الرحمة بين الزوجين
أم عبد الرحمن محمد يوسف
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
إن آية من كتاب الله سبحانه تغني عن كثير من كلام البشر، ففي هذه الآية السابقة التي تنطق نورًا ورقة، يبين رب العالمين سبحانه أنه يجمع بين زوجين وقلبين، فيجعل بينهما مودة في العلاقة العاطفية، ورحمة من الناحية السلوكية.
فإذا اكتست العلاقة الزوجية مودة ورحمة تفجرت ينابيع المحبة في بيت الزوجية ومنحته الدفء والحنان، فضلاً عن الشعور بالأمن والاستقرار.
(والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة.
ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء)
وإذا تأملنا في حال الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما، إذا بالعلاقة تقوى بينهما، فيكونان ألصق شيء ببعضهما في جو من الحب والمودة، لم تكن بينهما قبل الزواج، وإنما تولدت هذه الرحمة والرأفة بعد الزواج الذي شرعه الله لهما.
يقول ابن كثير رحمه الله في كتابه "تفسير القرآن العظيم": (ومن آياته سبحانه الدالة على عظمته وكمال قدرته أنْ خلقَ لكم من جنسكم إناثًا تكون لكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلَّهم ذكورًا، وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم؛ إما من جن أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإنّ الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو الرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك) [تفسير ابن كثير، (6/309)].

لماذا الرحمة؟
إن الرحمة تعد من أهم الوسائل التي تجعل شريك حياتك يتأكد أنك تهتم به وتحبه وتحنو عليه، وتكسبه شعورًا بالثقة أنك ستهتم به وتضحي من أجله.
كما أن الرحمة تعد رمزًا للحماية والأمان، والراحة والاستحسان، وهذه تعد المكونات الأساسية للعلاقة الزوجية.
(والميل والحنان عند معظم النساء هو رابط أساسي لعلاقتها بالرجل، فهي تتزوج رجلاً يهتم بها، وتريد منه أن يعبِّر عن هذا الاهتمام دائمًا، وبدون هذا الإحساس وهذه العاطفة فإن المرأة تشعر بأنها بعيدة عن الرجل، وهذه العاطفة تجعل المرأة متعلقة ومرتبطة بالرجل عاطفيًّا جدًّا.
والخلاصة أن حاجة الشعور بميل الطرف الآخر كتعبير عن الحب هي في الأكثر من حاجات الزوجات، ولكنها أيضًا يحتاج إليها الأزواج، وإن كان التعبير عنها يختلف) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(43)، بتصرف].
من دعائم الحب:
والرحمة من الدعائم التي يقوم عليها البيت السعيد (فالرحمة والمودة إذا نُزعا من المنزل كانت الحياة الزوجية شقاءً ودمارًا، فالرحمة الرحمة إن كان في البيت مشاكل، والمودة المودة إن كان البيت خاليًا من المشاكل.
إن كل البيوت تتقلب بين مودة ورحمة، فمن الرحمة خدمة أحد الطرفين للآخر، ومن الرحمة مراعاة مشاعر الآخر، فيراعي الرجل مشاعر المرأة وعواطفها وخصوصًا وقت الحيض أو النفاس والحمل، فقد رحمها الله تعالى فلم يطالبها بالصلاة أو الصيام وتكون في هذه الفترة متعبة جسميًّا وهذا له أثره النفسي عليها، كما أن المرأة ينبغي أن ترحم زوجها عند مروره ببعض الظروف المادية والنفسية كخسارة مالية أو ابتلاء جسدي، فتقف معه وتساعده.
إن الرحمة مفهوم عظيم في الحياة الزوجية، فالكريم هو الذي لا يتعسف باستخدام سلطاته على زوجته، والكريمة هي التي تراعي حقوق زوجها وتتعبد لله بطاعته) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(43)، بتصرف].
مظاهر الرحمة:
وإذا أردنا أن نتعرف على مظاهر المودة والرحمة في حياتنا الزوجية، فيمكننا أن نلخصها فيما يلي:
1- الزوجة الصابرة:
أحيانًا يكون الزوج فقيرًا أو غنيًّا لكن أصابته فاقة، فماذا تفعل الزوجة في هذه الأحوال؟ لاشك أن وقوفها بجوار زوجها ومساندتها له من أبرز مظاهر الرحمة والحنان.
فها هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تساند زوجها في أعماله، تقول: (كنت أنقل النوي من أرض الزبير التي أقطعه [أي أعطاه] رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ) [متفق عليه].
وها هي رحمة زينب رضي الله عنها بزوجها، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة، فقال: (أيها الناس تصدقوا) فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم ذاك يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء) ثم انصرف.
فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب فقال: (أي الزيانب؟) فقيل: امرأة بن مسعود، قال: (نعم، ائذنوا لها) فأذن لها، قالت: يانبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم بن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) [رواه البخاري].
2-حينما تمرض الزوجة:
وهذا مظهر آخر من مظاهر الرحمة يظهره الزوج عند مرض زوجته، فلا يتبرم من مرضها ولا يتأفف، بل يسعى في خدمتها ويساندها ويكون بجوارها قدر المستطاع، حتى تقوم من مرضها، وحينها لن تنسى له لمساته الرحيمة التي كانت تخفف آلامها.
3-تلبية الرغبات:
فعلى الزوجين أن يلبي كل منهما طلبات الآخر، على أن تكون هذه الطلبات مباحة، فتكون تلبيتها مظهرًا من مظاهر الحب والرحمة بالآخر.
هذه بعض المظاهر التي تدلل على الرحمة بين الزوجين، ولاشك أنها غيض من فيض وقليل من كثير، فلتكن حياتكما مملوءة بالمودة والرحمة، حتى تنعما بالحياة الهادئة الوادعة، حتى ينعم الزوجان بحياة أسرية يسودها الحب وتغشاها الرحمة وتعلوها السكينة، وليكن شعاركما:
أنا أنـــــت وأنت أنـــا كلانا روحان سكنا بدنا
معلومات تهمك: السعادة فكرة:
إن الناس عامة والأزواج خاصة يبحثون عن السعادة، ولكنهم قلما يعلمون أن الحياة السعيدة تبدأ بفكرة وتنتهي بعمل (إن السعادة لا تأتي بمجرد الرغبة فيها، ولا تأتي بمجرد اعتناق مبادئها، بل لابد من العمل الجاد والالتزام الدائم المستمر بمبادئها والسير في طريقها) [بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، خالد عبد الرحمن العك، ص(48)].
فالسعادة المنشودة أصلها رغبة فطرية، وسبيلها جهود بشرية، يحيطها توفيق وعناية ربانية، تبدأ بفكرة وتنتهي بعمل، وكما يُقال دائمًا: (السلوك مرآة الفكر)؛ أي أن السلوك الذي يسلكه الإنسان هو نتيجة طبيعية لطريقة تفكيره، فما يفكر فيه سيصبح أفعالًا يومًا من الأيام؛ لذلك يقول جيمس آلان: (أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غدًا حيث تأخذك أفكارك) [قوة التحكم في الذات، د.إبراهيم الفقي، ص(18)].
وطريقة تفكير الإنسان تؤثر بشكل كبير في نمط حياته وتظهر في سلوكياته وأفعاله؛ ولذلك؛
(راقب أفكارك؛ لأنها ستصبح أفعالاً.
راقب أفعالك؛ لأنها ستصبح عادات.
راقب عاداتك؛ لأنها ستصبح طباعًا.
راقب طباعك؛ لأنها ستحدد مصيرك) [قوة التحكم في الذات، د.إبراهيم الفقي، ص(18)].
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينــة لا تجري على اليبس
قضية للنقاش: الرضا:
(من أهم العوامل التي تفقد الإنسان سكينة النفس ورضاها هو تحسره على الماضي، وسخطه على الحاضر، وخوفه من المستقبل، فبعض الناس تنزل به النازلة من مصائب الدهر، فيظل فيها شهورًا وأعوامًا، يجتر آلامها ويستعيد ذكرياتها القديمة، يقول: ليتني فعلت كذا، وليتني تركت كذا.
ولهذا ينصح الأطباء النفسيون ورجال التربية أن ينسى الإنسان آلام أمسه، ويعيش في واقع يومه، فإن الماضي بعد أن ولى لن يعود.
وقد صوَّر أحد المحاضرين بإحدى الجامعات الأمريكية تصويرًا بديعًا لطلبته حين سألهم: كم منكم مارس نشر الخشب؟ فرفع كثير من الطلبة أصابعهم، فعاد يسألهم: كم منكم مارس نشـر نشارة الخشب؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه، وعندئذ قال المحاضر: بالطبع لا يمكن لأحد نشـر نشارة الخشب، فهي منشورة فعلاً..
وكذلك الحال مع الماضي، فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة) [أسعد نفسك وأسعد الآخرين، د.حسان شمسي باشا، ص(46)].

المصادر:
· أسعد نفسك وأسعد الآخرين، د.حسان شمسي باشا.
· قوة التحكم في الذات، د.إبراهيم الفقي.
· بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، خالد عبد الرحمن العك.
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.