صفات طالب العلم الجيد للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

صفات طالب العلم الجيد:

أُخْي لَن تَنَال الْعِلْم إِلّا بِسِتَة
سَأُنْبِيْك عَن تَفْصِيْلِهَا بِبَيَان
ذَكَاءٌ وَحِرْصٌ وَافْتِقَارٌ وَغُرْبَة
وَتَّلْقِيْن أُسْتَاذٍ وَطُوْل زَمَانِ


من أراد أن يصل إلى قُبة العلم ويتدرج في مدارجه ويتقلب في مسالكه فعليه أن يكون متصفاً بهذه الستة .
الأول: من صفات طالب العلم الجيد( الذكاء ): والعلم لا يُسلم قياده لغبي ، لماذا ؟لأنه إذا لم يكن ذكياً لا يستطيع أن يعرف ماذا يطلب
ثانياً من صفات طالب العلم الجيد (وحرصٌ): الحرص هو الحفاظ على الوقت وابن الجوزي كان كذلك ، وله خاطرة في صيد الخاطر تتعلق بالحفاظ على الوقت ، وأخذ هذه الخصلة من شيخه ابن عَقيل الحنبلي يقول: ( إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ، حتى إذا كلَّ لساني عن مناظرة وبصري عن مطالعة ، استطرحت ، فاُعمل فكري حال استطراحتي ، فلا أقوم إلا وقد خطر ما أسطره )حتى وهو نائم يُعمل رأسه ، أول ما يقوم من الاستراحة يمسك ورقة وقلم يكتب أفكار، لأن العلم شغل حياته كلها .
يقول: (وإنني لأختار دق الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ )، فبدل ما يمضغ الطعام هذا يأخذ منه ربع ساعة ، فيدق الكعك ويجعله كالدقيق ويسفه بالماء وبهذه الطريقة سوف يوفر عشرة دقائق، عشر دقائق مع عشرة مع عشرة ، تفرق معه ثلاث أربع ساعات في اليوم .
فالحفاظ على الوقت ، يقول أحدهم لعبد الله بن مبارك حدثني ، قال: ( أمسك الشمس ) لست فارغاً .وكانوا حريصين.
من الغرائب: أن أحمد بن حنبل كان مرة في المرات يجري والطلبة يجرون خلفه يريدون أن يحصلوه ، فواحد يقول له ، إلى متى ستبقى تجري؟ قال إلى أن أموت ، لأنهم يريدون أن يحصلوه ويأخذوا منه علم وهو لا يريد وينطلق.
الأعمش :كذلك في مسألة الحفاظ على الدقيقة والحفاظ على الوقت وعدم تضييع أي شيء في المجلس ,مرة واحد غريب لا ينتبه من طريق الأعمش ، فقال له : يا أبا محمد حديث كذا وكذا ما إسناده ؟ فأخذه من حلقه وألصقه في الجدار ، وقال له : هذا إسناده !
الشيخ الألباني رحمة الله عليه: حكي أن شاب جزائري اتصل به ، ولم يكن يتوقع أبداً أن الشيخ يرد عليه ، فعندما قال له الشيخ: نعم ، ارتبك ونسى كل شيء والسؤال الذي يريد أن يسأله وأخذ يتكلم كلام لا طائل منه ، فقال له الألباني: ادخل في الموضوع ، لم يعرف يدخل في الموضوع وفزع ، فالشيخ وضع السماعة .
فقال : أنا لست فارغاً أن كل واحد يبلع ريقه ويمصمص شفتاه ، فلو كل واحد اتصل وضيع دقيقتين أو ثلاثة ، خلاص ذهب العمر,وأنت عندما ترى مصنفات الشيخ ناصر وترى الدروس العلمية الخاصة به ، وترى الجلسات اليومية الخاصة به ، شيء مدهش جداً ، وأنتم تعرفون قصة الورقة الضائعة : قرأ عشرة آلاف مجلد مخطوط في المكتبة الظاهرية حتى يخرج ورقة ساقطة من المخطوط ، وكان يقف على السلم بالخمس، ست ساعات ، فالمكتبة الظاهرية مرتفعة مثل المسجد ، فآخر رف في الأعلى ويقف على السلم بالخمس، ست ساعات يكتب وينقل, ولذلك صار إمام زمانه .
محمد بن سلام شيخ البخاري : محمد بن سلام ، وهناك من يقول محمد بن سلام بتشديد اللام ، ابن ناصر الدمشقي له جزء لطيف اسمه رفع الملام عن تسمية شيخ البخاري محمد بن سلام بدون تشديد اللام ، فمن يقول ذلك ، لا يُلام على ذلك .
الدرهم كان يأتي بدستتين أقلام ، وهو يكتب وراء الشيخ ، لو كسر سن القلم ، فقال قلم بدرهم : فحدف عليه حوالي عشرين قلماً ، فكل من لا يعمل يبيع أقلامه ، هو يريد قلم بدرهم حتى لا ينقطع النقل من الشيخ .
فطالب العلم لابد أن يكون حريصا ًعلى وقته ، لا يخالط إلا من يستثير ذاكرته: وهذا ما كان يفعله العلماء ,علي بن المديني ، أحمد بن حنبل ، يحيى بن معين وعالم آخر رابع صلوا صلاة العشاء ثم وقفوا أمام المسجد يتناظرون إلى أن أذن مؤذن الفجر ، وهم واقفون أمام المسجد يتناظرون ، يرى ما عنده ، يطرح مسألة علمية للبحث بدون ما يدخل في مشاكل ، لا يدخل للخناق ، الأصل عندما أطرح مسألة أريد أن أعرف ما الذي عندك فيها ، ليس أريد أن أغلبك وأبين لك أني مذاكر وأنت لا تفهم ، لا ، القضية لم تكن كذلك .
أبو حاتم الرازي: في إحدى المرات وهم جالسون مع أبو زرعة وابن وارا وهؤلاء الجماعة ، قال لهم : من أغرب علي حديث لمالك فله كذا وكذا ,الحديث الغريب لمالك أو لغيره ، أن يكون حديثاً ليس إلا عند هذا الراوي ، سواء كان ثقة أو كان غير ثقة يسمى حديثاً غريبا ً، والغرابة يمكن أن تكون نسبية لا يجب أن تكون مطلقة
فيقول : اجتهدوا في أن يغربوا علي حديثاً واحداً ، فما استطاعوا ، وقال: إنما قلت هذا – يتحداهم يعني- لآخذ ما عندكم ، فهو استفاد شيئين : أنه مذاكر جيد أحاديث مالك ، لدرجة أنه ليس هناك من يعرف يأتي له بحديث غريب ، الشيء الثاني : أنه كان يمكن أن يستفيد مما عندهم .
ثالثاً من صفات طالب العلم الجديد (افتقار): ليس فقير ، ولكن الافتقار هنا هو التواضع ، لابد أن تكون متواضعاً, لأنك كلما تتواضع كلما تحصل علم الآخرين والأرض المنخفضة هي التي تستوعب الماء دون الأرض الجبلية ، عندما يهطل المطر ، ، كذلك الإنسان كلما انخفض وتواضع ، حصَّل علم الآخرين ، وفي هذا يقول: سفيان الثوري رحمه الله : ( لا ينبل الرجل إلا أن يكتب عمن فوقه وعمن مثله وعمن دونه )
إذن الثلاث طبقات من فوق ومن مثله والذي أسفله ، حتى كان سفيان الثوري من أشهر تلاميذه وأقواهم وأثبتهم فيه ، كان يحيى بن سعيد القطان ، ويحي بن سعيد القطان كان أعور ، فسفيان الثوري دخل في مناظرة مع واحد آخر ، فالآخر قال لسفيان : من يرضيك؟ يكون الحكم بيننا ، قال له الأعور.
جاءوا بيحيى بن سعيد القطان ، فجاء فقضى للرجل على سفيان ، فقال : من يطيق حكمك يا أعور ؟ ونزل على كلام يحيى بن سعيد القطان ، لم يكن عندهم أي غضاضة البخاري روى عن محمد بن عبد الرحيم: ، هذه صاعقة ، وهذا يعتبر أقل من البخاري في الوقت يمكن روى عن محمد بن حليم عدة أحاديث أكثر مما روى عن أحمد بن حنبل ، البخاري روى عن أحمد بن حنبل أربعة أحاديث في صحيحه لم يكثر تماماً كذلك مسلم ، أيضاً روى أحاديث قليلة عن أحمد بن جنبل ، وقد يروى عمن هو مثله في السن وأحياناً يروى عمن هو دونه ، حتى أن في موضع في التاريخ الكبير ، البخاري قال : حدثنا أحمد ، قال حدثنا فلان ,وساق سنداً
الشيخ ألمعلمي رحمة الله عليه ، قال : أرجح أن أحمد هذا هو النسائي وهو أحمد بن شعيب النسائي واستدل على هذا بقرينة معينة ، وقال أن النسائي يوم مات البخاري كان سنه أربعين سنة فلم يكن صغيراً ، وأن هذا المناسب أن يروى عنه ، حتى النسائي عندما يقول حدثنا أبو داود ، هل هو أبو داود الحراني أم السجستاني ؟ الصحيح أنه الحراني ، ولكن الذهبي ذهب في السير إلى أنه غير بعيد أن يكون أبي داود السجستاني ،
فالنسائي وأبو داود طبقة واحدة ، وإن كان أبو داود أكبر من النسائي وأدرك بعض الشيوخ ممن لم يدركه النسائي ولم يرو عنه إلا بواسطة .
فعندما أروى عن تلميذي أو أأخذ بعض العلم عن تلميذي لا يضرني هذا ، لأن تلميذي عنده من العلم مما هو ليس عندي ، فأنا عندما تواضعت وانخفضت أخذت علم الآخرين إلى علمي ، هذا معنى الافتقار وليس من الفقر ، ولكن هو هضم حظ النفس أي التواضع .

رابعاً: من صفات طالب العلم الجيد (وغربة ): الغربة: هي الرحلة لابد أن تترك بلدك وأن ترحل إلى الآفاق ، لكن العلماء كانوا يستحبون لمن أراد الرحلة أن يستوعب علم علماء بلده أولاً، ثم يرحل إلى الآفاق ،
لماذا يبدأ بعلماء بلده؟ لأنه لن يضيع وقت في السفر، ويمكن أن يتعرض في هذا السفر للمخاطر، يمكن أن يفلس أو يموت ، فالوقت الذي سينفقه في الرحلة أو المسافات ، لا ، سيأخذ علم علماء بلده ، إذن هذا أجمع ، وأنتم تعلمون من الذي لم يرحل أبداً في وفي السماء؟ مالك ، ابن الجوزي نفسه لم يرحل في طلب الحديث، ولكن أخذ أسانيد العلماء، أخذ أسانيد الكتب الستة ، مسند أحمد وهذا الكلام ، لكن مالك لم يخرج من بلده ولم يرحل كما رحل غيره من العلماء مثل شعبة بن الحجاج ، فشعبة من أصحاب الرحلات الواسعة جداً في طلب العلم وحديثه أكثر من حديث مالك بكثير لكثرة من لقيهم في شتى أمصار الإسلام .
خامساً :من صفات العلم الجيد (وتلقين أستاذ ): يجب أن يكون لك شيخاً ، لأن الشيخ لا يعلمك العلم فقط ، لكن ينقل لك سياسة العلم ، ويختصر لك العمر ممكن نجلس اليوم نحرر بحثا ًفي ساعة ، وأنت لكي تحصل هذا البحث يمكن تغيب فيه شهراً كاملا ًتظل تقرأ فيه هذا البحث ، لكن أنا ألخصه لك في كلمتين وأعطيك المحاور وأعطيك المفاتيح ومن أين تدخل ومن أين تخرج ، فاستفدت ، بالإضافة إلى الدل والسمت والهدي .
لذلك من لم يتعلم على الشيوخ وطبيعته شديدة يظهر هذا عليه مثل ابن حزم ، لم يكن ابن حزم واسع المشيخة ، مع حدة في نفسه ، فحدث ما حدث عندما تقرأ المحلى تشعر أن هناك حجارة تطير ، هذا يقذف هذا بالحجارة وهذا يقذف هذا بالحجارة تشعر أن أعصابك مشدودة وأنت تقرأ في المحلى غير عندما تقرأ في التمهيدي لابن عبد البر ، تشعر بنفسك مرتخية والكلام جميل والترجيح لألفاظ طيبة ليس فيها شد ولا جذب ولا هذا الكلام .
سادساً من صفات طالب العلم الجيد (وطول زمان ) : الاستقراء ، كلما يسير الزمان معك ، وأنت عندك الحرص والذكاء والافتقار والغربة ، وتلقين أستاذ كلما تحصل علم أكثر، فالاستقراء مأخوذ من القراءة .
من الشريط الثالث من( نفثة مصدور) للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله
منقول