تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    هل آثار الصالحين كآثار النبي صلى الله عليه وسلم تبرّكًا ؟

    قال الشيخ الإمام ابن باز - رحمه الله تعالى -:"لا يجوز التبرك بأحد غير النبي- صلى الله عليه وسلم - لا بوضوئه، ولا بشعره، ولا بعرقه، ولا بشيء من جسده، بل هذا كله خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة. ولهذا لم يتبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم. فدل على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاصُّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهº ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله - سبحانه ". راجع: "فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة" : ابن باز.

    2- وقال الشيخ صالح الفوزان في كتابه عقيدة التوحيد: "وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي - صلى الله عليه وسلم- وريقه وما انفصل من جسمه - صلى الله عليه وسلم - فذلك خاص به - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن الصحابة يتبركون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلّى فيها أو جلس فيها، ليتبركوا بها). "عقيدة التوحيد"ص (194-195).

    3- وقال ابن تيمية -رحمه الله - : "فإن المكان الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيه بالمدينة المنورة دائماً لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يُقبله، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه -صلى الله عليه وسلم- بقدميه الكريمتين، ويصلي عليه، لم يُشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله، فكيف بما يُقال إن غيره صلّى فيه أو نام عليه؟ فتقبيل شيء من ذلك، والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام: أن هذا ليس من شريعته -صلى الله عليه وسلم-. راجع: "الصراط المستقيم\". (2/795-802) تحقيق الدكتور/ ناصر العقل.

    وهناك تبرك مشروع كالتبرك بالأقوال, والأفعال, والهيئات إذا جاء بها المسلم ملتمساً للخير والبركة حصل له ما أراد إذا اتبع في ذلك السنة، ولم يكن في ذلك مانع فمن هذه الأقوال: ذكر الله, وتلاوة كتابه، ومن الأفعال التي تكون سبباً للبركة: طلب العلم وتعلمه، ومن الهيئات المباركة: الاجتماع على الطعام، والأكل من جوانب القصعة، ولعق الأصابع، وكيل الطعام فقد قال -عليه الصلاة والسلام- : (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يُبارك لكم فيه). أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2/717).
    وكذلك من التبرك المشروع التبرك بالأمكنة: فهناك أمكنة جعل الله فيها البركة إذا تحقق في العمل الإخلاص والمتابعة فمن هذه الأماكن المساجد والتماس البركة فيها إنما يكون بأداء الصلاة فيها، والاعتكاف، وحضور مجالس العلم وغير ذلك مما هو مشروع، ولا يكون بالتمسح بجدرانها أو ترابها مما هو ممنوع.
    ومن المساجد ما يكون لها مزية وزيادة في البركة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى - خلصه الله من أيدي اليهود - فصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلّى فيه صلاة كان له كأجر عمره). أخرجه أحمد وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/238) قلت: ولا يجوز التمسح بشيء من هذه المساجد الثلاثة من جدرانها أو معالمها طلباً للبركة منها.
    ومن الأمكنة المباركة: مكة والمدينة والشام، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة).صحيح مسلم (2/991) رقم(1360)، كتاب الحج ، باب فضل المدينة ودعا النبي فيها بالبركة. وقال -صلى الله عليه وسلم- طوبى للشام، فقلنا: لأي شيء ذاك؟ فقال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه). سنن الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي ص(3099).
    فمن سكن مكة أو المدينة أو الشام طلباً لما فيها من البركة التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فقد وفِّق إلى خيرٍ, كثير، بخلاف ما لو طلب التبرك بالتمسح بترابها وجدرانها وأشجارها وغير ذلك مما لم يرد به الشرع فإنه بدعة، وكذا المشاعر المقدسة كعرفة ومزدلفة ومنى فهي أماكن مبارك لما في الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- بالحصول فيها في الأوقات المشروعة من غفران الذنوب وحصول الأجر الكبير.

    شبه من أجاز التبرك بذوات الصالحين والرد عليها:
    هناك من أجاز التبرك بذوات الصالحين وبآثارهم ومواضع عبادتهم، ونحو ذلكº استناداً على بعض الشبه التي تعلقوا بها.
    فمن هذه الشبه:
    1. قياس الصالحين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شرعية التبرك بالذوات والآثار.
    الرد عليها:
    أولاً: هل فعل الصحابة ذلك التبرك مع غيره -صلى الله عليه وسلم-؟.
    لم يُؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة -رضي الله عنهم- أو غيرهم، سواءً بذواتهم أو بآثارهم، أو أرشد إلى شيء من ذلك. وكذا فلم يُنقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة -رضي الله عنهم- بغيره-صلى الله عليه وسلم-لا في حياته -صلى الله عليه وسلم- ولا بعد مماته -صلى الله عليه وسلم-.
    ولم يفعله الصحابة مع السابقين منهم إلى الإسلام وفضلائهم مثلاً، ومنهم الخلفاء الراشدون وهم - أفضل الصحابة- وبقية العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.
    قال الإمام الشاطبي -رحمه الله - بعد أن أشار إلى ثبوت تبرك الصحابة -رضي الله عنهم- بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبآثاره مناقشاً مسألة إمكان التبرك أيضاً بالصالحين وبآثارهم – وهو من المحققين الذين تطرقوا لهذه المسألة.
    قال -رحمه الله تعالى- : "الصحابة -رضي الله عنهم- بعد موته - عليه الصلاة والسلام- لم يقع من أحدٍ, منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم - بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيءٌ من ذلك، ولا عمر - رضي الله عنه-، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء." الاعتصام" (2/8-9).

    فإذا لم يثبت حصول ذلك النوع من التبرك من جهة الصحابة-رضي الله عنهم - مع بعضهم وهم أفضل القرون كما قرره الشاطبي -رحمه الله تعالى- وغيره مع وجود مقتضيات هذا التبرك طلب الخير والشفاء والبركة وتوفر أسبابه، حيث توافر الصحابة السابقين والعشرة المبشرين بالجنة - رضي الله عنهم- جميعاً.
    كما أن الوفود التي كانت تُبعث خارج المدينة لبعض المهمات - ومنهم كبار الصحابة- لم يحصل التبرك بهم من قبل من بُعثوا إليهم، مع بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنهم في حياته.
    إذا كان الأمر كذلك، ما سبب إجماعهم على ترك هذا التبرك إذن؟ ولماذا لم يفعلوه مع بعضهم كما كانوا يفعلونه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟.
    إذاً فما هو السبب في ترك الصحابة لهذا التبرك؟
    إن السبب الرئيسي في ترك الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك التبرك مع بعضهم - والله أعلم - هو اعتقاد اختصاص النبي-صلى الله عليه وسلم -به دون سواه - ما عدا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - \"راجع \" التبرك أنواعه وأحكامه\" (262-263).
    وقال الشاطبي -رحمه الله- مبيناً حكم ذلك التبرك بغيره -صلى الله عليه وسلم-: "فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه، ونحوها ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة" "الاعتصام" 2/9.

    وذكر في موضع آخر ما يرجح هذا الوجه: (وهو إطباقهم -أي الصحابة-على الترك إذ لو كان اعتقادهم التشريع (أي اعتقادهم أن هذا التبرك مشروع) لعمل به بعضهم بعده، أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إما وقوفاً مع أصل المشروعية، وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع". "الاعتصام" 2/10.

    وقال"الإمام ابن رجب" في معرض سياقه للنهي عن المبالغة في تعظيم الأولياء والصالحين وتنزيلهم منزلة الأنبياء:"وكذلك التبرك بالآثار، فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي-صلى الله عليه وسلم- ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم.. ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم فدل على أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل التبرك بوضوئه، وفضلاته، وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه. راجع "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بُعثت بين يدي الساعة\". لابن رجب ص55.

    يتبين لنا مما سبق أن ما رآه بعض أهل العلم من قياس الصالحين على الرسول -صلى الله عليه وسلم - في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح.
    فإن إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ترك التبرك بالذوات والآثار مع غير النبي-صلى الله عليه وسلم -مع وجود مقتضياته - يدل على أن هذا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-حيث إن الله - تعالى- اختص نبيه بجعل البركة في ذاته وآثاره، تكريماً وتشريفاً لصفوة خلقه -عليه الصلاة والسلام-.
    ولو كان الفعل مشروعاً لسارعوا إلى فعله، ولم يجمعوا على تركه, فهم أحرص الناس على فعل الخير.
    تبين لنا في الكلام السابق عدم مشروعية التبرك بذوات الصالحين أو بآثارهم، وأن هذا النوع خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقط.
    ولعلنا نذكر بعض الأمثلة لهذا التبرك الممنوع ألا وهو التبرك بذوات وآثار الصالحين.
    فمن أشهر هذه الأمثلة تقبيل اليد ونحوها أو التمسح بها تبركاً, أو تقبيل الميت الصالح للتبرك. راجع \"المدخل لابن الحاج\" (1/263). و" فتح الباري" (3/115) مع تعليق الشيخ ابن بارز رقم (1).

    ومن العادات الشائعة عند بعض العوام التمسح بالخطيب -بكتفه وظهره مثلاً- بعد خطبة الجمعة والتمسح بأئمة الحرم المكي والمدني بعد كل صلاة. راجع" الإبداع في مضار الابتداع" لعلي محفوظ ص79.

    ومن أمثلة التبرك بآثار الصالحين (وهو باطل): التبرك بما انفصل منهم، كالشعر، والريق، والعرق، وشرب ماء الوضوء، أو التمسح به، أو الاحتفاظ بملابسهم وأدواتهم للتبرك بها، ونحو ذلك. رجع \" التبرك أنواعه وأحكامه" (382-383)

    تقدم في ما مضى بيان عدم مشروعية التبرك بآثار الرسول -صلى الله عليه وسلم-المكانية، كمواضع صلاته ودعائه، أو جلوسه، أو نومه، ونحو ذلك مما يفعله -صلى الله عليه وسلم- على وجه التعبد.
    ولا ريب أن هذا إذا لم يشرع في حق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فإن ما عداه من الصالحين وغيرهم ليس مشروعاً في حقهم من باب أولى. راجع:" التبرك أنواعه وأحكامه" (384).

    وأما ما ذكره بعض المؤرخين عن اشتهار أمكنة موالد بعض الصاحبة في مكة مثلاً، كموالد علي بن أبي طالب، وفاطمة، وعمر بن الخطاب. "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/270-272) - رضي الله عنهم جميعاً- ، وأن بعض هذه المواضع تزار مرة كل سنة، ويتمسح بها تبركاً. راجع "رحلة ابن جبير" ص42. فإن هذا لا أصل له، وعلى ضوء ما تقدم في حكم التبرك بمكان ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

    قال "الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" تعليقاً على قول بعض شراح الحديث:"لا بأس بالتبرك بآثار الصالحين" إذا مروا بذكر شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحوه.

    قال -رحمه الله- : (وهذا غلط ظاهر، لا يوافقهم عليه أهل العلم والحق وذلك أنه ما ورد إلا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فأبو بكر, وعمر, وذو النورين عثمان, وعلي, وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وبقية البدريين، وأهل بيعة الرضوان ما فعل السلف مع واحد منهم، أفيكون هذا منهم نقصاً في تعظيم الخلفاء التعظيم اللائق بهم، أو أنهم لا يلتمسون ما ينفعهم. فاقتصارهم على النبي-صلى الله عليه وسلم -يدل على أنه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم-.. من راجع: \"مجموع فتاوى ورسائل ابن إبراهيم\" 1/103- 104. "وفتح المجيد" ص106

    ومما يؤكد الاختصاص أيضاً أنه لم يرد دليل شرعي على أن غير النبي -صلى الله عليه وسلم - مثله في التبرك بأجزاء ذاته وآثاره، فهو خاص به كغيره من خصائصه.راجع: كتاب هذه مفاهيمنا (209). ولا شك أن اختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا التبرك يدل على عدم جواز قياس الصالحين عليه - صلى الله عليه وسلم- بجامع الفضل، وأن هذا الأمر قاصر عليه -صلى الله عليه وسلم- لا يتعداه إلى غيره.
    فقد أجمع العلماء على أنه إذا ثبتت الخصوصية في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه، إذ لو كان حكم غيره كحكمه لما كان للاختصاص معنى. راجع" أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية\". الأشقر 277بتصرف.

    الشبهة الثانية: أثبت القرآن الكريم أن بقايا الصالحين وآثارهم يمكن التبرك بها في قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُم نِبِيٌّهُم إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُم وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُم إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ} (248) سورة البقرة .
    الرد عليها: يجاب على هذه الشبهة بأن المراد بآل موسى وآل هارون هما موسى وهارون أنفسهما وأن لفظ (آل) مقحمة لتفخيم شأنهما وعلى هذا جمهور المفسرين.
    وقيل: المراد الأنبياء من بني يعقوبº لأنهما من ذرية يعقوب، فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما. راجع"فتح القدير" (1/265).

    وعلى ما تقدم فإن تلك البقايا المذكورة في الآية خاصة بالأنبياء فقط، ليست لغيرهم والتبرك بآثار الأنبياء -غير المكانية- لا نزاع شرعيته، كما تقدم.
    فهذه الآية ليست فيها ما يدل على جواز التبرك ببقايا الصالحين وآثارهم، ومن زعم أنها تدل على ذلك فقد قال في القرآن بمجرد رأيه، وسلك طريق اتباع ما تشابه من القرآن، وابتغاء الفتنة وتضليل الجهال، الذين لا يفرقون بين الحق والباطل. راجع "رسالة الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية" التويجري ص18-19.

    الشبهة الثالثة: نقل حصول هذا التبرك عن بعض الأئمة، كما يُروى عن الربيع بن سليمان أن \"الإمام الشافعي\" -رحمه الله- بعثه بكتاب من مصر إلى"الإمام أحمد بن حنبل" -رحمه الله- ببغداد، ذكر فيه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في نومه، وأنه أمره أن يبشر أحمد بأنه سيمتحن في القول بخلق القرآن، وأن الله سيرفع له بذلك علماً إلى يوم القيامة. فدفع إلى الربيع أحد ثوبيه بشارة، فلما رجع الربيع إلى مصر تبرك "الشافعي" بغُسالة ثوب "الإمام أحمد". راجع" تاريخ دمشق" (7/270-271) و"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي ص551.


    الرد عليها:
    هذه الحكاية غير صحيحة لما يأتي:-
    1. أن الإمام الذهبي قد نص على عدم صحتها.
    فقد قال -رحمه الله- في كتابه "سير أعلام النبلاء" عند ترجمته للربيع: "ولم يكن صاحب رحلة، فأما ما يُروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح" راجع "سير أعلام النبلاء" (12/578-588).

    2. أن "الشافعي" لقي من هو أكبر من "الإمام أحمد" وأفضل ولم يتبرك به، "كالإمام مالك" -رحمه الله- وهو شيخه، وكذا سفيان بن عيينة -رحمه الله-.

    على أنه لو صحت تلك الحكاية أو غيرها عن بعض العلماء -افتراضاً- فليس هذا بحجة، لاختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بجواز التبرك بذاته وآثاره، واقتصاره عليه، كما تقدم إثباته. راجع "التبرك وأنواعه وأحكامه" 384-387.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    هل آثار الصالحين كآثار النبي صلى الله عليه وسلم تبرّكًا وحكمًا؟




    الجواب

    فضائل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها بركاته المتنوعة، سواء كانت معنوية؛ وأعظمها اصطفاء الله تعالى له بالرسالة، وجعله سببا لهداية البشر جميعًا، أو حسية؛ كبركة أفعاله وتصرفاته وآثاره.
    أما بركة أفعاله فمعلومة مشهورة؛ كتكثير الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم(
    [1]). وكذلك آثاره صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان الصحابة يتبركون بها، بل كانوا يقتتلون على وضوئه، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه ويديه([2])، وكانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم([3])، بل كان يرشدهم إلى ذلك، فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقدح فيه ماء فغسل وجهه ويديه ومج فيه، ثم قال لبلال بن رباح وأبي موسى الأشعري: «اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا»([4]).
    فهذا مقرر معلوم في حقه صلى الله عليه وسلم؛ فهل يُلحق غيره من الصالحين أو ممن يُظن صلاحهم بالتبرك بهم وبآثارهم قياسا على تبرك الصحابة بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ وهل يصح هذا القياس وهذا الإلحاق؟
    هذا سؤال هذه المقالة، وهو لبيان حكم الشرع في هذا النوع من التبرّك، والنظر في أدلة من قال بجوازه، فقد شاع بين المسلمين في القرون المتأخرة القول بجواز التبرك بآثار من يظنون صلاحهم، فيلتمسون البركة في ثيابهم، وآثارهم المنفصلة عنهم؛ كشعرهم وثيابهم، ومكان صلاتهم، ظنا أن ذلك يوصل إلى البركة من الله أو أنه يتقرب إلى الله بمثل هذه الأمور وأنه أمر مشروع(
    [5])! فنقول:
    التبرك بالشيء معناه: طلب حصول الخير بمقاربة ذلك الشيء وملابسته(
    [6])، فالذي يتبرك بأثر من آثار أحد الصالحين يظن أن ذلك الفعل سبب لحصول الخير والنفع بملابسة ذلك الشيء ومقاربته.
    وعدُّ شيءٍ ما سببًا لا يخلو أن يكون أحد أمرين:
    الأول: أن يكون سببا ماديا، وإثبات السببية هنا متوقف على المناسبة الظاهرة التي تعلم بالتجربة، وهذه الأسباب لا تحتاج إلى دليل شرعي لإثباتها. مثل كون النار سببا للحرق، والتردي من شاهق سببا للموت، وفعل ما سببا للمرض، وهكذا.
    الثاني: أن يكون سببا شرعيا، وإثبات السببية هنا متوقف على ما ورد به الدليل، فما ورد الدليل باعتباره سببًا فهو كذلك، وإلا فلا. مثل جعل دلوك الشمس سببًا لوجوب صلاة الظهر.
    وإذا كان التماس البركة من آثار الصالحين ليس بسبب مادي؛ إذ ليس هذا الأمر مما يعرف بالتجربة، أو بالعلوم المادية، فلا يكون إلا سببًا شرعيًا، فيكون متوقفًا على الدليل المثبت له.
    وكل ما كان متوقفًا على إثبات الدليل له فالأصل فيه المنع(
    [7])؛ ولذا فالأصل في التبرك بشيء من آثار الصالحين هو المنع إلا أن يرد الدليل بجوازه أو بجواز بعض أنواعه.
    والذي ورد الدليل بجوازه هو التبرك بآثار الأنبياء مثل التبرك بقميص يوسف في رد الله بصر يعقوب عليهما السلام به، وتبرك بني إسرائيل بالتابوت وفيه آثار موسى وهارون عليهما السلام، وتبرك الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كعرقه(
    [8]) ووضوئه([9]).
    أما غير ذلك فلم يرد دليل يدل على جوازه فيبقى على الأصل وهو المنع منه.
    ويعضد هذا المنع ويؤيده عموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو(
    [10])، ولا شك أن التبرك بآثار الصالحين يفضي إلى الغلو فيهم([11])، بل إن بداية الشرك في بني آدم كانت بسبب الغلو في الصالحين([12]).
    أدلة من جوّزه، والجواب عنها:
    أما من جوزه فيستدل بالقياس على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إن العلة في ذلك هي: إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وتقواه وصلاحه وقربه من ربه، وهذه العلة موجودة في غيره من الأولياء والصالحين(
    [13]).
    والجواب عن ذلك: أن هذا قياس فاسد لا يصح، وذلك لأن التبرك إذا كان لأجل حصول البركة فإن القياس ممتنع؛ لعدم توافر شرطه، إذ حصول البركة من النبي صلى الله عليه وسلم متحققة، بخلاف غيره، ومعلوم أن القياس يكون بين أصل وفرع متساويان في العلة، ولا يمكن أن يقول أحد إن البركة المتحققة بالنبي صلى الله عليه وسلم متحققة في غيره، وهل يتساوى أحد مع مقام النبي صلى الله عليه وسلم؟!
    ومما يدل على فساد هذا القياس: أن الصحابة الذين تبركوا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته(
    [14]) وشاع ذلك بينهم: لم يُنقل عن أحد منهم أنه تبرَّك بآثار غير النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتبركوا بأكابرهم المشهود لهم بالفضل كأبي بكر وعمر وعثمان، فهو إذن إعراض منهم عن هذا الفعل، وهذا يدل دلالة واضحة على أنهم فهموا أنَّ التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو خاص به، دون من سواه([15]).
    وقد أجاب بعضهم: بأن القول بترك الصحابة لهذا الفعل منقوض بأدلة أربعة، وفيما يلي بيانها وبيان الجواب عنها (
    [16]):
    الدليل الأول: حديث ابن عمر: قلت: «يا رسول الله الوضوء من جر جديد مخمر أحب إليك أم من المطاهر؟ فقال: لا بل من المطاهر. قال ابن عمر: وكان رسول الله يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين»(
    [17]).
    والجواب: أنه حديث منكر؛ لأن مداره على حسان بن إبراهيم، وهو يخطئ أحيانًا، وهذا الحديث مما تفرد به وقد أُنكر عليه، فهو معلول، ذكر ذلك ابن عدي(
    [18]).
    وعلى فرض صحة الحديث فغايته هو استثناء ذلك الفعل من الأصل – الذي هو المنع – بهذا الحديث، واقتصاره على محله، لأن إجماع الصحابة على ترك التبرك بآثار أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم(
    [19]) دليل على أن عموم هذا اللفظ غير مراد.
    الدليل الثاني: حديث بئر الناقة: وفيه أن الناس نزلوا مع رسول الله أرض ثمود الحجر، فاستقوا من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة(
    [20]).
    والجواب: أن الحديث ليس فيه ما يدل على التبرك بهذه البئر، غاية ما فيه هو الأمر من الاستقاء منها، وهو هنا يفيد الإذن، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ماء وأمرهم بماء، أي: أذن لهم فيه. وذلك لأن الأمر بعد النهي يفيد عود المأمور إلى ما كان عليه قبل النهي(
    [21])، وقبل النهي كان على الإباحة.
    ولو سلمنا بأنه يفيد الوجوب هنا، لما كان ذلك دليلاً على أنه مقصود به التبرك.
    ولو قيل بل أمرهم تبركًا، فالجواب أن هذا من آثار الأنبياء السابقين، ونحن لا نقول بالمنع منه.
    الدليل الثالث: حديث جريج راهب بني إسرائيل: وفيه: «فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب»(
    [22]).
    قالوا: لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل ولو كان منكرًا لبينه(
    [23]).
    والجواب: أن غاية ما يدل عليه أن التمسح كان جائزًا في شرعهم، وهذا لا يدل على جوازه في شرعنا، لأن الدليل قد دل في شرعنا على خلافه، وهذا الدليل هو إجماع الصحابة على الامتناع عن هذا الفعل.
    وأيضًا يقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر أيضًا فعلهم الآخر من اتهامه بالزنا، وبناء صومعته من ذهب، فيلزمهم أن يقولوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر هذه الأفعال كلها.
    الدليل الرابع: الأصل أنه يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا ما دل الدليل على الخصوصية، وليس هاهنا دليل على الخصوصية(
    [24]).
    والجواب: بل هاهنا دليل على الخصوصية، وهو كف الصحابة عن فعل ذلك مع غير النبي صلى الله عليه وسلم مع التفاتهم للفعل ومعرفتهم به فهو إجماع سكوتي منهم على الإعراض عنه(
    [25]).
    الدليل الخامس: الحكايات التي في كتب التراجم عن قبور بعض الصالحين بأنها تزار ويتبرك بها، دليل على شيوع هذا الأمر بلا نكير(
    [26]).
    والجواب من وجوه:
    أحدها: أن زيارة القبور وتعظيمها والتبرك بها مما تظاهرت الأدلة على منعه وتحريمه، بل عده العلماء من الكبائر(
    [27]).
    الثاني: أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من أفعال العلماء فكيف بأفعال العوام؟!
    الثالث: أن التبرك بالقبور ليس من مسألتنا، فالتبرك بالقبور شيء والتبرك بآثار الصالحين شيء آخر، ومما يدل عليه أن الصحابة تبركوا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت لديهم بعد وفاته، ومع ذلك لم يتبركوا بقبره(
    [28]).
    والخلاصة: أن الصحيح هو المنع من التبرك بآثار من يظن صلاحهم، لأنه من العبادات، والأصل فيها المنع حتى يدل الدليل، ولا دليل، ولم يفعله الصحابة بل تركوه، ولو كان مشروعا أو مستحبا لسبقونا إليه، ومن تتبع الشريعة علم أن قاعدة الشرع المطردة هي سد أبواب الغلو في الصالحين.

    إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس]

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    ([1]) رواه البخاري (3921). وأحاديث التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم رواها جمع كثير من الصحابة.
    ([2]) رواه البخاري (2583).
    ([3]) رواه مسلم (1305).
    ([4]) رواه البخاري (4073) ومسلم (2497).
    ([5]) انظر: التبرك بين المجيزين والمانعين لليافعي (ص:55).
    ([6]) انظر: التبرك أنواعه وأحكامه لناصر الجديع (ص: 38).
    ([7]) انظر: مجموع الفتاوى (31/35)، (18/65) ، المستصفى (2/406).
    ([8]) رواه مسلم (2331).
    ([9]) رواه البخاري (2583).
    ([10]) رواه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029) وصححه الألباني في الصحيحة (2144).
    ([11]) انظر: الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب (ص: 55).
    ([12]) انظر: تفسير الطبري (23/639).
    ([13]) انظر: التبرك بالصالحين لليافعي (ص: 57).
    ([14]) انظر -لأمثلة على التبرك بآثاره بعد وفاته-: البخاري (5557)، مسلم (2069).
    ([15]) انظر: الاعتصام للشاطبي (1/482).
    ([16]) انظر: التبرك بالصالحين لليافعي (67-104).
    ([17]) رواه الطبراني في الأوسط (794).
    ([18]) انظر: الكامل في الضعفاء الرجال لابن عدي (3/261)، السلسلة الضعيفة للألباني (6479).
    ([19]) قرر هذا الإجماع الشاطبي في الاعتصام، انظر: (1/482).
    ([20]) رواه البخاري (3199) ومسلم (2981).
    ([21]) انظر: البحر المحيط للزركشي (2/378).
    ([22]) رواه مسلم (2550).
    ([23]) انظر: التبرك بالصالحين لليافعي (ص: 56).
    ([24]) المصدر السابق (ص: 57).
    ([25]) انظر: الاعتصام للشاطبي (ا/482).
    ([26]) المصدر السابق (105-116).
    ([27]) راجع مقال: حكم التبرك بقبور الصالحين من إصدار مركز سلف، وهذا رابطه:
    http://salafcenter.org/514/
    ([28]) انظر: التبرك لناصر الجديع (ص:329).


    https://salafcenter.org/717/

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    حكم مسح قبر النبي والتبرك بمنبره صلى الله عليه وسلم

    السؤال

    أفتى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه العلل ومعرفة الرجال الجزء 2 الرقم 3243 بهذه الفتوى: [ 3243 ] سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك. انتهى.
    فهل يجوز عنده التبرك بالقبور؟ وبارك الله بكم.


    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

    فإنه روي عن أحمد ما يفيد كراهة مسح القبر، وجواز التبرك بالمنبر، كما نقلت كراهة استلام القبر عن كثير من العلماء، ويؤيد هذا أنه لم ينقل عن الصحب استلام القبر والتبرك به والتقرب بذلك إلى الله.
    فقد قال شيخ الإسلام في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: كره الأئمة استلام القبر وتقبيله، وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه، وكانت حجرة عائشة التي دفنوه فيها ملاصقة لمسجده، وكان ما بين منبره وبيته هو الروضة، ومضى الأمر على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وزيد في المسجد زيادات وغيروا الحجرة عن حالها هي وغيرها من الحجر المطيفة بالمسجد من شرقيه وقبليه.....
    قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. قلت له: فالمنبر؟ فقال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه. قال أبوعبد الله: شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر أنه مسح على المنبر. قال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة. قلت: ويروون عن يحيى بن سعيد أنه حين أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا، فرأيته استحسنه، ثم قال: لعله عند الضرورة والشيء. قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر، وقلت له: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون. فقال أبو عبد الله: نعم وهكذا كان ابن عمر يفعل. ثم قال أبو عبد الله: بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
    فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده، ولم يرخصوا في التمسح بقبره. وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبره يدعو له، والفرق بين الموضعين ظاهر.
    وكره مالك التمسح بالمنبر، كما كرهوا التمسح بالقبر.
    فأما اليوم فقد احترق المنبر وما بقيت الرمانة وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة فقد زال ما رخص فيه لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره إنما هو التمسح بمقعده.اهـ
    هذا، وليعلم أنه لا يمكن قياس عامة القبور على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الفارق الكبير بينه وبين الناس، كما أنه لا يقاس شعر غيره على شعر النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبتت مشروعية التبرك به، فقد قال الشاطبي في الاعتصام بعد ذكر ما يفيد مشروعية التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه؛ إذ لم يترك صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه فهو كان خليفته ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنهما وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها؛ بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء، وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه، ويحتمل وجهين:
    أحدهما: أن يعتقدوا في الاختصاص وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير لأنه عليه السلام كان نورا كله في ظاهره وباطنه، فمن التمس منه نورا وجده على أي جهة التمسه؛ بخلاف غيره من الأمة - وإن حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله - لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبه ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصا به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة.
    الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص؛ ولكنهم تركوا ذلك من باب الذرائع خوفا من أن يجعل ذلك سنة - كما تقدم ذكره في اتباع الآثار - والنهي عن ذلك، أو لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد؛ بل تتجاوز فيه الحدود وتبالغ بجهلها في التماس البركة حتى يداخلها المتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية - حسبما ذكره أهل السير – فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم.
    ولقد حكى الفرغاني -مذيل تاريخ الطبري- عن الحلاج أن أصحابه بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته حتى ادعوا فيه الإلهية، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. اهـ
    والله أعلم.
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    تبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم وحكم قياس غيره عليه

    السؤال:
    نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من الصومال مقديشو، وباعثها أخونا أحمد إبراهيم علمي فيما يبدو، أخونا عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال: أن الصحابة  كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه ﷺ، واقتسموا شعره يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه ﷺ لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله، فقال لها: "صحة يا أم أيمن"، فما صحة ذلك، أفيدونا جزاكم الله خيرًا، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال إن كان ما ورد صحيحًا؟

    الجواب:
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
    أما بعد:
    فلا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الصحابة  كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره عليه الصلاة والسلام، وببصاقه عليه الصلاة والسلام، ونخامته، كل هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة.
    فقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين في حجة الوداع: "أنه لما خرج بلال بوضوئه ﷺ كان الصحابة يتناولون منه ما تيسر -هذا يأخذ قليلًا وهذا يأخذ كثيرًا- من وضوئه عليه الصلاة والسلام".
    وثبت في صلح الحديبية: أنه كان إذا تنخع نخاعة أو بصق أخذها، تلقاها الصحابة وجعلوا يدلكون بها أجسامهم؛ لما جعل الله فيه من البركة، ولما حلق في حجة الوداع قسم نصف الشعر بين الصحابة، والنصف الثاني أعطاه أبا طلحة .
    كل هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وليس هناك شك عند أهل العلم في بركة جسمه ﷺ وشعره، وما مس جسمه، ووضوئه وعرقه عليه الصلاة والسلام.
    لكن لا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة  ما فعلوا هذا مع الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان ولا مع علي وهم أفضل الصحابة وخير الصحابة، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلو كان هذا مشروعًا أو جائزًا مع غير النبي ﷺ لفعله المسلمون مع هؤلاء الأخيار، ولأن ذلك قد يكون وسيلة إلى الشرك والغلو، فلهذا منعه أهل العلم.
    فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يقاس على الرسول ﷺ أحد، بل هذا خاص به ﷺ؛ لما قد ثبت وعلم من بركته ﷺ في جسمه وعرقه وشعره وسائر أجزائه عليه الصلاة والسلام، ولأنه أقر الصحابة على ذلك، فلولا أنه جائز لما أقرهم، فلا يقاس عليه غيره؛ لأمور كثيرة.
    أما التبرك بالعلماء أو بالعباد الذي يفعله بعض الناس هذا غلط ولا يجوز؛ لأنه خلاف هدي الرسول ﷺ وأصحابه، فلم يفعله المسلمون مع فضلائهم وكبارهم: كالخلفاء الراشدين، ولم يفعلوه مع بقية الصحابة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ ولأن العبادات توقيفية، ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلو، فلهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي عليه الصلاة والسلام.
    أما شرب ابن الزبير دمه وأم أيمن بوله: فهذا محل نظر، قد ورد هذا ولكن في صحته نظر، فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر، والنظر في أسانيد القصة، والأصل: تحريم الدم وتحريم البول، هذا هو الأصل، أن الله حرم علينا البول؛ لأنه نجس، وحرم الدم؛ لأنه من الخبائث وهو نجس، فإن صح فهذا يستثنى؛ لأن الرسول ﷺ له خصائص، فإذا صح فيكون من خصائصه ﷺ، كما قلنا في مسألة العرق ومسألة الشعر ومسألة البصاق، هذا خاص به، فهكذا إذا صح حديث أم أيمن وصح حديث ابن الزبير ؛ صار من الخصائص، وسوف نبحثه إن شاء الله ونعتني به، ويكون في حلقة أخرى إن شاء الله.
    المقدم: جزاكم الله خيرًا.
    مسائل متفرقة في العقيدة
    https://binbaz.org.sa/fatwas/17980/%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D9%83-%D8%A7

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة أن التبرك بالمخلوق قسمان: أحدهما: التبرك بالمخلوق ـ من قبر أو شجر أو حجر أو إنسان حي أو ميت ـ يعتقد فاعل ذلك حصول البركة من ذلك المخلوق المتبرك به، أو أنه يقربه إلى الله سبحانه ويشفع له عنده، كفعل المشركين الأولين، فهذا يعتبر شركا أكبر من جنس عمل المشركين مع أصنامهم وأوثانهم، وهو الذي ورد فيه حديث أبي واقد الليثي في تعليق المشركين أسلحتهم على الشجرة، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك شركا أكبر من المعلقين، وشبه قول من طلب ذلك منه بقول بني إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ.

    القسم الثاني: التبرك بالمخلوق اعتقادا أن التبرك به قربة إلى الله يثيب عليها، لا لأنه يضر أو ينفع ـ كتبرك الجهال بكسوة الكعبة، وبالتمسح بجدران الكعبة ومقام إبراهيم والحجرة النبوية وأعمدة المسجد الحرام والمسجد النبوي ـ رجاء البركة من الله، فإن هذا التبرك يعتبر بدعة، ووسيلة إلى الشرك الأكبر، إلا ما خصه الدليل ـ كالشرب من ماء زمزم والتبرك بعرق النبي صلى الله عليه وسلم وشعره وما مس جسده وفضل وضوئه صلوات الله وسلامه عليه ـ فإن هذا لا بأس به، لقيام الدليل عليه. هـ.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
    شرح
    (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما) يعني ما حكمه؟
    الجواب هو مشرك؛ يعني: باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
    وقوله (من تبرَّك), التبرك: تفعُّلٌ من البركة، وهو طلب البركة، والبركة مأخوذة من حيث الاشتقاق من مادة بُرُوك أو من كلمة بِرْكة.
    أما البروك فبروك البعير يدلّ على ملازمته وثبوته في ذلك المكان.
    والبِرْكة وهي مجمتع الماء يدل على كثرة الماء في هذا الموضع وعلى لزومه له وعلى ثباته في هذا الموضع.
    فيكون إذا معنى البركة كثرة الشيء الذي فيه الخير وثباته ولزومه.
    فالتبرك: هو طلب الخير الكثير وطلب ثباته وطلب لزومه, تبرَّك يعني طلب البركة، والنصوص في القرآن والسنة دلّت على أنَّ البركة من الله جل وعلا، وأن الخلق لا أحد يبارك أحدا وإنما هو جل وعلا يبارك قال سبحانه «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ»[الفرقان:1]؛ يعني عَظُم خير من نزل الفرقان على عبده وكثر ودام وثبت، «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»[الملك:1]، وقال سبحانه»وَبَارَك ْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ»[الصافات:113]، وقال «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا»[مريم:131]، فالذي يُبارك هو الله جل وعلا، فلا يجوز للمخلوق أن يقول باركتُ على الشيء أو أبارك فعلكم؛ لأن لفظ البركة ومعنى البركة، إنما من الله؛ لأن الخير كثرته وثباته ولزومه إنما هو من الذي بيده الأمر.
    والنصوص في الكتاب والسنة دلت على أن البركة التي أعطاها الله جل وعلا بالأشياء:
    * إمّا تكون الأشياء هذه أمكنة أو أزمنة.
    * وإمّا أن تكون تلك الأشياء من بني آدم؛ يعني مخلوقات آدمية.
    أمَّا الأمكنة والأزمنة: فظاهر أن الله جل وعلا حين بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام، وكما حول بيت المقدس «الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ»[الإسراء:1]، بالأرض المباركة ونحو ذلك, أنّ معنى أنها المباركة أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها، ليكون ذلك أشجع في أن يلازمها أهلُها الذين دُعوا إليها.
    وهذا لا يعني أن يُتمسح بأرضها، أو أن يُتمسح بحيطانها، فهذه بركة لازمة لا تنتقل بالذات؛ فبركة الأماكن أو بركة الأرض ونحو ذلك هي بركة لا تنتقل بالذات؛ يعني إذا لمست الأرض أو دفنت فيها أو تبركت بها فإن البركة لا تنتقل بالذات، وإنما الأرض المباركة من جهة المعنى.
    كذلك بيت الله الحرام هو مبارَك لا من جهة ذاته؛ يعني أن يُتمسح به فتنتقل البركة، وإنما هو مبارك من جهة ذاته من جهة المعنى؛ يعني اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في هذه البِنية من جهة تعلق القلوب بها وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها وأتاها وطاف بها وتعبَّد عندها.
    حتى الحجر الأسود هو حجر مبارَك، ولكن بركته لأجل العبادة؛ يعني أنه من استلمه تعبُّدا مطيعا للنبي ( في استلامه له وفي تقبيله فإنه يناله به بركة الإتباع، وقد قال عمر ( لمّا قبّل الحجر: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر -قوله (لا تنفع ولا تضر) يعني لا ينقل لأحد شيء من النفع ولا يدفع عن أحد شيء من الضر- ولو لا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك. هذا من جهة الأمكنة.
    وأمّا الأزمنة: فمعنى كون الزمـان مباركا مثل شهر رمضان أو بعض أيام الله الفاضلة؛ يعني أن من تعبد فيها ورَامَ الخير فيها، فإنه يناله من كثرة الثواب ما لا يناله في ذلك الزمان.
    والقسم الثاني البركة المنوطة ببني آدم: والبركة التي جعلها الله جل وعلا في الناس إنما هي بركة فيمن آمن؛ لأن البركة من الله جل وعلا، وجعل بركته للمؤمنين به، وسادة المؤمنين هم الأنبياء والرسل، والأنبياء والرسل بركتهم بركة ذاتية؛ يعني أن أجسامهم مباركة، فالله جل وعلا جعل جسد آدم مباركا، وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا، وجعل جسد نوح مباركا، وهكذا جسد عيسى وموسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، جعل أجسادهم مباركة؛ بمعنى أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم إما بالتمسح بها أو بأخذ عَرَقها أو بأخذ بعض الشعر فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة.
    وهكذا النبي ( محمد بن عبد الله جسده أيضا جسد مبارك، ولهذا جاءت الأدلة في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه, يتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وَضوئه، وهكذا في أشياء شتى.
    ذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية يمكن معها نقل أثر هذه البركة أو نقل البركة والفضل والخير من أجسادهم إلى غيرهم.
    وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أنّ ثَم من أصحاب الأنبياء من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر فقد جاء بالتواتر القطعي أنَّ الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بجنس تبركهم بالنبي ( بالتبرك بالشعر أو بالوضوء أو بالنُّخامة أو بالعَرَق أو بالملابس ونحو ذلك.
    فعلمنا من ذلك التواتر القطعي أنّ بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي( .
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( قال«إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم»، فدلّ على أن في كل مسلم بركة، وأيضا فيه يعني في البخاري قال أحد الصحابة: ما هذه بأَوّلِ برَكَتِكمْ يا آلَ أبي بكرٍ. هذه البركة التي أُضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان وإلى العلم والدعوة والعمل.
    فنقول: كل مسلم فيه بركة، هذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، بركة ما معه من الإسلام والإيمان وما في قلبه من والإيقان والتعظيم لله جل وعلا والإجلال له، والإتباع لرسوله.
    هذه البركة بركة العلم أو بركة العمل أو بركة الصلاح لا تنتقل، وبالتالي يكون التبرك بأهل الصلاح هو الإقتداء بهم في صلاحهم؛ التبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة من علومهم، وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى يتمسح بهم أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أهل الخلق من هذه الأمة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وهذا أمـر مقطوع به.
    [التمهيد]

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    الرد على من افتى بجواز التبرك بالصالحين قياسا على النبى صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب

    التبرك هو طلب البركة، والبركة هي الخير الكثير من مصاحبة أو ملامسة شيء معين، ومثل هذا الأمر لا بد فيه من دليل، والدليل إنما يأتي من الشرع حتى نعتقد أن ملامسة شيء معين أو وضعه في الملابس أو وضعه على البدن يأتي بالخير، وهذا أمر غيبي لا نعلمه، ليس بتجربة، ولا بسبب ظاهر، فلا بد أن يكون بدليل. فنقول: قد ورد الدليل بلا شك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- وآثار الأنبياء، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) (البقرة:248)، فآثار موسى وهارون -عليهما السلام- كانت في هذا التابوت، فهذا يشرع التبرك به، وأجمع العلماء بعد النصوص الثابتة عن الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يتبركون بآثاره -صلى الله عليه وسلم-، كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه -الماء الذي تناثر منه-، وإذا تنخم نخامة ما وقعت إلا في كف أحدهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- يفرِّق شعره بين أصحابه فيتبركون بذلك، وكانوا يَجمعون عرقه -عليه الصلاة والسلام- فيجعلونه في قارورة يتطيبون به "من طيب عرقه -عليه الصلاة والسلام-"، ويجعلونه أيضًا دواءً لبعض أمراضهم، ويعتقدون أن الله هو الذي ينفع بهذه الآثار. والآثار إنما هي كثياب الرسول وعرقه ووضوئه، هذا الذي تبرك به الصحابة، فلم يتبركوا بشجرة استظل بها أو صخرة جلس عليها، ولم يجعلوا الأماكن التي سار فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- من آثاره التي يُتبرك بها، لو كان الأمر كذلك لكان الباب واسعًا جدًا، وابن عمر -رضي الله عنهما- كان من شدة اتباعه ينزل في الأماكن التي نزل فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن يتمسح بالأماكن التي سار فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما فعل ذلك قط، وعمر -رضي الله عنه- قطع الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان وذكرت في القرآن؛ منعًا لمثل هذا التبرك؛ لأن الناس كانوا يتبركون بها. أما مَن دونه -صلى الله عليه وسلم- من الصالحين فرغم الخلاف بين العلماء في جواز التبرك بآثارهم قياسًا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن الصحيح من أقوال أهل العلم عدم مشروعية التبرك بآثار الصالحين؛ لماذا؟ لأن هذا كما ذكرنا لا بد فيه من دليل، وقياس غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الرسول في ذلك يعد قياسًا غير صحيح؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس أحد يبلغ منزلته، ولا منزلة النبوة والرسالة، ثم قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني)، فهذا يؤدي إلى الغلو في الصالحين حين يُتمسح بآثارهم ونحو ذلك؛ فسدًا لذريعة الشرك يُنهى عن ذلك. ثم نقول: الصحابة -رضي الله عنهم- كان فيهم العشرة المبشرون بالجنة، وغيرهم ممن شهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم بالجنة، وممن نزل القرآن بمدحهم: كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولم يكن أحد منهم يتبرك بآثار أحد من الخلفاء أو العشرة المبشرين بالجنة، أو أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، ما كانوا يفعلون شيئًا مِن ذلك رغم القطع بصلاحهم، ونحن لا نجزم بصلاح مَن بعدهم. فإذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- قد تركوا ذلك -التبرك بآثار الصالحين- مع وجود الحاجة وانتفاء الموانع، وهذا كالإجماع منهم؛ إذ لم ينقل حرف من طريق صحيح بأنهم كانوا يأخذون شعر أبي بكر، ولا وضوء عمر، ولا ملابس عثمان، ولا عرق علي -رضي الله عنهم-، فلم ينقل شيء من ذلك، فإذا كانوا قد تركوا ذلك مع وجود المقتضي وانتفاء الموانع وهو كالإجماع منهم؛ دل على أنه لا يُشرع، وترك الصحابة في هذا الموطن يعتبر دليلاً، كما تركوا التوسل بذات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ" (رواه البخاري). فدل ذلك على أنهم تركوا التوسل بالرسول -صلى الله عليه وسلم- عامدين قاصدين، فدل ذلك على أن الترك هو السنة والفعل هو البدعة، فكذلك في مسألة التبرك لما لم يتبركوا بآثار خير الناس بعد الأنبياء؛ دل ذلك على أن الترك هو السنة

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: المجموع المفيد فى عدم التبرك بآثار الصالحين - وإبطال القياس عليه صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوسفيان مشاهدة المشاركة

    والقسم الثاني البركة المنوطة ببني آدم: والبركة التي جعلها الله جل وعلا في الناس إنما هي بركة فيمن آمن؛ لأن البركة من الله جل وعلا، وجعل بركته للمؤمنين به، وسادة المؤمنين هم الأنبياء والرسل، والأنبياء والرسل بركتهم بركة ذاتية؛ يعني أن أجسامهم مباركة، فالله جل وعلا جعل جسد آدم مباركا، وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا، وجعل جسد نوح مباركا، وهكذا جسد عيسى وموسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، جعل أجسادهم مباركة؛ بمعنى أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم إما بالتمسح بها أو بأخذ عَرَقها أو بأخذ بعض الشعر فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة.
    وهكذا النبي ( محمد بن عبد الله جسده أيضا جسد مبارك، ولهذا جاءت الأدلة في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه, يتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وَضوئه، وهكذا في أشياء شتى.
    ذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية يمكن معها نقل أثر هذه البركة أو نقل البركة والفضل والخير من أجسادهم إلى غيرهم.
    وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أنّ ثَم من أصحاب الأنبياء من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر فقد جاء بالتواتر القطعي أنَّ الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بجنس تبركهم بالنبي ( بالتبرك بالشعر أو بالوضوء أو بالنُّخامة أو بالعَرَق أو بالملابس ونحو ذلك.
    فعلمنا من ذلك التواتر القطعي أنّ بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي( .
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( قال«إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم»، فدلّ على أن في كل مسلم بركة، وأيضا فيه يعني في البخاري قال أحد الصحابة: ما هذه بأَوّلِ برَكَتِكمْ يا آلَ أبي بكرٍ. هذه البركة التي أُضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان وإلى العلم والدعوة والعمل.
    فنقول: كل مسلم فيه بركة، هذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، بركة ما معه من الإسلام والإيمان وما في قلبه من والإيقان والتعظيم لله جل وعلا والإجلال له، والإتباع لرسوله.
    هذه البركة بركة العلم أو بركة العمل أو بركة الصلاح لا تنتقل، وبالتالي يكون التبرك بأهل الصلاح هو الإقتداء بهم في صلاحهم؛ التبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة من علومهم، وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى يتمسح بهم أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أهل الخلق من هذه الأمة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وهذا أمـر مقطوع به.
    [التمهيد]
    جزاك الله خيرا على هذا المجموع الثمين

    سئل الشيخ صالح ال الشيخ فى شرحه لكفاية المستزيد

    سؤال: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، ما حكم التبرك بالصالحين وبماء زمزم والتعلق بأستار الكعبة؟
    الجواب:
    التبرك بالصالحين قسمان:
    1- تبرك بذواتهم:
    - بعرقهم.
    - بسورهم يعني بقية الشراب.
    - بلعابهم الذي اختلط بالنوى مثلاً، أو ببعض الطعام.
    - أو التبرك بشعرهم، أو نحو ذلك.
    فهذا لا يجوز، وهو من البدع المحدثة.
    وقد ذكرت لكم أن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يكونوا يعملون مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي- وهم سادة أولياء هذه الأمة - شيئاً من ذلك، وإنما فعله الخلوف الذين يفعلون ما لا يؤمرون، ويتركون ما أُمروا به.
    2- والقسم الثاني:

    بركة عمل وهي: الإقتداء بالصالحين في صلاحهم.
    والاستفادة من أهل العلم، والتأثر بأهل الصلاح، وهذا أمر مطلوب، والتبرك بالصالحين بهذا المعنى مطلوب شرعاً.
    أما التبرك بالذات

    -كما كان يُفعل مع النبي صلى الله عليه وسلم- فهذا ليس لأحد، إلا للنبي عليه الصلاة والسلام...... كفاية المستزيد

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •