تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    فإن الناس أربعة أقسام : القسم الأول : يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض وهو معصية الله وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه . وهؤلاء هم شرار الخلق . قال الله تعالى : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين } وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال رجل يا رسول الله : إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا . أفمن الكبر ذاك ؟ قال : لا ; إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس } فبطر الحق دفعه وجحده . وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم وهذا حال من يريد العلو والفساد .

    والقسم الثاني : الذين يريدون الفساد بلا علو كالسراق والمجرمين من سفلة الناس .

    والقسم الثالث : يريدون العلو بلا فساد كالذين عندهم دين يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس .

    وأما القسم الرابع : فهم أهل الجنة الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم كما قال الله تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } وقال تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } وقال : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } .

    فكم ممن يريد العلو ولا يزيده ذلك إلا سفولا وكم ممن جعل من الأعلين وهو لا يريد العلو ولا الفساد ;
    وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم ; لأن الناس من جنس واحد
    فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم ومع أنه ظلم فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادونه ;
    لأن العادل منهم لا يحب أن يكون مقهورا لنظيره
    وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر
    ثم إنه مع هذا لا بد له - في العقل والدين - من أن يكون بعضهم فوق بعض كما قدمناه كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس . قال تعالى : { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم } وقال تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } .

    فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله .

    فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإنفاق ذلك في سبيله كان ذلك صلاح الدين والدنيا .
    وإن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس
    وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنية والعمل الصالح كما في الصحيحين { عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } .
    ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف [ و ] صاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم : رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين .
    ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك .
    ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك ; فأخذه معرضا عن الدين ; لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل . لا في محل العلو والعز .
    وكذلك لما غلب على كثير من أهل الدين العجز عن تكميل الدين والجزع لما قد يصيبهم في إقامته من البلاء : استضعف طريقتهم واستذلها من رأى أنه لا تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها .

    وهاتان السبيلان الفاسدتان - سبيل من انتسب إلى الذين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال
    وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين - هما سبيل المغضوب عليهم والضالين . الأولى للضالين النصارى والثانية للمغضوب عليهم اليهود .

    وإنما الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
    هي سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسبيل خلفائه وأصحابه ومن سلك سبيلهم . وهم { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه ; فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات : لم يؤاخذ بما يعجز عنه ; فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار .
    ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير : لم يكلف ما يعجز عنه ; فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى .

    فعلى كل أحد الاجتهاد في اتفاق القرآن والحديد لله تعالى ولطلب ما عنده مستعينا بالله في ذلك ; ثم الدنيا تخدم الدين كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه يا ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظاما وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة وأنت من الدنيا على خطر . ودليل ذلك ما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ; ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له } . وأصل ذلك في قوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } .

    https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

    وإن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس
    نعم قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    ثم قول القائل بعد هذا سياسة : إما أن يريد أن الناس يساسون بشريعة الإسلام أم هذه السياسة من غير شريعة الإسلام . فإن قيل بالأول فذلك من الدين وإن قيل بالثاني فهو الخطأ . ولكن منشأ هذا الخطأ أن مذهب الكوفيين فيه تقصير عن معرفة سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسياسة خلفائه الراشدين . وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال : { إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما مات نبي قام نبي . وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء يكثرون ؛ قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : أوفوا بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم ؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم } فلما صارت الخلافة في ولد العباس واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة العادلة : احتاجوا حينئذ إلى وضع ولاية المظالم وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال : الشرع والسياسة وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة سوغ حاكما أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة . والسبب في ذلك أن الذين انتسبوا إلى الشرع قصروا في معرفة السنة فصارت أمور كثيرة إذا حكموا ضيعوا الحقوق وعطلوا الحدود حتى تسفك الدماء وتؤخذ الأموال وتستباح المحرمات ؟ والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة وخيرهم الذي يحكم بلا هوى وتحرى العدل وكثير منهم يحكمون بالهوى ويحابون القوي ومن يرشوهم ونحو ذلك . وكذلك كانت الأمصار التي ظهر فيها مذهب أهل المدينة يكون فيها من الحكم بالعدل ما ليس في غيرها من جعل صاحب الحرب متبعا لصاحب الكتاب ما لا يكون في الأمصار التي ظهر فيها مذهب أهل العراق ومن اتبعهم حيث يكون في هذه والي الحرب غير متبع لصاحب العلم وقد قال الله تعالى في كتابه : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم } الآية فقوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر { وكفى بربك هاديا ونصيرا } . ودين الإسلام : أن يكون السيف تابعا للكتاب .
    فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعا لذلك كان أمر الإسلام قائما وأهل المدينة أولى الأمصار بمثل ذلك . أما على عهد الخلفاء الراشدين فكان الأمر كذلك وأما بعدهم فهم في ذلك أرجح من غيرهم . وأما إذا كان العلم بالكتاب فيه تقصير وكان السيف تارة يوافق الكتاب وتارة يخالفه : كان دين من هو كذلك بحسب ذلك http://islamport.com/d/2/ftw/1/30/2546.html

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
    اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ; ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة . فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها . فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة ; قدم أنفعهما لتلك الولاية : وأقلهما ضررا فيها ; فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا ; كما سئل الإمام أحمد : عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى ؟ فقال : إما الفاجر القوي فقوله للمسلمين وفجوره على نفسه ; وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر . وروي بأقوام لا خلاق لهم } . وإن لم يكن فاجرا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده .

    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال : { إن خالد سيف سله الله على المشركين } . مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه - مرة - قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال : { اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد } لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم ; ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب ; لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل .

    كان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق ; ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم } رواه مسلم . نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روى : { ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر } .

    وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة عمرو بن العاص في غزوة " ذات السلاسل - استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم - على من هم أفضل منه . وأمر أسامة بن زيد ; لأجل طلب ثأر أبيه . كذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان .

    وهكذا أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ما زال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها ; بل عاتبه عليها ; لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه وأن غيره لم يكن يقوم مقامه ; لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة ; وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ; ليعتدل الأمر .

    ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤثر استنابة خالد ; وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأن خالدا كان شديدا كعمر بن الخطاب وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر ; وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه ; ليكون أمره معتدلا ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو معتدل ; حقا قال النبي صلى الله عليه وسلم { أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة } وقال : { أنا الضحوك القتال } . وأمته وسط قال الله تعالى فيهم : { أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا } وقال تعالى : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } .

    ولهذا لما تولى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين في الولاية واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من لين أحدها وشدة الآخر حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم { اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر } . وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم : ما برز به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .

    وإذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين : مثل حفظ الأموال ونحوها ; فأما استخراجها وحفظها فلا بد فيه من قوة وأمانة فيولى عليها شاد قوي يستخرجها بقوته وكاتب أمين يحفظها بخبرته وأمانته . وكذلك في إمارة الحرب إذا أمر الأمير بمشاورة أهل العلم والدين جمع بين المصلحتين ; وهكذا في سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جمع بين عدد ; فلا بد من ترجيح الأصلح أو تعدد المولى إذا لم تقع الكفاية بواحد تام .

    ويقدم في ولاية القضاء : الأعلم الأورع الأكفأ ; فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع ; قدم - فيما قد يظهر حكمه ويخاف فيه الهوى - الأورع ; وفيما يدق حكمه ويخاف فيه الاشتباه : الأعلم . ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات } .

    ويقدمان على الأكفأ إن كان القاضي مؤيدا تأييدا تاما من جهة والي الحرب أو العامة .

    ويقدم الأكفأ . إن كان القضاء يحتاج إلى قوة وإعانة للقاضي أكثر من حاجته إلى مزيد العلم والورع ; فإن القاضي المطلق يحتاج أن يكون عالما عادلا قادرا . بل كذلك كل وال للمسلمين فأي صفة من هذه الصفات نقصت ظهر الخلل بسببه والكفاءة : إما بقهر ورهبة ; وإما بإحسان ورغبة وفي الحقيقة فلا بد منهما .

    وسئل بعض العلماء : إذا لم يوجد من يولى القضاء ; إلا عالم فاسق أو جاهل دين ; فأيهما يقدم ؟ فقال : إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الفساد قدم الدين . وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر لخفاء الحكومات قدم العالم . وأكثر العلماء يقدمون ذا الدين ; فإن الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي من أن يكون عدلا أهلا للشهادة ; واختلفوا في اشتراط العلم : هل يجب أن يكون مجتهدا أو يجوز أن يكون مقلدا أو الواجب تولية الأمثل فالأمثل كيفما تيسر ؟ على ثلاثة أقوال . وبسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع .

    ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال حقا يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها ; كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه وإن كان في الحال لا يطلب منه إلا ما يقدر عليه وكما يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف الاستطاعة في الحج ونحوها فإنه لا يجب تحصيلها لأن الوجوب هنا لا يتم إلا بها .
    [مجموع الفتاوى]
    وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم : ما برز به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
    نعم
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الاستقامة: وَقد ذكر الْجِهَاد بِالنَّفسِ، وَالْمَال فِي سَبيله، ومدحه فِي غير آيَة من كِتَابه، وَذَلِكَ هُوَ الشجَاعَة، والسماحة فِي طَاعَته سُبْحَانَهُ، وَطَاعَة رَسُوله. وملاك الشجَاعَة الصَّبْر، الَّذِي يتَضَمَّن قُوَّة الْقلب وثباته؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين} سُورَة الْبَقَرَة: 249. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون واطيعوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إن الله مَعَ الصابرين} سُورَة الانفال: 45 - 46.

    والشجاعة لَيست هِيَ قُوَّة الْبدن، فقد يكون الرجل قوي الْبدن، ضَعِيف الْقلب وإنما هِيَ قُوَّة الْقلب وثباته، فَإن الْقِتَال مَدَاره على قُوَّة الْبدن وصنعته لِلْقِتَالِ، وعَلى قُوَّة الْقلب وخبرته بِهِ. والمحمود مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعلم، وَمَعْرِفَة دون التهور الَّذِي لَا يفكر صَاحبه، وَلَا يُمَيّز بَين الْمَحْمُود والمذموم؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقوي الشَّديد هُوَ الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب حَتَّى يفعل مَا يصلح دون مَا لَا يصلح، فَأَما المغلوب حِين غَضَبه، فَلَيْسَ هُوَ بِشُجَاعٍ، وَلَا شَدِيد. انتهى.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

    قال شيخ الاسلام رحمه الله:
    وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب، فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. كما قال تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}. وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: إنك اليوم لدينا مكين أمين. وقال تعالى في صفة جبريل: {إنه لقول رسول كريم} {ذي قوة عند ذي العرش مكين} {مطاع ثم أمين} . والقوة في كل ولاية بحسبها؛ فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها؛ فإن الحرب خدعة. وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعن وضرب وركوب وكر وفر ونحو ذلك؛ كما قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

    والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام. والأمانة ترجع إلى خشية الله وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا، وترك خشية الناس؛ وهذه الخصال الثلاث التي أخذها الله على كل من حكم على الناس؛ في قوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا. واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة.
    فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها.
    فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها؛
    فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا؛
    كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه؛
    وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر.
    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال: {إن خالد سيف سله الله على المشركين} .
    مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه - مرة - قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد} لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم؛
    ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل.
    وقد كان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق؛ ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم} رواه مسلم.
    نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روي: {ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر}. انتهى.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: من كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه لم يكلف ما يعجز عنه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. كما قال تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}. وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: إنك اليوم لدينا مكين أمين. وقال تعالى في صفة جبريل: {إنه لقول رسول كريم} {ذي قوة عند ذي العرش مكين} {مطاع ثم أمين} .
    نعم
    {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} هذه الآية الكريمة جاءت ضمن قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين ـ والذي كان عاجزاً عن طلب الماء فخرجت ابنتاه للسقيا، بيد أنهما تأخرتا انتظاراً لصدور الناس عن البئر، إلا أن مروئة موسى مع هاتين الصفتين حملت موسى على أن يبادر ـ من غير أن ينتظر سؤالهما ـ بقضاء حاجتهما، والسقيِ لهما، فأعجبَ هذا الفعلُ الفتاتين، فذكرتاه لوالدهما المقعد عن العمل، فأرسل في طلبه، فلما جاء وحدثه بخبره، قالت له إحداهما ـ وهي العالمة بعجز والدها عن القيام بمهام الرجال ـ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القصص:26] فقولها: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} تعليل لطلبها، فالقوة في العمل، والأمانة في أدائه على الوجه المطلوب. وهذا التنصيص على هذين الوصفين هو من وفور عقل هذه المرأة التي رأت اكتمال هاتين الصفتين في موسى عليه السلام، وهو دليل ـ كما سيأتي ـ أن هذا من المطالب التي يتفق عليها عقلاء البشر في كل أمة من الأمم، وشريعة من الشرائع. وقد أخذ العلماء ـ رحمهم الله ـ هذه الآية مأخذ القاعدة فيمن يلي أمراً من الأمور، وأن الأحق به هو من توفرت فيه هاتان الصفتان، وكلما كانت المهمة والمسؤولية أعظم، كان التشدد في تحقق هاتين الصفتين أكثر وأكبر.
    إن من تأمل القرآن الكريم وجد تلازماً ظاهراً وبيّناً بين هاتين الصفتين (القوة والأمانة) في عدة مواضع، ومن ذلك: ما وصف الله به مبلغ الوحي والرسالات إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ـ جبريل ـ في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين}
    فانظر - الى وصف الله هذا الرسول الملكي الكريم بالقوة والأمانة، وهما من أعظم عناصر النجاح والكمال فيمن يؤدي عملاً من الأعمال. والموضع الثاني من المواضع التي لوحظ فيها وصف القوة والأمانة، فهو قول يوسف عليه السلام للملك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]. قال السعدى "أي: حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابط للداخل والخارج، عليم بكيفية التدبير والإعطاء والمنع، والتصرف في جميع أنواع التصرفات، وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية، وإنما هو رغبة منه في النفع العام، وقد عرف من نفسه من الكفاءة والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه"

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •