تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أحكام الحيض ...

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي أحكام الحيض ...

    بسم الله الرحمن الرحيم


    أحكام الحيض ...
    إعداد حمدي طه ...
    مجلة التوحيد

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدُ

    فقد كتب الله الحيض على بنات آدم، كما قال النبي لأم المؤمنين عائشة «إنه أمر كتبه الله على بنات آدم» متفق عليه،

    وفي الحيض أحكام كثيرة، ومسائل عديدة، والمرأة قد تَحَارُ فيما خرج منها هل هو دم حيض أو استحاضة؟
    وقد جاء في السنة ما يزيل هذا الإشكال، وما يرفع هذه الحيرة، وهذا من كمال الشريعة وما أجمل ما عبر به الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حين قال هذا الباب من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء، وقد أطالوا فيه كثيرًا
    وفيما يبدو لنا أنَّه لا يحتاج إِلى هذا التَّطويل والتفريعات والقواعد التي أطال بها الفقهاء رحمهم الله والتي لم يكن كثيرٌ منها مأثورًا عن الصَّحابة رضي الله عنهم

    فالمرأة إذا جاءها الحيض تركت الصَّلاة ونحوها، وإِذا طَهُرَتْ منه صلَّت، وإِذا تنكَّر عليها؛ لم تجعله حيضًا فقواعده في السُّنَّة يسيرة جدًّا، ولهذا كانت الأحاديث الواردة فيه غير كثيرة

    ولكن بما أننا نقرأ كلام الفقهاء، فيجب علينا أن نعرف ما قاله الفقهاء رحمهم الله في هذا الباب، ثم نعرضه على كتاب الله وسُنَّة رسوله ، فما وافق الكتاب والسُّنَّة؛ أخذناه، وما خالفهما؛ تركناه، وقلنا غفر الله لقائله الشرح الممتع على زاد المستقنع

    قَال ابْنُ نُجَيْمٍ وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِا لاَ يُحْصَى مِنَ الأَْحْكَامِ، كَالطَّهَارَةِ، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّوْمِ وَالاِعْتِكَافِ ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلاَقِ وَالْعِدَّةِ وَالاِسْتِبْرَا ءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لأَِنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْل بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْل بِمَسَائِل الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْل بِغَيْرِهَا؛ فَيَجِبُ الاِعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا البحر الرائق

    يقول ابن رشد وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم؛ فالكلام المحيط بأصولها ينحصر في ثلاثة أبواب الأول معرفة أنواع الدماء الخارجة من الرحم والثاني معرفة العلامات التي تدل على انتقال الطهر إلى الحيض، والحيض إلى الطهر أو الاستحاضة، والاستحاضة أيضًا إلى الطهر والثالث معرفة أحكام الحيض والاستحاضة أعني موانعهما وموجباتهما بداية المجتهد ونهاية المقتصد

    اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة دم حيض، وهو الخارج على جهة الصحة، ودم استحاضة، وهو الخارج على جهة المرض، ودم نفاس، وهو الخارج مع الولد

    أولاً التَّعْرِيفُ
    كثر في كلام العلماء أن الحكم علي الشيء فرعٌ عن تصوره، وهذا الأمر أصدق ما يكون على باب الحيض؛ حيث كثر خلاف الفقهاء في أحكام الحيض لاختلافهم في صوره، ولذلك سنفصل بعض الشيء في تعريفه؛ لما سيترتب علي ذلك من معرفة جيدة لأحكامه

    الْحَيْضُ لُغَةً مَصْدَرُ حَاضَ، يُقَال حَاضَ السَّيْل إِذَا فَاضَ، وَحَاضَتِ السَّمُرَةُ إِذَا سَال صَمْغُهَا، وَحَاضَتِ الْمَرْأَةُ سَال دَمُهَا، وَالْمَرَّةُ حَيْضَةٌ، وَالْجَمْعُ حِيَضٌ، وَالْقِيَاسُ حَيْضَاتٌ ويقال الْمَرْأَةُ حَائِضٌ، لأَِنَّهُ وَصْفٌ خَاصٌّ، وَجَاءَ حَائِضَةٌ أَيْضًا بِنَاءً لَهُ عَلَى حَاضَتْ الموسوعة الفقهية الكويتية

    وَلِلْحَيْضِ فِي الاِصْطِلاَحِ تَعْرِيفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ وَفِيمَا يَلِي الْمَشْهُورُ مِنْهَا فِي كُل مَذْهَبٍ فَقَدْ عَرَّفَهُ الكاساني من أئمة الحنفية فقال الْحَيْضُ اسْمٌ لِدَمٍ خَارِجٍ مِنْ الرَّحِمِ لا يَعْقُبُ الْوِلادَةَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍٍ

    وَقَال ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْحَيْضُ دَمٌ يُلْقِيهِ رَحِمُ مُعْتَادٍ حَمْلُهَا دُونَ وِلاَدَةٍ حاشية الدسوقي

    وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ دَمُ جِبِلَّةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا عَلَى سَبِيل الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مغني المحتاج

    وَقَال الْحَنَابِلَةُ دَمُ طَبِيعَةٍ يَخْرُجُ مَعَ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلاَدَةٍ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ يَعْتَادُ أُنْثَى إِذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ كشاف القناع

    والمتأمل في التعريفات السابقة يجدها لا تعطينا وصفًا دقيقًا لحقيقة الحيض؛ ولذلك كثر الخلاف بينهم في أحكامه، وأفضل من عبّر عن حقيقة الحيض من علماء المذاهب هو العلامة شهاب الدين القرافي في الذخيرة؛ حيث قال
    وأما حقيقته أي الحيض فهو غسالة الجسد، وفضلات الأغذية التي لا تصلح للبقاء، ولذلك عظم نتنه، وقبح لونه، واشتد لذعه، وامتاز على دم الجسد، وكذلك على الذي منه دم الاستحاضة، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام «ذلك عرق، وليس بحيضة»، أي عرق انشق فخرج منه دم الجسد وليس بغسالة، فيجتمع ذلك من الوقت إلى الوقت، ثم يندفع في عروق الدم، فيخرج من فوهاتها إلى تجويف الرحم؛ فيجتمع هناك، ثم يندفع في عنق الرحم الذي هو محل الوطء، وجعل الله سبحانه وتعالى ذلك عَلَمًا على براءة الأرحام وحفظًا للأنساب الذخيرة

    وهذا الكلام موافق لما عليه الأطباء؛ حيث قالوا الحيض هو استعداد متكرر للحمل، فالرحم يستعد كل شهر للحمل؛ فإن لم يحصل الحمل؛ تخلص الرحم من آثار استعداه للحمل، فينزل الدم وما معه من أغذية وغير ذلك

    وَلِلْحَيْضِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا الطَّمْثُ، وَالْعِرَاكُ، وَالنِّفَاسُ
    والاِسْتِحَاضَة ُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَهِيَ لُغَةً أَنْ يَسْتَمِرَّ بِالْمَرْأَةِ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ أَيَّامِ َحيْضِهَا الْمُعْتَادِ، يُقَال اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ أَيِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ
    لسان العرب والمصباح المنير مادة حيض


    وَشَرْعًا سَيَلاَنُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ مَرَضٍ، وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ يُسَمَّى الْعَاذِل

    النِّفَاسُ لُغَةً وِلاَدَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ، فَهِيَ نُفَسَاءُ
    وَالنِّفَاسُ شَرْعًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوَلَدِ وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَة ُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلاَدَةِ قَال النَّوَوِيُّ النِّفَاسُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّم ُالْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ
    الموسوعة الفقهية الكويتية



    ثانيا ألوان الدم

    دم الحيض في أيام العادة الشهرية باتفاق الفقهاء إما أسود، أو أحمر أو أصفر، أو أكدر متوسط بين السواد والبياض ، والدليل على أن هذه الألوان في أيام العادة حيض هو دخولها في عموم النص القرآني وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ البقرة ، وأخبار في السنة، منها قول عائشة وقول أم عطية رضي الله عنهما الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ د وهبة الزحيلي
    أما السواد، فلحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، أنها كانت تُستحاض، فقال لها النبي «إذا كان دم الحيضة؛ فإنه أسود يُعْرَف؛ فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عِرْق» أبو داود وصححه الألباني

