الموت الدماغي ... بيان حقائق و كشف شبهات
بقلم : د . أبو بكر خليلبسم الله الرحمن الرحيم
يأتي القول بالموت الدماغي – و هو تنزيل الداء المسمى بموت المخ منزلة الموت المعتبر ، مع وجود العديد من علامات الحياة المعهودة – كحلقة من حلقات تغيير المفاهيم ، التي يجري الترويج لها باستمرار و إصرار يصل إلى حدّ الضغط و الإلحاح ؛ لاستباحة أجساد هؤلاء المرضى الأحياء ، و استلاب أعضائهم ؛ بدعوى نقلها و زرعها في أجسام مرضى غيرهم .
و يحسُن بنا قبل التعرض لبعض القرارات التي ألبَسَت ثوبَ المشروعية للإماتة بداء موت المخ ، أن نورِد واحداً من القرارات القاضية بحياة هؤلاء المرضَى ، و هو قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي – في دورته العاشرة ، سنة 1987 – ( بشأن موضوع تقرير حصول الوفاة و رفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان ) ، و نَصّه : " المريض الذي رُكبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها ، إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا ، و قررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء ، أن التعطل لا رجعة فيه ، و إن كان القلب و التنفس لا يزالان يعملان آليا ، بفعل الأجهزة المركبة . لكن لا يُحكَم بموته شرعاً ، إلاّ إذا توقف التنفس و القلب ، توقفا تاما بعد رفع هذه الأجهزة .
و صلى الله على سيدنا محمد ، و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ، و الحمد لله رب العالمين " . أهـ[[1]]
فهذا القرار يَنُصّ تصريحاً على أن المريض الذي يُطلق عليه " الميِّت دماغيا " - بموت كل الدماغ ، و هو من تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا لا رجعة فيه – لا يُحكَم بموته شرعاً .
و يلزم منه الحكم بحياته شرعا ، إلى أن يتوقف التنفس و القلب توقفا تاما ، بعد رفع أجهزة الإنعاش .
و هذا القرار الفقهي المجمَعي ينفي اعتبار الشرع للموت الدماغي ؛ بمعنى أن الشرع لا يعتبر الموت الدماغي موتاً حقيقيا ، فلا يترتب عليه أي حكم من أحكام الموت المقررة في الشرع .
و لا تُعَدّ القرارات الأخرى المخالفة لهذا القرار مِن قبيل الاختلاف الفقهي المعتبر ؛ لعدم استنادها إلى دليلٍ شرعي صحيح ، و قيامها على دعاوى غير صحيحة ، طباً و حِسّاً . و سيأتي بيانه .
و قد زَعم الذين ابتدعوا أو انخدعوا بمصطلح ( مَوت المُخّ أو موت الدماغ ) – الذي هو في حقيقته تَوقُف أو تعطُلّ في وظائفه[[2]]– أنّ الأشخاص المُصابين بذلك الداء لن يبرَأوا منه أبدا ، و أنّ مَآلَهم إلى المَوْت القريب حَتماً ، و لِذا ينبغي – بِزَعمهم - التعجيل باقتطاع و انتزاع قلوبهم و أعضائهم السليمة الحيَّة - قبل أن تَتلف و تَبْلَى – لنقلها و زرعها في أجساد آخرين مَرضَى !
و في ذلك يقول قائلهم : (نحن نعلم تماماً أن الإنسان بلا وظيفة للمخ ليس مفيدا أو مضراً لعدم وجود المركز المسيطر على الأجهزة ، فإذا فشلتْ وظيفةُ المخ بالقطع واليقين بعد ساعة أو بعد خمس دقائق أو بعد يوم أو بعد أسبوع فالنهاية حتمية ومعروفة ، وإذا أراد البعض أن يستفيد من هذا الوضع بأن يقول : لماذا لا نستفيد بعضو؟ .... إن هذا هو العطاء الذي يمكن أن تنقذ به الآخرين ). أهـ[[3]]
و يقول آخر في بحثه المقدّم إلى ندوة " التعريف الطبي للموت " ، في التغيّرات التي تتبع موت جذع المخ : (ولتوضيح هذا المعنى لدى القارىء نشبِّه جذع المخ بجذع الشجرة فإذا تلف جذع الشجرة تماما فإننا لا نتوقع أن تستمر الساق والأفرع والثمار في الحياة طويلا بعد ذلك ، ولكن أعضاء الجسم الأخرى يمكنها القيام بوظائفها لفترة من الزمن ويمكن نقلها للآخرين ، إلا أن فرص نجاح جراحة زراعة العضو تكون في أحسن حالاتها إذا نقل العضو فور موت جذع المخ مباشرة وقبل أن تدب فيه أية درجة من درجات التحلل بقدر الإمكان ، وذلك بالقيام بالتشخيص المبكر لموت جذع المخ ).[[4]]
و ذكَر بيان ندوة " الحياة الإنسانية بدايتها و نهايتها " - التي عُقدت بالكويت سنة 1985 – نقلاً عن الأطباء المشاركين فيها قولهم : (إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته ، ولو ظلت قي أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام ) . أهـ [[5]]
هذا و قد بلغت مُدة بقاء عمل القلب في بعض هؤلاء المرضى ثمانية و ستين يوماً بعد تشخيص الإصابة بموت الدماغ [[6]] ؛ كما قال أحد المؤيدين لاعتباره موتاً للإنسان المُصاب به . و لا يقول عاقل إن عمل القلب تلك المدّة إنما هو بقية حركة أو وظيفة ، حتى لو كان ذلك بمساعدة أجهزة الإنعاش ؛ لأنها لا يمكنها فعل مثل ذلك في أجساد الأموات موتاً حقيقيا . هذا فضلاً عن أنّ أجهزة الإنعاش لا صلة لها ببقية أجهزة الجسم العاملة.
و هذا الجَزْمُ الذي ادّعوه – و المذكور في أول هذا الفصل - زَعْمٌ باطل ؛ لأنٍَّ عِِلْم ذلك و تقديره عند الله وحدَه ، لا عند أحدٍ سِواه ، و لا يُجادل في هذه الحقيقة الأكيدة إلاّ جاحدٌ أو مُعانِد ؛ قال الله تعالى :{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا }.[آل عمران : 145].
و معنى " مؤجلا " إلى أجل. ومعنى " بإذن الله " بقضاء الله وقدره .
وأجل الموت : هو الوقت الذي في معلومه سبحانه ، أنّ روح الحيّ تفارق جسده ؛ قاله القرطبي [[7]] . و عليه فالله وحده هو من يعلم و من يُحَدِّد لحظة الموت .
و تلك الحُجَّة التي احتَجّوا بها داحضة ؛ لأن تَوَقُّع دُنُوّ ٍالمَوت ليس سبباً - في الشرع - للتعجيل بإيقاعه بوسيلة من الوسائل ، أو لِغَرضٍ من الأغراض ، مثل استباحة الجسد و استلاب الأعضاء ، و إلاّ لَجَازَ فِعْل ذلك بجميع المُحْتضِرين مِن غَير مَرضَى موت الدماغ ، و هذا باطلٌ بِلا رَيْب ؛ لأنّ الله تعالى حرّم إعجال مَوت مَن قربتْ نفْسه مِن الزهوق ، و أنّ فاعل ذلك قاتلُ نفْسٍ ؛ ٍقال الإمام ابن حزم : لا يختلف اثنان من الأُمة كلها في أن من قَرُبَتْ نفْسُه من الزَّهوق بعلَّة أو بجراحة أو بجناية بعمدٍ أو خطأ فمات له ميتٌ فإنه يرثه ، وإن كان عبداً فأُعتق فإنه يرثه ورثته من الاحرار ، وأنه إن قدر على الكلام فأسلم وكان كافراً وهو يميز بعد فإنه مسلمٌ يرث أهله من المسلمين ، وأنه إن عاين وشخَص ولو يكن بينه وبين الموت إلا نفَسٌ واحد فمات من أوصى له بوصية فإنه قد استحق الوصية ويرثها عنه ورثته ؛ فصح أنه حيٌّ بعدُ بلاشك ؛ إذ لا يختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه ليس إلا حيٌّ أو ميت ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإذ هو كذلك وكنا على يقينٍ من أن الله تعالى قد حرّم إعجال موته وغَمّه ومنعه النفَس ؛ فبيقينٍ وضرورة ندري أن قاتله قاتل نفْسٍ بلا شك ، فمن قتله في تلك الحال عمداً فهو قاتل نفْس عمدا ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ ، وعلى العامد القود أو الدِّية أو المفاداة ، وعلى المخطئ الكفارة والدية على عاقلته ، وكذلك في أعضائه القود في العمد . أهـ [[8]]
و هذا الإعجال بالموت هو الحاصل في إماتة المرضَى بموت الدماغ ؛ بمنعهم النفَس بطريق نزع أجهزة الإنعاش – المساعِدة على التنفس – عنهم ، في حال رفض أهلهم التبرع بأعضائهم ، أو بإماتتهم قتلاً بانتزاع أعضاء أجسامهم الحيوية – الضرورية للحياة – في حال القبول بذلك التبرع . و قتْل النفْس العمْد متحققٌ في كِلا الحاليْن .
و لا يَصحّ التعلل بغرَض اقتطاع الأعضاء لعلاج الغير - في ذلك الإعجال بالموت – لأن ( لِحياة الإنسان حُرْمتها ، و لا يجوز إهدارها إلاّ في المواطن التي حددتها الشريعة الإسلامية ، و هذه خارج نطاق المهنة الطبية تماماً ) ؛ كما جاء في الباب السابع من " الدستور الإسلامي للمِهن الطبية " ، الذي أقَرّته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية . [[9]]
الاستدلال بالسؤال المغلوط
و في سبيل الاحتجاج لدعوَى الموت الدماغي ، وضعوا سؤالاً مغلوطاً يقول : ( هل هناك حالة واحدة مات فيها جذع المخ ، ثم عادت لها الحياة ؟ ) ، و يجيبون بـ( لا ) ، و عليه يقرّرون صحة دعوى الموت الدماغي [[10]] !
و في ذلك يقول بيان المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية حول " التعريف الطبي للموت " : ( وقد فُصِّل الأمر خلال الندوة تفصيلا كاملا، ودار نقاش طويل واف للموضوع على مدى ثلاثة أيام ، وتبين للمجتمعين أنه ما من حالة تأكد فيها تشخيص موت الدماغ وجذعه وعادت إليها الحياة ، وما من حالة عادت إلى الحياة بعدما توفرت فيها شروط تشخيص موت الدماغ وجذعه ، وأن كل الحالات التي استشهد بها مَنْ شكك في هذا المفهوم كانت إما حالات لم يتم الالتزام فيها بمعايير التشخيص التزاما صارما، وإما حالات نجمت عن خطأ في التشخيص أو الاستنتاج أو الاستدلال ). أهـ[[11]]
و وجه الغلط في سؤالهم : ( هل هناك حالة واحدة مات فيها جذع المخ ، ثم عادت لها الحياة ؟ ) ، أنّ هؤلاء المرضى لم يفارقوا الحياة بعدُ و لم تفارقهم ؛ فلا معنى للسؤال عن عودتها مع إنكار وجودها أصلاً في حالهم هذا ؛ فهمّ لا يعترفون بحياة هؤلاء المرضى ، و ينكرون علاماتها الموجودة في أبدانهم .
و على تقدير الاعتراف بنوعٍ من الحياة لهؤلاء المرضى ، فلا حجة لهم في سؤالهم هذا ؛ إذ يمكن قول مثله في الاحتجاج للتعجيل بإماتة جميع من يعاني الاحتضار ، و هذا باطلٌ بلا ريب .
و ليس ذلك السؤال هو محلّ الجدال فيمن يُسمّونهم بموتى المخ ، و لكن الأصل في السؤال هو : هل هؤلاء المرضَى مَوتَى حقيقةً في هذا الوقت و في تلك الحال ، مع وجود كثير من مظاهر الحياة فيهم ، مثل أعضاء الجسم و أجهزته الحيّة القائمة بوظائفها ؟!
هذا هو السؤال ، بصرف النظر عن وفاتهم بعد ذلك أَم بقائهم أحياء ، شأن أيّ إنسان به مرَض من الأمراض .
و قد تَجاسَر بعضهم و ادّعَى أن ما يُسَمّى بـ( موت المخّ أو موت الدماغ ) هو مَوْتٌٌ حقيقيّ يقينيّ للإنسان ؛ بزعمهم ، حتى قال قائلهم في بحثه المقدّم لندوة " التعريف الطبي للموت " : ( إنني أعتقد أن من ينكر الآن وجود تشخيص «موت المخ» كحالة إكلينيكية ومعملية محددة المعالم ، وأن هذا التشخيص يعني نهاية رحلة الإنسان في الحياة الدنيا، لا يختلف كثيراً عمن ينكر أن الأرض كروية أو أنها تدور حول الشمس ) . [[12]]
و في حوارٍ مع صحيفة الأهرام - بتاريخ 14 / 5 / 2007 – سُئِل د . حمدي السيد : هل مرضي مايسمي بموتي جذع المخ أحياء أم أموات ؟
فأجاب : هم موتي بالفعل ، وليسوا مرضَى غيبوبة عميقة ، فمرضى الغيبوبة العميقة هم أحياء , أما من أصيبوا بنزيف كامل في المخ أو أصيبوا بموت جذع المخ في الحوادث فهم أموات .أهـ [[13]]
و لا عِبْرة – بزعمهم أيضا - بوجود كثير مِن مظاهر و شواهد الحياة المُتعارَف عليها ، في أجساد هؤلاء المرضى ، مِثل القلوب الحَيّة النابضة ، و أجهزة الجسم الرئيسية العاملة بكفاءة ؛ بِدَعوى عدم دلالتها على حياة أصحابها ، ما دام الدِّماغ أو المُخّ قد تَوقّف عن العمل و تعَطّلٍ .
و لا ننكِِر أهمية المُخّ في حياة الإنسان ؛ فهي مما لا يحتاج إلى بيان ، و إنما نُنكِر دلالة دائه هذا على موت المريض به ، مع حياة و عمل قلبه و أعضائه و أجهزة جسمه !
نَقْض مسالك في رفع التناقض
و قد كان مِن مقتضَى القول بالموت الدماغي وجود ما يُسَمى بـ ( الجثة ذات القلب النابض ) ، و لرفع ذلك التناقض القاطع الظاهر عمدوا إلى القول بعدم الاعتداد بحياة تلك الأعضاء ، أو القول بإنكار دلالة حياتها على حياة صاحبها !
و ما ادّعوه من عدم الاعتداد بِعمل و حياة تلك الأعضاء في الدلالة على الحياة ، هو مِن باب تنزيل الموجود مَنزِلة المعدوم ، و هذا لا يَصْدُق إلاّ على الشيء اليسير الصغير غَير المُؤثِّر – كعدّةِ خلايا مثلاً – و لكنه لا يَصْدُق بِحالٍ على الأعضاء و أجهزة الجسم الرئيسية .
و حديثنا هنا - فيما يُسَمّونه بالموت الدماغي - عن حياة و عمل عدة أعضاءٍ و أجهزة في الجسم ، و ليس عن حياة عدة خلايا و أنسجة في الجسم أو خارِجِه [[14]]؛ مِثال القرنيات و شرائح الجلد و الحيوانات المنوية ، المحفوظة في المَعامل و المُختبرات ؛ مِمّا يُلَبِسّون به على الناس.
و كذلك لا معنَى لإنكار دلالة حياة و عمل القلب - و تلك الأجهزة الرئيسية – على استمرار حياة صاحب الجسَد الموجودة فيه تلك الأعضاء الحيّة العاملة ؛ لأنّا نعلمُ يقيناً أنه مُحالٌ وجود ها بهذه الحال في أجساد الأموات . و المُمارِي عليه الدليل .
و يؤكد هذا البيان الذي أصدره د . ممدوح سلامة ، أستاذ المخ و الأعصاب ، و الرئيس الأسبق للجمعية المصرية لجرّاحي المخ و الأعصاب – في 30 / 3 / 2009 - و كان يحمل العنوان المُعَبّر : (( بهدوء و وضوح ...لا موت و القلب ينبض )) [[15]]
مَوضِع الالتباس و الإلباس و فساد الاستدلال
و قد وقع التباسٌ شديدٌ عند بعض دُعاة الأخذ بمفهوم الموت الدماغي ؛ إذ غَلطوا و خَلطوا بين دلالة حياة العضو المنفصل عن الجسم و بين دلالة حياة مِثله الموجود بالجسم [[16]]؛ مما أَوقَعهم في فساد الاستدلال .
مثال ذلك بحث " موت جذع المخ ، مراجعة و مناقشة " - المُقَدّم إلى ندوة " التعريف الطبي للموت " بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – حيث يقول مقدِّمه : ( إن تعريف الموت بأنه « الزوال التام الدائم والأكيد لكل علامات الحياة من جميع أجزاء الجسم » لم يعد يستقيم مع الحقائق الثابتة حاليا، فلو تبرع إنسان سليم بأحدى كليتيه، وزرعت في مريض بالفشل الكلوي ، ثم حان أجل السليم ودفن في قبره، واستمرت كليته تؤدي وظيفتها في جسم المريض ، هل نمسك عن اعتبار المتبرع ميتاً لأن أحد أعضائه حي ؟ ويقال مثل ذلك عن الخلايا التي تؤخذ من إنسان ، ونستزرعها في أطباق في المختبر، يموت صاحبها ، وتستمر هي في الحياة منتجة جيلا بعد جيل، ويمكن الاستطراد في الأمثلة المشابهة ) . أهـ[[17]] . و هو احتجاج في غير مَحِلّه أَوْصل إلى استنتاج غير صحيح .
إن مفهوم الموت الدماغي يقوم على اجتماع أَمريْن مُتناقضيْن : هما القول بتحقق الموت ، مع تحقق حياة الجسم - بحياة أغلب أعضائه و أجهزته الرئيسية ؛ بدلالة عدم تلفها و قيامها بوظائفها – و في سبيل رفع ذلك التناقض و إثبات صحة دعواهم تلك ، قالوا بعدم دلالة حياة الأعضاء على حياة صاحبها ، مع إغفال دلالة قيام أجهزة الجسم بوظائفها . و هو مع هذا الإغفال استدلالٌ في غَير مَوضِعه ، و سيأتي بيانه بعد .
1 - و يحتَجُّون لذلك بعدم التلازم بين حياة و عمل الأعضاء – كالقلب و الكبد ٍمثلاً – و بين حياة صاحبها ؛ بدليل حياتها و عملها في جسد المتلقي ٍالمزروعة فيه تلك الأعضاء ، مع موت صاحبها الأصلي ٍالمنزوعة منه ، فيما يُسمى بنقل و زراعة الأعضاء من الأموات .
2 - و يحتَجّون لذلك أيضاً بعدم التلازم بين موت أو تلف تلك الأعضاء و بين مَوت صاحبها ؛ بدليل حياة صاحب العضو التالف ، إذا استُبدِلَ به عضوٌ سليم مأخوذٌ من إنسان آخر أو مَثيلُه الاصطناعي ، في الوقت المناسب و بِقَدَر الله . و كُلّ ذلك واقعٌ و ٍمُشاهَدٌ و لا خِِلاف فيه .
ٍٍٍ* و يَخْلصون من ذلك إلى القول بعدم دلالة حياة و عمل الأعضاء على حياة صاحبها ، و هو ما لا نُنازِع فيه بخصوص صاحبها ٍالمنفصلة عنه ، و لكنّا نُنازِع بل نعارِض * في دلالته على صحة ما يُسَمّونه بالموت الدماغي· ؛ إذ لا حُجّة لهم فيه بخصوص صاحب الجسد الموجودة فيه تلك الأعضاء .
يتبع