خواطر زوجية
محمود عبدالحميد خليفة

زارتها يوماً والحزن يستولي على خلجاتها، والكآبة ترتسم على محيَّاها، أدركيني أيتها الصديقة الغالية، لقد ادلهم بي الخطب وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، إنني أفكر في الإقدام على خطأ كبير، لقد أصبح حالي لا يُطاق، نظرت إليها صديقتها شاخصة البصر مشرئبة الحواس، ما الأمر يا حبيبتي؟ راحت الصديقة الحائرة تسرد على مسامع صاحبتها مشكلتها، وقطرات الدمع تغمر ملامح وجهها الندي، ومرآها الوضيء، زوجي يا صديقتي الحبيبة، لا يهتم بي، يقضي سحابة نهاره وظلمة ليلة عاكفاً على عمله، منشغلاً بدراسته وأبحاثه، منهمكاً في شؤونه ومشاغله··· إن لي جارة لها ظروفي نفسها، وقد خارت قواها العقلية والجسمانية، وأنا من جانبي حاولت أن أصبر وحاولت بشتى الطرق وجميع السبل أن أبدي عدم المبالاة حتى أضغط على نفسي، بسلوكي كزوجة حكيمة مطيعة لزوجها، ولكم حاولت مراراً أن أكون جامدة الأحاسيس، متبلدة المشاعر، ولكن دون جدوى، وهأنذا أشعر بأنه قد حار فكري، وغُلبت على أمري·
ربتت صاحبتها على كتفها وأخذت تجفف العبرات التي تجري كالسيل الجارف من مقلتي صديقتها وهي تقول لها: هوِّني عليك يا أختاه، هل حاولت التودد إلى زوجك والحنو عليه؟ وهلا حاولت تبديد متاعب يومه بابتسامتك الرقيقة؟ وهلا طمحت فيما هو أعمق من ذلك كله فاهتممت بالعطف الروحي والمعاشرة الروحية اللذين هما أساس الحياة الزوجية الكاملة؟·
ولزوجك أقول: إذا كان لك أن تبرر إهمالك لزوجتك بانشغالك في عملك في سبيل توافر حياة كريمة لزوجتك وأولادك، فهذا أمر غير مقبول، وأنت لا تسير في طريق السعادة، وكان يجب عليك أن تفكر في هذه الأمور قبل الإقدام على الزواج، لتعرف أن واجبك نحو زوجتك أسمى بكثير من واجبك تجاه عملك ومعاشك·
لقد أقسم الزوج أمام الله أن يحمي امرأته وأن يحبها ويرعاها، وإهماله لها يجعلها تشعر بافتقارها إلى الحماية والحب، والزوج الذي يترك امرأته منشغلاً بعمله لا يكون قد حماها، بل يضعها في أصعب المواقف·
إنني لا أريد من الأزواج الذين شاءت الظروف القاسية أن تصرفهم عن زوجاتهن أن يدعوا أعمالهم، أو أن يهملوا واجبهم ومشاغلهم، ولكن أريد منهم التوفيق بين واجبهم نحو عملهم وواجبهم نحو زوجاتهم، اللاتي تقاسين الآلام وتسكبن الدموع فرحاً بعودة أزواجهن، ويسامحن فيما ارتكب في حقهن من أخطاء·