( قطار الزواج ) . . هل ما زال هاجسا ؟
نبيلة الشرفي


(قطار الزواج).. لا ندري هل بدت تخبو جذوة هذه الكلمة، وتندثر بين ركام الرمال، وتغوص في قيعان البحار، بما أنهكتها به مدنية اليوم، ودهاليز التكنولوجيا، ففي حين أن تلك الكلمة كانت الشغل الشاغل للفتاة قديماً فيا ترى: ما الذي جدّ في عالم الفتاة السعودية لكي تبتعد عن هاجس هذه الكلمة؟ ولم تعد تلقي لها بالاً.. هذا ما أردنا أن نكشف الغطاء عنه بجولتنا السريعة التي قمنا بها مع عدد من الفتيات..
بسؤالنا حول (قطار الزواج) توجهنا للأخت (هيا عبد الرحمن 32 عاماً) فقالت: دائماً ما يساورني هذا السؤال، وأسأل نفسي: هل يا ترى فاتني قطار الزواج؟ إلا أن مأساتي في بدايتها حقيقة لم تكن في أحد من حولي، لا والدي، ولا والدتي، ولا إخواني، ولكن المأساة كانت بيدي أنا، فربما أن انخراطي الشديد في الحياة العملية والاجتماعية جعلني أشعر بعالمٍ رحبٍ فسيحٍ لم تكن لي الرغبة في أن أتركه، تعدّدت فيه علاقاتي، وتنوّعت صداقاتي، وبالمقابل تبلّدت بداخلي مشاعر الأمومة، أو الزواج مع الوقت، فلم أعد أشعر بأن هناك رغبة لي في ذلك، ولا أخفي أن بداخلي الآن ما بين حينٍ وحين تلفّني بعض آهات الندم، ولكنني أكابر في الاعتراف بذلك، فليس هناك شيء اسمه (قطار الزواج)، ومصرّة بأنه عندما أجد الشخص الذي يقدرني فلن أتأخر عنه..
بالاطلاع على الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بها عدد من الجهات لقياس معدل انخراط الفتاة السعودية في الحياة العملية، وما إن كان هو السبب لهذا التجاهل للزواج من قبل الفتاة، نجد أن هذا الأمر غير مستبعد بالفعل.
ففي إحصائية نشرت في مجلة المعرفة، العدد (109) ربيع الآخر 1425هـ أفادت فيها بأنه قد بلغ عدد خريجات المرحلة الثانوية العامة في 1422هـ (89405) طالبات، وبلغ عدد خريجات مرحلة البكالوريوس في العام نفسه (33972) طالبة، وهذا يشير إلى حجم المخرجات التعليمية في القطاع النسائي السعودي.
ومن جهةٍ أخرى ذكرت جريدة "الاقتصادية" في عددها الصادر في 28/8/2004م أن (وكيل وزارة العمل لشؤون العمل أحمد المنصور أوضح أن هناك (70) ألف فتاة في المملكة مؤهلات علمياً للقيام بالعديد من أنواع العمل، مشيراً إلى أنه توجد تجارب لدى بعض الشركات بمختلف أنحاء المملكة أكدت نجاح المرأة والتزامها، وتحقيق مزيد من الإنتاجية والعطاء، وأضاف أن عدداً من المصانع الغذائية تعتزم توسعة زيادة إسهام المرأة في نشاطها؛ مؤكداً أن نظام العمل لا يفرق بين الرجل والمرأة)..
وعودة على فرضية تأثر الفتاة السعودية بسوق العمل بقطاعيه العام أو المختلط، فإن الأخت (سحر أ. 33 عاماً) تؤيدنا في ذلك بقولها: أنهيت دراستي الجامعية وتخرجت من كلية التربية بجامعة الملك سعود، وكان تقديري جيداً فالتحقت بالعمل في مجال التدريس، وقد كان لانشغالي وانغماسي الشديد في العمل أثر كبير في تأخر زواجي، ولكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد لعدم تفكيري في الزواج، بل لأن عملي في التدريس قادني أن أبادر بالتفكير في إنشاء مشروع خاص لي، وفعلاً أقدمت على فتح مشغل للخياطة، ومع مرور الوقت وعندما بدأ العمل يتسع قمت بتوسيع مجالي وفتح قسم للكوافير، فأنستني التجارة وعالم الأعمال أي تطلعات شخصية للزواج، وحقيقة لا أشعر بالندم؛ لأني أساساً لست مقتنعة بأن أسمي ما أنا فيه الآن أي اسم مما يتبادل بين الناس كعانس، أو فاتها قطار الزواج، فيكفيني أني حققت ذاتي، وتضيف سحر: نعم قد أجد ضغطاً في بعض الأحيان من والدي أو ووالدتي، وتلميحاً من أخواتي يحضونني فيه على الزواج إلا أني لا أعير الأمر اهتماماً، وسأظل أسير في عملي، حتى أحقق ذاتي.
زمن مختلف واهتمامات مختلفة:
تنفجر في وجهنا الأخت (سمية أحمد 28 عاماً مشرفة اجتماعية) لتقول: يزعجني دائماً ذكر هذا الموضوع، أو طرحه للنقاش في أي وسائل إعلامية، وليس الانزعاج من عنوان الموضوع نفسه، ولكن من الزوايا التي يتم مناقشتها به.. وتضيف سميّة قائلة: يمكننا أن نجد عذراً لأمهاتنا قديماً عندما يشغلهن مثل هذه الأمور، ولكننا اليوم أمام ثورة علمية وتكنولوجية هائلة تستدعي نزولاً ميدانياً فيها للرجال والنساء معاً حتى يتم تلبية حاجتها من الكوادر وسدّ الفراغ، ومن الظلم أن يكون الاهتمام بالمرأة إلى الآن محصور في التفكير بالعريس القادم على حصانٍ أبيض..
للأمهات رأي آخر:
مهما يكن طموح الفتاة، ومهما تكن تطلعاتها الشخصية لتحقيق الذات، والانغماس في الحياة بكل أعبائها، وأعمالها، إلا أن قلب الأم لا يمكن أن يكون إلا قلب أم، وعبق التاريخ، مازال صداه يتردّد بين شفتي (أم رهام)، والتي ظهر التجهّم، والامتعاض جلياً على وجهها عندما بادرناها بسؤال حول رأيها في تمادي ابنتها (رهام 36 عاماً) في الإعراض عن الزواج (بعد أن رفضت التحدّث إلينا)، قالت الأم: للأسف أن ما تعانيه ابنتي حنين مع زوجها من حياة قاسية، ورحلة مليئة بالمشاكل، كل هذا كان له الأثر السلبي، وانعكس على نفسية ابنتي رهام، لذا فهي تجد نفسها مقتنعة تماماً بحالها كما هي عليه الآن، ونجد صعوبة أنا وأختها في إقناعها، خصوصاً بعد أن توفي والدها عنها، فهي تشعر باليتم الشديد، وتخشى أن يسوقها مصيرها إلى حياة بائسة مثل حياة أختها..
دردشة بنات:
أثناء جلسة نسائية جمعتني بعدد من الفتيات وجدتها فرصة أن ألقي أمامهن سؤالي قائلة: "ما رأيكن في قطار الزواج؟ " من تخشى أن يفوتها؟ ومن تنتظره؟ ومن تخاف منه؟ فجاءت ردودهن بشيء من المزح والجدية، فتقول إحداهن مداعبة: "لو يكون صاروخ وليس فقط قطار فسأجري خلفه حتى أتعلق بجناحه إن استطعت"، وأخرى تقول بكل ثقة: "ما أكثر الرجال اليوم.. أكثر من الهم على القلب"، وتجيبها صديقة لها قائلة: "يا أختي ليس هناك أجمل من أن تضمن الفتاة منا مستقبلها، وتنهي دراستها ثم لكل حادثٍ حديث"..
وأمام حديث هؤلاء الفتيات، مازال السؤال قائماً..هل طبيعة الحياة المدنية اليوم أثّرت في نفسية الفتاة السعودية، فأصبحت رؤيتها مغايرة لما كانت عليه سابقاً؟ ومهما يكن الجواب، فالفطرة هي الفطرة، ولا غنى لأي جنسٍ عن الآخر، مهما تبدّلت المدنية، ومهما تطوّرت الحياة.