مشكلتي عائلتي
أجاب عنها : يحيى البوليني

السؤال:
عندي مشاكل وعجزت أن أعيش حياتي الطبيعية.. أولاً: أنا ترتيبي الثاني في الأسرة ومتزوج وساكن في نفس البيت مع الأهل (الوالد متوفى رحمه الله)، أنا وأخي الأكبر نعيش في وسط مجتمع محافظ، وعندي من الأخوات أربع، الأولى والثانية في سن الزواج.
بدأت المشاكل بعد زواج أخي من الابنة الوحيدة لخالتي، وهم من الأغنياء، وبدأ التأثير على الأهل من الخروج المتأخر بدون مشورة أحد وبدون محرم، وكنت أنا الوحيد المعارض لهذا الشيء.
ثانياً: بدأ التصرف في البيت بدون المشورة مني ومن إخواني، مثل أنهم يجيبون أعمال في البيت وبدون ما يكون فيه أحد من العيال وبالطبع إخواني ما عندهم مشكلة.
ثالثاً: هناك ملاحظات في اللبس وأتكلم معهم، وفي النهاية تكون المشكلة مني أنا، وأنا ما أقول فيهم أي شيء لا سمح الله.
رابعاً: إذا شريت أغراضاً للبيت، شريت للأهل ولي ولأخي نفس الأغراض، وإذا شريت أغراضاً بسيطة ولم أشتري لهم يغضبون!!
هناك كثير من المشاكل، وقد نصحت ولاطفت.. وهل إذا قررت الابتعاد عنهم، فقط ألقي السلام وليس لي أن أتدخل في شيء.. للأسف أظن هذا الطريق الوحيد.. أريد مشورتكم.. جزاكم الله خيراً.


الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أما بعد:
حياك الله أخي الكريم وأسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرضينا جميعا بما قسم لنا، كما نشكر لك أخي الكريم تواصلك مع موقع المسلم وثقتك به وبمستشاريه.
وبعد فيمكن تلخيص رسالة الأخ الكريم في نقاط:
- رجل متزوج في منزل عائلي لوالد متوفى وله أخ اكبر منه متزوج بابنة خالتهما.
وله أربع شقيقات اثنتان منهن في سن الزواج.
- يشكو من بعض التصرفات كخروج زوجة الأخ للأسواق في وقت متأخر نسبيا وهم في مجتمع محافظ، فأراد التدخل والاعتراض والتوجيه فأصبحت المشكلة بينه وبين الأسرة كلها وظهر بمظهر مثير المشاكل.
- تسببت زوجة أخيه – كما يقول - في قطيعة رحم بين إخوته وأقربائه.
- يشكو من عدم المعاملة ماديا بالمثل مع أخيه.
- قرر الابتعاد عن إخوته والاقتصار على إلقاء الإسلام.
ويسأل عن جدوى ما اتخذ من قرار.
أخي الفاضل:
لكل اختيار في هذه الحياة مشاكله ومنغصاته، فللإقامة المشتركة في منزل يجمع كل الإخوة مشكلاتها، كما للانعزال عنهم أيضا مشاكل أخرى لا تشعر أنت بها، ولكنك ترى ما أنت فيه – ولك الحق في ذلك – ولكنك لا ترى المشكلات الأخرى ولم تقدر حجمها.
واراك أخي الكريم بحمد الله في مشكلة اتفق معك أنها تؤرقك ولكنها بحمد الله بالنظر لمشكلات أخرى قد تتبين أنها ليست بالكبيرة.
وأحب أن الخص كلمتي لك في نقاط:
- هناك دوما شعوران يتملكان كل منا، شعور بالرغبة في إسعاد نفسه والعمل على راحتها، وهناك شعور آخر هو المسئولية الاجتماعية التي تقع على كل منا.
ودائما ما تكون المسئولية الاجتماعية مرهقة ومكلفة ومؤلمة أحيانا، وللأنفس الكبيرة رغبة صادقة في تحملها – ولظنك منهم – ممن يحاولون أن يجمعوا الشتات ويضموا المفترق.
وعادة ما يتحمل الكبار مسئوليتهم حتى لو لم يكونوا هم الأكبر سنا، فهم الذين يجعلون على أنفسهم تلك المسئولية ; مسئولية التوجيه والتقويم والمحاسبة حتى لو لم يكونوا مكلفين بذلك لا شرعا ولا عرفا.
- يبقى دائما خيط رفيع فاصل بين القيام بالمسئولية الواجبة وبين التدخل في شئون الغير، فمن حقك بل من واجبك أن تهتم بشئون أخواتك البنات الصغيرات، بأن توجههن وتحافظ عليهن وتتابعهن، فليس عليك غضاضة في ذلك، أما زوجة أخيك فليس لك هذا الحق عليها وخاصة في وجود أخيك كقيم على بيته وأبنائه وزوجته، فالرجال قوامون على النساء، وكل رجل مسئول عن بيته المسئولية الكاملة، ولهذا فدورك أنت وواجبك في هذا المقام لا يمكن أن يتعدى النصيحة والتذكير لأنها زوجة لأخيك، وهي غير مطالبة باستئذانك ولا سؤالك قبل خروجها، وليس لك حق مراجعتها في ذلك، فزوجها الذي يراجعها ويتخذ معها ما يراه مناسبا في حقها، بل ويعتبر تدخلك في ذلك أنت من التدخل الغير مرغوب فيه وخاصة إن تجاوز الحد.
- ينبغي عليك في النصيحة والتذكير أن يكون ذلك بلطف في غير صورة الأمر والنهي والمحاسبة والتقريع، بل يكون بلطف من منطلق قول الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.
- لك أن تحافظ على أخواتك وتقوم على توجيههن ورعايتهن، فلا يتصرفن التصرف الذي يغضب الله، أو التصرف الذي تراه أنه يعرضهن للقيل والقال، ولكن أيضا يجب ذلك أن يكون بلطف وتؤدة ورفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف" وخاصة أنهن بعد فقد الوالد - رحمه الله - لم يتبق لهن من يقوم بدور الوالد الشفيق سواكما أنت وأخوك، فلا تكن سيفا مسلطا عليهن، وكن معهن كما يفعل كرام الرجال مع نسائهم، وليكن لك في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه وبناته خير مثل وقدوة.
- بالنسبة أخي لقطيعة الرحم، فمسئوليتك الأولى عن أخواتك فقط، فيجب عليك أن تفعل كل ما من شأنه أن يعيد صلة الرحم مرة أخرى، فلك أن تتوسط بينهما وتزيل الخلاف وتقرب بين وجهات النظر، فكما تعلم أن قطيعة الرحمة من عظائم الذنوب، وينبغي عليك بذل ما في وسعك لرأب ذلك الصدع، ومن الغريب أنك - أخي الفاضل - لم تذكر شيئا عن السيدة والدتك في كل هذا – إن كانت على قيد الحياة – فيجب أن يكون لها دور كبير في مساعدتك في ذلك.
- أما بالنسبة لزوجة أخيك أيضا في قطيعة الرحم بينها وبين خالها فليس عليك في ذلك إلا النصح للطرفين وبذل الوسع في ذلك كبذله مع أي مسلم دون أن يكون تدخلك تدخلا يوغر الصدور فكن على حذر.
- وأما عن التفرقة بينك وبين أخيك في المسائل المادية، فأنت لم يكلفك أحد بأن تشتري لأخيك مثلما تشتري لبيتك، وما فعلته إلا عن طيب نفس وكرم خلق، والكرام لا يطلبون أن يعاملهم الناس بالمثل، إن شاءوا استمروا في مسيرتهم، وإن شاءوا أيضا توقفوا عن ذلك بلا لو ولا عتاب من غيرهم، ولك الأمر بالخيار ولكن ليس لك أن تشكو من تصرف غيرك معك بغير ما تتصرف معهم به.
أخي الكريم:
نصيحة لك في معاملتك لأخواتك، كن واسع الصدر معهن قريبا لهن مستمعا لمشاكلهن متعرضا لهن فيها، كن مثل الحائط يستندن إليه ويرتكن له، من قبل أن يأتي اليوم الذي تقبل فيه أخت لك بأي طارق للزواج دونما روية أو تفكير لا لشيء إلا للتخلص من ذلك الجو الأسري غير المريح، وهذا لا أوافقك في رأيك في الابتعاد، فالابتعاد ليس حلا بل سيزيد الأمر سوءاً بالنسبة لأخواتك.
وفقك الله وبارك فيك.