عام 41 هجريا
يسمى عام الجماعة ، وذلك لإجتماع الكلمة فيه على أمير واحد بتنازل خليفة المسلمين في ذلك الوقت سبط رسول الله الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية رضي الله حقنا لدماء المسلمين ، ومصداقا لدليل من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بقوله " إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" . رواه البخاري (1)
1- تسليم الخلافة لمعاوبة
وتحقيق ذلك كما رواه الطبري (2) بإسناده للزهري قال: بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة، فطفق يشترط عليهم الحسن:
إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت، فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط، وقالوا: ما هذا لكم بصاحب، وما يريد هذا القتال، فلم يلبث الحسن بعد ما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته، فازداد لهم بغضا، وازداد منهم ذعرا، فكاتب معاوية .
فبعد مبايعتهم للحسن خرج بجشيه من الكوفة وهو كاره للقتال تجاه الشام ، وخرج معاوية بجيشه تجاه الحسن ونزل مسكن بكسر الكاف وهي موضع قريب من أوانا(3) على نهر دجيل عند دير الجاثليق (4) به ، فوصل الحسن للمدائن ، قال ابن الأثير (5) : وجعل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على مقدمته في اثني عشر ألفا، (وقيل بل كان الحسن قد جعل على مقدمته عبد الله بن عباس، فجعل عبد الله على مقدمته في الطلائع قيس بن سعد بن عبادة) . فلما نزل الحسن المدائن نادى مناد في العسكر: ألا إن قيس بن سعد قتل فانفروا. فنفروا بسرادق الحسن، فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته، فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا، ودخل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان الأمير على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد، فقال له المختار، وهو شاب: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: تستوثق من الحسن وتستأمن به إلى معاوية:
فقال له عمه: عليك لعنة الله! أثب على ابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأوثقه؟ بئس الرجل أنت!
فلما رأى الحسن تفرق الأمر عنه كتب إلى معاوية .
قال الحسن البصري (6) : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له: واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه فتكلما، وقالا له: فطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا، قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه .
وقال الموفق (7) لما توفي علي - رضي الله عنه -، بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا، وكانوا أطوع له وأحب له منهم لأبيه، فبقي نحوا من سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان، ثم سار إليه معاوية، وسار هو للقائه.
فلما تراءى الجمعان بمسكن من أرض السواد؛ علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى تهلك أكثر الأخرى، فكتب إلى معاوية يخبره بأن يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل العراق والحجاز والمدينة بشيء كان في زمان أبيه، وأن يكون الأمر له بعده، فأجابه معاوية إلى ذلك. .
وكان معاوية رضي الله عنه على عكس ما يذكر في كتب التاريخ جيد المعاملة مع الحسن رضوان الله عليهما ، فضربنا عن ذكرها صفحا عن كل تلك الإساءات (8) التي لم نجد لها إسنادا يذكر سوى أن ذكرها أئمتنا وهي لا تليق لا بدين ولا بفطنة معاوية بل على العكس ، وبالعكس فقد صحت أشياء في معاملته الجيدة له.
فروى ابن أبي شيبة (9) قال حدثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة، أن حسن بن علي دخل على معاوية فقال: «لأجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك من العرب»، فأجازه بأربعمائة ألف، فقبلها . وهذا إسناد حسن

وعن أبو هشام الجعفي قال فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي فقال معاوية ليزيد فاخرت الحسن قال نعم قال لعلك تقول أن امك مثل أمه وامة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولعلك تقول أن جدك خير من جده وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واما ابوك وابوه وقد تحاكما إلى الله عز وجل فحكم لابيك على أبيه . (10)
قال الطبري (11) : حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: سلم الحسن بن علي إلى معاوية الكوفة، ودخلها معاوية لخمس بقين من ربيع الأول، ويقال من جمادى الأولى سنه احدى واربعين.
قال ابن عبدالبر (12) : عن شرحبيل بن سعد قال:
مكث الحسن بن علي نحوا من ثمانية أشهر لا يسلم الأمر إلى معاوية، وحج بالناس تلك السنة سنة أربعين المغيرة بن شعبة من غير أن يؤمره أحد، وكان بالطائف. قال: وسلم الأمر الحسن إلى معاوية في النصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين، فبايع الناس معاوية حينئذ، ومعاوية يومئذ ابن ست وستين إلا شهرين.
قال أبو عمر رضي الله عنه: هذا أصح ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر، وكل من قال:
إن الجماعة كانت سنة أربعين فقد وهم، ولم يقل بعلم، والله أعلم.
ولم يختلفوا أن المغيرة حج عام أربعين على ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك، والله أعلم.

