السؤال
هل لكم أن توضحوا لنا يا شيخ إذا كان اليوم يساوي ألف سنة كما ذكر في سورة السجدة وأن سمك السموات 500 عامًا وأن ما بين السماء والأرض 500 عامًا، كما في تفسير ابن كثير، فكيف تحمل الملائكة الأوامر والأفعال وتخترق السموات في لمح البصر؟
ولقد سمعت أيضًا من "ذاكر نايك" أن كلمة "يوم" في اللغة العربية تعني أيضًا "الفترة"، فما رأيكم يا شيخ في ضوء القرآن والسنة؟
نص الجواب
الحمد لله
أولا :
قال الله عز وجل :
( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/ 5
قال ابن كثير رحمه الله :
" ترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وسمك السماء خمسمائة سنة.
وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين؛ ولهذا قال تعالى: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 /359) ، وينظر:"تفسير البغوي" (6 /300) .

ومثل هذا الغيب لا بد من التسليم فيه للنص الشرعي إذا ثبت فيه ، ولا يقال لم ؟ ولا يقال كيف ؟ لأن الله تعالى على كل شيء قدير ، وقد أحاط بكل شيء علما ، لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض ، ولا يُسأل عما يفعل .
وإذا كان الواحد منا اليوم يمكنه أن يتصل بمن في أقصى الأرض فيراه ويسمع صوته في ذات الوقت ، وإذا كنا نشاهد على شاشات التليفزيون المشاهد وقت حصولها وحدوثها وبيننا وبينها آلاف الأميال ، فكيف نتساءل أو نتعجب لنزول الملائكة من السماء ثم صعودها في يوم واحد ، وذلك لا يحصل إلا بإذن الله تعالى وقدرته .
ثم انظر إلى ما أمكن الله عباده منه الآن من السفر بالطائرات على اختلاف أنواعها ، ومركبات الفضاء : هل كان الناس يتصورن قديما أن البشر يسافرون في مثل هذا ، ويقطعون المسافات بتلك السرعة ؟!
وأين تقع قدرة البشر بالنسبة إلى قدرة الله العلي القدير سبحانه ، وهو العزيز الغالب الذي لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض ، وهو القائل : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة/ 117 ، وقال سبحانه : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) النحل/ 40 ، فلا يستعصي عليه شيء ، ولا يمتنع منه .
والملائكة إنما تنزل وتصعد بأمر الله ، فهو سبحانه الذي أقدرهم على ما أقدرهم عليه من الأعمال والتكاليف .
والملائكة خلق عظيم لا يقدر قدره إلا الله . ولهم من الإمكانات والقدرات ما لا يحيط به علم عالم من البشر .
وهذا ملك الموت عليه السلام يقبض أرواح الخلائق في لحظة ، ومنهم من هو في أقصى الغرب ومنهم من هو في أقصى الشرق .
فإذا علمت أن هذه القدرة إنما خصهم الله بها ، ولولا الله ما قدروا على فعل شيء ، فهي في الحقيقة منسوبة إليه سبحانه زال عنك العجب .
ثانيا :
اليوم في اللغة مِقدارُه من طلوع الشمس إِلى غروبها .
وقد يُرادُ باليوم في لغة العرب : الوقتُ مطلقاً ؛ أيا كان قدره ، ومنه الحديث ( بين يديّ السّاعة أَيّامُ الهَرْج ) رواه البخاري (7067) ومسلم (2672) أَي وقتُه ، ولا يختص ذلك بالنهارِ دون الليل . راجع : "لسان العرب" (12 /649)
وجاء في "المصباح المنير" (2/683) : " والعرب قد تطلق ( اليَوْمَ ) وتريد الوقت والحين نهارا كان أو ليلا ، فتقول : ذخرتك لهذا اليوم ؛ أي : لهذا الوقت الذي افتقرتُ فيه إليك ، ولا يكادون يفرقون بين : يومئذ ، وحينئذ ، وساعتئذ " انتهى .
فإذا كانت اللغة تدل على أن اليوم ربما أرادت به العرب : مطلق الفترة والوقت ، فقد ورد بذلك الإطلاق أيضا في الاستعمال الشرعي ؛ فلا تعارض إذاً بين اللغة وما جاء في الشرع .
وما أحسن ما رواه الطبري رحمه الله في "تفسيره" (13/602) بسند صحيح عن ابن أبي مليكة، أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، قال: " هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما " فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
المصدر: الإسلام سؤال وجواب