يتحدث العالم اليوم عن مرض خطير ووباء قاتل، يفتك بالناس فتكًا، ويرتعب العالم من تفشيه وانتشاره في بلدانهم؛ فمنعوا كل أنواع الاتصال بتلك البلدان، وأحضروا الأجهزة على مداخل المطارات والحدود؛ خشية انتقاله إليهم ودخوله أراضيهم، بل إنهم عطلوا كثيرًا من مظاهر الحياة، وأوقفوا الأعمال، ومنعوا التجمعات العامة والخاصة، وأعلنوا حظر الخروج، وألزموا الناس البقاء في المنازل والدور؛ خشيه انتشاره وتفشيه، حدث قلقٌ في العالم كله وتوقفت عجلة الحياة بسببه؛ فلا طائرات، ولا سفن، ولا سيارات، ولنا وقفات بسيطة مع هذا المرض، أذكَّر بها نفسي أولًا، وأنصح بها إخواني المسلمين؛ فأقول:
1- اعلموا أنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بتقدير الله تعالى وإذنه، ولا يستجد أمر إلا وفق إرادته وعلمه، فالابتلاءات التي تحل بالناس كالأمراض والأوبئة والمصائب - ما هي إلا ابتلاء للمؤمنين واختبار لهم؛ ليتبين الصادق من الكاذب والصابر من الجازع: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، فيبتلي الله المسلمين بهذه العقوبات؛ فيكون تكفيرًا لخطاياهم، ورفعة في درجاتهم، فما من شيء يُصاب به المسلم إلا كان تكفيرًا له مما اقترفه، ورفعة في درجته؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها - إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ [متفق عليه].
2- إن الأمراض العامة والأوبئة المهلكة عقوبات من الله تعالى للكفار والعصاة، يرسلها عليهم إذا خرجوا عن منهجه، وظلموا عباده، وتجرؤوا على محارمه وتعدَّوا حدوده سبحانه وتعالى، وهذا ظاهر في القرآن الكريم، مبين في كتاب الله المبين، ماذا فعل الله بفرعون، وقوم نوح، وعاد، وثمود، ولوط من العقوبات؛ بسبب تكذيبهم الرسل، وكفرهم بالله، والصد عن سبيله سبحانه وتعالى، واقتحامهم المنكرات، واستباحة المحرمات؟ وسنة الله تعالى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، فهذا أمر مطرد في كل الأمم إذا سلكت طريقهم، وسارت على منهجهم؛ فإنه سيصيبها ما أصابهم من البلاء؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، فيرسل الله عليهم هذه العقوبات ليرتدعوا، والمهلكات لينتهوا.
3- إن الله تعالى قد قدَّر الموت على ابن آدم وكتبه عنده في كتاب: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، فلا تموت نفس إلا إذا حان أجلها وانقضى وقتها؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61]، فلا تصاب بالهلع عند سماع المرض، أو تشعر بالخوف منه، ولتكن نفسك راضية بما قدره ربك، فإنه سبحانه لو كتب أن تموت بهذا الداء، ما استطاع أحد أن يمنعه عنك، ولو قدر ألَّا تموت به، فلن يستطيع أحد أن يصيبك به، وما يُصاب به الناس من الحوادث والمصائب والأمراض ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى، فلا تضر أو تنفع من ذات نفسها؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((لا عدوى ولا طيرة...)).
4- في حال وقوع المصائب ونزول البلاء، فإن الواجب على الأمة أن تلجأ إلى الله سبحانه أن يكشف عنها الضر، ويزيح عنها العذاب، فلا يكشف الضر إلا هو سبحانه، وأن تقلع عما هي فيه من الذنوب والآثام، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة، وليعلم أن هذه الابتلاءات هي نذير من الله لنا وتحذير وتخويف لنا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، فهي تخويف لنا؛ لكي نعود إليه ونتوب مما نحن فيه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]؛ أي: يلجؤون إليه عند الشدة ويتذللون له سبحانه، وقد ذكر الله تعالى تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان؛ حيث أنعم عليها بأنواع النعم وشتى المنن، ولكنها قابلت ذلك بالكفر بالله وعصيانه، وعدم شكره على نعمه، فأنزل الله عليها البلاء وحل عليها العذاب، فبدَّل أمنها خوفًا ورزقها فقرًا؛ لعلهم يرجعون إليه ويتضرعون بأن يكشف الله عنهم الضر؛ قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
5- عند وقوع البلاء والأمراض العامة، فإنه ينبغي للعلماء أن يُظهِروا للناس هديَ الإسلام في مثل هذه المصائب والمحن، وأن يذكروهم بأسباب هذه الأوبئة الحقيقية؛ كي لا ينتشر الوباء ويحل البلاء، ويتفشى المرض بين الناس، وقد وردت كثير من الأحاديث في كيفية التعامل مع هذه المحن والابتلاءات؛ منها الأخذ بأسباب النجاة، والبعد عن أماكن انتشار المرض؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صَفَر، وفرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد))، فأمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بالبعد عن أماكن انتقال العدوى، وتجنب مخالطة المرضى الذين يخشى انتقال المرض منهم، وأمر المسلم بالفرار منه والبعد عن مخالطته، ونهى أن يأتيَ مريض على أصحاء ويخالطهم؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يورد ممرض على مصح))، وأيضًا جاء من الهدي النبوي الشريف ألَّا ندخل بلدًا تفشى فيه الوباء، وانتشر فيه المرض، وعم فيه البلاء؛ خشية أن يصاب الإنسان بهذا المرض وحفاظًا على حياته من هذا الداء، وأُمرنا ألَّا نخرج من بلد وقع فيه الوباء إلى بلد خالٍ منه؛ خشية نقله إليه، ولكيلا نوسع انتشاره بين الناس؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه)).
6- في مثل هذه الأجواء، فإنه ينبغي أن يتفاءل المسلم وأن يُظهِرَ البِشْرَ، ويقدم حسن الظن بالله، وألَّا يُفزِعَ الناس ويُيئسهم من رحمة الله؛ فإن المصائب والابتلاءات مهما اشتدت، فإنها إلى زوال، ومهما عظمت، فإنها إلى هوان، فليكن المسلم راضيًا بما قدر مستبشرًا بما كُتب له؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((ويعجبني الفأل الحسن))، وكان صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو محاط بجنود الكفار يريدون أن يستأصلوا شوكة المسلمين - يزرع فيهم البِشْرَ، ويغرس فيهم التفاءل، ويعدهم بفتح فارس والروم؛ حتى لا تيأس القلوب وتضعف العزائم، فنشْرُ الطمأنينة في القلوب في ساعات القلق والضيق منهج رباني؛ فهذا نبي الله يعقوب يقول لأبنائه: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يقول لأبي بكر وهما في الغار مطاردان كما في الآية: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].
7- ينبغي في مثل هذه الأجواء المتأزمة البحث عن الدواء، والتفتيش على لقاح يمنع المرض من أن ينتشر، فما أنزل الله من داء إلا وله دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فلا نقعد ننتظر الآخرين أن يسعفونا بأدواء، بل لا بد لنا أن نبحث نحن، وأن نفتش عن حل لما نواجهه في حياتنا، فلا نكون عالة على غيرنا بحال من الأحوال.
8- إن البحث عن أسباب انتشار هذا الوباء وسرعة تفشيه بين الناس من ناحية مادية فقط، دون التأمل في سنن الله في الكون، وبعيدًا عن معرفة الأسباب الحقيقية لنزول الأمراض وانتشار الأوبئة - مما يوقع الناس في الخطأ، ويمنعهم من الرجوع إلى الله الذي بيده الشفاء والمؤمل لكشف البلوى، فانتشار المعاصي والذنوب هي السبب الحقيقي لانتشار الأمراض، وتفشي الأوبئة؛ فقد جاء في الحديث الشريف: ((وما انتشرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا عمتهم الأوجاع والطواعين التي لم تكن في أسلافهم))، فالأمراض المهلكة والأوبئة القاتلة، قد تكون عقوبة من الله تعالى للناس إذا ابتعدوا عن دينه، واستحلوا حرماته، وضيعوا أوامره؛ فيرسل عليهم هذه الأمراض؛ لعلهم يرجعون إليه أو ينتهون عما هم فيه: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، وإذا أصاب المسلمين، فهذا فيه رفعة لهم وتكفير لسيئاتهم، كل بحسب طاعته وقربه من ربه؛ فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد))، فالأمراض للمتقين رحمة وتكفير لهم، وهي للعصاة والكفار عقوبة معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
9- ظهرت في هذا الوباء تعاليم الإسلام العظيمة، التي فيها الوقاية من الأمراض، وحفظ الأرواح والعناية بالأبدان، فها هم يدعون الناس إلى النظافة والعناية بالجسد، خصوصًا الأعضاء المكشوفة التي تكون أكثر عرضة للوباء، وأكثر التصاقًا بالهواء ومخالطة للآخرين، ولدينا الوضوء الذي شرعه ربنا لنا، وأمرنا به في كتابه، فلا يمر وقت من أوقات الصلاة إلا توضأنا وغسلنا أعضاءنا، فالمؤمن يحمد الله على هذا الدين، ويسأل الله الثبات عليه والاستقامة على طريقه.
والعبر في مثل هذه الأمراض كثيرة لمن تأملها، ونظر إلى حكمة الله من إرسالها، فربك لا يظلم أحدًا، ولكن من أهم أسباب هذا تقصيرنا وبُعد كثير منا عن منهج ربنا، والتعدي على حدود الله، وانتهاك حرماته سبحانه، فنسأل الله أن يجنبنا الأمراض ويبعد عنا الآفات.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139421/#ixzz6IGJb3t2b