دور الشباب
معد يكرب

الشباب هم عماد الأمة وقلبها النابض، بهم تستمر الحياة وعلى يديهم يولد كل جديد. والشباب من العمر كالربيع من الزمان، قال الشاعر:
جارِ الشبيبةَ وانتفع بجوارها *** قبل المشيبِ فما له من جارِ
مثلُ الحياةِ تُحبُّ في زمن الصِّبا *** مثَلُ الرياضِ تُحبُّ في آذارِ
ولهذا حث الإسلام على اغتنام فرصة الشباب في الإكثار من العمل الصالح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اغتنم خمساً قبل خمس.. -وذكر منها- شبابك قبل هرمك))، وقال في حديث آخر: ((بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا.. -وذكر منها- أو هرماً مفنداً))، فدل على أن حديثه موجه للشباب يأمرهم بمبادرة الأعمال قبل أن يدهمهم الهرم المفند.
والشباب طاقة إن لم تسخر للخير والعمل الصالح انقلبت إلى شر، خاصة إذا توافرت لها عوامل أخرى كالفراغ والمال، قال الشاعر:
إن الشبابَ والفراغَ والجِدة *** مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة
والشباب إن لم يكن صالحاً فهم مصدر المعاصي وأهلٌ للنقمة والعذاب، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا شيوخٌ رُكَّع، وأطفالٌ رُضَّع، وبهائمُ رُتَّع، لصُبَّ عليكم العذابُ صبّاً))، فدل على أنه يخاطب الشباب لأنه استثنى الأطفال والشيوخ.
وإن من المفاهيم الخاطئة التي انتقلت للمسلمين نتيجة اختلاطهم بالأمم الكافرة أن الشباب فترة للهو والطيش والتصرفات غير المسؤولة والتباعد عن جلائل الأمور، وانحصار التفكير في متع الفرد واهتماماته المحدودة. ونسوا أو تناسوا أن هذه الدعوة المباركة لم تقم إلا على أكتاف الشباب المؤمن الذي باع الدنيا بالآخرة وآثر الباقية على الفانية، والشواهد على ذلك من التاريخ أكثر من أن تُحصى.
فقد ذكر الله - تعالى - عن إبراهيم - عليه السلام - أنه ثار على عبادة قومه للأصنام وهو ما يزال فتىً: (قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم)(الأنبيا ء، آية: 60)، وذكر عن أصحاب الكهف: (إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى)(الكهف، آية: 13).
والشواهد من التاريخ الإسلامي كثيرة، فعمير بن الحمام - رضي الله عنه - كان في السادسة عشرة من عمره حين استشهد في بدر بعد أن رمى تمراتٍ كن في يده، وقال: "ليس بيني وبين الجنة إلا هذه التمرات؟ إنه لعمرٌ طويل أن أنتظر حتى آكلها"، وتقدم في المعركة واستشهد. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد من كان دون الخامسة عشرة حتى كان أحدهم يختبئ خلف أخيه لكي لا يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يتفقد الصفوف فيرده. ونقرأ في السيرة أن سبب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - لملاقاة قريش في أحد إنما كان نزولاً على رأي الشباب الذين كانوا متحمسين للقتال حيث لم يتح لمعظمهم الاشتراك في بدر، بينما كان رأي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجلة الصحابة أن يتحصن المسلمون في المدينة، ولا يخرجوا لملاقاة المشركين.
ونقرأ أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّر أسامة بن زيد –رضي الله عنهما- على الجيش الذاهب لملاقاة الروم وهو لم يجاوز الثامنة عشرة، وفي الجيش جلة الصحابة. وتولى محمد بن القاسم الثقفي قيادة الجيش الذاهب لفتح بلاد السند وبلاد ما وراء النهر وهو دون العشرين.. وهكذا تستمر السلسلة إلى زماننا هذا وما شباب وأطفال فلسطين عنا ببعيد.
إن على الشباب المسلم، خاصة في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على المسلمين كما تداعت الأكلة على قصعتها، أن يعي دوره، وأن يعد نفسه للأيام القادمة، وأن يدع حياة اللهو واللعب، وأن يبادر إلى الأعمال الصالحة، فقد ولّى زمان الغفلة، وإن هذه الأيام لها ما بعدها، وإنها والله لكرامة الدنيا وفلاح الآخرة، أو لذل الدنيا وعذاب الآخرة