المهمات في فقه الصيام


مصطفى بن عمور






كلما أقبل شهر الرحمة والغفران: شهر رمضان إلا وتقبل معه أسئلة تتناسل من هنا وهناك، بيد أن السؤال لا يكون ذا قيمة إلا إذا كان يجسد إشكالا حقيقيا بالغ الأهمية والإلحاح حيث يكون في الجواب عنه فائدة عظيمة تزيل الشكوك وترسخ اليقين وتريح الضمير وتثلج القلوب، فإذا نحن أجلنا فكرنا في السؤالات الرمضانية المتعلقة بالصيام وجدناها متفاوتة القيمة الإشكالية، إذ نجد أسئلة تافهة يستحى من طرحها والاستفسار بها، كما نجد أخرى الجواب عنها مبذول للناس معلوم بالضرورة ومن ثمة يكون السؤال عنها من قبيل إضاعة الوقت وتفتيت الجهد. ولذلك حرصت في هذا الموضوع الفقهي أن أجيب عن أسئلة ذات قيمة إشكالية هامة حيث أنها قد تبلبل العقول وتضرم في النفوس نيران الشك وتؤلم من تضطرب في دواخله وترهقه نفسيا وعقليا.

وهذه الأسئلة كما يلي:
ما هي المبطلات الحقيقية للصيام؟
ما هو المرض المفطر؟
ما حكم من به مرض ليس له علاقة بالصيام ويضطر إلى استخدام أدوية معينة؟
إضافة للمفطرات المادية هل هناك مفطرات معنوية (المعاصي)؟
هل غروب الشمس وحده مؤذن بحلول وقت الإفطار؟


ما هي مبطلات الصيام الحقيقية؟
أولها: الأكل أو الشرب متعمدا غير مكره ولا ناسٍ بالطريقة الفطرية التي نأكل ونشرب بها، فلا أكل ولا شرب من العينين أو الأذنين أو الجلد أو المخرجين أو الأنف إلا أن يكون استنشاقا للماء بتعمد ليدله إلى جوفه، فمن فعله فيلزمه القضاء والاستغفار من رب الأرباب، أما إذا كان عن غلبة أثناء وضوء أو غيره فلا يفطر ولا شيء عليه وهو أشبه بالشرب سهوا ونسيانا، وتعجبني كلمة ذكية جامعة للشيخ ابن حزم رحمه الله في محلاه من كتاب الصوم حيث قال: إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي، وما علمنا أكلا ولا شربا يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس. وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله./ اهـ.

ثانيها: إخراج المني عمدا سواء بجماع تام مع الطرف الآخر أو نتيجة احتكاك وحركات مهيجة لا يراعي المرء ذكرا كان أو أنثى فيها حرمة الصيام ولا هيبته المانعة من ذلك وقد سماها الله تعالى بلفظ جامع هو: الرفث المذكور في قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187] وهو لفظ يجمع كل ما يقع بين الزوجين أثناء الخلوة الجنسية بينهما، فالشخص السريع الاهتياج والسريع الإمناء يحرم عليه أصلا أن يوقع نفسه فيما يضعفه ويجرجره إلى تلك الحال ولو بقبلة إلا أن تكون قبلة مودة بينه وبين زوجه معتادة لا تحرك منه شهوة ولا تهيج دما، وهو ما كان يفعله الرسول المشرع صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس حيث قالت زوجه المرضية عائشة أم المؤمنين: إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم / مالك و البخاري ومسلم. ومن ظن من الفساق أو أتباعهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل قبلة الرفث فقد أعظم الفرية والله محاسبه عليها كيفما كان.. وكذلك العزب الذي يعبث يوم في يوم صيامه بجهازه الجنسي إلى أن يقذف المني فهو مفطر عمدا بما أوقع نفسه فيه من اهتياج وعبث وعليه القضاء. أما من خرج منيه رغما عنه بدون أفعال رفثية لمرض قاهر أو احتلام نهاري فلا شيء عليه وينبغي عليه الغسل من الجنابة إلا إذا كان خروج المني بشكل مزمن فإنه يكتفي بالتيمم لأنه مريض أو يشق عليه الاغتسال كل حين. إلا أن هاهنا لطيفة فقهية ينبغي التنبه لها: وهي أن من جامع زوجه جماعا تاما فإن الواجب عليهما بعد التوبة والاستغفار أن يكفرا عن فعلتهما معا بصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا بمقاييس وقتهما وليس على المرأة إن كان الزوج أرغمها على الجماع وهي مكرهة كفارة او قضاء إلا في حال ظنت أنها أفطرت بجماعه لها وهي مكرهة فأكلت تبعا لذلك الظن الخاطئ.أما الحالات الأخرى في خروج المني عمدا فليس على الواقع فيها سوى قضاء ذلك اليوم مع ندم وتوبة ورهبة من الله جل جلاله مع عزم لازب على أن لا يعود لمثلها.

ثالثها: التقيؤ عمدا بأي وسيلة يستخدمها الصائم سواء آلية بإصبعه مثلا أو ملعقة أو عود.... أو وسيلة كيماوية سواء كانت رذاذا أو مادة مشمومة أو غبار، فإذا فعلها بهذه الصورة والنية العمدية فعليه قضاء ذلك اليوم والاستغفار العميق من الله جل شأنه. أما من غلبه القيء وذرعه من ذاته أو بفعل غيره فلا قضاء عليه ما دام قد أكمل صيام يومه، أما إن ظن انه قد أفطر بذلك فأكل وشرب تبعا لذلك الظن الخاطئ فإنه يقضي فقط وعسى الرحمن يغفر له جهله وخطأه.

رابعها: وهو أمران يخصان النساء فقط وهما حالي الحيض والنفاس على أن يكون الحيض حقيقيا وليس نزيفا أو استحاضة مرضية، وكل امرأة أعلم بهذا الشأن من غيرها فه فقيهة نفسها، فإذا وقع حيضها الحقيقي أو نفاسها وكانت صائمة فعليها أن تأكل وتشرب ثم تقضي عدد ما أفطرته بعد حين.

خامسها: عزم النية على الإفطار لطارئ وسواسي شيطاني أو فكري، فمن نوى الإفطار عازما عليه فقد بطل صومه وإن لم يطعم شيئا. وهذه حال يتعرض لها من يصاحب بعض الملاحدة أو عتاة المعاصي وأرباب الإثم. فإن تاب بعدها وأصلح فعليه قضاء ما أفطره. ومثله حال من ارتد عن الإسلام زمن الصوم ثم هداه الله بعد ذلك.