موضوع علم القواعد الفقهية


د. إسماعيل عبد عباس
موضوع علم القواعد الفقهية
إن التمايز بين العلوم لا يكون إلا بالتعرف على موضوعاتها؛ لذا فانه يجب أن يكون لكل علم موضوع ودائرة يتحرك فيها ذلك العلم، وموضوع[1] كل علم: هو الشيء الذي يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية؛ فموضوع علم الفقه: هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من الأحكام الشرعية، فالفقيه يبحث في بيع المكلف وإجارته ورهنه وتوكيله، وصلاته وصومه وحجِّه، وغيرها لمعرفة الحكم الشرعي في كل فعل من هذه الأفعال، وموضوع علم أصول الفقه: هو الدليل الشرعي الكلي من حيث ما يثبت به من الأحكام الكلية، فالأصولي يبحث في القياس وحجيته، والعام وما يقيده، والأمر وما يدل عليه وهكذا.
فموضوع علم هذه القواعد: هو ما تشابَهَ من المسائلِ والأحكامِ الفقهيَّة، وما يربطُ كلَّ مجموعة متشابهة منها، أما "أصول الفقه"، فينبني عليه استنباطُ الفروعِ الفقهية من أدلتها.
فموضوع القواعد الفقهية: معرفة أقسامها من حيثيات منها:
أولًا: من حيث الاصالة والتبعية، فهي تنقسم إلى قسمين:
1) قواعد أصلية: وهي التي لا تكون خادمةً لغيرها، بل تُعد أصلًا مستقلًّا كالقواعد الخمس الكبرى.
2) قواعد تبعية: وهي التي تكون متفرعة من قاعدة أكبر منها، أو تكون قيدًا أو شرطًا في قاعدة أخرى، وهذه التبعية على وجهين:
الوجه الأول: أن تكون القاعدة مندرجة تحت قاعدة أكبر منها، مثل قاعدة: (اليقين لا يزول بالشك) يندرج تحتها: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، و(الأصل براءة الذمة)، و(الأصل في الأمور العدم)، و(الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته)، و(الأصل في الكلام الحقيقة)، و(الأصل في الأشياء الإباحة)، و(الأصل في الأبضاع التحريم).
الوجه الثاني: أن تكون القاعدة قيدًا أو شرطًا في قاعدة أخرى كقاعدة (الضرر لا يزال بالضرر)، هي قيد وشرط في آن واحد لقاعدة: (الضرر يزال).
وكذلك قاعدة (إنما تعتبر العادة إذا اطَّردت أو غلبت)، فهي تعبر عن شرط من شروط اعتبار العرف الوارد في قاعدة (العادة محكمة).
ثانيًا: من حيث الشمول وعدمه، فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1) قواعد تشمل فروعًا من أبواب كثيرة وقل ما يخلو منها باب، وهي القواعد الخمس الكبرى.
2) قواعد تشمل فروعًا من أبواب متعددة إلا أنها أقل شمولًا من سابقتها، وذلك مثل قاعدة (إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام)، وقاعدة (إعمال الكلام أولى من إهماله).
3) قواعد تشمل فروعًا قليلة مقارنةً بغيرها، مثل قاعدة (المشغول لا يشغل)، و(المكبر لا يكبر).
ثالثًا: من حيث الاتفاق عليها والاختلاف فيها، فهي تنقسم إلى قسمين:
1) قواعد متفق عليها، وهي:
أ- قواعد متفق عليها بين جميع المذاهب: القواعد الخمس الكبرى، والخلاف بينهم في مدى اندراج الفرع تحت القاعدة وإلا فأصل القاعدة محل اتفاق.
ب- قواعد متفق عليها داخل المذهب الواحد بغض النظر عن باقي المذاهب: مثل قاعدة (جواز البيع يتبع الضمان)، فكل ما كان مضمونًا بالإتلاف جاز بيعه، وما لم يكن مضمونًا بالإتلاف لم يجز بيعه، هذه قاعدة متفق عليها عند الحنفية بغض النظر عن غيرهم.
2) قواعد مختلف فيها، وهي:
أ- قواعد مختلف فيها بين أكثر من مذهب، مثل قاعدة (حقوق العباد على الفور) عند المالكية والشافعية خلافًا للحنفية.
ب- قواعد مختلف فيها داخل المذهب الواحد، مثل قاعدة (النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه؟)، فهذه قاعدة خلافية داخل مذهب الشافعية والحنابلة، وقاعدة (الواجب بالنذر، هل يلحق بالواجب بالشرع أو بالمندوب؟) قاعدة خلافية عند الشافعية والحنابلة.
والأصل في ذلك أن أي قاعدة تأتي بصيغة استفهامية، فهي قاعدة خلافية سواء كانت خلافية بين المذاهب، أو داخل المذهب الواحد.
[1] الموضوع: هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية؛ أي: الأمر الذي يبحث فيه العلم عما يتعلق به من أمور تعرض له؛ أي: تتعلق به تعلقًا ذاتيًّا، ويقصد بالعوارض ما يعرض للذات؛ أي: يتعلق بها ويُحمل عليها، سواء تعلق بها كلها أو بجزء منها، ويقصد بالذاتية: أي إخراج ما يلحق بالذات لأمر خارج عنها.