أيها المسلمون، يتردد كثيرًا في مجالس الناس هذه الأيام حديث عن مرض يتخوفون منه، ويخشون من انتشاره والإصابة به، والواجب على كل مسلم أن يكون في أحواله كلها معتصمًا بربه جل وعلا، متوكلًا عليه، معتقدًا أن الأمور كلها بيده؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، فالأمور كلها بيد الله وطوع تدبيره وتسخيره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا عاصم إلا الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ [الأحزاب: 17]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ [الزمر: 38]، وقال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2]، وفي الحديث: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))، وفي الحديث: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة))، وفي الحديث: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)).
عباد الله، إن المصائب التي تصيب المسلم سواء في صحته، أو في أهله وولده، أو في ماله وتجارته، أو نحو ذلك - إن تلقاها بالصبر والاحتساب، فإنها تكون له رفعة عند الله جل وعلا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، فالله تبارك وتعالى يبتلي عبده؛ ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وصبره ورضاه بما قضاه عليه، ومن هدي الإسلام في التعامل مع الوباء عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها، وعدم الخروج منها؛ يدل على ذلك ما رواه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم به - يعني: الطاعون - بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه))؛ [رواه البخاري ومسلم]، فنهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للمكان الذي ينتشر فيه الوباء والمرض والخروج منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)).
ويجب على أهل الإيمان ملاحظة عجز البشر بدولهم وأطبائهم ومختبراتهم، وعلاجاتهم وإمكانياتهم - عن محاصرة فيروس صغير ضعيف يتنقل بين الدول، ويشل الاقتصاد، ويغلق الحدود، ويفتك بالناس؛ لنعلم أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الناس مهما بلغت قوتهم وعلومهم، فلن يقدروا على جندي واحد من جنده سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، فلنعلق قلوبنا به عز وجل؛ إيمانًا به، ويقينًا بقدرته، وتوكلًا عليه، وتضرعًا إليه؛ فلا يدفع الضر سواه، ولا يرفع الوباء غيره سبحانه، ونسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة الدائمة لنا ولجميع المسلمين، إنه سميع مجيب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
عباد الله، من أعظم الوقاية من الأمراض التحصن بذكر الله:
فعن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، فيضره شيء، فأصاب أبان بن عثمان الفالج، فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال له: ما لك تنظر إليَّ؟ فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبتُ؛ فنسيتُ أن أقولها))، وفي رواية: ((ولكني لم أقله يومئذٍ ليُمضيَ الله عليَّ قدره))؛ [رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح].
ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة، قال: ((أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك))؛ [رواه مسلم].
وثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال حينئذٍ: هُديت وكُفيت ووُقيت، قال: فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطان آخـر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟)).
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كفتاه))؛ أي: من كل آفة وسوء وشر، وجاء في حديث عبدالله بن خبيب رضي الله عنه: ((﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء))، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبدالله بن عمر أنه كان لا يَدَعُ هـؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))، وفي هـذه الدعوة تحصين تام وحفظ كامل للعبد من جميع جهاته. [1]
----------------------
[1] مستفادة من خطب أخرى.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139214/#ixzz6H2NGreRr