الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإنَّه قد ظهرت في بعض البلدان ظاهرةٌ تنمُّ عن تأثر بأفعال أهل الكتاب المبدِّلين، وتدلُّ على جهل من يفعلها بحكمها، فضلًا عن الإحداث في الدين، ألا وهي ظاهر الاحتفال بيوم الأم، أو كما يُسميه البعض "بعيد الأم"، وهذه الظاهرة أُخذت من أهل الكتاب، فهم في الغالب إذا كَبُر الرجلُ منهم أو تقدَّمت المرأةُ في العمر، وضعوهم في دار العجزة أو دار المسنِّين، وهكذا حتى يأتي هذا اليوم من السنة، فيحتفلوا بهم، وهذا من أعظم العقوق، فلِم يحتفل أبناء المسلمين بهذا ويقلدونهم؟!
لذا فمن عَلِمَ هذا ينبغي أن يعلم:
أولًا: أنَّ الواجبَ علينا مخالفةُ أهل الكتابِ؛ كما جاء في نصوص القرآن والسنَّة، وعليه إجماع علماء الأمة سلفًا وخلفًا.
قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء:36].
فأمر في الآية الأولى بالتَّوحيدِ، وذكَر بعده الإحسانَ إلى الوالدين بجميعِ أنواع الإحسان والبرِّ المشروع، ونهى عن عقوقهما ولو كان العقوق بأصغر كلمة، وهذا من تأكيد برهما والنهي عن عقوقهما؛ كما أن فيه عظمَ القرآن وروعة أسلوبه، وجمعه للأشياء بآن واحد.
وفي صحيح البخاري، (5631) ومسلم، (143)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبرِ الكبائر؟)، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين".
وفيهما، (504) ومسلم (139) عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها قلتُ: ثمَّ أي؟ قال: ثمَّ برُّ الوالدين قلت: ثمَّ أي؟ قال: ثمَّ الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهنَّ ولو استزدته لزادني".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «بكاء الوالدين من العقوق والكبائر"؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد" (31).
وفي الجامع لابن وهب (121) بسندِه عن عروة بن الزبير، قال: «ما برَّ والده من شدَّ النَّظر إليه».
فهذه النصوص في التحذير من العقوق، وأنَّه من أكبرِ الكبائر عند الله، ممَّا ينبغي أن يعلمه الذي يحب والديه، ويريد أن يعظم من قدرهما؛ ولكن ليكن ذلك بما جاء به الشرع، فيكون متبعًا لا مبتدعًا أو سبيلًا لحصول بدعة في الدَّينِ.
ثانيًا: أنَّ الواجب علينا برُّ الوالدين بجميع أنواع البر المشروع، والتقرب إلى الله بذلك، كما أمر الله في قرآنه، وحثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وكان ذلك هديه في سيرته، فمن أعظم الطاعات بعد التوحيد الإحسان إلى الوالدين، ومن أعظم الكبائر بعد الشرك بالله عقوق الوالدين، ونحن أهل الإسلام بحمد الله تعالى في كل يوم عندنا ما هو خير من هذا العيد نقوم به اتجاه والدينا من البر لهم والإحسان عليهم، فمن عَلِم هذا عَلِم أنَّ الاحتفال بتقليد النصارى محرَّم، وهو محدث في الدين، والإحداث في الدين محرم، فإن قال قائلٌ: أنا لا أحتفل بهم اتباعًا للنَّصارى، وإنمَّا من باب البر، فنقول برَّ والديك، ولا تتقيد بيوم، وتُشرع فيه الاحتفال واللقاء، فإن هذا عند أهل العلم من علامات البدع.
ومن الإشكالات أنَّ كثيرًا من النَّاسِ يسمونه عيدًا، والصحيح الذي لا مطعن به أن أعياد المسلمين هما عيد الفطر وعيد الأضحى، ويوم الجمعة عيدٌ لِمَا فيه من اجتماع المسلمين، ولُبسهم الثياب النظيفة والتَّعطر، ولأنه ورد فيه نص وله خصوصيةٌ وفضيلةٌ، هذا من باب الشرع لا العاطفة.
قال ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص118): "أصل هذا: أنَّه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيدًا إلا ما جاءت الشريعة باتخاذه عيدًا، وهو يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، وهي أعياد العام ويوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وما عدا ذلك فاتخاذه عيدًا وموسمًا بدعة لا أصل له في الشريعة".
قلت: عُلِم أن يوم الأم الذي به يحتفلون ليس هو بيوم الفطر ولا الأضحى ولا الجمعة، وأنَّه قد اتُخِذَ موسمًا وصار محلًّا لمضاهاة الأعياد الشرعية من إظهار السرور، والتزاور، والاحتفال بما أصله (مباح وغير مباح)، مع اختلاط بين النساء والرجال وغيرهم، فيحصل بذلك من المخالفات الشرعية، مع كونه من الأعياد البدعية.
واعلم أنَّ "الأصل في العبادات ألا يشرع منها إلا ما شرعه الله"، فتشريع مثل هذا الأعياد داخل في باب العبادات، والعبادات لا تقوم إلا على الدليل، ومن ثم فالواجب على المؤمن السمع والطاعة، واتباع ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى الله عنه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف:102].
فيفعل المأمور دون النظر أواجب هو أم مندوب، ويترك المنهي عنه، دون النظر أحرام هو أم مكروه!
وليعلم أنَّ السمع والطاعة من علامات أهل الإيمان، وترك السمع والطاعة من علامات أهل النفاق والخِذلان؛ قال الله في وصف أهل النفاق: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [النور:47-48].
وأنَّه ما شَرُفَ مَن شرُف مِن هذه الأمة، وعلى رأسهم الصحابة الكرام، إلا باتباع الدليل والتسمك بالسنة، وهو أوجب الواجبات؛ لأننا في زمن الغربة، كما في صحيح مسلم (232) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
وروى الشاطبي في "الاعتصام"(1/127)، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها"، (ص 65).
والواجبُ على النَّاسِ الرجوع لأهل العلم الثقات المشهود لهم، فإنَّ ذلك من أسباب النجاة، ومن طرق تقليل الخلاف في الأمة، ففي "صحيح البخاري" (100)، ومسلم، (2673) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبضُ العلمَ بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبِق عالِمًا اتخذ النَّاس رؤوسًا جهالًا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا».
وعلى هذا نقرِّرُ أنَّ الأصلَ في الاحتفالِ بهذا اليوم، وإظهارِ الفرح وتبادل الهدايا، وصنع الحلوى أو إحضارها، إنَّما هو تقليدٌ للنصارى وإحداث عيدٍ في الدِّين، وكما بيَّنا الواجبُ هو البرُ في جميع الأحوال والأيام، ومن أراد أن يقدم هذه الهدايا ويطيِّبَ النَّفوس بها، فليقدمها في غير هذه الأيام؛ ليخرج من ضابط التخصيص الذي هو من ركائز البدع في الدين، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين [1].
----------------------
[1] تم ما أردت بيانه بهذه الوقفة على عجل دون استطراد وتوسع في الأدلة والمواضيع المتعلقة بالباب، ولعلَّ الله ييسر الحديث عنه وعن غيره من الأعياد في رسالة لطيفة، والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139337/#ixzz6Ho2Qm5qd