تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: غَايَةَ مَا يُقَرِّرُهُ النُّظَّارُ، إِنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي غَايَةَ مَا يُقَرِّرُهُ النُّظَّارُ، إِنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فى التدمرية

    وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَرِّرُهُ هَؤُلاَءِ النُّظَّارُ، أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ، الْمُنْتَسِبُون َ إِلَى السُّنَّةِ، إِنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُشْرِكُون َ كَانُوا مُقِرِّينَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ - فَكَذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ، الْمُنْتَسِبِين َ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ.
    غَايَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ هُوَ شُهُودُ هَذَا التَّوْحِيدِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُه وَخَالِقُه، لاَ سِيَّمَا إِذَا غَابَ الْعَارِفُ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ، وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ، وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَدَخْلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ. فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لاَ غَايَةَ وَرَاءَهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَلاَ يَصِيرُ الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّوْحِيدِ مُسْلِمًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ مِنْ سَادَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.
    وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمَعْرِفَةِ يُقِرُّونَ هَذَا التَّوْحِيدَ مَعَ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، فَيَفْنَوْنَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ إِثْبَاتِ الْخَالِقِ لِلْعَالَمِ الْمُبائنِ لِمَخْلُوقَاتِه ِ. وَآخَرُونَ يَضُمُّونَ هَذَا إِلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ فَيَدْخُلُونَ فِي التَّعْطِيلِ مَعَ هَذَا. وَهَذَا شَرٌّ مِنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ.
    وَكَانَ جَهْمٌ يَنْفِي الصِّفَاتِ، وَيَقُولُ بِالْجَبْرِ، فَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِ جَهْمٍ، لَكِنَّهُ إِذَا أَثْبَتَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، فَارَقَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنَّ جَهْمًا وَمَنِ اتَّبَعَهُ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ، فَيَضْعُفُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عِنْدَهُ.
    والنَّجَّاريَّة ُ والضِّرَارِيَّة ُ وَغَيْرُهمْ يَقْرَبُونَ مِنْ جَهْمٍ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ مَعَ مُقَارَبَتِهِمْ لَهُ أَيْضًا فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ.
    وَالْكُلاَّبِيّ َةُ وَالْأَشْعَرِيّ َةُ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةَ، وَأَئِمَّتُهمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ، كَمَا فَصَّلْتُ أَقْوَالَهمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا فِي بَابِ الْقَدَرِ، وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ فَأَقْوَالُهمْ مُتَقَارِبَةٌ.
    وَالْكُلاَّبِيّ َةُ - هُمْ أَتْبَاعُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلاَّبٍ، الَّذِي سَلَكَ الْأَشْعَرِيُّ خَلْفَهُ، وَأَصْحَابُ ابْنِ كُلاَّبٍِ، كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ القَلانَسِيِّ وَنَحْوِهِمَا - خَيْرٌ مِنَ الأَشْعَرِيَّةِ فِي هَذَا وَهَذَا، فَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ إِلَى السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَقْرَبَ كَانَ قَوْلُه أَعْلَى وَأَفْضَلَ.
    وَالْكَرَّامِيّ َةُ قَوْلُهمْ فِي الْإِيمَانِ قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، حَيْثُ جَعَلُوا الْإِيمَانَ قَوْلَ اللِّسَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، فَيَجْعَلُونَ الْمُنَافِقَ مُؤْمِنًا، لَكِنَّهُ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، فَخَالَفُوا الْجَمَاعَةَ فِي الِاسْمِ دُونَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَهُمْ أَشْبَهُ مِنْ أَكْثَرِ طَوَائِفِ الْكَلاَمِ الَّتِي فِي أَقْوَالِهَا مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ.
    وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ، وَيُقَارِبُونَ قَوْلَ جَهْمٍ، لَكِنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقَدَرَ، فَهُمْ وَإِنْ عَظَّمُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَغَلَوْا فِيهِ، فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
    وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ إِنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنَ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إِنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَنْفِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمُ الْقَدَرِيَّةُ، كَمَا فِيهِمُ الْخَوَارِجُ الْحَرُورِيَّةُ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنَ البِدَعِ أوَّلًا مَا كَانَ أَخَفَّ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتِ الْبِدْعَةُ.
    فَهَؤُلاَءِ الْمُتَصَوِّفُو نَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ، مَعَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ شَرٌّ مِنَ القَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهُمْ، أُولَئِكَ يُشَبَّهُونَ بِالْمَجُوسِ، وَهَؤُلاَءِ يُشَبَّهُونَ بِالْمُشْرِكِين َ الَّذِينَ قَالُوا: ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)، وَالْمُشْرِكُون َ شَرٌّ مِنَ المَجُوسِ.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: غَايَةَ مَا يُقَرِّرُهُ النُّظَّارُ، إِنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين فى تقريب التدمرية