    وقوله يُعْرَف بضم الأول وفتح الراء أي تعرفه النساء، أو بكسر الراء أي له عرف ورائحة

    وأما الحمرة فلأنها أصل لون الدم

    وأما الصفرة وهي ماء تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار والكُدْرَة وهي التوسط بين لون البياض والسواد كالماء الوسخ، فلحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مرجانة مولاة عائشة رضي الله عنها قالت «وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ» رواه مالك ، وأورده البخاري معلقًا و الدُّرَجة جمع درج بضم فسكون وعاء تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، أو بالضم ثم السكون وتاء تأنيث وهو ما تدخله المرأة من قطن وغيره؛ لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا والكرسف القطن

    وإنما تكون الصفرة والكُدْرَة حيضًا في أيام الحيض، وفي غيرها لا تعتبر حيضًا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت «كنا لا نَعُدّ الصُّفْرَة والكُدْرَة بعد الطهر شيئًا» أبو داود وصححه الألباني، وانظر فقه السنة سيد سابق

    وصفات دم الحيض أربعة أقواها الثخين المنتن، ثم المنتن، ثم الثخين، ثم غير الثخين وغير المنتن الفقه الإسلامي وأدلته د وهبة الزحيلي


    سبب الحيض
    وسبب الحيض أن المرأة تفرز البويضة التي يلقحها الحيوان المنوي، فتخرج من المبيض إلى طريق البوق أو إلى فم الرحم، فتنتظر المني من الرجل ليلقحها، فإذا تلقحت علقت بجدار الرحم، وهي العلقة عند الأطباء، ثم بعدما تمضي عليها الأربعونات المعروفة، فتنفصل عن جدار الرحم بخيوط دموية رفيعة، وتكثر بعد ذلك وتصير حبل السرة الذي يغذّي الجنين داخل الرحم، وتأخذ دورتها السنوية في فترة الحمل، لكن إذا لم تلقّح البويضة، أو جاءها منيّ لا يصلح للتلقيح، ومضت مدة التلقيح؛ فإن الرحم يلفظها، وقد كان الرحم مهيئًا ينتظر الحمل المقبل، ولمَّا لم يأت الحمل؛ نكث ما بداخله، فيخرج هذا الدم ومعه مواد أخرى من الرحم؛ لتنظيفه واستقبال بويضة جديدة
    إذًا الدورة الشهرية عند المرأة هي الحيض المعروف لغة وشرعًا، وهو نتيجة لدورة طبيعية في الرحم، فإن أتى الحمل توقف الحيض، وإن لم يأت الحمل؛ خرج دم الحيض، إلا إذا كانت هناك موانع أخرى كحالة الرضاع، وحالة المرض، وغير ذلك شرح بلوغ المرام لعطية سالم

    وقريب من هذا المعنى انظر أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية، د عبد الرشيد بن محمد أمين بن قاسم

    واعلم أخي القارئ رحمني الله وإياك أن مدار هذا الباب على ثلاثة أحاديث، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، نذكرها قبل البدء في بيان أحكام الحيض حتى تكون دليلاً لنا إلى معرفة هذه الأحكام، وهذه الأحاديث هي
    الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستَحاض، فقال لها رسول الله «إن دم الحيض دم أسود يُعْرَف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي» أبو داود وحسنه الألباني

    الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدم، فقال لها «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة» مسلم

    ورواه أحمد والنسائي بلفظ «فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهُ؛ فَلْتَتْرُكْ الصَّلاَةَ، ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَلْتُصَلِّ»

    أحمد وقريب منه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ فِي امْرَأَةٍ تُهَرَاقُ الدَّمَ؛ فَقَالَ «تَنْتَظِرُ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ، وَقَدْرَهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ، فَتَدَعُ الصَّلاَةَ ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِر ْ ثُمَّ تُصَلِّي» رواه الخمسة إلا الترمذي

    الحديث الثالث عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت كُنْتُ أَسْتَحِاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا تَرَى فِيهَا، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ؟ قَالَ أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاتَّخِذِي ثَوْبًا قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكَ قَدْ طَهُرْتِ، وَامتنعت فَصَلِّي ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تحيض النِّسَاءَ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ فَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ فتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» أبو داود وحسنه الألباني

    مسألة كيف تعرف المرأة أنها طهرت من الحيض؟
    المرأة تعرف طُهْرَها من الحيض بما ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن نساء الأنصار «وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ»، أي بالقطن فيه الماء من محل الحيض، وقد اشتبه عليهن هل هذا يعتبر طهرًا أم لا؟ فتقول رضي الله عنها لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء رواه مالك ، وأورده البخاري معلقًا

    والقَصَّة البيضاء هي ماء أبيض ثخين، يفرزه الرحم في نهاية الحيض، فتعلم به المرأة أن الحيض قد انتهى، ويقول الأطباء إن هذا الماء الأبيض الذي يعقب الحيض هو بمثابة التليين لجدار الرحم؛ ليكون مبطنًا ملطفًا بهذا الماء؛ ليستقبل البويضة الجديدة بعد أن نبذ وأخرج البويضة القديمة التي لم تُلَقَّح، فيقولون هو بمثابة المهاد والفراش للضيف الجديد المنتظر فالحيض إذا انتهى أفرز الرحم هذه المادة البيضاء؛ ليبطّن بها جدار الرحم ويلطّفه، حتى إذا جاءت البويضة ووجدت هذا الماء علقت به
    إذاً المرأة تعرف نهاية حيضتها إذا رأت القَصَّة البيضاء، فإذا رأت القصة البيضاء علمت أنها طهرت، وبقي عليها أن تتطهر أي تغتسل، فإذا رأت القصة البيضاء؛ فلا تنظر إلى ما يأتي بعد ذلك، كما قال الفقهاء رحمهم الله، فالكدرة أو الصفرة عندما تراها المرأة بعد أن رأت الماء الأبيض واغتسلت؛ فإنها لا تَعتبر هذا شيئًا، ولا تترك صلاتها ولا صيامها " شرح بلوغ المرام عطية بن محمد سالم

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: أحكام الحيض ...


    بسم الله الرحمن الرحيم
    أحكام الحيض ... (2)
    إعداد حمدي طه ...
    مجلة التوحيد

    ثانيًا أقل سن الحيض وأقصاه

    ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَقَلّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّة؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوُجُودِ وَالْعَادَةِ لأُِنْثَى حَيْضٌ قَبْلَهَا، وَلأَِنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ وَلاَ ضَابِطَ لَهُ شَرْعِيًّا وَلاَ لُغَوِيًّا يُتْبَعُ فِيهِ الْوُجُودُ الموسوعة الفقهية الكويتية

    قَالَ الإمام السيوطي قال الْفُقَهَاءُ كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَلاَ ضَابِطَ لَهُ فِيهِ، وَلاَ فِي اللُّغَةِ، يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَمَثَّلُوهُ بِالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ، وَالْقَبْضِ، وَوَقْتِ الْحَيْضِ وَقَدْرِهِ، وَالإِحْيَاءِ وَالاسْتِيلاَءِ فِي الْغَصْبِ، وَالاكْتِفَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّلاَةِ بِالْمُقَارَنَة ِ الْعُرْفِيَّةِ، بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلاَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الأشباه والنظائر
    وإذا ما أردنا أن نجري القاعدة التي ذكرها السيوطي على أقل سنٍّ تحيض فيه المرأة، نجد أن ما ذكره الفقهاء كان على ما وجدوه؛ لذلك قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ، فَهِيَ امْرَأَةٌ وقال الشافعي أَعْجَل مَنْ سَمِعْتُ مِنَ النِّسَاءِ تَحِيضُ نِسَاءُ تِهَامَةَ، يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ هَكَذَا سَمِعْتُ وَرَأَيْتُ جَدَّةً لَهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً
    قلت وإذا كنا قد قررنا أن الحيض هو استعداد متكرر للحمل، فالرحم يستعد كل شهر للحمل؛ فإن لم يحصل الحمل تخلص الرحم من آثار استعداده للحمل، فينزل الدم وما معه من أغذية وغير ذلك فإذا وُجدت امرأة حملت في سن أقل من تسع سنين، وقد وقع ذلك فعلاً على ما ذكره الأطباء؛ فلازم ذلك نزول دم الحيض عليها قبل ذلك، فعلى ذلك تكون العبرة في معرفة أقل سن تحيض فيه المرأة هو الوجود، فإذا نزل عليها الدم قبل التاسعة، وقرر الأطباء أن هذا الدم دم حيض حكمنا بذلك
    وقد ذكر الأطباء أن هذه السن تتحكم فيها عوامل عدة، من أهمها البيئة التي تنشأ فيها المرأة، فيقل سن الحيض في البلاد الحارة عنها في البلاد الباردة، إلى غير ذلك من العوامل الأخرى التي وُجدت في كتبهم
    وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَكْبَرِ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُسَمَّى بِسِنِّ الإِْيَاسِ، واختلفوا في تحديد سن اليأس؛ لعدم النص فيه، ولاعتمادهم على الاستقراء والتتبع لأحوال النساء فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّ ةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ بِمُدَّةٍ فقال الحنفية على المفتى به أو المختار، سن الإياس خمس وخمسون سنة، فإن رأت بعده دمًا قويًّا أسود أو أحمر قانيًّا، اعتُبر حيضًا، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْخَالِصَ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ حَيْضٌ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا وَكَانَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ لاَ حَدَّ لآِخِرِ سِنِّ الْحَيْضِ، بَل هُوَ مُمْكِنٌ مَا دَامَتِ الْمَرْأَةُ حَيَّةً وَقَال الْمَحَامِلِيُّ آخِرُهُ سِتُّونَ سَنَةً
    قَال الرَّمْلِيُّ وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْل بِأَنَّهُ لاَ حَدَّ لآِخِرِهِ، وَالْقَوْل بِتَحْدِيدِهِ بِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً؛ لأَِنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ حَتَّى أنه لاَ يُعْتَبَرُ النَّقْصُ عَنْهُ
    وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ لَخَصَّهَا الْعَدَوِيُّ بِقَوْلِهِ بِنْتُ سَبْعِينَ سَنَةً لَيْسَ دَمُهَا بِحَيْضٍ، وَبِنْتُ خَمْسِينَ يُسْأَل النِّسَاءُ، فَإِنْ جَزَمْنَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ شَكَكْنَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلاَّ فَلاَ، وَالْمُرَاهِقَة ُ وَمَا بَعْدَهَا لِلْخَمْسِينَ يُجْزَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَلاَ سُؤَال، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ
    وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَكْثَر سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ خَمْسُونَ سَنَةً؛ لِقَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ» وَقَالَتْ أَيْضًا «لَنْ تَرَى فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ» وَجَاءَ فِي الإِْنْصَافِ نَقْلاً عَنِ الْمُغْنِي فِي الْعِدَدِ وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ الموسوعة الفقهية الكويتية ، الفِقه الإسلامي وأدلته أ د وَهْبَة الزحَيْلِي
    قلت ما ذهب إليه الحنفية والشافعية وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية من أن سن اليأس لا حد له، وأن العبرة في ذلك للوجود، وما احتج به الحنابلة من قول عائشة رضي الله عنها يُحمَل على ما رأته هي من عادة النساء في وقتها، أو أن هذا هو غالب حال النساء خاصة، وقد وجد في الواقع من تحيض وتلد بعد سن الخمسين

    ثانيًا مدة الحيض
    أقل الحيض وأكثره
    أقل الحيض لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره ولم يأت في تقدير مدته ما تقوم به الحجة فقه السنة
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأصل في هذا الكلام أن الأسماء التي عُلقت الأحكام بها في الشرع ثلاثة أقسام أحدها ما بيّن حده، ومقداره بالشرع كأعداد الصلاة ومواقيتها، ونُصب الزكوات وفرائضها، وعدد الطوفات ونحو ذلك وثانيها ما يُعلم حده ومقداره من جهة اللغة كالليل والنهار والبرد والفجر والسنة والشهر ونحو ذلك وثالثها ما ليس له حدّ في الشرع ولا في اللغة فالرجوع فيه إلى ما يعرفه الناس ويعتادونه كالجود والقبض والتفرق ونحو ذلك، والحيض شبيه شرح العمدة في الفقه

    وقد اختلف الفقهاء في أقل مدة الحيض فيرى الحنفية أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها، وما نقص عن ذلك، فليس بحيض، وإنما هو استحاضة ودليلهم حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي قال «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة» رواه الدارقطني وقال ابنُ منهال مجهولٌ، ومحمد بن أحمد بن أنس ضعيفٌ ، وما زاد على ذلك استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به الفقه الإسلامي وأدلته أ د وهبة الزحيلي
    قلت وقد ضعّف علماء الحديث ما احتج به الحنفية، وعلى هذا فلا يصلح هذا الحديث دليلاً على ما ذهبوا إليه
    ويرى المالكية أن لا حد لأقل الحيض بالنسبة للعبادات، فأقله دَفْقة أو دَفعة في لحظة، وأما بالنسبة للعدة والاستبراء، فأقله يوم أو بعض يوم وأما
    بالنسبة للاستبراء، فَلاَ بُدَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ الموسوعة الفقهية الكويتية

    ويرى الشافعية والحنابلة أن أقل زمن الحيض يوم وليلة وهو أربع وعشرون ساعة، على الاتصال المعتاد في الحيض، ودليلهم الاستقراء السؤال والتتبع لأحوال بعض النساء في زمان ما الذي قام به في زمانه الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره؛ إذ لا ضابط له لغة ولا شرعًا، فرجع إلى المتعارف بالاستقراء، ويكون المعتمد فيه هو العرف والعادة، كما هو المقرر في القبض والإحراز، والتفرق بين المتبايعين في العقود
    ويؤيدهم قول علي «أقل الحيض يوم وليلة» وقول عطاء «رأيت من النساء من تحيض يومًا»، قال النووي في المنهاج فإذا رأت المرأة الدم أقل من يوم وليلة أو بعد أكثر من مدة الحيض، كان دم استحاضة، لا دم حيض الفقه الإسلامي وأدلته أ د وهبة الزحيلي

    وهذا ليس بدليل؛ لأن من النِّساء من لا تحيض أصلاً، ومنهن من تحيض ساعات ثم تطهر، يقول ابن حزم ثم نظرنا في قول من قال أقل الحيض يوم وليلة، فوجدناه أيضًا لا حجة لهم من شيء من النصوص، فان ادعى مُدّع إجماعًا في ذلك، فهذا خطأ؛ لأن الأوزاعي يقول إنه يعرف امرأة تطهر عشية وتحيض غدوة، وأيضًا فإن الآثار الصحاح كما ذكرنا عن رسول الله «إذا جاءت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغتسلي وصلّي» الحاكم وصححه ووافقه الذهبي دون تحديد وقت، وهذا هو قولنا، وقد ذكرنا من قبل بأصح إسناد يكون عن ابن عباس رضي الله عنها أنه أفتى إذا رأت الدم البحراني أن تدع الصلاة، فإذا رأت الطهر ولو ساعة من نهار فلتغتسل وتصلي المحلى
    فالراجح ما ذهب إليه المالكية، واختاره كثير من محققي الحنابلة أنه لا حَدَّ لأقلِّه انظر في ذلك الشرح الممتع ، شرح الزاد للحمد
    أكثر مدة الحيض
    يرى الحنفية أن أكثره عشرة أيام، وما زاد على ذلك استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به ودليلهم حديث واثلة بن الأسقع الذي سبق أن ذكرنا ضعفه
    ويرى الشافعية والحنابلة أن أكثره خمسة عشر يومًا، ودليلهم أيضًا الاستقراء الذي قام به في زمانه الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره؛ إذ لا ضابط له لغة ولا شرعًا، فرجع إلى المتعارف بالاستقراء، ويكون المعتمد فيه هو العرف والعادة، ويؤيدهم قول علي «أقل الحيض يوم وليلة، وما زاد على خمسة عشر استحاضة» وقول عطاء «رأيت من النساء من تحيض يومًا، وتحيض خمسة عشر» وأما الْمَالِكِيَّةُ فإن أَكْثَرَهُ يَخْتَلِفُ عِنْدَهُمْ بِوُجُودِ الْحَمْل وَعَدَمِهِ فَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِغَيْرِ الْحَامِل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ودليلهم على هذه المسألة هو دليلهم على المسألة السابقة وهو الوقوع
    والراجح أنه لا تحديد لأقله ولا أكثره، فلو حاضت ساعة فهو حيض، ولو حاضت أكثر من خمسة عشر يومًا فهو حيض ما لم يكن استحاضة وهذا هو الأصلن وأن الدم الذي يخرج من الرحم، وهو دم حيض، له أحكام الحيض، إلا أن يدل دليل على تحديده، ولا دليل على تحديد أقله ولا أكثره، فحينئذ نبقى على إطلاق الشارع فقد أطلقه، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا شرح الزاد للحمد
    قلت وقد روي عن الإمام أحمد أن أكثره سبعة عشر يومًا؛ لما ذكره عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرتني امرأة ثقة من جيراني أنها تحيض سبعة عشر يومًا وحكى أيضًا عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبعة عشر يومًا، فإذا قلنا إن العبرة في تحديد أكثر مدة الحيض بالوقوع، وصح ما نقل عن عبد الرحمن بن مهدي، فالقول بأن أكثر مدة الحيض سبعة عشر يومًا يكون هو الأقرب للصواب، والله أعلم

    مسألة هل تحيض الحامل؟
    اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دَمِ الْحَامِل هَل هُوَ دَمُ حَيْضٍ، أَوْ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ؟
    فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَة ُ إِلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِل دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَال فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ «لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» أبو داود وصححه الألباني ، فَجَعَل الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قالوا فهذا الدليل يدل على أن الشارع قد جعل الحيض علامة على عدم الحمل، فإذا ثبت أنه علامة على عدم الحمل، فإن هذا يدل على أن الحامل لا تحيض إذن الشارع جعل استبراء غير ذوات الحمل بأن تحيض ليعلم أنها ليست بحامل وَقَال فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً مسلم قالوا فقد قال أو حاملاً فدل على أن الحامل لا تحيض؛ لأنها لو كانت تحيض لاستثنى النبي كونها غير حائض، فَجَعَل الْحَمْل عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ الموسوعة الفقهية الكويتية ، شرح زاد المستقنع الشيخ حمد بن عبد الله الحمد بتصرف

    وذهب المالكية والشافعية إلى أن الحامل تحيض، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وهو أن الحامل تحيض، فمتى ما وقع ذلك فإنه حيض؛ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ، ولِخَبَرِ دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَامِل تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلاَةَ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا وَإِجْمَاعُ أَهْل الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَلأَِنَّهُ دَمٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ دَمَيِ الْجِبِلَّةِ وَالْعِلَّةِ، وَالأَْصْل السَّلاَمَةُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَلأَِنَّهُ دَمٌ لاَ يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ، بَل إِذَا وُجِدَ مَعَهُ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ نَدَرَ فَكَذَا لاَ يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ الموسوعة الفقهية الكويتية ، شرح زاد المستقنع الشيخ حمد بن عبد الله الحمد بتصرف

    قلت والقول الأول أظهر من أن الحامل لا تحيض، وعليه الأدلة الشرعية ويؤيده ما قرره الأطباء من أن الحيض استعداد متكرر للحمل، فدل على أن المرأة إذا حملت فقد انتفى عنها السبب في نزول دم الحيض

    ثالثًا أَقَل الطُّهْرِ وَأَكْثَرُهُ

    والمراد بالطهر هو زمان نقاء المرأة من دم الحيض والنفاس، وللطهر علامتان جفاف الدم أو جفوفه، والقَصَّة البيضاء وهي ماء أبيض رقيق يأتي في آخر الحيض الفقه الإسلامي وأدلته
    أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ الطُّهْرِ؛ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لاَ تَحِيضُ أَصْلاً وَقَدْ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، أَنَّ امْرَأَةً فِي زَمَنِهِ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُل سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً
    وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَل الطُّهْرِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّ ةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّ ةُ إِلَى أَنَّ أَقَل طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا؛ لأَِنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لاَ يَخْلُو مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَل الطُّهْرِ كَذَلِكَ وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَقَل الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ فَقَال عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ قُل فِيهَا فَقَال شُرَيْحٌ إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهِيَ كَاذِبَةٌ فَقَال عَلِيٌّ قَالُونُ أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ قَالُوا وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْل صَحَابِيٍّ اشْتُهِرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلاَفُهُ وَوُجُودُ ثَلاَثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلاَثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا الموسوعة الفقهية الكويتية ، الفقه الإسلامي وأدلته


    رابعًا مدة النفاس
    للنفاس مدة دنيا وقصوى
    أما المدة الدنيا فاتّفق الفقهاء على أنّه لا حدّ لأقلّ النّفاس، فأيّ وقت رأت المرأة الطّهر اغتسلت، وهي طاهر؛ لأنه لم يرد في الشرع تحديده، فيرجع فيه إلى الوجود الفعلي، وقد وجد قليلاً وكثيرًا وقد تلد المرأة ولا ترى الدم، روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله ، «فلم تر نفاسًا»، فسميت ذات الجفوف الفقه الإسلامي وأدلته د وهبة الزحيلي ولما روي من حديث أم سلمة لما سألت النبي «كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال تجلس أربعين إلا أن ترى الطهر قبل ذلك» سنن الدارقطني ولم يفصل بين مدة طويلة أو قصيرة شرح العمدة في الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية
    أما المدة القصوى فيرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ أكثره ستّون يومًا، والمعتمد في ذلك هو الاستقراء، وحكى ابن عقيل عن أحمد بن حنبل روايةً مثل قولهما؛ لأنّه روي عن الأوزاعيّ أنّه قال عندنا امرأة ترى النّفاس شهرين، وروي مثل ذلك عن عطاء أنّه وجده، والمرجع في ذلك إلى الوجود الموسوعة الفقهية الكويتية

    وعند الحنفية والحنابلة أربعون يومًا، وما زاد عن ذلك فهو استحاضة، بدليل قول أم سلمة «كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله أربعين يومًا وأربعين ليلة» لكن قال الشافعية لا دلالة فيه على نفي الزيادة، أو محمول على الغالب أو على نسوة مخصوصات الفقه الإسلامي وأدلته
    قال أبو عيسى التّرمذيّ أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اللّه ومن بعدهم على أنّ النّفساء تدع الصّلاة أربعين يومًا، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلّي وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة النّاس، وروي هذا عن عمر وابن عبّاس وعثمان بن أبي العاص وعبد اللّه بن عمر وأنس وأمّ سلمة رضي الله عنهم، وقال إسحاق هو السنة المجتمع عليها، وقال الطحاوي لم يقل بالستين أحد من الصحابة، وإنما هو قول من بعدهم، وروى الحكم بن عتيبة عن مسّة الأزديّة عن «أمّ سلمة أنّها سألت النّبيّ كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال أربعين يومًا، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك» الدّارقطنيّ

    قال ابن تيمية وهذا يفسر الحديث الأول، ويبين أن ذلك أمرٌ من النبي إلا إن كان ذلك عادة النساء، فإنه يستحيل في العادة اتفاق عادة أهل بلدة في النفاس، ويكون ذلك بيان أقصى ما تجلسه، وبيان ما تجتنب فيه زوجها من الوطء شرح العمدة في الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية
    قلت وما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أرجح؛ لقوة دليلهم، والله أعلم

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: أحكام الحيض ...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أحكام الحيض ... (3)
    إعداد حمدي طه ...
    مجلة التوحيد
    أولاً: الأحكام المتعلقة بالحيض:
    1- الحيض ومثله النفاس يوجب الغسل بعد انقطاعه:
    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغْتَسِل لاِسْتِبَاحَةِ مَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِالْحَيْضِ؛ لقوله تعالى: «وَيَسْأَلُونَك َ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ» [البقرة: 222]. قوله تعالى: «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ» أَيْ إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْل غُسْلِهَا، فَدَل عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا لإِِبَاحَةِ الْوَطْءِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنكِ الدم وصَلِّي» [متفق عليه] وفي رواية للبخاري: «ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي»، وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَغَيْرَهُنَّ.
    وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِنْقِطَاعَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْل، وَغُسْل الْحَيْضِ كَغُسْل الْجَنَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَة ِ مِنَ الْحَيْضِ، تَطْيِيبُ مَوْضِعِ الدَّمِ. لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، سَأَلْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ؟ فَقَال: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ. تَطَهَّرِينَ بِهَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ. كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْل الْجَنَابَةِ؟ فَقَال: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَْنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. [مسلم 332] [وانظر الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي والموسوعة الفقهية الكويتية].

    2- البلوغ:
    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ عَلاَمَةٌ مِنْ عَلاَمَاتِ الْبُلُوغِ الَّتِي يَحْصُل بِهَا التَّكْلِيفُ، فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي زَمَنِ الإِْمْكَانِ، أَصْبَحَتْ بَالِغَةً وأهلاً للتكاليف الشرعية بالحيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» [أبو داود 641 وصححه الألباني]، فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدل على أن التكليف حصل به. [الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي، والموسوعة الفقهية الكويتية].

    3- الحكم ببراءة الرحم في الاعتداد بالحيض:
    من المعلوم أن الأصل في مشروعية العدة: العلم ببراءة الرحم، وقد سبق أن بيّنا أن الحيض هو استعداد متكرر للحمل، فإذا حاضت المرأة دل ذلك على أن الرحم خالٍ من الحمل.

    4- الاعتداد بالحيض:
    وهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن عدة المرأة المطلقة تكون بالحيض؛ لأن الأقراء الثلاثة المنصوص عليها في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَ اتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ» [البقرة: 228]، هي الحيضات، ولا تنتهي عدة المطلقة غير الحامل إلا بانتهاء الحيضة الثالثة، ولا تحتسب الحيضة التي وقع الطلاق في أثنائها. وقال المالكية والشافعية: القرء: الطهر، فتحسب العدة بزمن الأطهار، وتنتهي العدة بابتداء الحيضة الثالثة، ويحتسب الطهر الذي وقع الطلاق فيه من الأطهار الثلاثة، ولو كان لحظة، وليس هذا موضع بسط هذا الخلاف.

    5- الكفارة بالوطء في أثناء الحيض عند الحنابلة، وسيأتي الكلام في ذلك في ما يحرم بالحيض.

    ثانيا: ما يحرم بالحيض والنفاس:
    يحرم بالحيض والنفاس أكثر ما يحرم بالجنابة كالصلوات كلها، وسجود التلاوة، ومسّ المصحف، ودخول المسجد، والطواف، والاعتكاف، وقراءة القرآن. على خلاف في بعض هذه الأمور سيأتي بيانه في موضعه. ويزاد على ذلك أمور أخرى قال بها الفقهاء بين مُضيق وموسع، وتفصيل هذه الممنوعات في حالة الحيض ومثله النفاس، وأدلتها يتبين فيما يأتي:

    1- الطهارة:
    فإذا حاضت المرأة حُرم عليها الطهارة للحيض غسلاً أو وضوءًا في رأي الشافعية والحنابلة؛ لأن الحيض ومثله النفاس يوجب الطهارة، وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول، أي أن انقطاعه شرط لصحة الطهارة له. فإن قصدت بهذه الطهارة التعبد لله وهي تعلم بعدم صحتها أثمت كمن يصلي وهو مستدبر القبلة وهو يعلم أنه يجب عليه استقبالها، لكن إن أَمَرَّتْ الماء على جسدها بغير قصد التعبد فلا حرج عليها في ذلك بلا خلاف، لكن يجوز الغسل لجنابة أو إحرام ودخول مكة ونحوه، بل يُستحب ذلك؛ لأن هذه الطهارة القصد منها التنظف لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالاغتسال عند حيضها وقت الحج وقوله لها: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» [مسلم 1211]. وأمره أسماء بنت عميس لحديث جابر عند مسلم. وفيه: «حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغسلي واستثفري بثوب وأحرمي..» الحديث. [مسلم: 1218].

    2- الصلاة:
    يحرم على الحائض والنفساء الصلاة، وليس عليها قضاء الصلاة بعد انقضاء الحيض بإجماع العلماء؛ وقد حكى غير واحد من أهل العلم هذا الإجماع منهم ابن جرير الطبري، والنووي في «المجموع»، فقال: أجمعت الأمة على أنه يحرم عليها الصلاة فرضها ونفلها، وأجمعوا على أنه يسقط عنها فرض الصلاة فلا تقضي إذا طهرت، قال أبو جعفر الطبري في كتابه «اختلاف الفقهاء»: أجمعوا على أنه عليها اجتناب كل الصلوات فرضها ونفلها. [المجموع: 2/351].

    لحديث فاطمة بنت أبي حُبَيش المتقدم: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» [متفق عليه]، ولما روت عائشة رضي الله عنها: «كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» [مسلم 335]، ويحرم على الحائض قضاء الصلاة، والمعتمد عند الشافعية أنه يكره، وتنعقد نفلاً مطلقاً لا ثواب فيه.

    3- الصوم:
    يحرم على الحائض والنفساء الصوم ويمنع صحته، لحديث عائشة السابق، فإنه يدل على أنهن كن يفطرن. ولحديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: «أليس شهادةُ المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلكن من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى؟ قال: فذلك من نقصان دينها» [البخاري 304]، ولا يسقط قضاؤه عنهما، فتقضي الحائض والنفساء الصوم دون الصلاة للحديث نفسه، وهذا محل إجماع من أهل العلم. حكاه الترمذي في جامعه، فقال: وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فإِن قيل: ما الحكمة أنَّها تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟. قلنا: الحكمة قول الرَّسول صلى الله عليه وسلم كما سبق.
    أخرج البخاري تعليقا: وقال أبو الزناد: إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة كما في صحيح البخارى قلت: لأن تمنع الحائض من الصلاة والطواف فهذا أمر معقول لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة والطواف أما أن تمنع من الصيام فهذا لا مدخل للعقل فيه لأن الطهارة ليست شرطا في صحة الصوم فعنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ. أخرجه مسلم.

    واستنبط العلماء-رحمهم الله- لذلك حكمة، فقالوا: إِن الصَّوم لا يأتي في السَّنة إِلا مَرَّةً واحدة، والصَّلاة تتكرَّر كثيرًا، فإِيجاب الصَّوم عليها أسهل؛ ولأنها لو لم تقضِ ما حصل لها صومٌ. وأمَّا الصَّلاة فتتكرَّر عليها كثيرًا، فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقًّا. ولأنَّها لن تعدم الصَّلاة لتكرُّرِها، فإِذا لم تحصُل لها أوَّل الشَّهر حصلت لها آخره.

    4- مس المصحف وحمله:
    اتَّفَقَ فُقَهَاءُ المذاهب الأربعة عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » [الواقعة: 79]، وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْل الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ. [الطبراني والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع 7780].

    وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَلِّمَةَ وَالْمُتَعَلِّم َةَ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْمُصْحَفِ.
    واستثنى الشافعية حالة الخوف على القرآن من غرق أو حرق أو نجاسة، أو وقوعه في يد كافر، فيجب حمله حينئذ، كما يجوز حمله باتفاق العلماء في تفسير أكثر منه يقينًا، ولا يجوز حمله عند الشافعية إذا قصده مع المتاع على المعتمد.

