اعتقاد الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة
هو الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما دل عليه كتاب الله العظيم وهو القرآن، ومما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار، وغيرهم من أصحابه ، وأتباعهم من التابعين وأتباع التابعين، ومن بعدهم من أئمة الإسلام إلى يومنا هذا، هم الذين ساروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوا شريعته قولاً وعملاً وعقيدة، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية، سموا أهل السنة لتمسكهم بالسنة، وسموا أهل الجماعة لاجتماعهم على الحق، ومنهم الصحابة وهم رأسهم ثم يليهم التابعون وأتباع التابعين، ومنهم مالك رحمه الله، الإمام المشهور، والشافعي المشهور، وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، والأوزاعي ، والثوري وغيرهم، وغيرهم من أئمة الإسلام وهكذا من بعدهم من أئمة الإسلام، ممن استقاموا على طريقة الرسول ودعوا إليها وعظموها واستقاموا عليها قولاً وعملاً وعقيدة، هم أهل السنة والجماعة .
وهم الذين بصفة موجزة مختصرة، هم الذين تمسكوا بكتاب الله قولاً وعملا، وبسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قولاً وعملا، وساروا على نهج أصحاب النبي وأتباعهم بإحسان، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة ، الذين استقاموا على ما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام قولاً وعملاً وعقيدة في أسماء الله وفي صفاته، وفي توحيده والإخلاص له، وفي طاعة أوامر الله ورسوله، وفي ترك نواهي الله ورسوله، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة .
ومن أتى منهم معصية -وقع في معصية- لا يخرج بذلك عن أهل السنة والجماعة ، لكن عليه التوبة؛ إذا وقع في معصية من عقوق أو قطيعة رحم، أو زنا، أو ما أشبه ذلك من المعاصي، هذه المعاصي لا تخرجه عن الإسلام، ولا تخرجه عن كونه من أهل السنة ، ولكن عليه التوبة، عليه أن يتوب إلى الله، وأن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع، والعزم الصادق ألا يعود في المعصية، هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، أن العاصي لا يخرج عن الإسلام ولا يكفر، بل هو يكون ضعيف الإيمان.. ناقص الإيمان، وعليه البدار بالتوبة الصادقة النصوح مما وقع منه من السيئة التي حرمها الله عليه دون كفر، مثلما تقدم: الزنا ومثل السرقة، مثل العقوق للوالدين، مثل: اليمين الكاذبة.. مثل شهادة الزور، وما أشبه هذه من المعاصي، هذه كلها تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان؛ ولكنها لا تخرج المسلم من الإسلام، ولا تخرجه من كونه من أهل السنة والجماعة ، ولكن عليه البدار بالتوبة، وعليه الاستقامة على طاعة الله، والندم على ما مضى منه من السيئات، والعزم الصادق ألا يعود في السيئة بعد الإقلاع منها والحذر منها تعظيماً لله، وطاعةً له، ورغبةً في ثوابه، وحذراً من عقابه سبحانه وتعالى. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.[ابن باز ]
قال الشيخ عبد الرحمن السعدى
اعتقادُ الفِرقةِ النّاجيةِ المنصورةِ إلى قيامِ الساعةِ، أهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ، هو الإيمانُ باللهِ وملائكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والبَعثِ بعد الموتِ، والإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ) يقول المصنِّف رحمه الله إن ما احتوت عليه هذه الرسالة هو العقيدة المُنْجية من الهلاك والشُّرور، المحصلة لخيريْ الدّنيا والآخرة، الموروثة عن محمّد صلى الله عليه وسلم، المأخوذة عن كتاب الله و سُنّة رسوله، وهي التي عليها الصحابة والتّابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة، الذين ضمن الله لهم على لسان رسوله النصر إلى قيام الساعة.
والنصر إنما حصل لهم ببركة هذه العقيدة والعمل بها وتحقيقها بالقيام بجميع أمور الدِّين.
قال الشيخ صالح الفوزان
(الْفِرْقَةِ) أي: الطَّائفةِ وَالجَمَاعَةِ (النَّاجِيَةِ) أي: التي سَلِمَت مِن الهلاكِ والشُّرورِ في الدُّنيا والآخرةِ، وحصَلَت عَلى السَّعادةِ. وهذا الوصفُ مأخوذٌ مِن قولهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورةً لاَ يَضرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتيَ أَمرُ اللهِ)) رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
(المنْصُورةِ): أي المُؤَيَّدَةِ عَلى مَن خَالفَها، (إِلَى قِيَاِم السَّاعَةِ) أي: مَجيءِ سَاعةِ مَوْتهم بمجيءِ الرِّيحِ التي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤمنٍ، فهذه هي السَّاعةُ في حَقِّ المؤمنين. وأمَّا السَّاعَةُ التي يكونُ بها انتهاءُ الدُّنيا، فهي لا تقومُ إلاَّ عَلى شِرارِ النَّاسِ، لما في صحيحِ مسلمٍ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهَُ اللهَُ)) وروى الإمامُ الحاكمُ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وفيه: ((وَيَبْعَثُ اللهُ رِيحاً، رِيحُها رِيحُ المِسكِ، وَمسُّهَا مَسُّ الحريرِ، فَلاَ تَتْرُكُ أَحَداً فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرارُ النَّاسِ، فَعَلَيْهمْ تَقومُ السَّاعةُ)) رواه مسلمٌ.
(أَهْلِ السُّنَّةِ) أهلِ بالكسرِ عَلى أنَّه بَدَلٌ مِن الْفِرْقَةِ، ويجوزُ الرَّفعُ عَلى أنَّه خَبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه (هم) والسُّنَّةُ: هي الطَّريقةُ التي كان عليها رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ مِن أقوالهِ وأفعالهِ وتقْرِيراتِه. وسمُّوا أهلَ السُّنَّةِ؛ لانتسابِهم لسنَّةِ الرَّسولِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ دونَ غيرِها مِن المقالاتِ والمذاهبِ، بخلافِ أهلِ البدعِ، فإنَّهم يُنْسَبُون إلى بِدَعِهم وضلالاتِهم؛ كالقدريَّةِ والمُرْجِئةِ، وتارةً يُنْسَبونَ إلى إمامِهم؛ كالجهميَّةِ، وتارةً يُنْسَبُونَ إلى أفعالهِم القبيحةِ؛ كالرَّافِضِة والخوارجِ.
(وَالْجَمَاعَةِ) لغةً: الْفِرْقَةُ المجتَمِعَةُ مِن النَّاسِ. والمرادُ بهم هنا: الَّذين اجتمعوا عَلى الحقِّ الثَّابتِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وهم الصَّحابةُ والتَّابعون لهم بإحسانٍ، ولو كانوا قِلَّةً-كما قال ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ ما وافق الحقَّ وإن كُنْتَ وحْدَكَ- فإنَّك أنتَ الجَمَاعَةُ حينئذٍ.
قال الشيخ بن عثيمين
(النَّاجِيةُ)): اسمُ فاعلٍ مِنْ نَجا، إِذَا سَلِمَ، ناجيةٌ فِي الدُّنْيَا من البِدَعِ سالِمةٌ مِنْهُا، وناجيةٌ فِي الآخرةِ مِن النَّارِ.
ووجْهُ ذلِكَ أنَّ النَّبيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً)). قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: (( مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)).
هَذَا الحديثُ يُبَيِّنُ لنَا معنَى (النَّاجيةُ)، فَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُهُ، فَهُوَ ناجٍ مِن البِدَعِ. و((كُلُّها فِي النَّارِ إِلاَّ واحدةً)): إذًا هِيَ ناجيةٌ مِن النَّارِ، فالنَّجاةُ هُنَا مِن البِدَعِ فِي الدُّنْيَا، ومِن النَّارِ فِي الآخرةِ.
((المَنْصورةُ إِلَى قيامِ السَّاعَةِ)): عبَّرَ المؤلِّفُ بذلِكَ موافقةً للحَديثِ، حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ))، وَالظُّهُورُ الانْتِصَارُ، لقولِهِ - تَعَالَى -: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) ((الصف:14))، والَّذِي يَنْصُرُها هُوَ اللَّهُ وملائكتُهُ والمؤمنونَ، فهِيَ مَنْصورةٌ إِلَى قيامِ السَّاعةِ، منصورةٌ مِن الرَّبِّ - عزَّ وجلَّ -، ومِن الملائكةِ، ومِن عبادِهِ المؤمنينَ، حَتَّى قد يُنْصَرُ الإنسانُ مِن الجِنِّ، ينصرُهُ الجِنُّ ويُرْهِبونَ عَدُوَّهُ.
((إِلَى قيامِ السَّاعةِ))، أيْ: إِلَى يومِ القيامةِ، فهِيَ منصورةٌ إِلَى قيامِ السَّاعةِ.