بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فقد قرأت موضوعاً في المجلس العلمي في الألوكة يفترض افتراضات خاطئة بناء على منطلقات باطلة.
و تلك الافتراضات الخاطئة نابعة من غياب الفهم الكامل لقول الله تعالى عن أهل الجنة:(لهم ما يشاؤون فيها و لدينا مزيد) [سورة ق - آية 35]، و مثلها قول الله تعالى: (و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين) [سورة الزخرف - آية 71].
و من أمثلة هذه الافتراضات الخاطئة المبنية على منطلقات باطلة:
ماذا لو تمنى رجل في الجنة الشذوذ الجنسي؟
ماذا لو تمنى رجل في الجنة زوجة غيره من الحور العين؟
ماذا لو تمنت المرأة في الجنة رجلاً غير زوجها؟
و هلم جراً في مثل هذه الأسئلة...
لقد غاب عن هؤلاء الفهم الكامل لقول الله تعالى: (لهم ما يشاؤون فيها و لدينا مزيد) فظنوه مطلقاً بينما هو مقيد بقيد باطن خفي يعلمه الراسخون من أهل العلم.
علم (المطلق و المقيد) علم نفيس من علوم الإسلام و هو يحل الكثير من المسائل و يرفع الكثير من الإشكالات و الشبهات التي تخطر ببال الناس.
مثال على علم المطلق و المقيد:
قال الله تعالى: (و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب) [سورة الشورى - آية 20].
ظاهر هذه الآية أن كل من أراد الدنيا فإن الله سيؤتيه مراده منها، فلو أراد أي كافر أن يصبح ملكاً فإن الله سيؤتيه مراده، و لو أراد أي كافر أن يصبح غنياً فإن الله سيؤتيه مراده، و لو أراد أي كافر أن يصبح مشهوراً فإن الله سيؤتيه مراده.
و لكن الواقع يقول بخلاف ذلك، فليس كل كافر يتمنى شيئاً من الدنيا يعطيه الله إياه، فكيف نفهم هذه الآية؟
ذكر العلماء أن هذه الآية ليست مطلقة و إنما مقيدة بقيد باطن خفي ذكره الله عز و جل في آية أخرى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً) [سورة الإسراء - آية 18].
إذاً إعطاء الله الدنيا لأهل الدنيا مقيد بقيدين: (ما نشاء) و (لمن نريد)، و بهذا يزول الإشكال الوارد في فهم آية سورة الشورى التي ظاهرها الإطلاق و باطنها التقييد.
و الآن نعود إلى قول الله تعالى: (لهم ما يشاؤون فيها و لدينا مزيد) [سورة ق - آية 35]، هل هو مطلق أم مقيد؟ بمعنى: هل سيتمنى أهل الجنة أي شيء على الإطلاق (مما يمكن أن يتمنوه في الدنيا) أم أن مشيئتهم مقيدة ببعض القيود؟
الجواب: هذه الآية مقيدة بقيد باطن خفي تقديره: (وفق ما يحبه الله و يرضاه)، أي إن أهل الجنة سيتمنون أي شيء وفق ما يحبه الله و يرضاه، و لن يتمنوا أي شيء مما لا يحبه الله و لا يرضاه.
إن الدنيا دار الخير المختلط بالشر أما الجنة فهي دار الخير المحض.
في الدنيا هناك إرادات سيئة شريرة خبيثة ظالمة و إرادات حسنة خيرة طيبة عادلة، أما في الجنة فإن الله سيفطر و يجبل أهل الجنة على فطرة سوية بحيث لن يتمنوا أي إرادة سيئة أو شريرة أو خبيثة أو ظالمة، و سيتمنون حصراً إرادات حسنة خيرة طيبة عادلة.
مثال على الإرادات الحسنة الخيرة الطيبة العادلة:
تمني ما لذ من المطعم و المشرب و الملبس و المنكح و المسكن ...
مثال على الإرادة الظالمة التي لن يتمناها أهل الجنة:
تمني جميع أهل الجنة أن يسكنوا الفردوس الأعلى، ذكر أهل العلم أن مثل هذه الإرادة لا تكون في الجنة لأن هذه الإرادة ظالمة سيترتب عليها استواء المحسنين المقربين بمن خلطوا الإحسان و الإساءة و هذا ظلم للمحسنين المقربين، فقد اقتضت حكمة الله عدم تساوي المحسنين المقربين بمن دونهم، قال الله تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون) [سورة الجاثية - آية 21].
مثال على الإرادة السيئة أو الشريرة أو الخبيثة التي لن يتمناها أهل الجنة:
تمني أحد أهل الجنة أن يأخذ زوجة غيره من الحور العين.
فهذه الإرداة لن تكون في الجنة لأن الله لا يحب و لا يرضى الاشتراك في الحور العين بين أكثر من رجل، و من شدة غيرة الله عز و جل على محارمه فقد وصف الحور العين بأنهن: (قاصرات الطرف) مع أن الجنة مطهرة من الفتنة فيستحيل أن تُفتن الحوراء بغير زوجها لكن هذا تأكيد على شدة غيرة الله عز و جل على محارمه.
مثال على الإرادة السيئة أو الشريرة أو الخبيثة التي لن يتمناها أهل الجنة:
تمني أحد أهل الجنة الشذوذ الجنسي.
فهذه الإرداة لن تكون في الجنة لأن الله لا يحب و لا يرضى الشذوذ الجنسي.
أرجو أن تكون الأمور حول مشيئة و إرادة أهل الجنة قد اتضحت حتى لا نخلط بين الأمور و يتبين الصواب من الخطأ.
و أفتح باب التصويب أو التصحيح لما ذكرته في هذا المقال من أهل العلم و طلابه الكرام.
و ختاماً ما كان من صواب في هذا المقال فبفضل الله و توفيقه و أحمد الله عليه، و ما كان من خطأ فمن نفسي و الشيطان و أستغفر الله منه.
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.