    في المُفَاضَلَةِ وَالمُقاَرَنَةِ بَيْنَ أَرْبَابِ البِدَعِ
    نُظَّارُ المتكلِّمِينَ الذينَ يَدَّعونَ التَّحقيقَ ويَنتسبونَ ِإلى السُّنَّةِ يَرَوْنَ التّوحيدَ عبارةً عنْ تحقيقِ توحيدِ الرُّبُوبيَّةِ.
    وطوائفُ منْ أهلِ التَّصَوُّفِ الذينَ يَنتسِبونَ إلى التَّحقيقِ والمعرفةِ غايةُ التَّوحيدِ عندَهُمْ شهودُ توحيدِ الرُّبُوبيَّةِ. ومعلومٌ أنَّ هذَا هوَ مَا أقرَّ بهِ المشركونَ، وأنَّ الرَّجلَ لاَ يكونُ بِهِ مسْلِماً، فَضْلاً عنْ أنْ يكونَ وَليًّا منْ أولياءِ اللهِ، أوْ مِنْ ساداتِ أولياءِ اللهِ تعالى.
    وطائفةٌ أخرى تُقَرِّرُ هذَا التَّوْحِيدَ معَ نفيِ الصِّفاتِ، فيَقعُونَ في التَّقْصِيرِ والتَّعْطِيلِ وهذَا شرٌّ منْ حالِ كثيرٍ منَ المشركينَ.

    والجَهْمُ بنُ صفْوانَ إمَامُ الجَهْمِيَّةِ نُفاةِ الصِّفاتِ يَغْلُوا في القَضَاءِ والقَدَرِ ويقولُ بالجَبْرِ، فيوافِقُ المشركينَ في قولِهِمْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أشْرَكْنَا وَلاَ آباؤُنَا ولاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ، لكنَّهُ يثبتُ الأمرَ والنَّهيَ فيُفارِقُ المشركينَ إلاّ أنَّهُ يقولُ بالإِرجاءِ فيَضْعُفُ الأمْرُ والنَّهْيُ والعقابُ عندَهُ، لأنَّ فاعلَ الكبيرةِ عندَهُ مؤمنٌ كاملُ الإيمانِ غيرُ مُسْتَحِقٍّ للعقابِ.

    والنَّجَّارِيَّ ةُ أَتباعُ الحسينِ بنِ محمَّدٍ النَّجَّارِ والضِّرَارِيَةُ أتْباعُ ضرارِ بنِ عمرٍو وحَفْصٍ الفَرْدِ يَقْرُبُونَ مِنْ جَهْمٍ في مسائلِ القَدَرِ والإيمانِ معَ مقاربتِهِمْ لَهُ أيْضاً في نفيِ الصِّفاتِ.

    والكِلاَّبيَّةُ – أَتباعُ عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ بنِ كِلاَّبٍ – والأشْعَريَّةُ المُنْتَسِبُونَ لأبي الحَسَنِ الأشْعَريِّ خَيْرٌ منْ هؤلاءِ في بابِ الصِّفاتِ فإنَّهُمْ يُثْبِتُونَ للهِ الصِّفاتِ العَقْلِيَّةِ، وأئمَّتُهُمْ يُثبِتونَ الصِّفاتِ الخَبَريَّةِ في الجُمْلَةِ، وأَمَّا في القَدَرِ ومسائِلِ الأسماءِ والأحكامِ فأقوَالُهُمْ متقارِبةٌ.
    وأَصْحَابُ ابنِ كلاَّبٍ كالحارثِ المحاسِبِيِّ خَيْرٌ مِنَ الأشْعَرِيَّةِ في هذَا وهَذَا.

    والكِرَامِيَّةُ أَتباعُ محمَدِ بنِ كِرَامٍ قَوْلُهُمْ في الصِّفَاتِ، والقَدَرِ، والوَعْدِ، والوَعيدِ أَشْبَهُ مِنْ أكثَرِ طوائفِ أهلِ الكَلاَمِ التِي في أقْوَالِهَا مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ.

    وأما في الإِيمانِ فقولُهُمْ مُنْكَرٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ إِليْهِ أحدٌ، فإنَّهُمْ جَعَلُوا الإِيمانَ قولَ اللِّسَانِ فقطْ وإنْ لمْ يكنْ مَعَهُ تصديقُ القَلْبِ، فالمُنَافِقُ عِنْدَهُمْ مُؤْمِنٌ وَلكِنَّهُ مُخَلَّدٌ في النَّارِ.

    والمعتزِلةُ أَتباعُ واصلِ بنِ عطاءٍ الذِي اعْتَزَلَ مَجْلِسَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ يُقارِبُونَ قوْلَ جَهْمٍ في الصِّفاتِ فيقولونَ بنَفْيِهَا، وأما في القَدَرِ والأسماءِ والأحكامِ، فيُخالفونَهُ ففي القَدَرِ يقولونَ: إنَّ العَبْدَ مُسْتَقِلٌّ بعمَلِهِ كاملُ الإِرادةِ فيهِ، ليْسَ للهِ في عملِهِ تقديرٌ، ولاَ خَلْقٌ. فَفِيهِمْ نوعٌ مِنَ الشِّرْكِ مِنْ هذَا البابِ.
    وجَهْمٌ يقولُ: إنَّ العَبْدَ مُجْبَرٌ على عَمَلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إرادةٌ فيهِ.


    وَفي الأسماءِ والأحْكامِ يقولُ المُعتزِلةُ: إنَّ فاعلَ الكبيرةِ خارجٌ عنِ الإيمانِ غَيرُ داخلٍ في الكُفْرِ فَهُوَ في مَنْزِلَةٍ بينَ مَنْزِلَتَيْنِ، ولكنَّهُ مُخَلَّدٌ في النَّارِ.

    ويقولُ جَهْمٌ إنَّهُ مؤمنٌ كاملُ الإِيمانِ غيرُ مستَحِقٍّ لدُخُولِ النَّارِ.
    والمعتزِلةُ خيرٌ منَ الجَهميَّةِ فيمَا خالفُوهُمْ فيهِ مِنَ القدَرِ والأسماءِ والأحكامِ فإنَّ إثباتَ الأمْرِ والنَّهيِ، والوَعْدِ والوعيدِ، مع نَفْيِ القدَرِ خيرٌ من إثباتِ القدَرِ مع نَفْيِ الأمْرِ والنهْىِ والوعدِ والوعيدِ ولهذَا لمْ يُوجَدْ في زَمَنِ الصَّحَابَةِ والتَّابعينَ مَنْ يَنْفِي الأمْرَ والنَّهيَ، والوَعْدَ والوَعيدَ، وَوُجِدَ في زَمَنِهِمُ القَدَرِيَّةُ، والخَوَارِجُ الحَرُورِيَّةُ.

    وَإِنَّمَا يَظْهَرُ منَ البِدَعِ أوَّلاً ما كان أَخَفَّ، وكلَّمَا ضَعُفَ منْ يقومُ بنورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتِ البِدْعَةُ، وكلَّما كانَ الرَّجُلُ إلى السَّلَفِ والأئمَّةِ أقْرَبَ كانَ قولُهُ أعلى وأفْضَلَ.

    والمتصوِّفَةُ الّذينَ يَشهدونَ الحقيقةَ الكَوْنِيَّةَ معَ إعراضِهِمْ عن الأَمْرِ والنَّهْيِ شَرٌّ منَ القَدَريَّةِ المعْتَزِلَةِ ونحوِهِمْ، لأنَّ هؤلاءِ المُتَصَوِّفَةَ يُشْبِهُونَ المشرِكينَ الذِينَ قالُوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا). والقَدَرِيَّةُ يُشبِهُونَ المجوسَ الّذينَ قالُوا: إنَّ للعالَمِ خَالِقَيْنِ والمشرِكونَ شَرٌّ منَ المجوسِ.

    أمّا الصوفيَّةُ الذينَ عندَهمْ شيْءٌ مِنْ تعظيمِ الأمْرِ والنَّهْيِ معَ مشاهدةِ توحيدِ الرُّبُوبيَّةِ وإقرارِهِمْ بالقَدَرِ فهمْ خيرٌ منَ المُعْتَزِلَةِ، لكنَّهُمْ معتزلةٌ منْ وجهٍ آخَرَ حيثُ جَعَلُوا غايةَ التَّوحيدِ مشاهدةَ توحيدِ الرُّبُوبيَّةِ، والفَنَاءَ فيهِ فاعتزَلُوا بذلكَ جماعةَ المسلمينَ وسنَّتَهُمْ. وقدْ يكونُ مَا وَقَعُوا فيهِ منَ البِدْعَةِ شرًّا منْ بدعةِ أولئِكَ المعتزِلةِ.

    وكلُّ هذِهِ الطوائفِ عندَهَا منَ الضَّلالِ والبِدَعِ بقدْرِ ما فارَقَتْ بهِ جماعةَ المسلمينَ وسنَّتَهُمْ. ودينُ اللهِ تعالى ما بَعَثَ بهِ رُسَلَهُ وأَنْزَلَ بهِ كُتُبَهُ، وَهُوَ الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ طريقُ رسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصْحابِهِ خَيْرِ الأُمَّةِ الَّتِي هيَ خيرُ الأُمَمِ.

    وقدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى أنْ نقولَ في صلاتِنَا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)(). فالمغضوبُ عليهِمْ كاليهودِ عَرَفُوا الحقَّ فلمْ يتَّبِعُوهُ، والضَّالُّونَ كالنَّصارى عَبَدُوا اللهَ بغيرِ عِلْمٍ، وكانَ يُقالُ: تَعوَّذُوا باللهِ منْ فتنةِ العالِمِ الفَاجِرِ، والعابِدِ الجَاهِلِ. وقالَ ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنْهُ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَطًّا بِيَدِهِ ثمَّ قالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيماً. وَخَطَّ عَنْ يمينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قالَ: "هذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سبيلٌ إلاَّ عليهْ شَيْطَانٌ يَدْعُو إليْهِ، ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ). وَقَالَ حذيفةُ بنُ اليمانِ رضيَ اللهُ عنْهُ: "يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا وَخُذُوا طَرِيقَ مَنْ قَبْلَكُمْ فَوَاللهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمُوهُ مْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقاً بَعِيداً، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِيناً وَشِمَالاً لقدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالاً بعيداً". وَقَالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنْهُ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ، الحَيَّ لاَ تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَةُ، أُولئِكَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبَرُّ هذِهِ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقُهَا عِلْماً، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفاً، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ تعالى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِقَامَةِ دينِهِ فاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ فإنَّهُمْ على الهُدى المُسْتَقِيمِ".

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •