العنوسة أسبابها وأضرارها وسبل العلاج منها


من المشكلات التي وجدت في عالمنا الإسلامي عامة ومجتمعنا خاصة، مشكلة العنوسة، وهؤلاء العوانس أخوات لنا في الدين، تجمعنا بهن رابطة الإسلام وكلمة التوحيد، ولهن حق علينا في أن ننظر في مشكلاتهن بعين الاعتبار، ونبحث عن طرق العلاج لها.....
يقول أحد الإخوة الذين شاركوا في عملية التعداد،: ذهبنا إلى بيوت كثيرة، فوجدنا فيها غرائب وعجائب، امرأة في الثلاثين وأخرى في الأربعين وثالثة في الستين وكلهن من غير زوج، وآخر يقول: ذهبنا إلى بيت فوجدت فيه خمس عوانس أعمارهن من الثلاثين إلى الخامسة والثلاثين والأربعين، إلى غير ذلك من الأخبار المدهشة عن حال مجتمعات الأمة اليوم؟ فلماذا تصل هذه الظاهرة في هذا المجتمع إلى هذا الحد؟ وهل هناك خير يرجى إذا تفشت هذه الظاهرة أكثر مما هي عليه؟ أليس وراء ذلك إلا الفتنة وفساد عريض كما أخبر النبي بذلك -نسأل الله السلامة والعافية-!
والعنوسة هي بقاء المرأة في بيت أهلها بلا زوج ولهذه الظاهرة أسباب وأسباب فمنها:
1/ التعذر بالتعليم: فمن أسباب العنوسة التعذر بالتعليم فبعض الطالبات هداهن الله يعطين جانب التعليم اهتماما أكبر من الزواج، فيواصلن تعلمهن بدءا من الابتدائية ومرورا بالجامعة وانتهاء بالدكتوراه حتى يصلن في الغالب إلى سن الثانية والثلاثين وفي هذا السن يعزف الخطاب عن خطبتهن، وشواهد هذا كثيرة ومن نظر نظرة سريعة في المستشفيات والمدارس والجامعات علم صدق ما قلناه بوضوح.
2/ ومن أسبابها أيضا / تلك العادات الشنيعة، التي تخرب بيت الأب وبيت الخاطب معا، وليس فيها نفع لأحد وإنما هو التفاخر والتكاثر، كالتغالي في المهور أو أن يكون ذا منصب عالي أو يكون من قبيلة الأب ولا يرضى بذلك بديلا، فتضيع الفتاة أمام هذه الشروط الصعبة والتقاليد الجاهلية.
3/ ومن أسبابها / استيلاء بعض الآباء على رواتب بناتهم العاملات ’استيلاء بالقوة والقهر، والسلطة التي يمتلكونها، فبموجبها يستولون على رواتب بناتهم شهريا، ويمنعونهن من أغلى وأعز شيء، يمنعونهن من الحب الحلال، الحب الذي أباحته شريعة محمد، يمنعونهن من الحياة السعيدة، يمنعونهن من حنان وعاطفة الأمومة، همهم جمع الأموال على حساب غيرهم، إنها مأساة واقعة في بعض البيوت.
4/ الزواج بالترتيب / وهذا سبب من أسباب العنوسة في كثير من الأسر والبيوت، فهم لا يزوجون إلا بالترتيب وهذا الأمر قد يؤدي بهن جميعا إلى العنوسة.
هذه أهم الأسباب التي توصل الفتاة إلى مرحلة العنوسة لكن ما هي آثار هذه الظاهرة وما هي إضرارها؟
أول أضرار العنوسة / كون المرأة تعيش في مشاكل نفسية، تعيش في صراع نفسي مع نفسها، تعيش في هم وقلق بالنهار وحزن وأرق بالليل وكل ذلك خوفا على مستقبلها، لان العمر يتقدم بها في كل يوم بل في كل لحظة، فهي اليوم في الثلاثين وغدا في الأربعين ثم في الخمسين، وهذا الصراع وهو صراع النفس مع النفس من اخطر أمراض العصر، لان أصحاب هذا النوع من المرض غالبا يحبسن همومهن وغمومهن في بواطنهن لا يعلن للناس ما يدور في أذهانهن وقلوبهن، بل يكتمن ويكتمن حتى يصبن بعقد نفسية نسأل الله السلامة والعافية منها.
ومن أضرارها / انحراف بعض النساء العوانس ووقوعهن في حبائل الشيطان ومكره فتنحرف المرأة لان الغريزة موجودة فيها، ولابد أن تصرف تلك الغريزة في حلال
فمن الذي يتحمل سبب انحراف المرأة إذا انحرفت؟ هل هو أبوها؟ أم أمها؟ أم المجتمع؟ إن الذي يتحمل ذلك في الغالب هو أبوها الذي كان يعارض زواجها من غير سبب، ولكم أن تتصوروا الضرر الذي أصاب المرأة من العنوسة قبل انحرافها وبعد انحرافها من الجريمة واجمعوا بين الضررين، ضرر العنوسة، وضرر الجريمة، تجدون النتيجة أضرارا فوق أضرار ولا يعني هذا أن الانحراف يشمل جميع العوانس كلا فان الكثير منهن صابرات قانتات عابدات نسأل الله أن يعنهن وأن يلهمهن الصبر والثبات.
يقول شيخ كبير تجاوز السبعين، وعمله تأجير البيوت / دخلنا بيوتا فيها نساء أبكار في الستين والسبعين يشتمن المجتمع والأقارب ويلعن من كان السبب في بقائهن عوانس إلى هذا السن، فهن لا يجدن من يخدمهن، لا يجدن من يقدم لهن الطعام والشراب، لا يجدن من يقدم لهن الدواء، لا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر، الآباء غير موجودين، وإن وجدوا فهم كبار، وكذلك الأمهات، والإخوة مشغولون بأنفسهم، كل واحد بزوجته وأبنائه، والأخوات مشغولات بأزواجهن وبناتهن. هذه بعض الأضرار التي تقع فيها العوانس أو التي تصيبهن نتيجة عنوستهن، نسأل الله إن يجنب بناتنا وبنات المسلمين هذه الأضرار، فما الحل لهذه الظاهرة الغريبة؟
إن الحلول بأيدينا وحدنا فقط لأننا نحن أوجدنا هذه المشكلة، وتلك الظاهرة، فهي لم تأت صدفة، ولم تأت بين عشية وضحاها، بل نحن أوجدناها في بيوتنا ومجتمعاتنا فلابد أن نشترك جميعا للقضاء عليها، لابد أن يشترك الآباء والأمهات والدعاة والقضاة والمدرسون ووسائل الإعلام جميعا للقضاء على هذه الظاهرة كل بحسب استطاعته وقدرته.
لابد أن نربط العلاج بالأسباب التي ذكرنها فلكل سبب علاج:
فأما الأول وهو التعذر بالتعليم: فنقول لاشك أن الإسلام حث على تعليم المرأة وتعلمها، وقد كانت الصحابيات يأتين البني فيستفدن من علمه، لكن الإسلام يريد من المرأة أن تتعلم الأمور الأساسية من دينها كالعقيدة وأمور الصلاة والحج والصوم.. وما تحتاجه المرأة في بيت زوجها وتربية أبنائها. وأيضا لا يمنع الإسلام المرأة أن تتعلم لتخدم بنات جنسها في الطب مثلا أو في التدريس لكن بشرط أن لا يكون هناك تعارض مع دينها أو زواجها، ذلك إن الزواج أهم من التعليم، والحقيقة إن التعليم لا يتعارض مع الزواج لأن المرأة العاقلة تستطيع أن تجمع بين الدراسة، والزواج فإذا جاءها الزوج الصالح أثناء دراستها اشترطت عليه في العقد مواصلة الدراسة، فإن لم يرضَ الزوج بذلك فعلى المرأة أن تترك التعليم وتتزوج خاصة إن كان الزوج صالحا.
أما السبب الثاني فهي تلك العادات الشنيعة ومن تلك العادات كون الخاطب من قبيلة المخطوب منه، أليس لنا في رسول الله أسوة، وقدوة، ها هو ذا يزوج زيد بن حارثة، وقد كان من سبي الجاهلية زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش! من هو زيد؟ ومن هي زينب؟ زيد مولى! وزينب ابنة عمة الرسول قرشية، وجمع الرسول بينهما على التقوى، إذن الميزان هو التقوى كما قال الله - تعالى - : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير يقول بن كثير / إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بأحساب.
وأما بالنسبة لغلاء المهور فهي عادت سيئة موجودة في بعض المدن والقرى ونبينا يقول: (إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها) وسئلت عائشة: كم كان صداق النبي؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية "يعني خمسمائة درهم ". هذا هو النبي القدوة الداعية صلوات ربي وسلامه عليه فاقتدوا به تفلحوا في دينكم ودنياكم.
أما بالنسبة لطمع الآباء برواتب بناتهم العاملات فهذا يمكن علاجه عن طريق المرأة العاقلة التي تستطيع تجاوز هذه العقبة بإقناع والدها بأن المال والراتب ليس كل شيء فهي وما تملك فداء له أو تتفق مع والدها بأنها تقاسمه نصف الراتب أ وثلثه شهريا مقابل زواجها من شاب مستقيم، وبذلك تكون قد أرضينا الطرفين.
أما بالنسبة للزواج بالترتيب / فيمكن علاجها بغرس مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر في نفوس الأبناء والبنات وغرس قضية الرضا بنصيبها في الزواج حتى تعيش في راحة نفسية. فعندما يغرس في بناتنا هذا الركن الهام، لا تتأثر البنت الكبرى لزواج أختها، بل تفرح لها وتعلم إن هذا هو نصيبها وقسمتها وقضاء الله - تعالى -ولا اعتراض على قضائه - عز وجل -: قل لن يصبنا إلا ما كتب الله لنا . وكل شيء عنده بمقدار.
أيها الآباء أبناؤنا وبناتنا في أعناقكم فأنتم مسئولون ومحاسبون عنهم يوم القيامة: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون هل علمتم عن البنت التي لعنت أباها وهو يحتضر، هو يموت وهي تلعنه لعنها لإبليس لأنه منعها حقها الشرعي في الزواج والاستقرار والإنجاب وإحصان الفرج بحجج واهية: هذا طويل.. وهذا قصير... وهذا أسمر وذاك أبيض.. وهذا ليس من مستوانا وغير ذلك من اعتراضات حتى كبرت البنت وتعداها الزواج، فلما حضرت أباها الوفاة طلب منها أن تحله، فقالت: لا أحلك، ولكني ألعنك لما سببته لي من حسرة وندامة، وحرمتني حقي في الحياة؟ ماذا أعمل بشهادات أعلقها على جدران منزل لا يجري بين جدرانه طفل؟ ماذا أفعل بشهادة ومنصب أنام معها على السرير؟ لم أرضع طفلا؟ لم أضمه إلى صدري؟ لم أشك همي إلى رجل أحبه وأوده، ويحبني ويودني، حبه ليس كحبك؟ ومودته ليست كمودتك؟ فاذهب لعينا واللقاء يوم القيامة بين عدل لا يظلم، حكم لا يهضم حق أحد، ولكن عليك غضبي، لن أترحم عليك، ولن أرض عنك حتى موعد اللقاء بين يدي الحاكم العليم.
هذه صرخة فتاة مسكينة نقولها نيابة عنها، وإن كنا لا نقرها على لعنها لوالدها، وغير ها كثير حبيسات في البيوت والآباء يهنئون بعيشهم لا يحسون بآلامهن، ولا يحسون بحسرتهن ولهفتهن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)
منقول