أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم؟
جمال عبد الرحمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.. وبعد:
ففي هذه الحلقة - إن شاء الله- نبين حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليم الأولاد حفظ الأسرار، وآداب الأكل، وكذلك حثه - صلى الله عليه وسلم - الآباء على العدل بين الأبناء، وعلى الله قصد السبيل.
(52) ويعلمهم - صلى الله عليه وسلم - حفظ الأسرار:
فعن عبد اللَّه بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: "أردفني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدِّث به أحدًا من الناس"(1).
ولا شك أن ائتمان النبي - صلى الله عليه وسلم - الطفل على السر يبني جسورًا من الثقة في نفسه، فيشعر بأهميته وأهمية ما يحمله من أسرار، فيحفظ السر كما حفظه أنس –رضي الله عنه- عندما أرسله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فتأخر على أمه، فقالت له: "ما حبسك- أي ما أخرك-؟" قال: "بعثني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – لحاجة"، قالت: "ما حاجته"؟ قال: "إنها سر"، فقالت له: "لا تخبرن بسر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – أحدًا". وأخفى أنس –رضي الله عنه- السر عن أمه، وكذلك أخفاه عن ثابت الذي سمع منه الحديث، وقال له: "واللَّه لو حدَّثتُ به أحدًا لحدثتك يا ثابت"(2).
(53) ويأكل معهم ويوجههم ويصحح أخطاءهم أثناء الأكل:
كثيرًا ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل مع الأطفال، وهي فرصة -بلا شك- أن يتعلم هؤلاء من معلمهم الأعظم آداب الأكل، فلم يكن ثمة معلم أحسن تعليمًا ولا أحرص على تربية النشء منه - صلى الله عليه وسلم -.
يقول عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنهما -: "كنت غلامًا في حَجْر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت يدي تطيش في الصحفة –الإناء-، فقال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، سَمِّ اللَّه، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) فما زالت تلك طعمتي بعد"(3).
ولا بدّ من وقفة ها هنا لننظر إلى التوجيهات العملية السريعة؛ وما يقابلها من سرعة الاستجابة، ودوام الاستقامة؛ "فما زالت تلك طعمتي بعد"، فهذا كله ما أتى من فراغ؛ ولكنه نتيجة خطوات صحيحة، وتربية سليمة، بُذِلت مع أمثال هؤلاء الأطفال في جميع نواحي حياتهم، في فرحهم وحزنهم، في لعبهم وجدهم، في تنويمهم وإيقاظهم، في نصحهم ومداعبتهم، في إعطائهم حقوقهم والاعتراف بكيانهم، في الصدق معهم وعدم إهمالهم، في مأكلهم في مشربهم في ملبسهم... وهكذا.
فكانت النتيجة كما رأينا؛ ثمرة حلوة نضيجة "فما زالت تلك طعمتي بعد".
ومثله الغلام عبد اللَّه بن عمر –رضي الله عنهما-، كان لا يقوم الليل، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم الرجل عبد اللَّه لو كان يصلي من الليل)). "فكان عبد اللَّه بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً" (4).
فهذه أيضًا من الثمار السريعة، هل جاءت هي الأخرى من فراغ؟ وهل عرفتَ أخي المربي أن الأسلوب النبوي في التربية هو خير أسلوب؛ وهو أقصر طريق للوصول إلى الثمرة النضيجة؛ وهي أبناؤنا ثمرات أفئدتنا وفلذات أكبادنا؟
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "أخذ الحسن بن عليٍّ - رضي الله عنهما - تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه –فمه-، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((كِخْ كخ(5)، ارْمِ بها، أمَا علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة))"(6)؟ وهنا ينهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلمة زجر لطيفة، ثم يعلل - صلى الله عليه وسلم - للطفل سبب النهي أن النبي -صلى عليه وسلم- وآله لا تحل لهم الصدقات، لتكون قاعدة عامة في حياته مستقبلاً.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كنا إذا حضرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرَّة طعامًا فجاءت جارية كأنها تُدفْع لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بيدها.. ثم قال: ((إن الشيطان يستحل الطعام ألا يُذكر اسم اللَّه - تعالى - عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذْتُ بيدها...))"(7).
ومن آداب الأكل التي ينبغي للطفل تعلمها:
1- ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه.
2- وأن يقول عند أخْذه: بسم اللَّه(8)، وفي نهايته: الحمد لله.
3- وأن يأكل مما يليه، ويصغّر اللقمة، عملاً بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((وكُلْ مما يليك)).
4- وألاَّ يبادر –يسرع- إلى طعام قبل غيره.
5- وألاَّ يُحَدِّق النظر إليه ولا إلى من يأكل.
6- وألاَّ يسرع إلى الأكل، وأن يجيد المضغ.
7- وألا يوالي بين اللقم.
8- وألا يلطخ وجهه ولا ثوبه.
9- وألا يذم أي طعام، فإذا أعجبه أكله. وإلا تركه من غير ذمٍّ.
10- وأن يُعَوَّد الخبز القفار -بغير إدام- في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأُدْمَ حَتما، وأن يُقبَّح عنده كثرة الأكل؛ بأن يشبه كل من يُكثر الأكل بالبهائم، وبأن يُذم بين يديه الصبي الذي يُكثر الأكل، ويُمدح عنده الصبي المتأدب، القليل الأكل، وأن يُحبب إليه قلة المبالاة بالطعام، والقناعة بالطعام الخشن.
الهوامش:
(1) مسلم، كتاب الحيض (517).
(2) مسلم، كتاب فضائل الصحابة (3453).
(3) البخاري، كتاب الأطعمة (4957).
(4) مسلم، كتاب فضائل الصحابة (4528).
(5) كلمة زجر معَرَّبة، أصلها فارسي.
(6) البخاري، كتاب الجهاد والسير (2843). ومسلم كتاب الزكاة (1778)، وهذا لفظ مسلم.
(7) مسلم، كتاب الأشربة. وأحمد، باقي مسند الأنصار (22165).
(8) الصحيح المأثور: "بسم اللَّه"؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل بسم اللَّه، فإن نسي في أوله؛ فليقل: بسم اللَّه في أوله وآخره)). صحيح سنن ابن ماجه للألباني (ح 1858)