقصص والأشعار، فتراهم يحفظون الكثير منها، ولا يحفظون قليلاً ولا كثيراً من علوم الإسلام، بل يعدون المقبلين على فهمها والعمل بها مجانين أو عقولهم متأخرة، وهؤلاء كل آية نزلت فيمن يعرضون عن ذكر الله تصفعهم على نواصيهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (57) سورة الكهف.


    الطائفة الساد
    سة: بعض العامة:
    وهؤلاء يحفظ أحدهم مئة موال ومئة قصة وكثيراً من الأمثال والنوادر، ويذكر لك كل ما يسمعه من الحكايات ... ، ثم إذا خاطبته في حفظ شيء من القرآن ليصحح به صلاته يعتذر لك بعدم القراءة والكتابة، هذا جوابهم عل
    ى الرغم أنني أعرف أناساً أميين يجيدون قراءة وكتابة اللغات الأجنبية، ولا يحسنون النطق (بسمع الله لمن حمده) ولا بالفاتحة، فالمسألة راجعة إلى العناية والاجتهاد، فلو اجتهد رجل أمي في حفظ ما يسمعه من أوامر الدين ونواهيه، ومن آيات القرآن وسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبعض محافظته على التعاليم الأجنبية لحفظ شيئاً كثيراً، بل لو شاء حفظ القرآن كله، وألف حديث نبوي لكان ذلك سهلاً عليه جداً.
    وجماعة العميان أكبر شاهد على ذلك، ولكنهم أعرضوا ونأوا: {وَتُوبُوا إِلَى
    اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور. واذكروا قول ربكم لنبيه: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} (99 - 102) سورة طه.

    الطائفة السابعة: جماعة اللهو والعبث
    إن طائفة من المجتمع - للأسف الشديد - تظن أنها خلقت بلا هدف و
    غاية، وكما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (115 - 116) سورة المؤمنون. فإذا بهم يقضون أوقاتهم بين اللهو والطرب، ولعب النرد والشطرنج، وتناول الخمور والمخدرات والمسكرات، وهذه الأشياء الخبيثة الملعونة قد أضرت وأفسدت أخلاق كثير من الشبان، بل والشابات، وكم خربت من بيوت كانت عامرات، فإلى الله المشتكى ومنه الهداية وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    فاحذر أخي الحبيب. أن تكون من هؤلاء الذين هجروا القرآن الكريم، فإن عاقبة الهجر وخيمة، ونهايته أليمة.
    أما علم هؤلاء الذين هجروا قراءة القرآن الكريم فضله في الدنيا والآخرة ولذلك سوف نذكر طرفاً من هذه الفضائل ترغيباً لطالب الأجر والثواب.
    فضل تلاوة
    القرآن الكريم
    أولاً: فضل تلاوة القرآن الكريم.
    إن فضل تلاوة القرآن كثيرة لا تحصى ولو يعلم الناس ما في تلاوته من الفضائل لما تركوا كتاب الله من بين أيديهم، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار.
    ومن هذه الفضائل ما يلي:

    1 - تلاوة القرآن الكر
    يم تحصيل للأجر العظيم:
    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (29 - 30) سورة فاطر
    قال قتادة: كان مطرف بن عبد الله إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراء.
    عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) (1).
    انظر - أخي الكريم - إلى الأجر العظيم لمن قرأ كتاب الله فالحرف بعشر
    حسنات والله يضاعف لمن يشاء فما بالك إذا قرأت سطراً أو صفحة أو ربعاً .. كم تحصل من الحسنات إذا أخلصت نيتك لخالق الأرض والسموات.
    2 - تلاوة القرآن سبب لتنزل السكينة:


    عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له
    فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» (1) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (2).
    فيا من تشكون من ضيق الصدور، ومن الاضطرابات والقلق والأرق، اعلموا أنه لا راحة لكم إلا في القرآن لأن سعادة القلوب في تلاوة كتاب علام الغيوب ولذلك قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم).
    وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَ
    اء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} (57) سورة يونس.


    (1) (حديث صحيح) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم والدارمي (331)، وصححه الألباني. راجع الصحيحة (حديث رقم 660) وصحيح ا
    لجامع (6345).
    (1) البخاري (3614) ومسلم (795) واللفظ لمسلم. الشطن: الحبل.
    (2) رواه مسلم وأبوداود والترمذي مختصراً عن أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح (8/ 675) في تفسير السكينة: (.... عن وهب بن منبه: هي روح من الله، وعن الضحاك بن مزاحم قال: هي الرحمة، وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري، وقيل هي الطمأنينة، وقيل الوقار، وقيل الملائكة ذكره الصغاني. والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني،
    فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به، والذي يليق بحديث الباب هو الأول).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (16)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    أسباب هجر التلاوة
    فضل تلاوة القرآن الكريم
    أ - في الدنيا:
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَ
    حُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.

    عن أبي الطفيل أن نافع بن الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان وكان قد استعمله على أهل مكة، فقال: له عمر: (مَنْ استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى. فقال: من ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟! فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض. فقال عمر: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه
    وسلم - يقول: «إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين» (1).
    وصدق القائل:
    ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء
    وقدر كل امرئ ما كان يحسن
    ه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
    ففز بعلم تعش حياً به أبداً ... فالناس موتى وأهل العلم أحياء


    ب - في القبر:
    عن هشام بن عامر قال: لما كان يوم أحد أُصِيبَ مَنْ أُصِيب من المسلمين، وأصاب الناس جراحات، فقلنا: يا رسول الله!، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فكيف تأمرنا؟ قال: «احفروا وأوسعوا وأعمقوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر،
    وقدموا أكثرهم قرآناً» قال: فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآناً فَقُدِّمَ. (1)


    جـ - في
    يوم القيامة:
    عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقال لصاحب القرآن اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها» (2).
    قال الإمام الخطابي: وجاء في الأثر (أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة) فيقال للقارئ: ارتق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى (3) على أقصى درج الجنة في الآ
    خرة، ومن قرأ جزءاً منه، كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة) (4).
    عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (5).
    عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه قال: فيشفعان» (1).
    عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل
    عمران تحاجان عن صاحبهما» (2).

    تفكر - أخي الحبيب - في يوم القيامة وبخاصة في ذل الخلائق وانكسارهم واستكانتهم انتظاراً لما يقضى عليهم من سعادة أو شقاوة، وأنت فيما بينهم منكسراً كانكسارهم، متحيراً كتحيرهم، فكيف حالك وحال قلبك هنالك وقد بُدِّلت الأرض غير الأرض والسموات، وطمس الشمس والقمر، وأظلمت الأرض، واشتبك الناس وهم حفاة عراة غرلاً، وازدحموا في المواقف شاخصة أبصارهم، منفطرة قلوبهم، فتأمل يا مسكين! في طول هذا اليوم وشدة الانتظار فيه والخجل والحياء من الافتضاح عند العرض على ال
    جبار تعالى، وأنت عارٍ مكشوف ذليل متحير مبهوت منتظر ما يجرى عليك القضاء بالسعادة والشقاوة، وأعظم بهذه الحال فإنها عظيمة، واستعد لهذا اليوم العظيم شأنه، والقاهر سلطانه، القريب أوانه، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (1).
    وفي أثناء هذه الشدائد العظام كأني بسورة البقرة وآل عمران تأتيان في صورة سحابة عظيمة تظلان صاحبهما، وكأني بالقرآن يجيء يوم القيامة كالرجل الشاحب (2)، يأتي وقد أخذ بيد صاحبه ليشفع له عند الله ويقول يا رب إني أشهد لهذا الرجل بالصلاح والتقى، فقد كان في الدنيا لا يشغله شيء عن ذكرك وتلاوة كتابك، فقد كان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار عل
    ى الوجه الذي يرضيك، يا رب لقد منعته من النوم بالليل فشفعني فيه، وعندها يأذن الله - جل وعلا - للقرآن أن يشفع في صاحبه في تلك اللحظات التي يتخلى فيها عن الإنسان أقرب الناس إليه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (34 - 37) سورة عبس.
    فيا حسرة على أولئك المحرومين الذين حرمهم الله من شفاعة القرآن لأنه
    م حرموا أنفسهم من تلاوته في الدنيا، فالجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً.

    (1) رواه مسلم (817).
    (1) (إسناده صحيح) أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد وابن ماجه مختصراً وقال الترمذي: حسن صحيح، وإسناده صحيح كما قال الترمذي وهو على شرط الشيخين. قاله الألباني في أحكام الجنائز ص (143) طبعة المكتب الإسلامي.
    (2) (حديث صحيح) رواه الترمذي (2915) وأبوداود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (8122) وصحي
    ح أبي داود (1317).
    (3) الأولى أن يعبر بلفظ الحديث (ارتقى)؛ لأن كلمة (استولى) توحي بالقهر والغلبة والاستيلاء، وأهل الجنة ليسوا كذلك والله أعلم.
    (4) الترغيب والترهيب (2/ 315) طبعة الريان، وتحفة الأحوذي (8/ 187) طبعة دار الكتب العلمية، وقال الألباني: (وجملة القول أن إسناد هذا الأثر ضعيف والله أعلم). الصح
    يحة (5/ 283) طبعة مكتبة المعارف.
    (5) رواه مسلم (804).

    (1) (حديث حسن الإسناد) رواه أحمد (6626) وسنده ضعيف ولكن رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الألباني: (وقد وهما فإن شيخ ابن وهب وكذا ابن لهيعة فيه حيي بن عبد الله ولم يخرج له مسلم شيئاً ثم إنه تكلم فيه بعضهم بما لا ينزل حديثه عن رتبه الحسن إن شاء الله، وجملة القول: أن الحديث حسن الإسناد، والله أعلم
    ) تمام المنة ص (394/ 395)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (973).
    (2) رواه مسلم (805). تقدمه: تسبقه، تحاجان: تشفعان.


    (1) البحر الرائق في الزهد والرقائق لأحمد فريد ص (288).
    (2) عن بريدة بن الحصيب مرفوعاً بلفظ (يجيء القرآن يوم القيامة كالرج
    ل الشاحب فيقول لصاحبه أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت هواجرك) رواه الدارمي وابن ماجة وأحمد وابن عدي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، قال الألباني: (لكن الحديث حسن أو صحيح فإن له شاهداً) راجع السلسلة الصحيحة (2829).
    (97)ص


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (17)
    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    هجر استماع القرآن
    استماع القرآن الكريم
    وفيه أرب
    عة:
    أولاً: معنى السماع.
    ثانياً: فضائل استماع القرآن.
    ثالثاً: آداب استماع القرآن الكريم.
    رابعاً: سبب هجر استماع القرآن.
    أولاً: معنى السماع
    السماع
    لغةً:

    قال ابن منظور - رحمه الله -: سمع: السَّمْعُ حسُّ الأذن، وفي التنزيل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق؛ وقال ثعلبُ: معناه: خلا له فلم يشتغل بغيره، وقد سمعه سَمْعاً وسِمْعاً وسَمَاعاً وسَمَاعة وسَمَاعية ...
    السماع اصطلاحاً: قال الإمام ابن القيم: (وحقيقة السماع تنبيه القلب
    على معاني المسموع وتحريكه عنها طلباً أو هرباً، وحباً أو بغضاً) (2).
    ثانياً: فضائل استماع القرآن
    إن فضائل استماع القرآن الكريم كثيرة، كما أن لتلاوة القرآن الأجر العظيم، فكن - أخي الحبيب - من المحافظين على تلاوته واستماعه، حتى تفوز بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، وتكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
    ومن هذه الفضائل:

    1 - استماع القرآن سبب لرحمة الله - سبحانه وتعالى -:
    قال الله - عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ
    وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف.
    قال - صلى الله عليه وسلم -: " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " (2).
    2 - استماع القرآن سبب لتحصيل الأجر العظيم
    وكما عرفنا أن مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثال
    ها، والله يضاعف لمن يشاء، فإن الأجر لا يتوقف على التلاوة فحسب، بل إن استماع القرآن الكريم - إذا أخلص الإنسان نيته لله - من الأسباب المعينة على تكثير الحسنات، ومضاعفة الطاعات، ومن أفضل القربات.
    قال أبوهريرة - رضي الله عنه -: (مَنْ استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كُتب له حسنة مضاعفة، ومَنْ تلاها كانت له نوراً يوم القيامة) (1).
    3 - استماع القرآن سبب لهداية الإنسان
    لقد أوضح الله سبحانه وتعالى أن القرآن مصدر الهداية في الدنيا والاخرة، ومن تمسك به تلاوة واستماعاً وعملاً وتدبراً فلن يضل أو يشقى، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
    وإن استماع القرآن من الأعمال الصالحة التي بشر القرآن أصحابها بالهداية، ووصفهم بأنهم أصحاب العقول السليمة الراشدة فقال عز وجل: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَ
    اهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (17 - 18) سورة الزمر.


    4 - استماع القرآن سبب لتحصيل النور
    عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كانت له نوراً) (1).
    إن الاستماع إلى القرآن الكريم يكسب صاحبه نوراً في الدنيا: ينير له الطريق، ويبدد به الظلمات، ويكسب به الشبهات، ويقمع به الشهوات، ويقضي به على الضلالات، وكذلك يكسب صاحبه نوراً في الآخرة: يمشي به على الصراط، وينجو به من المهلكات حتى يفوز بجنة الله خالق الأرض والسموات، فمن دعاء المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَ
    انِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم.


    فوائد الاستماع:
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:
    (فهذا السماع حادٍ يحدو القلوب، إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، وحرك يثير ساكن العزمات، إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات، ومنادٍ ينادي للإيمان، ودليل يسير بالركب في طريق الجنان، وداع يدعو القلوب بالمساء والصباح من قبل فالق الإصباح (حي على الفلاح، حي على الفلاح) .. فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشاداً لحجة، وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة، وفكرة في آية، ودلالة على رشد، ورداً على ضلالة، وإرشاداً من غيّ، وبصيرة من عمى، وأمراً بمصلحة، ونهياً عن مضرة ومفسدة، وهداية إلى نور، وإخراجاً من ظلمة، وزجراً عن هوى، وحثاً على تقى، وجلاء لبصيرة، وحياة لقلب، وغذاء ودواء وشفاء، وعصمة ونجا
    ة، وكشف شبهة، وإيضاح برهان، وتحقيق حق، وإبطال باطل ...) (1).
    ثالثاً: آداب استماع القرآن الكريم

    قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) سورة الأنفال. يذكر الله - تعالى - حال المؤمنين عند استماع آيات القرآن الكريم أنهم يُلقون إليها الأسماع في إصغاء وخشوع، وأدب وخضوع، وصمت وادِّكار، وتفكر واعتبار؛ مؤمنين بأن ما يسمعونه هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على سيد المرسلين, فوعاه قلبه، ونطق به لسانه، وبلغّه إلى أمته أداء للأمانة، وإبلاغاً للرسالة، فرقاناً بين الحق والباطل، هادياً إلى سبيل الرشاد، مبش
    راً بالوعد الصادق مَنْ أذعن له وأطاع، منذراً بالوعيد العدل مَنْ تمرد عليه وعصى، مذكراً بأيام الله وما خلا من قرون، ومضى من شئون، ذاكراً ما أعدَّ الله للمتقين من جنات وعيون، ونعيم مقيم، وما أعد للكافرين من نار موقدة، وعذاب دائم أليم.

    فترى المؤمنين عند تلاوته وسماعه قد خشعت أصواتهم لرهبته، ووجلت قلوبهم لخشيته، وذرفت عيونهم من مخافته، وأقبلوا على ربهم تائبين، ومن ذنوبهم مستغفرين، وفي رضاه طامعين، ومن غضبه وجلين.
    رابعاً: سبب هجر استماع القرآن
    من الأسباب الرئيسة لهجر استماع القرآن الكريم، استماع الغناء واللهو والمزمار، الذي أصبح سمة غالبة لكثير من المسلمين - إلا مَنْ رحم الله -.
    ولقد صرح بذلك العلامة اب
    ن القيم - رحمه الله - فقال:
    (ومن مكايد عدو الله ومصائده، التي كاد بها مَنْ قَلَّ نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء، والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى )(1)

    (2) (مدارج السالكين (1/ 517) انظر نضرة النعيم (6/ 2301)).
    (2) رواه مسلم (6726) وأبوداود والترمذي مخت
    صراً عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً.
    (1) (ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) رواه أحمد مرفوعاً (3/ 341) وضعفه المنذري في الترغيب (2/ 345)، وقال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء (1/ 320): (وفيه ضعف وانقطاع) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5408)، وقال محقق التبيان ص (73): وفيه الحسن البصري مدلس ولم يصرح بالسماع وقد اختلف في سماعه من أبي هريرة، وعباد بن ميسرة ضعيف، فالحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) طبعة مكتبة ابن عباس المنصورة.
    (1) (صحيح الإسناد) رواه الدارمي في سننه برقم (3367) (وفيه رزين بن عبد الله بن حميد لم أقف على من ترجم له، وأما عنعنة ابن جريج فلا تضر عن عطاء لأنه قال: إذا قلت: قال عطاء، فهو سماع وإن لم أقل: سمعت، وقد تابع رزيناً عبد الرزاق (6012) فصح الإسناد). نقلاً عن تخريج التبيان ص (73) مكتبة ابن عباس المنصورة.
    (1) مدارج السالكين لابن الق
    يم (1/ 535) طبعة دار الجيل.
    (1) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية (1/ 229 ) طبعة دار الحديث.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (18)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    أقسام الناس في سماع القرآن
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (1)
    (أصل السماع الذى أمر الله به هو سماع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - سماع فقه وقبول ولهذا انقسم الناس فيه أربعة أصناف:
    الأول: صنف معرض ممتنع عن سماعه.
    الثاني: صنف سمع ا
    لصوت ولم يفقه المعنى.
    الثالث: صنف فقه المعنى ولكنه لم يقبله.
    الرابع: الذى سمعه سماع فقه وقبول.

    فـ (الصنف الأول) صنف معرض ممتنع عن سماعه كالذين قال الله فيهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.
    و (الصنف الثاني) مَنْ سمع الصوت بذلك لكن لم يفقه المعنى قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} (171) سورة البقرة.
    وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِ
    يرُ الأَوَّلِينَ} (25) سورة الأنعام.
    (الصنف الثالث)
    من سمع الكلام وفقهه لكنه لم يقبله ولم يطع أمره كاليهود الذين قال الله فيهم: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِم ْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (46)
    سورة النساء.
    وقال تعالى: {أَفَتَطْمَعُون أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (75) سورة البقرة. إلى قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (78) سورة البقرة. أي تلاوة.
    فهؤلاء من الصنف الأول الذين يسمعون ويقرءون ولا يفقهون ولا يعقلون إلى قوله: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} (88) سورة البقرة.


    كما قال فى تلك الآية: {لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (46) سورة النساء.
    و (الصنف الرابع)
    الذين سمعوا سماع فقه وقبول فهذا هو السماع المأمور به كما قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (83) سورة المائدة، وقا
    ل تعالى: ... {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1 - 2) سورة الجن، وقال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (29 - 31) سورة الأحقاف.


    ثانياً: فتاوى مهمة في
    استماع القرآن
    س: هل استماع القرآن الكريم في قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف. يدل على الوجوب أو الاستحباب؟
    ج - يشرع لكل مسلم عند سماع القرآن في غير الصلاة: أن ينصت له إعظاماً واحتراماً له؛ لينال رحمة الله سبحانه، ويتعظ بمواعظه ويعتبر بعبره، قال الله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف. وأن لا يعرض عن سماعه وينشغل عنه بغيره مع القدرة على الإنصات، ويتعمد ذلك فيتصف بصفات كفار قريش الذين قال الله عنهم في إعراضهم عن سماع القرآن {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.


    وأما في الصلاة فيجب على المأموم أن ينصت عند سماع إمامه يقرأ في ا
    لصلاة الجهرية وفي صلاة الجمعة والخطبة والعيدين ونحو ذلك؛ ولما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا "، وأخرج أصحاب السنن نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويستثنى من ذلك قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية، وإن كان الإمام يقرأ؛ لوجوب قراءتها على كل من الأمام والمأموم والمنفرد؛ لمل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "، فيخصص هذا الحديث عموم الآية والحديث السابق فيوجوب الإنصات لقرءة القرآن؛ جمعاً بين الأدلة الثابتة الصحيحة، ولما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا خاف رسول الله في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم" قلنا نعم. قال: "لاتفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود بإسناد حسن. (1)
    س: ما حكم الاستماع إلى القرآن الكريم أثناء مزاولة العمل؟
    ج: يجوز للإنسان أن يستمع
    للقرآن وهو يزاول عمله. (2)
    س: هل يجوز الاشتغال بعمل آخر سواء مذاكرة أو قراءة ... ويوجد في نفس المكان مسجل يقرأ القرآن؟
    جـ - قال الشيخ: أبومحمد بن عبد السلام: (الاشتغال عن السماع بالتحدث ب
    ما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع، وهو يقتضي أن لا بأس بالتحدث للمصلحة) (3).

    (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (16/ 8 ) طبعة دار التقوى.
    (1) فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية، المجلد الثالث (ص90)
    (2) فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة
    الثانية، المجلد الثالث (ص86)
    (3) البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 558) طبعة دار الفكر.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (19)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    نماذج من استماع القرآن الكريم
    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب استماع القرآن الكريم ويطلب من غيره أن يسمعه القرآن، ويقف أحياناً فترات طويلة ينصت ويستمع لقراءة أحد أصحابه من ذوي الأص
    وات الحسنة الجميلة.


    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من ابن مسعود - رضي الله عنه -
    فقد صح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"اقرأ عليَّ القرآن" فقلت: يارسول الله! اقرأ عليك وعليك أُنْزِل؟ قال:" إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (41) سورة النساء. قال: " حسبك الآن" فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (3).
    قال ابن بطال: (يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة
    ، ويحتمل أن يكون ليتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو - صلى الله عليه وسلم - على أُبَيّ بن كعب لما تقدم في المناقب وغيرها (1) فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك (2).

    وعن ابن مسعود قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وهو بين أبي بكر وعمر وإذا ابن مسعود يصلي وإذا هو يقرأ النساء فانتهى إلي رأس المائة فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي. فقال النبي
    - صلى الله عليه وسلم -: " اسأل تعطه، اسأل تعطه، ثم قال: مَنْ سَرَّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنْزِل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد "، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر - رضي الله عنه - ليبشره، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لاينفد، ومرافقة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في أعلى جنة الخلد. ثم جاء عمر - رضي الله عنه - فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه (3).
    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنه -
    وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أبطأتُ على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء ثم جئت فقال: " أين كنت؟ " قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وص
    وته من أحد. قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إليَّ فقال: " هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا" (1).


    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من أبي موسى - رضي الله عنه -
    وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسل
    م - قال له: " يا أباموسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود " (2).
    قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
    قوله: " يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود " كذا وقع عنده مختصراً من طريق بُرَيد، وأخرجه مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ «لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة ... " الحديث. وأخرجه أبويعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه (أن النبي -


    صلى الله عليه وسلم - وعائشة مَرَّا بأبي موسى وهو يقرأ في بيته، فقاما يستمعان لقراءته، ثم إنهما مضياً. فلما أصبح لقي أبوموسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا أباموسى، مررت بك" فذكر الحديث فقال: " أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيراً".
    ولابن سعد من حديث أنس بإسناد على شرط مسلم (أن أبا موسى قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته - وكان حلو الصوت - فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له، فقال:
    " لو علمت لحبرته لهن تحبيراً " ...

    قال الخطابي: قوله: " آل داود " يريد داود نفسه، لأنه لم ينقل أن أحداً من أولاد داود، ولا من أقاربه، كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي) (1).


    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - ال
    قرآن من الأشعريين - رضي الله عنه -
    عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن. حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم، بالقرآن بالليل. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار. ومنهم حكيم إذا لقى الخيل أو لقى العدو قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظ
    روهم ". (2)


    استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من جبريل عليه السلام
    عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأنه جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسل
    ة) (3).
    قال الحافظ ابن حجر: (أول نزول جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان، وأن جبريل كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في شهر رمضان وفي ذلك حكمتان: إحداهما: تعاهده.


    (3) رواه البخاري (14582) ومسلم وأبو داود وا لترمذي وأحمد وغيرهم.
    (1) عن أنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأُبَيِّ:" إن الله أ
    مرني أن اقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} قال: وسماني؟ قال: " نعم " فبكى. رواه البخاري (4959).
    (2) فتح الباري (8/ 718).
    (3) (حديث صحيح لغيره) رواه أحمد وأخرجه أبويعلي في مسنده والطبراني في الكبير وابن ماجة مختصراً، انظر الصحيح المسند من فضائل الصحابة لمصطفى بن العدوي ص (234)، وقال الألباني: إ
    سناد حسن راجع السلسلة الصحيحة (2301).

    (1) (إسناده صحيح ورجاله ثقات) رواه ابن ماجة وأخرجه أبونعيم في الحلية (1/ 371) والحاكم في المستدرك (3/ 225 - 226) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (1100).
    (2) رواه البخاري (5048) ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم.
    (1) فتح الباري
    (8/ 711).
    (2) متفق عليه.
    (3) رواه البخاري مع الفتح (1/ 40) طبعة الريان رواه مسلم (2307).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد


    (20)

    هجر القرآن*

    أبو أنس محمد بن فتحي
    هجر تدبر القرآن
    وفيه ثلاثة :
    تدبر القرآن (معناه - حكمه - فوائده).
    أسباب هجر تدبر القرآن وكيف أتدبر القرآن؟
    التدبر في القرآن والسنة وسير السلف الصالح.
    أولاً: معنى
    التدبر

    التدبر لغةً:
    كلمة التدبر في اللغة: مصدر فعله الماضي (تَدَبَّر) وهو فعل مزيد اشتق من الفعل الماضي (دَبَر)، ومضارعه (يَدْبُر)، والمصدر (دَبْراً، ودُبُوراً) (1).
    (الدُّبر) و (الدَّبُر) مخففاً ومثقلاً.
    و (التدبير) في الأمر: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته. (2)
    و (تدبر الأمر): رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (68) سورة المؤمنون، أي: ألم يتفهموا ما خوطبوا به في القرآن (3).
    تدبر القرآن اصطلاحاً:



    قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -:
    (وهو - أي تدبر القرآن -: التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك) (4).
    ثانياً: حكم التدبر
    إن تدبر القرآن الكريم من أجل الطاعات، وأفضل القربات، وأسمى العبادات؛ لأ
    نه من خلاله يفهم الإنسان مراد الله - سبحانه وتعالى -؛ ولهذا قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص.
    قال العلامة السعدي - رحمه الله -:
    (أي هذه الحكمة من إنزاله؛ ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها ... وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة القراءة التي لا تحصل هذا المقصود) (1).
    قال الإمام القرطبي - رحم
    ه الله -:


    (وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ (2)، إذ لا يصح التدبر مع الهذ، قال الحسن: تدبر آيات الله اتباعها) (3).
    قال الإمام الزركشي - رحمه الله -: (كراهة قراءة القرآن بلا تدبر).
    تكره قراءة القرآن بلا تدبر، وعليه حُمِل حديث عبد الله بن عمرو: "لا يفقه مَنْ قرأ القرآن في أقل من ثلاث " (4).


    وقول ابن مسعود لمن أخبره أنه يقوم بالقرآن في ليلة: أهذاً كهذ الشعر (5). وكذ
    لك قوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الخوارج: " يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولا حناجرهم" (1) ذمهم بإحكام لفظه، وترك التفهم لمعانيه) (2).
    ثالثاً: فوائد تدبر القرآن وثمراته
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في فوائد تدبر القرآن الكريم:
    (فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثه على التخفف من عناء اليوم الثقيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضالي
    ل، وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل، وتسهل عليه الأمور


    الصعاب، والعقبات الشاقة غاية التسهيل، وتنادي عليه كلما فترت عزماته، وونى في سيره: تقدم الركب وفاتك الدليل. فاللحاق اللحاق، والرحيل الرحيل، وتحدو به، وتسير أمامه سير الدليل. وكلما خرج عليه كمين من كم
    ائن العدو أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل حسبي الله ونعم الوكيل. وفي تأمل القرآن وتدبره، وتفهمه أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد). (1)
    قال العلامة السعدي - رحمه الله -: (فإن في تدبر القرآن:
    1 - مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم.
    2 - وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته.
    3 - فإنه يُعَرِّفُ بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال، وما يتنزه عنه من سمات النقص.


    4 - وبه يُعْرَفُ الطريق الموصلة إليه، وصفة أه
    لها، وما لهم عند القدوم عليه.
    5 - وبه يُعْرَفُ العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب.
    6 - وكلما ازداد العبد تأملاً في القرآن ازداد علماً، وعملاً، وبصيرة.
    ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه يصل به العبد إلى درجة اليقين، والعلم بأنه ك
    لام الله، لأنه يراه يصدق بعضه بعضاً، ويوافق بعضه بعضاً، فترى الحكم والقصة والأخبار تعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، لا ينقض بعضها بعضاً؛ وبذلك يُعْلمُ كمال القرآن، وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور. فذلك قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء. أي: فلما كان من عند الله؛ لم يكن فيه اختلاف أصلاً) (1).

    _________
    (1) دعوة لتدبر القرآن الكريم كيف ولماذ
    ا؟ مختار شاكر كمال ص (78).
    (2) مختار الصحاح الإمام الرازي ص (197 - 198) بتصرف، المطبعة الأميرية بالقاهرة.
    (3) القاموس المحيط للفيروز آبا
    دي (2/ 84) طبعة دار الكتب العلمية.
    (4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ السعدي (2/ 112) تحقيق محمد زهري النجار، طبعة الرئاسة العامة للدعوة والإرشاد.
    (1) تفسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي (6/ 418).
    (2) الهذ: سرعة القراءة بدون تأمل.
    (3) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (1
    5/ 192) المجلد الثامن، طبعة مناهل العرفان.
    (4) (حديث صحيح) رواه أبوداود وأحمد والترمذي وابن ماجه، انظر صحيح الجامع (7743).
    (1) للمزيد من الفائدة انظر مدارج السالكين (1/ 451).
    (1) تفسير الكريم المنان للشيخ السعدي (2/ 112 - 113) بتصرف.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •