الذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين
أحمد فريد


قال أبو الدرداء رضى الله عنه: (يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين)
هذا الكلام من أبى الدرداء رضي الله عنه يكتب بماء الذهب، ولا يعرف قدره إلى من ذهب من العلماء العاملين، ومن نسبح على منوالهم واستقام على الصراط المستقيم فإن المدار على تقوى الله -عز وجل-، والأتقياء هم العقلاء والأكياس فهم يتاجرون بالمباحات مع رب الأرض والسماوات، فينامون بنية صالحة، ويفطرون بنية صالحة، كما قال معاذ رضى الله عنه: إني لأحتسب نومتي كما احتسب قومتي.
فكما يقوم الليل ويحتسب - أي ينتظر الأجر عند الله -عز وجل- فهو أيضاً ينام ويحتسب الأجر عند الله -عز وجل-، لأنه ينوى القيام من آخر الليل، أو التقوى على صلاة الفجر وأذكار الصباح، وينام على شقه الأيمن، ويضع كفه تحت خده ويقول: باسمك اللهم ربى وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسى فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وغير ذلك من أذكار النوم، فكيف لا يؤجر على هذا النوم. أما الأحمق الذى يمتلأ قلبه بالرياء والعجب، ولا يعرف طريق الإخلاص، وهو جاهل بالسنة فقد لا يكون له من قيامه إلا السهر، ومن صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال بعضهم: كم من قائم محروم، وكم من نائم مرحوم، هذا قام وقلبه كان فاجرا، وهذا نام وقلبه كان عامراً.
والرَجُلان يكونان في صفٍ واحد، وخلف إمامٍ واحد يكبران بتكبيره، ويسلمان بتسليمه، وما بين صلاتيهيما كما بين السماء والأرض، فالأعمال تتفاضل بحسب ما في قلوب أصحابها من تقوى الله -عز وجل-، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: [لَوْ أنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثلُ اُحُدٍ ذَهَباً، مَا بَلَغَ مُدَّ أحدهِمْ ولا نَصيٍفَهُ]
قيل لأنهم بذلوا في وقت احتاج فيه الإسلام إلى البذل، وقيل لعظيم تقوى السابقين، فالعمل القليل منهم يرجح على العمل الكثير ممن ليسوا مثلهم في تقوى الله -عز وجل-، لأن الأعمال تتفاضل بحسب ما في قلوب أصحابها من تقوى الله - عز وجل -، فالذرة من صاحب تقوى، أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين.

قال ابن القيم -رحمه الله- ما ملخصه: فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه، والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب
قال - تعالى -: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة، وعلو الهمة، وتجريد القصد، وصحة النية مع العمل القليل أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير، والسفر الشاق، فإن العزيمة و المحبة تُذهب المشقة، وتُطيب السير والتقدم والسبق إلى الله - سبحانه وتعالى-إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة، فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل، فإذا ساواه في همته تقدم عليه بعمله.
فالسير سير القلوب لا سير الأبدان، فقد يسبق العبد بمحبته لله - عز وجل - وإخلاصه وصدقه، من هو أكثر منه صلاةً وصياماً وحجاً وعمرة.
قال بكر بن عبد الله المزني: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكن بشيء وَقَرَ في قلبه.
مَنْ لي بمثل سيرك المُدلَّل تسيرُ رويداً وتجئ في الأوَّلٍ.