    واستثنى الحنفية حالة مس القرآن بغلاف متجافٍ عن القرآن، ويرخص عندهم لأهل كتب الشريعة من حديث وفقه وتفسير أخذ الورقة بالكُمّ وباليد للضرورة، وأجازوا تقليب أوراق المصحف بنحو قلم للقراءة، ولا يكره النظر للقرآن لجنب وحائض ونفساء؛ لأن الجنابة لا تحل العين.
    وذهب ابن حزم الظاهري إلى جواز مس المصحف للحائض فقال: وأما مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح منها شيء لأنها إما مرسلة وإما صحيفة لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف ومس المصحف، وذكر الله تعالى أفعال خير مندوب إليها مأخوذ فاعلها، فمن ادعى المنع فيها في بعض الأقوال كلف أن يأتي بالبرهان. [المحلى 1/81].
    قلت: وما ذهب إليه الجمهور أقوى وأرجح وأحوط، والله أعلم.

    5- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
    اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ لِلْقُرْآنِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّ ةُ وَالْحَنَابِلَة ُ- إِلَى حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ. [الترمذي وابن ماجه وغيرهم وضعفه الألباني] من حديث عبدالله بن عمر، ثم نقل الترمذي عن البخاري أنه أعلّ إسناده.. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَال اسْتِرْسَال الدَّمِ مُطْلَقًا، كَانَتْ جُنُبًا أَمْ لاَ، خَافَتِ النِّسْيَانَ أَمْ لاَ.
    وَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا، فَلاَ تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ حَتَّى تَغْتَسِل جُنُبًا كَانَتْ أَمْ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَخَافَ النِّسْيَانَ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى التَّطَهُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِذَا خَافَتْ نِسْيَانَهُ، بَل يَجِبُ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينههن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأن للحائض أن تؤدي المناسك كلها إلا الطوائف كما في حديث عائشة. [مجموع الفتاوى: 21/459].
    فكما أن للحاج أن يذكر الله ويقرأ القرآن، فكذلك الحائض لها أن تذكر الله وتقرأ القرآن. [الجامع لأحكام النساء، مصطفى العدوي: 1/183].
    وأما الجنب فلم يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد العيد ولا أن يصلي ولا أن يؤدي شيئًا من المناسك لأن الجنب يمكن أن يتطهر فلا عذر له في ترك الطهارة بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها رفعه. [مجموع الفتاوى لابن تيمية 21/459].
    قلت: والنفس أميل إلى ما ذهب إليه ابن تيمية وأهل الظاهر، والله أعلم.

    6- دخول المسجد، واللبث والاعتكاف فيه:
    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلاَ أُحِلُّهُ لِجُنُبٍ وَلاَ لِحَائِضٍ» [رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وضعفه الألباني] قلت: وهذا حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به وقالوا: وَلأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ كَانَ نَصُّ الْكِتَابِ يَمْنَعُ الْجُنُبَ مِنَ الَمَقَامِ فِيهِ، فَكَانَتِ الْحَائِضُ مَعَ مَا يُخَافُ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْعِ، وَإِذَا مُنِعَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الاعْتِكَافِ. [الحاوي للماوردي: 1/346]. وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ عُبُورِهَا لِلْمَسْجِدِ دُونَ لُبْثٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ، كَالْخَوْفِ مِنَ السَّبُعِ قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ»، وَاللِّصِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَطَشِ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا حَائِضٌ، فَقَال: «إن حَيْضَتُك لَيْسَتْ في يَدِكِ» [مسلم 298].

    وأجاز الشافعية والحنابلة للحائض والنفساء العبور في المسجد، إن أمنت تلويثه؛ لأنه يحرم تلويث المسجد بالنجاسة وغيرها من الأقذار بسبب المكث فيه؛ لأَِنَّ تَلْوِيثَهُ بِالنَّجَاسَةِ مُحَرَّمٌ، وَالْوَسَائِل لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: «تقوم إحدانا بالخُمْرة إلى المسجد، فتبسُطُها وهي حائض» وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّ ةُ حُرْمَةَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ لِلْمُكْثِ أَوْ لِلْعُبُورِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولَهَا لِلطَّوَافِ. كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول الْحَائِضِ مُصَلَّى الْعِيدِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّ ةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَا مُصَلَّى الْجِنَازَةِ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الأَْصَحِّ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُصَلَّى الْعِيدِ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهُ مَسْجِدٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَيَعْتَزِل الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى» [البخاري 324]، وهو الأرجح دليلاً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: أحكام الحيض ...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أحكام الحيض ... (4)
    إعداد حمدي طه ...
    مجلة التوحيد


    7- الاِسْتِمْتَاعُ بِالْحَائِضِ

    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرَجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن) وسبب نزول الآية ما صح عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ». فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاَّ خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَلاَ نُجَامِعُهُنَّ. فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُ مَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا». (مسلم 302).

    وَحَكَى عدد كبير من أهل العلم الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، منهم الطبري وابن حزم والقرطبي والنَّوَوِيُّ،
    وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الاِسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّ ة وَالشَّافِعِيَّ ة - إِلَى حُرْمَةِ الاِسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ. (أبو داود 2167 وصححه الألباني).

    ولقوله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن سعد حينما سأله: ما يحل لي من امرأتي، وهي حائض؟ قال: «لك ما فوق الإزار» (أبو داود 212 وصححه الألباني).

    ولأن الاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الجماع، فحرم لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير: «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (متفق عليه)، فمَنْ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى.

    والإزار: الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دونه، وهو ما بين السرة والركبة غالبًا، فما عدا ذلك جائز بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الاِسْتِمْتَاعِ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَهَذَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وقال ابن حزم: وللرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شيء، حاشا الإيلاج في الفرج، (المحلى 5/ 342) ومال إلي ذلك النووي في شرح مسلم فقال وهو الأقوى دليلاً. (1/512).

    وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَ الْمِرْدَاوِيُّ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، حَرُمَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يَكُونَ طَرِيقًا إِلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ. واحتج الحنابلة لمذهبهم بقوله صلّى الله عليه وسلم قي حديث أنس: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» وعن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبًا. (أبو داود 272 وصححه الألباني).

    قلت: وما ذهب إليه الحنابلة أرجح، وما ذهب إليه الجمهور أحوط.

    كفارة وطء الحائض ونحوها
    يرى المالكية والحنفية والشافعية في المذهب الجديد: أنه لا كفارة على من وطئ حائضاً ونحوها، بل الواجب عليه الاستغفار والتوبة؛ لأن الأصل البراءة، فلا ينتقل عنها إلا بحجة، وحديث الكفارة مضطرب، ولأنه وطء محرم للأذى، فلم تتعلق به الكفارة كالوطء في الدبر. وهو مذهب أهل الظاهر قال ابن حزم: ومن وطئ حائضًا عامدًا أو جاهلاً، فقد عصى الله تعالى في العمد، وليس عليه في ذلك شيء لا صدقة ولا غيرها إلا التوبة والاستغفار. (المحلى 3/162).

    ويرى الحنابلة في أرجح الروايتين عن أحمد: أنه تجب الكفارة على من وطئ امرأته في أثناء الحيض أو النفاس، والكفارة واجبة ولو كان الوطء من ناسٍ ومكره وجاهل الحيض أو التحريم، أو كلاهما، ولا تجب الكفارة بوطئها بعد انقطاع الدم. والكفارة دينار أو نصف دينار على سبيل التخيير، أيهما أخرج أجزأه، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم: في الذي يأتي امرأته، وهي حائض: «يتصدق بدينار أو نصف دينار» (أبو داود 264 وصححه الألباني) وتسقط كفارة الوطء في الحيض بعجز عنها، ككفارة الوطء في رمضان.


    وَطْءُ الْحَائِضِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ
    ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّ ة وَالْحَنَابِلَة - إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل وَطْءُ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ - يَنْقَطِعَ الدَّمُ- وَتَغْتَسِل، فَلاَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا قَبْل الْغُسْل، قَالُوا: لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِحِل الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْغُسْل، فَقَال تَعَالَى: وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ أَيْ يَنْقَطِعَ دَمَهُنَّ. فَإِذَا تَطَهَّرْنَ أَيِ اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ فَأَتَوْهُنَّ. وَقَدْ صَحَ هذا التفسير عن غير واحد من التابعين كمجاهد. وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لأَِكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لأَِقَلِّهِ، وَكَذَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْل عَادَتِهَا. ولا يوجد دليل صحيح من كتاب أو سُنة على صحة هذا التقسيم وما ذهب إليه جمهور الفقهاء هو الأقوى دليلاً.

    طَلاَقُ الْحَائِضِ

    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِيقَاعَ الطَّلاَقِ فِي فَتْرَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الطَّلاَقِ الْبِدْعِيِّ لِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ، لِمُخَالِفَتِهِ قَوْله تَعَالَى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ. ولما روي عن ابن عمر: «أنه طلق امرأته، فذكر عمر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً» (مسلم 1471)، وَلأَِنَّ فِي إِيقَاعِ الطَّلاَقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ لِتَطْوِيل الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْثُ لا تبدأ العدة إذا طلق الرجل زوجته في أثناء الحيض، لقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (البقرة: 228) وبعض القرء ليس بقرء. أما بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فيحل الطلاق.

    فائدة في الفرق بين طلاق السنة وطلاق البدعة: قال القرطبي: قال علماؤنا: طلاق السنة ما جمع شروطًا سبعة: وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهرًا، لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض. وهذه الشروط السبعة من حديث ابن عمر. (الجامع لأحكام القرآن 18/152).


    مسألة هل يقع طلاق المرأة الحائض؟
    ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ من الأئمة الأربعة وغيرهم إِلَى وُقُوعِ الطَّلاَقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، وذهب بعض الفقهاء كابن حزم وابن تيمية وابن القيم إلى عدم وُقُوعِ الطَّلاَقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ. (أحكام الفرقة بين الزوجين د. محمد وفا ص31).

    واستدل الجمهود بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: ليراجعها، فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها. قال قلت لابن عمر أفيحسب بها. قال: ما يمنعه أرأيت إن عجز واستحمق. وأخرجه الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي واحدة. أخرجه أحمد ومسلم.

    قال الحافظ في الفتح: وهذا في موضع الخلاف فيجب المصير إليه. (الفتح: 9/253).
    وفي رواية متفق عليها « وكان عبد الله طلق تطليقة فحسبت من طلاقها»، وفي رواية « كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بهذا، وإن كنت طلقت ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك وعصيت الله عز وجل فيما أمرك به من طلاق امرأتك « رواه أحمد ومسلم والنسائي.

    واستدل القائلون بعدم وقوع الطلاق في الحيض بزيادة وردت في حديث ابن عمر عند أبي داود في سننه وهي: (فردها عليّ رسول الله ولم يرها شيئًا) ورد الجمهور بأن هذه الزيادة شاذة ولا تصلح للاحتجاج قال ابن عبد البر: قوله: (ولم يرها شيئًا) منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئًا مستقيمًا؛ لكونها لم تقع على السنة. (فتح الباري لابن حجر 9/353).
    واستدلوا أيضًا بقوله صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). قالوا: ولما كان الطلاق في حال الحيض ليس موافقًا للشرع يكون مردودًا على صاحبه، ولا يترتب على المردود طلاق. ورد الجمهور بأن معنى الرد في الحديث عدم الثواب عليه، وعدم قبوله، ولا يلزم من عدم القبول عدم صحة العمل إذا وقع فإن الصلاة في الأرض المغصوبة أو الثوب المسروق صحيحة ولكن لا ثواب عليها. (أحكام الفرقة بين الزوجين د. محمد وفا ص 32).

    وبعد عرض أدلة الفريقين يتبين قوة أدلة جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم وأن ما استدل به ابن حزم وغيره لا يعدو كونه تشغيبًا لا يرقى لمناهضة أدلة الجمهور، وعلى ذلك فإني أرى أن هذا الخلاف ضعيف، وأن الفتوى بعدم وقوع الطلاق في الحيض فيه مجازفة كبيرة ممن يترخص في الفتوى به.


    الطواف

    يحرم على الحائض والنفساء الطواف بالبيت الحرام؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنهما: «إذا حضت، افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» (مسلم 1211) وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، ولكن هناك مسألة من الأهمية بمكان نذكرها هاهنا مع أنها من المسائل التي تتعلق بالحج وهي إذا حاضت المرأة في الحج فهل يسقط عنها الطواف؟

    هذه المسألة من المسائل التي بحثها العلماء قديمًا وحديثًا لحاجة كثير من النساء اللاتي يتوافدن لحج بيت الله الحرام ويكن مرتبطات برحلات لا يستطعن التخلف عنها فتحيض إحداهن ولا تعرف ماذا تفعل؟ وقبل معرفة حكم هذه المسألة نقول: إن الأطوفة المشروعة في الحج ثلاثة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة (أو الزيارة، أو طواف الركن)، وطواف الوداع (أو طواف الصّدر) وهو طواف آخر العهد بالبيت، سمي بذلك لأنه يودّع البيت ويصدُرُ به. وما زاد على هذه الأطوفة فهو نفل.

    هذا.. وقد أجمعوا على أن المكي ليس عليه إلا طواف الإفاضة. كما أجمعوا على أنه ليس على المعتمر إلا طواف العمرة. وأجمعوا على أن المتمتع عليه طوافان: طواف للعمرة لحله منها، وطواف للحج، يوم النحر. أما المفرد للحج فليس عليه إلا طواف واحد يوم النحر، ويجب عليه عند المالكية القدوم أيضاً إن اتسع الوقت له، ويسن ذلك عند الجمهور. أما طواف القدوم: فهو سنة عند جمهور الفقهاء لحاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة، سواء أكان مفرداً أم قارناً، وأما طواف الإفاضة أو الزيارة: فهو ركن باتفاق الفقهاء، لا يتم الحج إلا به، لقوله عز وجل: وليطًّوفوا بالبيت العتيق (الحج:29). قال ابن عبد البر: هو من فرائض الحج، لا خلاف في ذلك بين العلماء. وأما طواف الوداع لمن أراد الخروج من مكة: فهو مندوب عند المالكية؛ وواجب عند باقي المذاهب. (الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ أ.د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ 3/516).

    إذا كان الطواف يحرم على الحائض والنفساء فهل يسقط عنها؟
    اعلم أخي القارئ وأختي القارئة أن ذلك مرجعه إلى نوع الطواف الذي عليها فعله فإذا حاضت المرأة أو نفست عند أول حجها سقط عنها طواف القدوم؛ لأنه سنة ولقوله صلي الله عليه وسلم لعائشة: افعلي ما يفعل الحاج... الحديث.

    أما إذا حاضت المرأة أو نفست قبل أن تنفر من مكة فلا تخلو من أمرين، إما أن تكون طافت طواف الإفاضة ولم تطف طواف الوداع، ففي هذه الحالة تكتفي بطواف الإفاضة، فقد َاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلاَ طَوَافِ وَدَاعٍ، تَخْفِيفًا عَلَيْهَا لحديث عائشة قالت حاضت صفية بنت حيى بعد ما أفاضت قالت عائشة: فذكرتُ حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحابستنا هي؟! قالت: فقلت: يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتنفر) .

    قال ابن قدامة: والمرأة إذا حاضت قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها هذا قول عامة فقهار الأمصار. (المغني - ابن قدامة 3/489).
    أما إذا لم تطف طواف الإفاضة: وهو ركن بالإجماع كما سبق، فماذا تفعل المرأة في هذه الحالة؟ إن من أفضل من بحث هذه المسألة العلامة ابن القيم في كتابه الماتع إعلام الموقعين، وسأنقل عنه بعض ما كتبه في هذه المسألة وعلى من أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى الكتاب.

    قال رحمه الله بعد أن أورد حديث عائشة السابق: فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ وَالأَزْمَانِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ، وَلاَ بَيْنَ زَمَنِ إمْكَانِ الاحْتِبَاسِ لَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ وَبَيْنَ الزَّمَنِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ النَّصِّ، وَرَأَى مُنَافَاةَ الْحَيْضِ لِلطَّوَافِ كَمُنَافَاتِهِ
    لِلصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ؛ إذْ نَهْيُ الْحَائِضِ عَنْ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ، وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَرِيقَانِ؛ أَحَدُهُمَا: صَحَّحَ الطَّوَافَ مَعَ الْحَيْضِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْحَيْضَ مَانِعًا مِنْ صِحَّتِهِ، بَلْ جَعَلُوا الطَّهَارَةَ وَاجِبَةً تُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهَا وهو قول أبي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْهُ وَهِيَ أَنَصُّهُمَا عَنْهُ،

    وَهَؤُلاَءِ لَمْ يَجْعَلُوا ارْتِبَاطَ الطَّهَارَةِ بِالطَّوَافِ كَارْتِبَاطِهَا بِالصَّلاَةِ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ، بَلْ جَعَلُوهَا وَاجِبَةً مِنْ وَاجِبَاتِهِ، وَارْتِبَاطَهَا بِهِ كَارْتِبَاطِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ بِهِ يَصِحُّ فِعْلُهُ مَعَ الْإِخْلاَلِ بِهَا وَيَجْبُرُهَا الدَّمُ، وَالْفَرِيقُ الثَّانِي جَعَلُوا وُجُوبَ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ وَاشْتِرَاطَهَا بِمَنْزِلَةِ وُجُوبِ السُّتْرَةِ وَاشْتِرَاطِهَا ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلاَةِ وَوَاجِبَاتِهَا الَّتِي تَجِبُ وَتُشْتَرَطُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ مَعَ الْعَجْزِ، قَالُوا: وَلَيْسَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ أَوْ وُجُوبُهَا لَهُ أَعْظَمَ مِنْ اشْتِرَاطِهَا لِلصَّلاَةِ، فَإِذَا سَقَطَتْ بِالْعَجْزِ عَنْهَا فَسُقُوطُهَا فِي الطَّوَافِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، قَالُوا: وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ تَحْتَبِسُ أُمَرَاءُ الْحَجِّ لِلْحُيَّضِ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطُفْنَ.

    من المقرر شرعا أن الْعَاجِزِ عَنْ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ فَإِنَّهُ لاَ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْعِبَادَةِ مَعَهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ فَهَذِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا إلاَّ الطَّوَافُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وَهَذِهِ لاَ تَسْتَطِيعُ إلاَّ هَذَا، وَقَدْ اتَّقَتْ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَتْ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهَا غَيْرُ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَوَارِقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالصَّلاَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَوَامِعِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلاَمُ وَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلاَ تَحْلِيلٌ وَلاَ رُكُوعٌ وَلاَ سُجُودٌ وَلاَ قِرَاءَةٌ وَلاَ تَشَهُّدٌ، وَلاَ تَجِبُ لَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالصَّلاَةُ فِي عُمُومِ كَوْنِهِ طَاعَةً وَقُرْبَةً، وَخُصُوصِ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْبَيْتِ، وَهَذَا لاَ يُعْطِيه شُرُوطَ الصَّلاَةِ كَمَا لاَ يُعْطِيه وَاجِبَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا.

    وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلاَمُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فِي فَصْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: فِي اقْتِضَاءِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ لَهَا لاَ لِمُنَافَاتِهَا ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَالثَّانِي: فِي أَنَّ كَلاَمَ الأَئِمَّةِ وَفَتَاوِيهِمْ فِي الِاشْتِرَاطِ وَالْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ وَالسَّعَةِ لاَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ؛ فَالْإِفْتَاءُ بِهَا لاَ يُنَافِي نَصَّ الشَّارِعِ، وَلاَ قَوْلَ الأَئِمَّةِ، وَغَايَةُ الْمُفْتِي بِهَا أَنَّهُ يُقَيِّدُ مُطْلَقَ كَلاَمِ الشَّارِعِ بِقَوَاعِد شَرِيعَتِهِ وَأُصُولِهَا، وَمُطْلَقِ كَلاَمِ الأَئِمَّةِ بِقَوَاعِدِهِمْ وَأُصُولِهِمْ، فَالْمُفْتِي بِهَا مُوَافِقٌ لأُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، وَلِقَوَاعِدِ الأَئِمَّةِ (انتهى من إعلام الموقعين بتصرف 3/187).

    مسألة إنزال الحيض أو رفعه بالدواء

    هذه المسألة من المسألة من المسائل التي يكثر الحديث عنها خاصة عند إقبال شهر رمضان، وكذا عند وقت الحج، وهي من المسائل التي بحثها العلماء قديمًا. أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن امرأة تحيض يجعل لها دواء فترتفع حيضتها وهي في قرئها كما هي تطوف؟ قال: نعم إذا رأت الطهر، فإذا هي رأت خفوقًا ولم تر الطهر الأبيض فلا. وقال معمر: وسمعت ابن أبي نجيح يسأل عن ذلك فلم ير به بأسًا. (المصنف: 1220).

    وروى عن أحمد أنه قال: لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض أن كان دواء معروفًا. (المغني لابن قدامة: 1/368).
    وعلى ذلك فإذا احتاجت المرأة دواء خاصة في الحج، إذا كانت تظن أن يأتيها الحيض قبل الطواف فلا حرج عليها أن تأخذ هذا الدواء لمنع الحيض حتى تقضي مناسكها، وقد أفتى بذلك غير واحد من أهل العلم من المعاصرين. (انظر: فتاوى الأزهر 1/ 891، وفتاوى اللجنة الدائمة 5/004).


    مَا يَحِل بِانْقِطَاعِ الدَّمِ:
    - إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لَمْ يَحِل مِمَّا حَرُمَ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلاَقِ، وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِل وَإِنَّمَا أُبِيحَ الصَّوْمُ وَالطَّلاَقُ بِالاِنْقِطَاعِ دُونَ الْغُسْل، أَمَّا الصَّوْمُ فَلأَِنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لاَ بِالْحَدَثِ بِدَلِيل صِحَّتِهِ مِنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ زَال، وَأَمَّا بِالطَّلاَقِ فَلِزَوَال الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ تَطْوِيل الْعِدَّةِ. (الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ أ.د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ 3/518).


    الفرق بين الحيض والنفاس:
    يفترق الحيض عن النفاس في أمور

    1- الاعتداد بالحيض عند الحنفية والحنابلة؛ لأن انقضاء العدة بالقروء والنفاس ليس بقرء.

    2- النفاس لا يوجب البلوغ، لحصوله قبله بالحمل؛ لأن الولد ينعقد من الرجل والمرأة، لقوله تعالى:خلق من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب (الطارق:6-7).

    3 - لا تحتسب مدة النفاس على المولي في مدة الإيلاء، والإيلاء: هو أن يحلف الزوج بالله تعالى أو بصفة من صفاته: ألا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر، أو يعلق على قربانها أمراً فيه مشقة على نفسه، كالصيام أو الحج أو الإطعام.
    في قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر (البقرة:226)؛ لأنه ليس بمعتاد، بخلاف الحيض. (الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي 3/519).

    4- الْحَيْضُ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً، بِخِلاَفِ النِّفَاسِ.

    5- الْحَيْضُ لاَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، بِخِلاَفِ النِّفَاسِ.

    6- يَحْصُل بِالْحَيْضِ الْفَصْل بَيْنَ طَلاَقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ بِخِلاَفِ النِّفَاسِ. (الموسوعة الفقهية الكويتية18/328).
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مجلة التوحيد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •