بعد حياة نشيطة تدب في كافة المجالات في جميع أنحاء العالم، وبعد اهتمامات تتعدد وتتنوع، إذ بالعالم كله يهتم بأمر آخر لا شيء غيره، ويكرس جهوده البشرية والمادية من أجل مواجهته؛ ألا وهو هذا الفيروس (كورونا)، فالدول تغلق مجالاتها الجوية والبحرية والبرية، وتتوقف الأنشطة على اختلاف أنواعها: الرياضية والاجتماعية والاقتصادية، حتى جماعات الصلاة، ويُفرض الحجر الصحي على القادم من الخارج وعلى المخالط للمرضى، بل وعلى ملايين البشر في دول ومدن كاملة، تغلق المدارس والجامعات، ويحرم ملايين الطلاب من مواصلة تعليمهم داخل المؤسسات التعليمية، ويفرض حظر التجول في أكبر مدن العالم وأكثرها كثافة وحركة، ويتبدل الحال غير الحال، ويتغير وجه الأرض جميعًا، من فرح هنا وهناك وازدهار وإنتاج، إلى حزن وتوجس وخيفة وركود وكساد اقتصادي.
كل ذلك يذكرنا بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]، أصبحت الأرض كلها كأن لم تغنَ بالأمس، وإن كان ذلك لفترة لا يعلمها إلا الله تعالى، الكل يبحث عن النجاة، وعن أنسب الطرق التي تجنبه الإصابة بهذا المرض، إنه حقًّا مشهد مصور نعاينه واقعًا ملموسًا، يبين حقيقة هذه الدنيا التي يتعادى فيها ذوو الأرحام، ويتصارع فيها الجيران والخلان، ويتقاتل فيها الناس على أتفه الأسباب، ويظن القوي أن قوته مانعة من أي خوف يصيبه، فيأتي مخلوق لا يُرى بالعين المجردة يخاف منه القاصي والداني، تخاف منه الدول، فيكون أملها دفع خطره والنجاة من مهالكه؛ ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]، فهل تعي البشرية ذلك؟ وهل يتوقف ما فيها من كبر وغطرسة وتعالٍ؟




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139378/#ixzz6I4GqTgYi