وبذلك تمت دولة الخلافة ثم أصبحت ملكا كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما في حديث سفينة (13) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الخلافة ثلاثون عاما، ثم يكون بعد ذلك الملك " حسنوا إسناده
وروى أحمد (14) من حديث النعمان بن بشير، قال: كنا قعودا في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة " ثم سكت قال حبيب: " فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين، يعني عمر، بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه "

وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه (15) في ترجمة أبو الغريف الهمداني قال: كنا مقدمة الحسن بن علي، اثني عشر ألفا، بمسكن مستميتين، تقطر أسيافنا من الجد على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمرطة، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي، كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ.
فلما قدم الحسن بن علي الكوفة، قال له رجل منا، يقال له: أبو عامر سفيان بن ليلى، وقال ابن الفضل: سفيان بن الليل: السلام عليك يا مذل المؤمنين.
قال: فقال لا تقل ذاك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك. .
وروى الترمذي (16) عن يوسف بن سعد قال قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال سودت وجوه المؤمنين أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت (إنا أعطيناك الكوثر) يا محمد يعني نهرا في الجنة ونزلت هذه الآية (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد قال القاسم فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص . وهو حديث منكر .

2- ما جرى بين معاوية وقيس بن سعد بن عبادة
روى الطبري في تاريخه (17) عن الزهري، قال: لما كتب عبيد الله بن عباس حين علم ما يريد الحسن من معاوية من طلب الأمان لنفسه إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب، فشرط ذلك له معاويه، بعث اليه معاويه ابن عامر في خيل عظيمة، فخرج إليهم عبيد الله ليلا حتى لحق بهم، ونزل وترك جنده الذي هو عليه لا أمير لهم، فيهم قيس بن سعد، واشترط الحسن ع لنفسه، ثم بايع معاوية، وأمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم، وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة على ع ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا في الفتنة، فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله ابن عباس والحسن ع إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكايدة، ومعه أربعون ألفا، وقد نزل معاوية بهم وعمرو وأهل الشام، وأرسل معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول: على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك؟ فأبى قيس أن يلين له، حتى أرسل إليه معاوية بسجل قد ختم عليه في أسفله، فقال: اكتب في هذا السجل ما شئت، فهو لك.
قال عمرو لمعاوية: لا تعطه هذا، وقاتله، فقال معاوية: على رسلك! فانا لا نخلص الى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك! وإني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من قتاله بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيس فيه له ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يسأل معاوية في سجله ذلك مالا، وأعطاه معاوية ما سأل، فدخل قيس ومن معه في طاعته .

3- خروج الحسن من مسكن وذهابه للمدينة وما لاقاه بطريقه
لما وقع الصلح بين الحسن وبين معاوية بمسكن، قام- فيما حدثت عن زياد البكائي، عن عوانة- خطيبا في الناس فقال:
يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي قال: ثم إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتى أتوا الكوفة، فلما قدمها الحسن وبرأ من جراحته، خرج إلى مسجد الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي اهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فجعل الناس يبكون، ثم تحملوا إلى المدينة ... فلما خرج إلى المدينة تلقاه ناس بالقادسية فقالوا: يا مذل العرب!(18)
وقال البلاذري (19) : وشيعه معاوية إلى قنطرة الحيرة.
وقال أبو اليقظان: لما نزل الثعلبية؛ جاءه قوم فقالوا: يا مذل بني هاشم، يا مسود وجوه المؤمنين وهو يبكي، وإخوته وأهله يبكون.
وعن ابن شوذب (20) قال : كان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين. فيقول: العار خير من النار .
قلت : كل ذلك من البلاء الذي تعرض له رضوان الله تعالى عنه فصبر ، وما كان تحت أديم السماء من جده نبي غيره وأخوه ، كما روى الطبراني (21) عن أنس بن سيرين، قال:
قال الحسن بن علي: ما بين جابرس وجابلق رجل جده نبي غيري وغير أخي، وإني رأيت أن أصلح بين الأمة، ألا وإنا قد بايعنا معاوية، ولا أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .
قال معمر: جابلق وجابرس : المشرق والمغرب.
وما أحق بالخلافة منه لسيادته التي نص عليها رسول الله في حديث أبي بكرة المتقدم .
وأيضا لحدي أنس بن سيرين السابق فعند أحمد في الفضائل(22) قال الحسن بن علي يوم كلم معاوية ما بين جابرس وجابلق: «رجل جده نبي غيري وإني رأيت أن أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكنت أحقهم بذاك ألا إنا قد بايعنا معاوية ولا أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين»

