بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فمسألتنا هذه من المسائل التي كثر فيها اللغط والاختلاط ، وبدا فيها ولا يخفي علي احد الاختلاف ، وهو وان كان امرا لاننكر وجوده ، ولكن اسائني كيف يكون مرده ، وقد اغنينا بالكتاب والسنة حكما ، وحفظهما الله لنا ولم يكل الي احد حفظهما ، فلما الحيدة عنهما ، والاكتفاء بما دونهما ، اوليس قد ترون ونري ان حل الخلاف فيهما
واسائني اكثر ان البعض التفوا حول قول ابن تيمية وابن عبد الوهاب ، واخذ كل واحد يثبت انه وافق معتقدهما في هذا الباب ، وكأن ما اعتقداه وما قرراه هو الحق اليقين ، فاذا قررا شمالا فشمال وان قررا يمينا فيمين ، ولا يظن احد اني بهذا اقدح فيهما ، او اقلل من شأنهما ، فما حال مثلي في وجودهما الا ان يغسل عن قدميهما ، وذلك لجلالهما ، ورسوخ علمهما ، وعلو منزلتهما ، والنفع الذي صار للمسلمين بهما ، ولكن هذا من باب التأصيل يا اخوة ، فلا يضرني ولا يضركم ولا يضر احد الرجوع الي الاصول البتة ، وهما وغيرهما من العلماء لو احياء بيننا لأيدوا ذلك وبقوة ، وقالوا ان مرد ومرجع الاختلاف بين المسلمين الي الكتاب والسنة ، لا الي قول احد من الائمة ، اللهم الا استئناسا بعد سياق الادلة ، فطريق سار عليه من سبقنا فنسير نحن عليه لنكون لمن بعدنا قدوة ، فذلك اثبت لقلوب الناس فلا تلتفت الا لوحي رب العزة ، وانهي للخلاف فلا تزداد له فجوة ، ولله الحمد وحده والمنة
اما وقد فرغت من مقدمتي فذلك يكفيها ، حيث اني لم ارد الا التذكير فقط بما جاء فيها ، فنشرع بإذن الله في بيان مسألتنا هذه وما فيها ، فاقول مستعينا بالله
دائما ما نسعي الي التأصيل قبل ذكر الخلاف ومسائله ، فبالتأصيل يُعرف مواقع الخلل ومواطنه ، فإذا اتفقنا علي تلك الاصول ، وذلك هو المأمول ، صار الخلاف بعد ذلك في التنزيل ، اي تنزيل المسألة علي تلك الاصول ، فبذلك تكون المسألة قد استيسر حلها ، وقرب زوال خلافها ، او قد يكون الاختلاف في الاصول نفسها ، فنضع هنا ايدينا علي العلة ونسعي في علاجها
فالتأصيل في الحالتين يضيق الشاسع ، ويحجر الواسع ، من سبل الاختلاف المتسع
ومرد هذه المسألة برمتها الي باب الاسماء والاحكام ، فمن سعي في ضبطه ، واحكم عليه قبضته ، وضح له الامر وتجلي ، وضبط من بعده مسائل اخري ، اللهم الا ،... معاند او مكابر ، او مقلد او مجادل ، وان كنت لا اظن ذلك من الاخوة الافاضل ، هذا وان كنت لا استنكر الخلاف في باب الاسماء والاحكام فهو من قديم وحاصل ، وخرج منه خوارج ومرجئة واهل السنة بينهما ومازالت تناضل ، ولكني استغرب - ولي الحق - انه وبين طلبة العلم ، ومن نرجوا فيهم العقل والفهم ، لايزال الخلاف في هذا الباب قائما بل يطاول ، وكأنه عدو صائل ، ندفعه عنا بقوة ولكن لا نقضي عليه فيكر علينا في وقت اخر يهاجم ويصاول
وحتي لا اطيل ، والي بعض من التأصيل ، اقول
باب الاسماء
ان ما يعنينا في باب الاسماء
ان كل فعل يترتب عليه اسم يأخذه فاعله وذا امر مستقر ، ولا يحتاج في تقريره الي كثير بحث وطول نظر ، فهو يتفق عليه كافة البشر ، فالذي يشرب وهذا هو الفعل فإسمه الذي ياخذه شارب كما مر ، وكذلك الذي يصوم صائم والذي يقتل قاتل والذي يقر بذلك فهو مقر ، اي ان الفعل يستلزم الحاق اسم الفاعل لفاعله وينزل عليه ولا مفر ، كما لا يفر بحر من نزول المطر ، او تفر ارض من ظل الشجر ، فيدور اسم الفاعل مع الفعل كما تدور الشمس والقمر ، ولا يستعقل لا عقلا ولا شرعا هنا اعتبار الشروط او الموانع والعذر ، وذلك في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل فتدبر
فلا يقال للشارب انه لا يسمي شاربا حتي يعلم ان فعله هذا شرب ، او حتي يقر ان الذي بيده هذا مشروب ، فبمجرد الشرب نحن نسميه شاربا وان لم يترتب علي فعله هذا اي اثر ، ولا يقال للذي ينام لا يسمي نائما حتي يقصد النوم ، او انه يعذر ولا يأخذ اسم النائم لانه مريض او مرهق او يجهل ان فعله هذا نوم ، فالاعذار لا علاقة لا بالاسماء ولا تعتبر ، اما الاحكام التي تترتب علي هذا الفعل هي التي يعتبر فيها العذر ، بل ويعتبر فيها الشروط والموانع كلها وكذا المصلحة والضرر ، وهذا في الاحكام لا في الاسماء والفرق بينهما واضح ومستظهر ، فالذي يسرق سارق والذي يزني زاني والذي يقتل قاتل ، ولكن لانحكم علي السارق بقطع اليد ولا علي الزاني بالرجم او الجلد ولا علي القاتل بالقصاص والقتل ، حتي تتحقق الشروط وتنتفي الموانع ويعتبر هنا العذر والمصلحة والضرر
فائدة : قولنا ان الشروط والموانع لا تعتبر في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل ، لا نقصد الضوابط او الشروط التي نتحقق بها من وقوع الفعل ، فهي لنتحقق أصدر الفعل من الفاعل ام لا ، او تم هذا الفل ام لا ، وليست لنزول اسم الفاعل عليه وفرق بينهما ، فهي حتي لا نظنه فعل وهو لم يفعل ، فقد يرفع الاناء علي فمه ولم يشرب ، فلا ينزل عليه اسم شارب لعدم تحقق فعل الشرب ، وذلك دفعا لداهية العموم والظنون ، فلا يعتبر بقول اظن انه شرب او انه كان مجاورا لقوم يشربون ، فإذا تحققنا وتبينا فلا مناص من انه شارب ، بلا شروط تتحق ولا موانع تنتفي ، ولا اعذار في انزال الاسم تاتي تعارض ، ولنا في ذلك الحكم علي الظاهر ، فلم يكلفنا الله الا بالظاهر وهو يتولي السرائر ،
والبيان علي ذلك انك مثلا اذا اتهمت رجلا بالقتل وقلت له انك قاتل ، فاول ما يتبادر اليه اذا اراد ان ينفي التهمة عن نفسه ان ينفي الفعل ، فيقول لا لم اقتل ، لانه يعلم انه اذا نفي الفعل اي القتل فقد رفع عنه الاسم فلا يقال قاتل ، واذا ثبت الفعل فقد نزل الاسم عليه وهو قاتل ، ومن يقول لا لست قاتلا فهو يريد نفي الفعل وهو القتل ، ولا هناك ابدا من يقول اني قتلت ولست قاتلا فيثبت الفعل وينفي اسم الفاعل ، فإما ان تنفي الفعل واما ان تثبت اسم الفاعل ، وعكس ذلك من اثبات الفعل ونفي اسم الفاعل ضرب من الهذيان فافهم هذا
والدليل علي ذلك من التنزيل ، قوله سبحانه ايتها العير انكم لسارقون ، فلما اتهموا بالسرقة سعوا لنفي الفعل لعلمهم ان الفعل اذا انتفي فلا يثبت الاسم واذا ثبت الفعل فقد وقع الاسم ، فقالوا والله ماجئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين ، فنفوا الفعل قبل الاسم فتدبر
وعلي ما سبق من تقرير وبيان ، فالذي يشرك في عبادة الله يقع عليه اسم الشرك وليس حكمه بلا نكران ، فهو مشرك ولكن لا يأخذ حكم الشرك والمشركين الا بعد بلوغ الحجة والبرهان ، واعتبار الشروط والموانع والمصالح الراجحة الحسان ، وسنوضح باذن الله الكلام علي الحجة والبلوغ بعد الكلام علي الاسماء والاحكام ، ولكن قبل الانتقال الاحكام ومزيد البيان ، يبقي لطيفة هامة في باب الاسماء لاتترك ابدا ولا بها يستهان
وهي ان هناك من الاسماء ضدان ، وهناك من الاسماء نقيضان ، فمثلا كالابيض والاسود فهما ضدان ، فهما لا يجتمعان ، فلا يوصف شيئ ان لونه ابيض اسود ، ولكن قد يرتفعان ، فيكون الشئ مثلا لونه اي لون أخر من الالوان
اما النقيضان ، فكاليل والنهار فهما لا يجتمعان ، فلا يكون اليل والنهار في وقت واحد ، ولا يرتفعان فإما ليل وأما نهار فلا بد من وجود منهما واحد
فالضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان ، والنقيضان لا يجتمعان ولكن ايضا لا يرتفعان ، والمشترك بين الضدين والنقيضين انهما لا يجتمعان في اسم واحد
كل هذا لنصل الي العلاقة بين الاسلام والشرك ، فإني رأيت فيها خلط كثير ومعترك ، فمن قائل لا يضر المسلم الجاهل الشرك ، وهذه والله كلمة عظيمة في دين الله واتحرج من قولي فرية او افك ، افصار دين الاسلام بلا اصل مصون ، ولا حدود له ولا مضمون ، حتي يختلط علينا مع الشرك او نظن ان امر الشرك في الاسلام يهون ، فالتوحيد يا اخوة في الاسلام هو الركن المركون ، والاصل المصون ، ولا اله الا الله مع الشرك الاكبر لا تجتمع فهو ينقضها فلا تبقي ولا تكون ، والشرك يزيل اسم الاسلام واثباتهما معا في باب الاسماء ضرب من الجنون ، فالمشرك لا يعبد الله بنص قل يا ايها الكافرون ، لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ، افصار المشرك والذي لا يعبد الله مسلما ونحن المخطئون ، ام ان الموحدين والمشركين في دين الله متساوون ، فما لكم كيف تحكمون ، ام لكم كتاب غير كتابنا اليه تحتكمون فانا لله وانا اليه راجعون
والمراد ان الاسلام والشرك اما نقيضان علي قول ، واما ضدان علي قول ، فضدان لانهما لا يجتمعان فلا هناك مسلم مشرك ولا مشرك مسلم كما لا هناك اسود ابيض ولا ساخن بارد ، ولكن قد يرتفعان فيكون هناك يهودي او نصراني او مجوسي
وعلي القول الثاني ان اليهود والنصاري والمجوس مشركون اذن فالاسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ايضا ، فلا هناك ابدا مسلم مشرك ولا مشرك مسلم ، كما لا يجتمع ابدا ليل ونهار ، ولا هناك عاقل مجنون ، او امر مبتدع مسنون ، وعلي كلا القولين ، فاسم الشرك لا يجتمع مع اسم الاسلام ، فاهم هذا يا طالب الحق جيدا فإذا نزل احدهما زال الاخر ، واذا وجد احدهما فلا وجود للاخر فتدبر
ولي علي ذلك مستشهَد بقوله تعالي ما كان ابراهيم يهوديا ولانصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
فالله سبحانه في هذه الاية نفي ثلاثة اسماء اوصاف وجعلها في كفة وهي اليهودية والنصرانية والشرك وفي الكفة الاخري اثبت حنيفا مسلما
فبعد ثبوت هذه الاسماء ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فكما لا يصح ان يقال مسلم يهودي او مسلم نصراني فكذلك لا يصح ان نقول مسلم مشرك او مشرك مسلم فكل ذلك في كفة والحنيف المسلم في كفة وان كان الاخير هذا اظهر ، لعدم تقيده ببعثة النبي فتدبر
فمما سبق يتبين ان الذي يعذر من وقع في الشرك اخطأ في امرين في باب الاسماء ، وليسا هينين ورب السماء
الاول عدم انزال اسم مشرك علي فاعل الشرك
الثاني انه انزل عليه اسما مضادا لما يفعله ، فالذي يمشي لا نسميه واقفا ، والذي ينام لا نسميه متيقظا والذي يصمت لا نسميه متكلما والذي يشرك لا نسميه ابدا مسلما فتنبه فلا اسلام بلا توحيد ولا توحيد بلا اسلام
واخيرا هنا اقول ان اخراج مسلم موحد من دين الاسلام بلا حق امر عظيم في غاية النكران ، وذنب به لا يستهان ، حتي وفي باب الاسماء ولو ، فالفاعل ادخل نفسه في دائرة اما او ، وذلك كما في الحديث وقد علق النبي الحكم علي مجرد القول ، فقال أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه
وكما نشنع في اخراج المسلم من الاسلام، كذلك نشنع وبنفس الحدة علي ادخال المشرك في الاسلام ، فكلاهما خطأ خطير في حق لا اله الا الله ، فالاول اخطأ في النفي لا اله ، والثاني اخطأ في الاثبات الا الله ، الاول اخطأ في فمن يكفر بالطاغوت ، فاخرج من الاسلام من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله والثاني اخطأ في ويؤمن بالله فادخل في الاسلام من يؤمن بالطاغوت ويؤمن بالله ، واقول ذلك تذكيرا وحتي لا يظن ظان ، كما هو منتشر وظاهر للعيان ، ان الثاني اوهون بكثير من الاول ، فادخال الشرك في الاسلام هدم للاصل ، وتصدير بان الاسلام ومشرعه سبحانه راض بهذا الفعل ، ويكفي هذا ردا علي من يذيع في الناس هذا الفهم ، كما ان المشرك ينشر في المسلمين شركه ويعم البلاء ، كما انه يضر باصل الولاء والبراء ، ويكفي النظر في حال امة المسلمين اليوم ذكرا للعقلاء
باب الاحكام
واما ما يعنينا هنا في باب الاحكام ، وما اريد ان ايسره علي الافهام ، فإني بفضل الله لي فيه تفصيل عزيز ميسور ، لفاعل الشرك والحكم الذي معه يدور ، وهو جامع وفي جملة محصور ، وفيه شرحة عدة نقاط سأوقفك عليها هي منبع هذا الخلاف المذكور ، فهو حقيق علي ان لا يمر عليه مرور الكرام او بذهن مشغول منثور ، وسبحان الذي صرف الباطل بما يدمغه وجعل الظلمات والنور
ووفقا لهذا التفصيل يصير الحكم حكمين وفقا لحالتين وذلك في الدارين
والحكمان هما المتعلق بالاسم والمتعلق بالفعل
والحالتان هما بلوغ الحجة وعدم بلوغ الحجة
والداران هما الدنيا والاخرة
فاما الحكمان اللذان هما حكم متعلق بتغير الاسم ، وحكم متعلق بإقتراف الفعل ، فنقول
اما المتعلق بتغير الاسم ، فهي الاحكام المترتبة علي زوال اسم وثبوت اسم ، فعصير العنب طالما اسمه عصير فحكمه انه حلال مستطاب ، فإذا انقلب خمرا واخذ اسم الخمر وثبت عليه تغير حكمه الي حرام بعد الانقلاب ، وهذه لا يعتبر فيها الشروط ولا الموانع والاعذار ، لانها متعلقة بالاسماء ، والشروط والموانع في الاسماء ليس له اعتبار ، فالمقيم اذا تغير اسمه الي مسافر تغيرت احكامه ، وننبه ثانية علي ما سبق بيانه ، ان الشروط والضوابط تعتبر في الفعل اي السفر ، لنتحقق هل الفعل يسمي سفرا ، ومتي يكون سفرا ، وهل يعتبر سفرا ، فإذا ثبت الفعل لا شروط في كون صاحبه مسافرا ، وشروط الصلاة مثلا هي لبيان صحة فعل الصلاة ، لا لصحة اطلاق اسم مصلي علي من باشر الصلاة ، فهي تخص الافعال لا اسماء الافعال ، فاليهودي والنصراني صلاته باطلة واسمه مصلي ، وفي الحديث اذهب فصلي فانك لم تصلي ، فنفي النبي صلى الله عليه وسلم عنه الفعل لا الاسم فتدبر ما يقال ، فالشروط والموانع تعتبر في الافعال وبيان صحة الافعال ، وليس في تنزيل اسماء الافعال علي من باشروا الافعال
والذي نعنيه هنا انه بمجرد فعل الشرك زال اسم الاسلام عن المرء ونزل عليه اسم الشرك ، فهو مشرك يأخد احكاما متعلقة باسم الشرك ، وذلك بعد التحقق من مباشرة الشرك ، بلا ظنون ولا عموم تعتبر هنالك ، فاليقين لايزول بالشك ، والفعل لا يثبت عليك بفعل المجاورين لك ، وان كنا نقول بأن اجتناب الفاعلين هو الاولي منك ، ولكنا هنا لسنا بصدد التفصيل في امر الاجتناب ذلك
واما هذه الاحكام السابق ذكرها والمتعلقة بالاسم ، فهي كعدم الصلاة خلفه ، وعدم الاكل من ذبيحته ، وعدم الترحم عليه بعد موته ، وكعدم تزويجه او الزواج منه ، ومحل بسطها في كتب الفقه ، فالكلام هناك مفصلا تجده ، وما يخصنا هنا انها تقع عليه بمجرد تغير الاسم ، اذ انها متعلقة بالاسم
اما النوع الثاني من الاحكام فهي الاحكام المتعلقة بإقتراف الفعل ، فهي النتائج او الحدود او العقوبة ، التي ترتبت علي مباشرة ما هو محذور فعله ، وذلك لوضوح ضرره ومفسدته ، وتعدي به الفاعل سواء علي حقوق الناس ، او علي حقوق رب الناس
وهذا هي التي لاينبغي ابدا انزالها علي الفاعل ، الا بعد اعتبار الشروط والموانع وبلوغ الحجة ، فهي ليست في شئ من المسميات بالمرة ، بل هي احكام تنفذ وحدود وعقوبات معلومة ، فهي كأي احكام متعلقة بفعل ، فالشروط والموانع فيها لاتترك ولا تهمل ، والمصالح والمفاسد هنا ايضا تفعل
وهذه الاحكام تنقسم الي حكم القول وحكم الفعل او احكام قولية واحكام فعلية او النطق بالحكم وتنفيذ الحكم
وحكم القول او النطق بالحكم اوالاحكام القولية وهي ما اصطلح عليه باسم التفسيق والتبديع والتكفير ، او ما في معناها من الاقوال ، كقولهم فارق الايمان او خرج من الاسلام او يخرج من الملة ، او يقتل ردة ، فهي اقوال تطلق باللسان ، وتخرج مخرج الاحكام ، ويقر قائلها ان مقترف الاثم ، ثبت في حقة الحكم ، وبات مستحقا لإقامة الحد ، فهي العقوبة والحد ولكن بالقول ، وهي تسبق العقوبة لمن يملك تنفيذها ، او هي العقوبة نفسها لمن لا يملك انزالها
اما حكم الفعل او تنفيذ الحكم او الاحكام الفعلية ، هي العقوبة بالفعل والعمل ، وليست مجرد القول ، اي هي انزال الحد ، سواء قتل او رجم او جلد ، والذي شرعه رب السموات والارض ، علي مقترف هذا الاثم ، والفرق بينهما ان الاول حكم بالقول والثاني حكم بالفعل
وعليه فالزاني مثلا حكمه القولي التفسيق والفعلي الجلد او الرجم ، وصاحب البدعة حكمه القولي التبديع والفعلي حسب بدعته من تعذير او قتل ، والمشرك المرتد حكمه القولي التكفير والفعلي هو القتل
وعليه فالتفسيق والتبديع والتكفير هي احكام قولية ، والرجم والتعذير والقتل احكام فعلية ، وننبه هنا ان الشروط والموانع وبلوغ الحجة معتبرة في الاثنين ، لان كلاهما احكام ويزيد في القولية اعتبار مبدأ العموم والتعين ، علي قول من قال به من علماء المسلمين ، ولا يعتبر ذلك في الاحكام الفعلية اي تنفيذ الحكم اذ ان الحدود لا تقام الا علي معينين ، فيقال حكما قوليا من فعل كذا يكفر ويقتل ردة ، واذا فعله فاعل لا ينزل عليه ايا من الاحكام القولية ، ومن ثم ولا الفعلية ، حتي ينظر في بلوغ الحجة ، والشروط المتحققة والموانع المنتفية
والذي يهمنا هنا وسبب تفريقي بين الاحكام القولية والفعلية ، ان تعلم ان التفسيق والتبديع والتكفير هي احكام وان كانت احكاما قولية ، فليست من باب الاسماء من شيء في كلام اهل العلم ، وخاصة المتأخرين منهم ، لذياع هذا الاصطلاح بينهم ، وان الفسق والبدعة والكفر هو حكم ، كمثل القتل وقطع اليد والرجم ، وبما ان مسألتنا خاصة في الشرك الاكبر ، وليست في البدعة والكبائر فتنبه لذلك وتذكر، ان اسم الشرك حكمه القولي الكفر او ان المشرك حكمه القولي التكفير ، وهذا هو المصطلح عليه في الاخير ، وهذه اول نقطة في محل النزاع والخلاف ، وسيظهر لك تأثيرها وجليا وذلك لمريد الانصاف
كما انه يفهمك كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب ، والذي افتري عليهم الناس كثيرا في هذا الباب ، فمن قال ان قولهم متناقض ، ومن قال بنسخ قول لقول آخر ، ومن قال بالرجوع عن فتاويهم ، ومن اصابته الحيرة بعد جمع اقوالهم ، ومن جمع بين اقوالهم بجمع لا يقوم ولا يستقر ، ولا يستعقل ولا يستطرد ولا يعتبر ، فجمع مبني علي الافتراض والاحتمال وغايته ترقيع وجهات النظر ، لا شك ان هذا جمع مهزوم سيولي الدبر ، والعجب ان الطرفين يستدلون باقوالهم ، فيظن الظان ان الامر خلافي بينهم ، او انه غير صريح في كتبهم ، والامر غير كل ذلك علي التمام ، لو انه فرق بين انزال الاسماء وانزال الاحكام ، فكم زلت في هذا الباب راسخة الاقدام ، وسابقة الافهام ، وجمع من طلبة العلم ، واهل العلم ، ولا حول ولا قوة الا بالله
وبيان ذلك ان العالم اذا تكلم عن فاعل الشرك وقال انه لايكفر حتي ....، او قال لا يمكن تكفيره الا ..... ، او قال انا لا نكفر ثم ذكر امورا من امور الشرك
يظن القارئ ان هذا من باب الاسماء ، اي ان الفاعل حتي يُنبه ويُعرف لا يأخذ اسم الكفر ، فهو اذن مازال مسلما علي هذا الظن وهذا الفكر ، والحق ان هذا لا يمس باب الاسماء في شيء ، بل هو من باب الاحكام ، والمعني انه لا يحكم بكفره حكما قوليا ، وبالتالي بقتله حكما عمليا حتي يتحقق ما يشترطه العالم ، وما قال احد البتة ، علي فاعل الشرك انه لا يسمي مشركا حتي .... ، لان ذلك ليس من باب الاسماء ، بل من باب الاحكام ، فالكفر هنا حكم ، وليس اسم
وليس معني انه لا يحكم بكفره انه يسميه مسلما فتنبه ، وما قال احد ذلك قط ، لانه يعلق الحكم وليس الاسم ، فهو عنده مشرك وتعليق حكم التكفير علي المعينين ، للشك في بلوغ الحجة وعدم اليقين ، ليس معناه ان العالم يؤسلم المشركين ، ويجعلهم من جملة المسلمين ، وهم في اوحال الشرك واقعين ، ونسبة ذلك لاجلاء العلماء امر مهين ، وذلك نتيجة عدم استيعاب الكلام ، وانزال الاسماء بدلا من الاحكام ، كيف وهم انفسهم يوضحون كما هو عنهم ثابت ، ان الشرك لا يقف علي بعثة الرسل فقبلهم اسم الشرك ثابت ، وفي فتاويهم او قد يكون في نفس الفتوي ، يقول هو مشرك ثم يقول لا يمكن تكفيره حتي ..... ، فكيف يعقل من كلامه انه مسلم واني ذلك واني ، فالكفر هو الحكم لمن عقل وتدبر وتفهم وتأني
وبذلك يتبين ان لا خلاف بينهما ، فضلا ان يكون تناقض في كلام احدهما ، فاذا انزلت ما بيناه في باب الاسماء والاحكام علي كلامهما ، فلن تجد اي التباس ، فهذا الباب هو الاساس ، فاسم الشرك يثبت ، والحكم هو الذي يتعلق ، علي بلوغ الحجة مرة ، وعلي الشروط والموانع بعدها اخري ، ويدخل فيه العموم والتعين ، والتثبت في بلوغ الحجة واليقين ، وكل ذلك في الاحكام لا في الاسماء ، وذلك هو الفهم السليم والحق المبين
واما الكلام علي الحالتين بلوغ الحجة وعدم بلوغ الحجة وتأثير ذلك علي احكام الدارين فاقول
يختلف الحكم علي المشرك وفقا لهاتين الحالتين ، وفي الحكم عليه ايضا في الدارين ، وننبه انه الذي يختلف هو الحكم وليس الاسم ، فاسم الشرك ثابت عليه في الحالين
فقبل بلوغ الحجة ، اسمه مشرك وحكمه في الدنيا حكم اهل الفترة ، ويمتحن هذا المشرك في الاخرة ، فمصيره بعد امتحان الله له اما الي نار واما الي جنة
اما بعد بلوغ الحجة ، اسمه مشرك وحكمه في الدنيا حكم المشركين المعرضين ، وفي الاخرة ان لم يتب في حياته فهو في جهنم مع الخالدين
هذا وفي حالة عدم تدخل اي من الموحدين في الامر ، فهذا حكم الله عليهم بينهم وبين الله ومع عدم وجود الموحدين فيما مر ، اما اذا تدخل موحد وصار وليا في الامر ، فله ان يدعوهم ، ويمهلهم ويترفق بهم ، ويوضح ويبين لهم ، وذلك قبل قتلهم او قتالهم وحربهم
وهذا من باب الدعوة لمن يقاتلهم ، او من باب الاستتابة لمن يقدر عليهم ، او عند الشك في بلوغ الحجة لهم ، فإنه عند عدم التيقن من بلوغ الحجة فيجب البيان والدعوة ، ومع التيقن الاستتابة ، وليس هذا من باب انهم مسلمون ، او موحدون فهم كما بينا مشركون
ومما سبق لك يتبين ان امر بلوغ الحجة هو امر عظيم ، لظهورالمشركين قصيم ، ولحالهم بالنسبة لنا قسيم ، فيقسم ويفرق حالهم لنا وفي امرهم نستبين ، فنميز بين مدعين ومفترين ، مدعي يدعى ان لو جاءته حجة وهدي لكان اهدي المهتدين ، وبين مفتري انشغل بالحياة الدنيا عن الاخرة ، وانصرف طواعية عن الحجة والهدي ، فكان من المهلكين
ونحن ان نقول ان مفرق الحكم علي المشركين هو بلوغ الحجة ، فلا نقصد ان تهمل وتترك الشروط والموانع البتة ، فالشروط والموانع وبعد بلوغ الحجة تأخذ في الاعتبار ، ولكن هل الجهل والتقليد والتأول بعد بلوغ الحجة يعدون من الموانع والاعذار ، ولبيان ذلك نقول
ان المشرك الجاهل او المقلد او المتأول اولذي لايعلم ولا يخطر بباله انه هذا شرك ، وان كان هذا هو الجاهل ولكن لكثرة استخدام هذا النوع من الكلام ، او الذي يظن ان هذا هو الاسلام وان كان هذا هو المتاؤل ولكن ايضا لكثرة الاستخدام ، او الذي يتبع علماء بلدته وان كان هذا هو المقلد ولكن ايضا لكثرة الاستخدام ، كل أولئك بعد بلوغ الحجة قد زادت علي صفاتهم القديمة ، وهي الجهل والتقليد والتأويل صفة جديدة ، فاثرت في اعتبار الصفات القديمة وان كانت لم تمحها ولكن اثرت في الاعتبار بها والاعتداد ، وهذه الصفة الجديدة هي صفة الاعراض ، فقبل بلوغ الحجة هو مشرك جاهل او مقلد او متأول ، وبعد البلوغ هو مشرك جاهل معرض اومشرك مقلد معرض او مشرك متأول معرض
وهذه في محل النزاع والخلاف هي النقطة الثانية ،فتدبرها فهي سهلة ميسورة وغير معقدة ، فلاشك عند اي عاقل ان هناك صفات جديدة محدثة ، اذا نزلت علي صفات قديمة مثبتة ، ياخذ ويعتبر بالصفة الجديدة فقط في الحكم ، والصفات القديمة موجودة ومعترف بها ولكن لا يعتبر بها في الاصل
ومثال ذلك قولنا عصير حلو الطعم ولكن سام ، فالسمية نزلت علي صفة انه حلو الطعم ، فأوقفت العمل والاخذ بها ، وصار السام هو الصفة المعتبرة في الحكم
وكذلك قولنا كافر محارب مستأمن فالحكم صار لصفة مستأمن ، لا لصفة الكافر المحارب
وكذلك قولنا في الاضحية كبش كثير اللحم اعور
فانت كما تري ان صفة حلو الطعم للعصير والمحارب للكافر وكثير اللحم للكبش ، لم ترتفع عنهم ولم تمح ، فالصفات القديمة ثابتة ، ولكن اخذنا في الحكم بالصفة الجديدة وان كانت مستحدثة
وعليه فبعد بلوغ الحجة ، نحن نقر بالصفات القديمة ، فنقر انه جاهل او مقلد او متأول او كل ما سبق ، ولكن والحجة قد بلغته فلم يعتد بما سبق ، فهو المعرض عنها وعن الاخذ بها وتعلمها والتدبر فيها ، فعدم اثبات صفة الاعراض له خطأ بين ، وعدم الاعتبار بها في الحكم هو الشطط المبين
لان من اعتد بالصفات القديمة التي في فاعل الشرك واعتبرها في الحكم ، واهمل الصفة الجديدة التي هي مناط الحكم ، بل وجعله مسلما وغير مؤاخذ وعذره ، فهو الذي لا يأخذ بصفة السمية في العصير الحلو ويأمر بشربه ، ولا ياخذ بصفة الاستئمان مع الكافر المحارب ويأمر بقتله ، ولا ياخذ بصفة العوران في الكبش ويأمر بالاضحية بة ، والامثلة علي ذلك لا تحصي وعليه ومع وجود الحجة فقد خالف عاذر المشرك بجهله وتقليده وتأويله المنقول شرعا والمعلوم عقلا فتدبر
وننبه اننا نقول في هذا الذي وقع في الشرك مشركا ونسميه مشركا فهو مشرك بمجرد فعل الشرك ، وليس بعد بلوغ الحجة نسميه مشركا فهو مشرك قبل الحجة وبعدها ، ولكننا نتكلم هنا عن حكمه وليس اسمه ، وهل هو مؤاخذ ام معذور فتنبه
وللعاذر الذي عذر المشرك هذا مخرجان ، الاول ان يثبت ان هذا المشرك ليس معرضا بالمرة ، وهيهات ذلك بعد بلوغ الحجة ، فهي متاحة ظاهرة معلومة موجودة ، ويتأكد ذلك اذ يعمل بها غيره ،وايضا اذ لم تبلغه حجة ، فهو مشرك اسما وليس مسلما، اذ صدر منه الشرك وفعله ، والمخرج الثاني ان يثبت انه ليس مشركا اصالة ولم يفعل الشرك ، ونأمل ذلك ونرجوا الا يقع مسلم في امر من امور الشرك ، ولكن والحال هذا وقد تبين وقوعه في الشرك وتبين بلوغ الحجة فليس لك او لي الا ان ننزل علي حكم الله وكتاب الله موجود بين ايدينا وهو ملئ بالحكم علي المعرضين بالكفر ، وان سبب جهلهم هو اعراضهم ولم يعذرهم بالجهل ، الم تقرأ عليكم هذه الاية من قبل ، بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ، فاثبت الله ان جهلهم بسبب اعراضهم ، والله يقول وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ، ويقول والذين كفروا عما أنذروا معرضون ، ويقول فاعرض اكثرهم فهم لا يؤمنون ، ويقول وقد آتيناك من لدنا ذكرا من اعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه ، ويقول ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمي ، وغير ذلك كثير كثير
فهذا حكم الله فيهم ، ونحن نحكم فيهم بحكم الله في حياتهم ومماتهم ، ولكن مع تدخلنا في امرهم فلنا دعواهم او استتابتهم ، والمعني انه لو عاش هذا المشرك علي شركه وقد بلغته الحجة ثم مات ولم يتب ، فنحكم له بالكفر في الدنيا والنار في الاخرة ، والايات والادلة علي هذا كثيرة ، اما اذا تتدخلنا في امره وقت حياته ، فلنا دعواه فان ابي الا الشرك قتلناه او قاتلناه ، وهذا من باب الدعوة وليس من باب التوقف في الحكم ، فبعد بلوغ الحجة ثبت الحكم كما انه بعد فعل الشرك ثبت الاسم ، ولكن لا يمنع بعد ثبوت الاسم والحكم الدعوة والاستتابه لامكانية رجوعهم وتوبتهم ولعلهم ، اما اذا شك الذي له الامر في بلوغ الحجة الي بعضهم ، فيجب ان يتوقف في الحكم عليهم وذلك في الحكم وليس الاسم ، فهم مشركون وليسوا مسلمين فيبلغهم ويدعوهم ، او يتأكد من وصول الحجة اليهم ، ثم ينزل علي من ابي منهم بعد ذلك احكامهم ، ولله الحمد المنة
ويبقي هنا في باب بلوغ الحجة ان نعرف ما الذي تقوم به الحجة علي الناس ، والفرق بين بلوغ الحجة وفهم الحجة ، فهذه نقطة ثالثة في اصل الخلاف ، ومعترك واضح يزيد الاختلاف
ولاشك ان المعتبر في بلوغ الحجة هو القرآن لقوله تعالي لانذركم به ومن بلغ ، وقوله حتي يسمع كلام الله ، وقوله هذا بيان للناس ، وقوله هذا بلاغ للناس ولينذروا به ، وقوله قل فلله الحجة البالغة ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، فمن اعرض عنه وعن تلاوته ودراسته وتعلمه ، ووقع في الشرك فلا يلومن الا نفسه فمن الذي منعه ، والله يقول
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ
افبعد هذا البيان من الله بيان ، فتدبروا انتم يا من تعذرون من وقع في الشرك كلام الله اذ كانوا هم لا يتدبرونه
فلكي لا يعتذر احد عندما يقع منه الهلاك والشرك ، ويقولون ما انزل الله علينا كتاب فقد انزل علي من قبلنا ، او يقولون لو انه انزل علينا كتاب لكنا الاهدي ، فانزل الله الكتاب لكي لا يعتذرون بعدم وجود كتاب ، وانظر لقوله فمن اظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ، وصدف عنها اي اعرض عنها ، ثم قوله سنجزي الذين يصدفون اي يعرضون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ، فاولا ذكر سبحانه المكذب والمعرض ، ثم خص سبحانه المعرض بالعذاب ولم يذكر المكذب ، لانه ولاخلاف في المكذبين ، فأراد سبحانه ان يقطع الخلاف في المعرضين ، ثم نري اليوم من يجادل عن المشركين المعرضين ، ويشيع ان المسألة خلافية بين علماء المسلمين ، فاي خلاف وبين ايدينا وايديكم كتاب رب العالمين ، وانا لله وانا اليه راجعون
وعليه فمن بلغه كلام الله فقد بلغته الحجة ، بل ومن سمع بوجود كتاب لله اسمه القرآن ، او رسول لله اسمه محمد او دين لله اسمه الاسلام ، ولم يسع في معرفة ما قاله الله في كتابه او ما بينه رسوله او ما جاء به دينه ، وعاش ولم يحرك ساكنا ، وعلي ما هو عليه من الضلال والشرك ظل عاكفا ، ثم مات كان من اهل النار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي ، فعلق الحكم بالنارعلي مجرد السماع فتدبر ، فالله لم يخلق العباد الا ليعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ولو خسروا في سبيل ذلك كل ملاذ الحياة الدنيا ، فأني بعد ذلك يعذرون ، والله يقول ياعبادي الذين أمنوا ان ارضي واسعة فأياي فاعبدون
اما فهم الحجة فالفهم بمعني الاستيعاب والفقه والاقتناع فلا شك ان كل ذلك شيء زائد عن السمع ، بل وزائد عن العلم ، فالله يقول ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ، والمعني ان الحكم والعلم كانا عند سليمان وداود عليهما السلام ، وفي هذه الواقعة زاد الله سليمان الفهم ، فالفهم شيء زائد عن العلم وعن السمع ، والله لم يشترط اصالة العلم في اعتبار الحجة ، والذي هو بمعني اعتبار الحجة ، ومعرفة حقيقتها ، والاعتراف بكونها حجة ، فلم يشترط سوي البلوغ والسمع ، فالله يقول حتي يسمع كلام الله ، والنبي قال والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ، فالحكم متعلق علي السماع والبلاغ ، فليس علي العلم ، ومن باب اولي فليس علي الفهم
ولا ادري لما يصدر اصحاب الاعذار دائما ان الجاهل كالمجنون ، ويصورونه وكأنه غير مكلف وغير مأمور ، بلي وربي فهو المكلف بالنظر والبحث والعلم ، وتلاوة كتاب الله بتدبر وفهم ، وكتاب الله للذكر والفهم متيسر ، ولا يلومن الا نفسه ان هو قصر ، والامر ليس متوقفا علي غني او فقر ، او فقه زائد او قليل او تقشف او تحضر ، فالله اخرجنا جميعنا من بطون امهاتنا لا نعلم ، وحثنا وامرنا علي التعلم ، وكم تري من قبور ويعكف عليها كثير من الاغنياء ، وينحرون لصاحب القبر ويذبحون وهم في غاية السخاء ، وكم تري من فقير متقشف قائم بتوحيد ربه ولا يقع في شرك ولا شئ من هذا الغباء ، فجميعنا مخلوقون لتوحيد ربنا ومكلفون به ، بل ولم نخلق الا له ، طالما عقولنا في صدورنا ، وارواحنا في اجسادنا ، وجاءنا سن البلوغ فَبَلَغنا ، وأتانا رسول فبَلَّغنا ، وفينا كتاب ربنا ، وامر التوحيد في الاسلام ظاهر معروف ، وفي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم واضح معلوم ، فاني ذلك العذر ، والجهل اذن من كسب اليد ، وكما اقول في بعض ابيات لي
علم اليهود ومن تنصر بعدهم بل عابد النيران ذاك تفتنا
علموا جميعا ان تلك شريعة لمحمد والجهل يصبح عذرنا
وقد كنت اتحاور مع احد منهم ، ممن يحكمون عواطفهم واهوائهم ، وكأن امر الدين والتشريع بأيدينا ، فحاورته في مسألتنا هذه وقتا ، اوضح له ان الجاهل مكلف وعليه البحث والتعلم ثم انصرفنا ، فارسل الي كيف تطلب من عجوز في سن السبعين والثمانين بل والتسعين البحث والتعلم ، وهي لا حول لها ولا قوة ، كيف تُؤاخذ مثل هذه ، فقلت له لا ابدا فمثل هذه تُعذر ولا تُؤاخذ ولكن بشرطين ، اما ان تكون خرجت من بطن امها وهي في سن السبعين والثمانين ، واما ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعث لنا وهي في هذا السن الطعين ، واما وقد بعث النبي في زمن جدها العاشر او العشرين ، وهي خرجت من بطن امها كمثلنا وتدرجت في العمر والسنين ، فمن العشر الي الخمسة عشر الي العشرين والخمس وعشرين ، ثم جاء الثلاثون والاربعون والخمسون والستون ، فهي مقصرة منذ ستين عاما ونحن في الاخير المخطئون ، وهي غير مؤاخذة ولا مكلفة طيلة هذه السنين ، انا لله وانا اليه راجعون
فمثل هؤلاء الذين يحكمون عواطفهم واهوائهم في الدين ، وكأن الذي انزل هذه الاحكام ليس هو ارحم الراحمين ، وما الفرق اذن بين مشركة وبين نصرانية ويهودية قد بلغتا مائة وعشرين ، اذا كان عامل السن هو الحكم في الحالتين ، ونحن وان كنا نترفق بهم ، ونأخذ بأيديهم ونعينهم ، بل ونخدمهم ونبرهم ونتبسم في وجوههم ، افكل ذلك معناه انهم مسلمين ، وان نغير احكام الله فيهم
فتحكيم العواطف في احكام الله امر وخيم ، وكم اتبعه اناس فاخرجهم من الملة والدين ، حين حكموا عواطفهم فاستثقلوا عقوبة الزاني مثلا والرجم ، وتدرج بهم الشيطان وطرائقه معلومة لاهل النظر والعلم ، حتي قالوا في الرجم فعل شنيع وتطرف وتشدد ، وليس هناك ذنب يستحق هذا الحد ، فتعاطفوا مع الزناة في اول الامر ، حتي وصل الحال الان انهم يدافعون عنهم ، ولا يجدون في فعلهم هذا اي تحرج ، واخشي ان يدخل العاذر من نفس بابهم ، ويخرج من نفس المخرج ، فيصل به الحال الي ان يدافع عن الشرك والمشركين ، وطرق الشيطان معلومة للمستبصرين
ولقد ارسلت الي محاوري هذا الذي حكيت لكم قصته قصيدة طويلة ، لما علمت انه ممن يقلد في العذر شيوخه كما يقلدهم في كثير من المعتقدات ، واذكر منها هنا هذه الابيات ، لتناسبها مع مقامنا هذا فقلت له
ضَلِيلُ اللَيلِ إنْ يَصْبِرْ لَيُبْصِرْ بِنُورِ الشَمْسِ يَكْفِيه انْتِظَارُ
وأمَّا مَن يَضِلُّ وَفِي نَهَارٍ يَدُومُ ضَلَالُه أبداً يَحَارُ
فَلَو أشْيَاخُكم لَيلٌ مُضِلٌّ فَأنْتم بَعْدَ لَيلِهم النَهَارُ
وَلَو أشْيَاخُكم دَهَنَتْ دِثَاراً فَأنْتم لِلمُدَاهَنةِ الشِعَارُ
وَلَو أشْيَاخُكم شَرَّاً أمِيتَتْ فَأنْتم شَرُّكم فَسَيُسْتَطَارُ
إذَا أشْيَاخُكم رَكَنَتْ لِشِرْكٍ فَأنْتم بَعْدُ لِلشِرْكِ المَنَارُ
وَمُلتَبِساً بِشِرْكٍ يَعْذُرُونَهْ فَأنْتم بَعْدُ لِلإشْرَاكِ دَارُ
تُآوِيهِ وَتَحْمِيهِ وَحَتْمَاً مَتَى يَحْدُثْ فَذَا لَكُم ادْكَارُ
وَسَوفَ رِمَاحُكم تَنْحَازُ عَنْهم لِصَدْرِ مُوَحِّدٍ وَسَتُسْتَدَارُ
فَأصْلُ أصُولِ مِلَّتِنا بَرَاءٌ وَأصْلُ أصُولِكم ذَاكَ اعْتِذَارُ
وَإنِّي قَد نَصَحْتُ وَذَاكَ نُصْحِي وَقَدْ يَقْسُو المُنَاصِحُ أو يُثَارُ
وَيَبْقَى مِنْكَ للهِ اطْرَاحٌ وَبَينَ يَدَيه يُنْهَمَلُ الوُقَارُ
فَرَاجِ مُهَادِيَ السُبُلَ افْتِقَاراً لَعَلَّ لَكَ الظَلَامَ هُدَىً يُنَارُ
تَضَرَّعْ فِي الدُعَاءِ كَمَا مُلِحٍّ يُبَاكِي اللهَ و الحَالُ اضْطِرَارُ
يُذَمُّ الفَرُّ فِي حَالٍ وحَالٍ أمَا للهِ يُمْتَدَحُ الفِرَارُ
اما الحين فننتقل الي الحديث عن الدليل ، فنتحض ونقيم ، وذلك بكلام يسير ، وفي ملخص حتي لا نطيل ، فنتحض ادلة الخصوم ، اذ انها صراحة للاستدلال لا ترقي ، وهي في الاصل حجة عليهم ودليل علي صحة قولنا ، ثم نقيم جملة من ادلتنا ، وبلمحة سريعة ايضا كما اسلفنا ، فيكفي اللبيب اشارة او ايماء ، والظمآن يكفيه قليل الماء ، والمجادل المكابر لن تكفيه ادلة من الارض الي السماء
واعلم اخي الكريم ان الخلاف منحصر في امرين ، الاول عدم انزال اسم الشرك علي المرء قبل بلوغ الحجة ، الثاني عدم انزال حكم الشرك علي المرء بعد بلوغ الحجة ، اذ يشترطون فهم الحجة ورفع الجهل ورد التأويل ، فبعد البيان والتفهيم ، اذ هو اصر فياخذ حكم المشركين ، فلا يأخذ الحكم عندهم الا المعاندين ، بحجة الجهل في الحالتين
اما استدلالهم بقوله تعالي وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا
فليس فيه حجة علي مذهبهم قبل بلوغ الحجة ولا بعد بلوغ الحجة
فالله لم يقل وما كنا نسمي مشركين حتي نبعث رسولا ، فبطل استدلالهم به قبل بلوغ الحجة
والله لم يقل وما كنا معذبين المعاندين حتي نبعث رسولا فبطل استدلالهم به بعد بلوغ الحجة
ثم نقول لهم كلمة رسول في هذه الاية بالمعني اللغوي ام المعني الشرعي ، ولا شك انه بالمعني الشرعي ، اي انه الرسول بين الله وخلقه ، فبطل القياس في هذه الاية ، وفي كل الايات الاخري التي يستدلون بها ، ومن يستدل بها فكأنه يزعم اننا مازلنا لم يبعث الله الينا رسولا ، واننا في زمن الفترة ، اذ لا علم هناك ولا حجة ، فلا ادري ما هذا الدليل واين ذلك الاستدلال الحق ، ام انه تحبير علي الورق ، فهذا الثلاثة ردود تجدها دحضا لكل ادلتهم ، فإما انها ليس في انزال الاسماء بل في الاحكام ، ولو كانت في الاحكام وانزال العقوبة فلا تستثني الجاهلين وتخص المعاندين ، واما انهم يستدلون بأن الحجة لاتقوم الا بالرسل والكتب بالارسال والانزال ، وسبحان الله علي هذا الاستدلال ، وقد بعث الله لنا افضل رسله ، ولا رسول يأتي بعده ، وقد بين رسولنا اتم البيان وبلغ رسالته ، واقر الله ذلك كله ، واكمل الدين والبيان وارتضي الله لنا ذلك بقبضه صلى الله عليه وسلم وموته ، ام ان الله قبضه وما اكمل ولا بين رسولنا شريعته ؟ ، بل وانزل الله علينا خير كتبه ، واقام الله فيه حجته ، وقال فيه هذا بلاغ للناس ، وقال هذا بيان للناس ولينذروا به ، وليعلموا انما هو اله واحد وليتذكر اولوا الالباب ، وهم جعلونا بمنزلة من لم يرسل اليهم رسول ولم ينزل عليهم كتاب ، فسبحان الملك الحق الفتاح الوهاب
اما استدلالهم بقوله
وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) . وقوله : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) وقوله : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )
فاقول هداكم الله ، فالرسول هنا بالمعني الشرعي ، وقد جاءنا الرسول ، فعلام ايها الناس كل هذا الالتباس ، ففي الاية الاولي هي في الاحكام والعقوبه وليس الاسماء ، وقد جاءنا رسول يتلو علينا الايات ، والمشركون هم الظالمون ، فالله يقول ان الشرك لظلم عظيم
والايه الثانية فهي حجة عليهم في انه لا حجة للناس علي الله بعد الرسل ، وانزالها علينا ضرب من التلبيس والهذيان وضرب من الجدل
والاية الثالثة فقد جاءنا رسول وبين لنا اتم البيان ، وهي حجة عليكم في ان الله بعد الرسل يضل من يشاء وليس كلهم من المغضوب عليهم فهناك مغضوب عليهم وهناك ضالون ، ولو علمتم الفرق بينهما لعلمتم كيف استدللنا بها عليكم
والاية الرابعة ففحواها اننا الي الان لم يبن الله لنا كيف نتقي ، وان امر التوحيد والشرك الي الان امر علينا خفي ، افلا يتدبر من يستدل بهذا ، ولو شيئا يسيرا ، فالله يقول حتي يبين لهم ولم يقل حتي يتبين لهم ، افلا هناك فرق بين المعنيين
اما استدلالهم بقوله تعالي وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة
فنقول انا لله وانا اليه راجعون ، وهذا هو زمان قلب الحقائق والموازين ، فيعمد الناس علي ما يحجهم فيجعلونه حجة لهم ، واني هذا ، وكيف اصبح هكذا
فالاية واضحة وضوح الشمس في نهارها ، تكاد ان تسقط علي رؤوس المستدلين بها ، ليتنبهوا او يتعقلوا ، فالاية دامغة لمن يقول بالعذر في وجود كتاب ربنا ، ودامغة ان الكتاب بينة ، واستكمال الاية كما أسلفنا ، دامغ علي انهم معرضون ، والمعرضون مؤاخذون ، فانا لله وانا اليه راجعون
واما استدلالهم بالاحاديث ، فهي اما غير واضحة علي قولهم او انها حجة لنا علي انكار مذهبهم
واما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار
فهذه من النوع الثاني الذي هو حجة لنا ان لا يشترط البيان ولا التبين ولا التحقق والتفهم فالحكم معلق علي السماع مجرد السماع ، ويؤيده قوله تعالي حتي يسمع كلام الله فالحكم علي السماع ولم يقل ربنا حتي يتبين او يفهم كلام الله او انه حتي قال حتي يعلم كلام الله فتنبه
واما استدلالهم بحديث الذي أمر بتحريق نفسه بعد موته ، وهي للحق اقوي استدلالاتهم ولكن لو كانت في المسألة التي نتكلم فيها ؟
فالمسألة في عذر المشرك والحديث في الكفر وليس الشرك ، فكل شرك كفر وليس كل كفر شرك ، والكلام هنا في الاسماء علي فاعل الشرك جاهلا ، لا علي جاهل الصفة موحدا ، فقد جاء في بعض الالفاظ انه من اهل التوحيد ، والكلام هنا في الاحكام علي ما بعد بلوغ الحجة ، لا علي زمن الفترة ، وان لم يصح هذا ولا هذا ، فغاية الامر انه لم يرد في الحديث انه مشرك فالرجل معه مطلق الايمان لا الايمان المطلق وهذا القدر ينجي من عذاب الله ، والمشرك نقض مطلق الايمان فأني له النجاة ، فتدبر
واما الحين فنلخص بحثنا ، ونقيم فيه ادلتنا ، فنقول
التلخيص
اولا ان لا شروط ولا موانع في انزال اسم الفاعل علي الفاعل اذا باشر الفعل
وادلة ذاك من القرآن والسنة لكثرتها لا تحصي ، ولكن يكفي ما اذكره لك منها
فمن القرآن قوله تعالي
عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ، وقوله تعالي سئل سائل ، وقوله فان احصن ..... فعليهن نصف ما علي المحصنات وقوله قال قائل منهم كم لبثتم وقوله سآوي الي جبل يعصمني ....قال لا عاصم ، وقوله وشهد شاهد من اهلها ، وقوله ولا تبغي الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين ، وقوله يوم يدعو الداعي ، وقوله اشتروا الضلالة ....وما كانوا مهتدين ، وقوله وان يستعتبوا فما هم من المعتبين ، وقوله فلا تنفعهم شفاعة الشافعين ، وقوله وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين ، وقوله ادخلي النار مع الداخلين وقوله ليبلغ فاه وما ه. ببالغه ، وقوله اعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون
ومن السنة حديث لايزني الزاني ....ولا يسرق السارق ، وحديث الا طارق يطرق بخير ، وحديث اذا اقتتل المسلمان .....فالقاتل والمقتول في النار
فكل ذلك وغيرها ادلة علي انزال اسم الفاعل علي الفاعل بمجرد الفعل
ثانيا ان الاسلام والشرك الاكبر لا يجتمعان
والادلة علي ذلك
قوله تعالي وا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وقد مر الكلام عليه في الاسماء
وقوله تعالي ان الدين عند الله الاسلام ، كيف يفهم اذا اجتمع الاسلام مع الشرك الاكبر ، مع قوله ان الشرك لظلم عظيم وقوله ان الله برئ من المشركين ، انما المشركين نجس ، ان الله لا يغفر ان يشرك به ، وقوله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، فكل ذلك لا يجتمع
وايضا لا نفهم معني كثير من احاديث النبي صلي الله عليه وسلم فضلا علي ان نأخذ منها احكاما
منها حديث انا برئ من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين ، فإذا كانا لا يقيمان في مكان واحد فكيف يجتمعان في شخص واحد ، فهذا الحديث سيكون لغوا ليس له معني ، وكحديث البطاقه ، ومثل ذلك كثير ولا نريد ان نطيل
ثالثا ان الاحكام منها ماهو متعلق بتغير الاسماء
كقوله تعالي فمن كان من مريضا ، واحكام الحائض
رابعا ومن الاحكام ما هو متعلقة بإقتراف الافعال
وهي الحدود ، والتعذير
خامسا ومنها القولية او الحكم بالقول
كقوله تعالي يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وكقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات وكان حكمه بالقول
سادسا الفعلية او الحكم بالفعل
كتضافر الادلة علي اقامته صلى الله عليه وسلم الحدود
سابعا ان الظنون والعموم لا عمل لها في انزال الاسماء والاحكام عل المعينين
لقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ وقوله وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا
ثامنا ان الحجة تكون ببلوغ القرآن او السماع
لقوله قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ ، وقوله وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ وقوله فَالْمُلْقِيَات ِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا
وقوله هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
تاسعا ان لا العذر من جهل وتقليد وتأويل بعد بلوغ الحجة لاكتساب المعذور صفة الاعراض وان صار عذره من كسب يده
لقوله تعالي اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
وقوله لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
وقوله بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ
وقوله أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ
وقوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ
وقوله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ وغير ذلك كثير
عاشرا ونستدل عليهم علي عدم العذر بالجهل مع الشرك الاكبر
بقوله تعالي وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ
وأية الميثاق وفيها أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ
وحديث الله انا اعوذ بك من ان نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه ، فلو كان ما لا نعلمه من الشرك لا يضرنا فلما الاستغفار منه
الحادي عشر وعلي عدم العذر بالتقليد والاتباع
لأية الميثاق وفيها ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ
وقوله وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا
وقوله وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ
الثاني عشر وعلي عدم العذر بالتأويل والظن
فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
وقوله الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
الثالث عشر ان الشك في بلوغ الحجة يوقف الاحكام ويوجب البلاغ ، ومع التيقن لايمنع الدعوة بل تستحب ، وان الاستتابة تقدر بقدرها
لقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
ولقوله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم خيبر انزل بساحتهم ثم ادعهم الي الاسلام
ولقوله ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
الرابع عشر ان احكام المشركين التي في القرآن ليس خاصة بالمشركين الذين كانوا علي عهد النبي بل لكل مشرك الي اخر الزمان
لقوله وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا
قوله تعالي ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ
الخانس عشر ان لا اهواء ولا عواطف نقابل بها تشريع الله بل القبول والانقياد
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
السادس عشر ان لا دليل هناك واحد يصح به الاستدلال علي ما يعتقده العاذرون
كما بينا في ردنا علي ادلتهم
السابع عشر ثم هناك امر اخير ابينه لعاذر المشرك الجاهل ، وهو كهدية مني لاولي الاحلام منهم والنظر ، وذا وحده كان يكفي لهدم مذهبهم رأسا علي عقب لو تدبر
فنقول لهم هذا المشرك عندنا والمسلم عندكم ، لا بد انه ممن قال لا اله الا الله في مذهبنا ومذهبكم ، فنقول انه لا يخلو امره مع لا اله الا الله من حالين
الاول انه قالها ولا يعلم معناها ولا مقتضاها ولا ما تنفي ولا ما تثبت فضلا عن شروطها واركانها ، فنقول لهم هل هذا هو المسلم عندكم ، وتحاجوننا فيه اذا ما وقع في الشرك الاكبر
والثاني انه قالها وهو يعلم معناها ومقتضاها وما تنفي وما تثبت بل وشروطها واركانها ، فنقول لهم هل هذا هو الجاهل عندكم ، وتحاجوننا فيه اذا ما وقع في الشرك الاكبر
فبان اذن ان مذهبكم الذي تدعون اليه كثير الاعوجاج ليس له ضابط ولا يستقيم ، وان مذهب غيركم لهو الصراط المستقيم ، ووضح ذلك لكل طالب للحق وطويلبة للعلم ومن لأمر دينه يستبين ، وظهر ان التكني بالبراء لا يكفي دون التبرؤ من المشركين ، وان العلاوة الحق هي العلاوة في الدين ، واتباع النبي الكريم ، ثبتنا الله علي ذلك الحق المبين ، وهدانا الله واياكم الي الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين
وهذه نهاية بحثي وارجوا ان اكون وضحت شيئا او افدت احدا ، ولم يكن كلامي تكرار لما كتب وسبق ، او انه تحبير للورق ، وفي الاخير الحق حق وان خفي وان حتي اندثر ، والباطل باطل ان ذاع في الارض وانتشر ، وارجوا الا يؤاخذني احد علي حدتي ان كان ثم ، فبيان الحق بتمامه غايتي وقد تم ، وآمل ان يكون نابع ذلك حرصي علي الدين وغيرتي فأبدا لن اذم ، وذا جهد المقل ، وبحثي المستقل ، وكما هو ظاهر للعيان ، لا استدل فيه بقولي وقد قال فلان ، فدين الاسلام منزه عن الاستدلال فيه باقوال الرجال ، اللهم الا استئناسا بعد ذكر الادلة اقوالهم تقال ، فقول الصحابي علي الصحيح ليس حجة مستقلة بالاستدلال ، فما بالك بمن دونهم فلاشك انهم اولي بتلك الحال ، وهم علماؤنا وسادتنا ولهم علينا حق التبجيل والاجلال ، والاعتراف بالافضال ، ولكن في الاستدلال بالكتاب والسنة دون اقوالهم لا مناص ولا فصال ، ولا ادعي في قولي العصمة والاستيعاب ، بل كل اقوال البشر امثالنا مظنة النقص والخطأ و الصواب ، ولكن من رأي رده فليرده بحجة من السنة او الكتاب