فما زاده ذلك إلا صبرا ، وكان هؤلاء القوم الذين ينعتونه بتلك الصفات أجهل الناس وهو أبصر بهم أنفسهم فلو حارب بهم لخذلوه كما خذلوا أبيه من قبل رضوان الله عليه وما وما وجد منهم إلا كل سئ فهم أهل فتن معروفون فروى الطبراني في الكبير (23) : عن أبي جميلة أن الحسن بن علي رضي الله عنه حين قتل علي رضي الله عنه استخلف، فبينما هو يصلي بالناس إذ وثب عليه رجل، فطعنه بخنجر في وركه، فتمرض منها أشهرا، ثم قام على المنبر يخطب، فقال: " يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله عز وجل: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: 33] . فما زال يومئذ يتكلم حتى ما يرى في المسجد إلا باكيا .

ثم لم يتركوه وشأنه وأخذوا يقولون أنه يريد الخلافة فروى الحاكم (24) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير يحدث، عن أبيه، قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة فقال: «قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه الله تعالى، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ابتزها باتئاس أهل الحجاز» هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "

3- مسألة تفضيل الحسن

و عن المقدام بن معد يكرب، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم :حسن مني، والحسين من علي . رواه الطبراني (25)
وهذا لا ينقص أبدا من قدر الحسين فقد روى البخاري في الأدب (26) من حديث يعلى بن مرة حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب الحسن والحسين، سبطان من الأسباط .
ولكن كما دلت الأدلة على أن أبو بكر وعمر أفضل الصحابة ودلت على أن أبو بكر أفضل من عمر فكذلك يقال في حق سيدا شباب أهل الجنة .

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية (27) : والأحاديث الصحيحة تدل على أن الحسن كان أفضلهما، وهو كذلك باتفاق أهل السنة والشيعة. وقد ثبت في الصحيح (28) أنه «كان يقول عن الحسن: " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» "
وقال (29) وقد دل الواقع على أن رأي الحسن كان أنفع للمسلمين ; لما ظهر من العاقبة في هذا وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للحسن وأسامة: " «اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما» "
: وكلاهما كان يكره الدخول في القتال. أما أسامة فإنه اعتزل القتال، فطلبه علي ومعاوية، فلم يقاتل مع واحد من هؤلاء. كما اعتزل أكثر فضلاء الصحابة - رضي الله عنهم - مثل سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعمران بن حصين، وأبي بكرة، وغيرهم.
وكان ما فعله الحسن أفضل عند الله مما فعله الحسين ; فإنه وأخاه سيدا شباب أهل الجنة، فقتل الحسين شهيدا مظلوما.

وقال ابن القيم (30) : وفي كونه من ولد الحسن (أي المهدي) سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم .

وقال الامام ابن عثيمين (31) : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحسن ويحب الحسين ويقول إنهما سيدا شباب أهل الجنة لكن الحسن أفضل من الحسين ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وسوف يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ولذلك لما استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتله الخارجي كان الذي تولى الخلافة بعده الحسن ابنه الأكبر والأفضل ولكنه لما رأى أن منازعته لمعاوية الخلافة سيحصل فيها سفك دماء وقتل وضرر عظيم تنازل رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية تنازلا تاما درأ للفتنة وائتلافا للأمة فأصلح الله به بين الأمة وصار بهذا له منقبة عظيمة حيث تنازل عما هو أحق به لمعاوية رضي الله عنه درأ للفتنة .
ويشهد لذلك ما رواه ابن عبد البر (32) : أن الحسن لما احتضر، قال للحسين:
يا أخي! إن أباك لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم - استشرف لهذا الأمر، فصرفه الله عنه، فلما احتضر أبو بكر، تشرف أيضا لها، فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر، جعلها شورى، أبي أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما قتل عثمان، بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني -والله - ما أرى أن يجمع الله فينا - أهل البيت - النبوة والخلافة؛ فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفة، فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن في حجرتها؛ فقالت: نعم، وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء، فإذا ما مت، فاطلب ذلك .

4- خروج الخوارج على معاوية
قدم معاوية قبل أن يبرح الحسن من الكوفة حتى نزل النخيله، فقالت الحرورية الخمسمائة التي كانت اعتزلت بشهرزور مع فروة بن نوفل الأشجعي: قد جاء الآن ما لا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتى دخلوا الكوفة، فأرسل إليهم معاوية خيلا من خيل أهل الشام، فكشفوا أهل الشام، فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم والله عندي حتى تكفوا بوائقكم، فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم، فقالت لهم الخوارج: ويلكم! ما تبغون منا! أليس معاوية عدونا وعدوكم! دعونا حتى نقاتله، وإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا، قالوا: لا والله حتى نقاتلكم، فقالوا: رحم الله إخواننا من أهل النهر، هم كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة وأخذت أشجع صاحبهم فروة بن نوفل- وكان سيد القوم- واستعملوا عليهم عبد الله بن أبي الحر(33) - رجلا من طيئ- فقاتلوهم، فقتلوا . (34)
ثم استعمل الخوارج عليهم عبد الله بن أبي الحوساء، رجلا من طيئ، فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم في ربيع الأول، (وقيل: في ربيع الآخر) وقتل ابن أبي الحوساء، وكان ابن أبي الحوساء حين ولي أمر الخوارج قد خوف من السلطان أن يصلبه، فقال:
ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأوصال وأبشار
تجري المجرة والنسران عن قدر ... والشمس والقمر الساري بمقدار
وقد علمت، وخير القول أنفعه ... أن السعيد الذي ينجو من النار . (35)

ولما قتل ابن أبي الحوساء اجتمع الخوارج فولوا أمرهم حوثرة بن ذراع بن مسعود الأسدي، فقام فيهم وعاب فروة بن نوفل لشكه في قتال علي ودعا الخوارج وسار من براز الروز، وكان بها، حتى قدم النخيلة في مائة وخمسين، وانضم إليه فل ابن أبي الحوساء، وهم قليل، فدعا معاوية أبا حوثرة فقال له: اخرج إلى ابنك فلعله يرق إذا رآك. فخرج إليه وكلمه وناشده وقال: ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟ فقال: أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني. فرجع أبوه فأخبر معاوية بقوله، فسير معاوية إليهم عبد الله بن عوف الأحمر في ألفين، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج فدعا ابنه إلى البراز، فقال: يا أبه لك في غيري سعة. وقاتلهم ابن عوف وصبروا، وبارز حوثرة عبد الله بن عوف فطعنه ابن عوف فقتله وقتل أصحابه إلا خمسين دخلوا الكوفة، وذلك في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين: ورأى ابن عوف بوجه حوثرة أثر السجود، وكان صاحب عبادة، فندم على قتله، وقال:
قتلت أخا بني أسد سفاها ... لعمر أبي فما لقيت رشدي
قتلت مصليا محياء ليل ... طويل الحزن ذا بر وقصد
قتلت أخا تقى لا نال دنيا ... وذاك لشقوتي وعثار جدي
فهب لي توبة يا رب واغفر ... لما قارفت من خطأ وعمد . (36)
ووثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وتغلب عليها، فبعث معاوية إليه جيشا ليقتلوه ومن معه، فجاء أبو بكرة الثقفي إلى معاوية، فسأله في الصفح عنهم والعفو، فعفا عنهم وأطلقهم، وولى على البصرة بسر بن أبي أرطاة، فتسلط على أولاد زياد يريد قتلهم ; وذلك أن معاوية كتب إلى أبيهم ليحضر إليه فتلبث، فكتب إليه بسر: لئن لم تسرع إلى أمير المؤمنين، وإلا قتلت بنيك. فبعث أبو بكرة إلى معاوية في ذلك، فأخذ له أمانا منه . (38)
ثم خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فعاب ذلك عليه أبو بلال بن أدية، فقال: قد قاتل النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع المسلمين بالشام، وسأردهما، فردهما، فوجه إليه المغيرة جابرا البجلي، فقاتله فقتل أبو مريم وأصحابه ببادوريا . (39)
وولى فيها 1- بسر (37) بن أبي أرطأة على البصرة كما تقدم ثم استعمل عليها ابن عامر .
2-عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة .
3- قيس بن الهيثم على خراسان .

وبهذا تنتهي أحداث هذه السنة
______________________________ _________
(1) أخرجه البخاري (2704) ، وأبو داود (4662) ، الترمذي (3773) ، النسائي (1410) جميعهم من حديث الحسن عن أبي بكرة وقد تكلم جماعة في سماع الحسن من أبي بكرة ورجحوا عدم سماعه منهم ابن معين انظر تاريخه برواية الدوري (4597) وكذلك الداراقطني انظر التتبع (صـ 222) والذهبي في السير(4/566) كما نقله عن ابن معين ولكن صحح سماعه ابن المديني كما نقل ذلك البخاري عنه في الصحيح (2704) فقال قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة، بهذا الحديث وانظر العلل لابن المديني (صـ 51) وكذلك بهز كما رواه ابن أبي حاتم في المراسيل (152) ومسلم (الكنى والأسماء 1293)
ورواه غير أبي بكرة وهم أنس بن مالك فرواه الحسن عن أنس انظر الكبرى للنسائي (8109) والبزار (6664)
ورواه علي بن أبي طالب بسند ضعيف عند أبي داود (4290)
ورواه أبو سفيان عن جابر كما في مجمع الزوائد قال الهيثمي (15050) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار، وفيه عبد الرحمن بن مغراء وثقه غير واحد، وفيه ضعف، وبقية رجال البزار رجال الصحيح.
وللتوسع انظر تاريخ دمشق (13/230) فبالجملة الحديث صحيح سواء في البخاري لمن سيصحح السماع وإن لم يصحح سماع الحسن من أبي بكرة فقد صح الحديث من غير طريق أبي بكرة أصلا والله أعلم
(2) تاريخ الطبري (5/162)
(3) بليدة من نواحي دجيل، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، من جهة تكريت " معجم البلدان( 1/ 274)
(4) دير قديم البناء قرب بغداد، غربي دجلة، معجم البلدان (2/ 503)
(5) الكامل (3/5)
(6) البخاري (2704)
(7) التبيين في أنساب القرشيين (صـ 127 )
(8) انظر تاريخ الطبري (5/162) مرأة الزمان (7/9) ، الكامل لابن الأثير (3/6).
(9) المصنف (30559)
(10) تاريخ دمشق (13/241)
(11) التاريخ (5/163)
(12) الاستيعاب (1/387)
(13) مسند أحمد (21919) ، وأبو داود (4647) ، والترمذي(2226) جميعهم من حديث سعيد بن جمهان عن سفينة وصححه الإمام أحمد كما في "المنتخب من العلل" للخلال (128)، وحسنه الترمذي، وحسنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/141) وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1181)
(14) رواه أحمد (18406) والبزار (2796) والهيثمي في المجمع (8960) جميعهم من طريق حسان بن حبيب عن النعمان وقال الهيثمي (رواه أحمد في ترجمة النعمان، والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات) وصححه الألباني في الصحيحة (5) ونقل تصحيح العراقي له في محجة القرب (2/17)
وكذلك حسن إسناده الأرناؤوط في تحقيقه للمسند .
(15) تاريخ بغداد (12/6)
(16) الترمذي (3350) واستغربه ، واستنكره ابن كثير في تفسيره (8/441) ونقل استنكار المزي له أيضا ، وك1لك استنكره الألباني في تحقيقه للسنن
(17) التاريخ (5/163)
(18) تاريخ الطبري (5/165)
(19) أنساب الأشراف (2/389)
(20) الاستيعاب لابن عبد البر (1/386)
(21) المعجم الكبير (2748) وقال الهيثمي في المجمع (7073) رجاله رجال الصحيح .
(22) فضائل الصحابة (1355)
(23) المعجم الكبير (2761) ، وقال الهيثمي في المجع (15010) رجاله ثقات
(24) المستدرك (4795) وقال الذهبي على شرط الشيخين .
(25) في الكبير ( 20/268) ، مسند الشاميين (1126) من حديث خالد بن معدان عن المقدام .
وقوى إسناد الذهبي في السير (3/258)
وجوده العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1304)
(26) أحمد (17516) ، الأدب المفرد (364) ، الترمذي (3777) وحسنه الترمذي وحسنه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1304) وحسنه الألباني في الصحيحة (1337)
(27) منهاج السنة (4/47)
(28) متفق عليه البخاري (3749) ، مسلم (2422) كلاهما من طريق العدي بن ثابت عن البراء بن عازب .
(29) منهاج السنة (8/146) بتصرف يسير
(30) المنار المنيف (صـ 151)
(31) شرح رياض الصالحين (4/455)
(32) الاستيعاب لابن عبد البر (1/391)
(33) في الكامل لابن الأثير (3/10) عبد الله بن أبي الحوساء والعلم عند الله
(34) تاريخ الطبري (5/166)
(35) الكامل لابن الأثير (3/10)
(36) الكامل في التاريخ (3/10)
(37) بضم الباء الم تاريخ الطبري وحدة والسين المهملة الساكنة
(38) تاريخ الطبري (5/176) ، البداية والنهاية (11/149)
(39) الكامل في التاريخ (3/12)