ممَّا قاله شيخ البلاغيين الدكتور محمد أبو موسى في درس اليوم (الثلاثاء 4/ 2/ 2020م)
• ذكرت في الدرس الذي مضى، وذكرت في الدرس الذي قبله، وسأذكر الآن: أن باب الفصل والوصل من أبواب البلاغة التي لها خصوصية شديدة؛ هي أنه نظرٌ في المعاني: كيف تتفق؟، وكيف تختلف؟، وإلى أي مدى تتفق؟، وإلى أي مدي تختلف؟
• باب «الفصل والوصل» ليس إلا تدبُّرًا للمعاني، وليس إلا إدراكًا لما بينها من علاقات، وأن هذه العلاقات على درجات: منها ما يقترب جدًّا حتى تكون الجملة مؤكِّدةً للجملة التي قبلها أو مُبيِّنةً لها، ومنها ما يبتعد قليلاً وتظلُّ الصلة بينهما، ومنها ما يبتعد كثيرًا ولا يجوز الوصل بينهما.
• مسائل الفصل والوصل سهلة، وحصَّلْنَاها ونحن طلابٌ في الثانوي، ولكن فقه الفصل والوصل لم ندركه إلا بعدما شابت نواصينا، وفقه الفصل والوصل هو الذي أقوله الآن: لا بد أن تُدرِّب عقلك ووعيك وفَهْمك للبيان على إدراك العلاقات التي بين المعاني؛ لأن هذه العلاقات قد تخفى وهي قائمة، وقد تكون قوية جدًّا ولكنها خفية جدًّا.
• عليك أن تعلم علمًا لا شك فيه أن البلاغة ما وُجِدتْ إلا لكشف الأستار اللغوية عن الأسرار التي في هذه الأبنية اللغوية؛ فإذا حفظت البلاغة طردًا وعكسًا: من اليمين للشمال ومن الشمال لليمين، ولم تستطع أن تكشف بها الأستار عن الأسرار؛ فاعلم أنه ليس معك من البلاغة شيء.
• العالِم الجليل له لِسَانان: لسانٌ يتحدَّث بما يسمعه الناس كُلُّ الناس، ولسانٌ يتحدَّث حديث السِّر الذي لا يسمعه إلا من عايش كلامه، وعرف ظاهر كلامه وباطن كلامه، والعلم إنما في حديث السِّر، وكُلُّ شيء جليل في حديث السِّر.. وهذا هو الطريق إن أردتم الخلاص من التخلُّف الذي أصبحنا نعيش فيه، وأَلِفْنَاه وأَلِفَنَا، والذي هو أشدُّ على النفس من الجحيم.
• عندنا فريقٌ من علمائنا الكرام يقولون إن موضوعات السور؛ المحاور الأساسية التي دارت عليها السور، هي أسماء السور.. ابحث في سورة (آل عمران) وستجد كُلَّ خيوط السورة تنتهي عند آل عمران، وكذلك عناوين الكتب.
• من مُعْضِلات الأسرار وأغمضِها معرفةُ روابط المعاني، ومن مُعْضِلات تفسير القرآن – وكذلك تحليلُ الشِّعْر وتحليلُ البيان - معرفةُ الروابط التي بين الجمل، والتي بين الآيات، والتي بين فصول السورة: إذا تبيَّنْتَها فقد تبيَّنتَ شيئًا من أسرار كلام الله، وإذا لم تتبيَّن فعِشْ واحمد الله على «الخَيْبة».
• راقتني كلمةٌ قالها والد «محمد إقبال»، الشاعر الإسلامي العظيم؛ فوالده هو الذي علَّمه القرآن؛ قال لابنه: «إذا أردتَ أن تفقه القرآن فاقرأه وكأنه عليك أُنْزِل».. انظر إلى هذا الوالد الذي صنع «محمد إقبال»، «محمد إقبال» لم يصنعه منافقٌ، لم يصنعه طبَّالٌ، لم يصنعه زمَّارٌ، «عُمْر الطبَّالة والزمَّارة ما يطلعوا رجال، ولا يطلعوا شعوب»، إنما الصِّدق والبصيرة والفَهْم هي التي تصنع الرجال والشعوب والتقدم، وتقيم الحياة على الوجه الصحيح.
• زَاوِل العلمَ لكي تعرف مشكلاته.
• أحبُّ الثقافة العامة والقراءة العامة، والفَهْمُ العامُّ هو الذي يُكوِّن الناس ويُكوِّن الشعوب.. يدهشك أن تعلم أنني الآن أقرأ لكم «دلائل الإعجاز»، وأعيش نصف النهار مع السيوطي، ونصف النهار الآخر مع كاتب رائع لا تعرفون عنه شيئًا؛ اسمه «فتحي رضوان» - رحمه الله – له كتاب جليل جدًّا اسمه «أفكار الكبار»، وناهيك عن باحث جليل يكتب عن أفكار الكبار.
• إن أردت أن تكون من أهل العلم فتعلَّم العلم، وهذا لا شك هو الأساس، ثم تعلَّم الخطوات التي أوصلت أهل العلم إلى العلم، وإلا فأنت تعيش في عبث.
• تأمُّلُ تنامِي المعاني هو بابُ رياضة العقل الإنساني في التفكير في البيان، وإذا لم تفهم هذا فأنت تضيع وقتك.
• قارِنْ عنواني كتابَي عبد القاهر (أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز)؛ قارن بين البحث عن الأسرار والبحث عن الدلائل تجد أن دلائل الإعجاز القرآني هي أسرار البيان.
• إذا جاءت لك هواجس المعرفة، وهواجس تقدُّم الإنسان، وهواجس صناعة الإنسان، فلن تستطيع النوم، ستكون سِنُّك خمسًا وثمانين سنةً مِثْلي، وتظل تنادي في قومك وتُعلِّمهم، وتحمِّل همَّهم، أما كونك زاهدًا في هذا ونائمًا نومًا عميقًا فأنت في نعمة لا حدود لها، «صحيح في غاية التخلُّف لكن زي بعضه بقى».
• مهمتك الأساسية – بعيدًا عن تخصُّصك - بوصفك رجلاً يقرأ البيان ويريد أن يفهمه، هي أن يكون عندك المقدرة على تحليل المعاني، ومعرفة الروابط التي بين المعاني؛ فإن كنت تعرف النقد كلَّه والبلاغة كلَّها والنحو كلَّه، ولكنك لم تعرف تحليل المعاني، وبيان الروابط والعلاقات والشُّعَيْرات الدقيقة التي بين المعنى والمعنى فأنت لست مع النقد كلِّه ولا مع البلاغة كلِّها ولا مع النحو كلِّه، ولا مع شيء مطلقًا.
• المعرفة بنت العقل وليست بنت المناهج؛ لأن المناهج إنما صنعتْها العقولُ، والمعرفة صنعتْها العقولُ؛ فكأن الأمر ينتهي عند هذه العقول، وكأنها هي جذر الدِّين وجذر الدنيا.
• قال الشيخ تعقيبًا على افتتاح قارئ درسه بقوله: «قال الشيخ عبد القاهر رحمه الله، ونفعنا بعلمه وعلم شيخنا في الدارين»: «احذف كلمة (علم شيخنا) دي، دا كلام فاضي، طول عمرنا بننصب على بعض، وخطوتنا دائمًا إلى الوراء، ما دمنا عايشين ننصب على بعض فلن نتحرك إلا إلى الوراء، وإذا كان شيخك يطرب لكلمة (شيخنا) فلا تأخذ عنه العلم؛ لأن العلم يؤخذ عن الذي ينسى نفسه، ويجعل همَّه وكدَّه ووَكْدَه هو العلم لا غير. يا بني احذف هذه الكلمة من قاموسك. تخيلوا لو أن عبد القاهر خرج من قبره الآن وجاء إلى هنا وسمع واحدًا يقول: «الشيخ عبد القاهر وشيخنا» لعاد إلى قبره مرة أخرى، سيعرف أننا عصابة. هذه هي حياتنا: تمدحني وأمدحك، تؤيدني وأؤيدك، وهذه حياة المتخلفين».
• شرح الشيخ الفقرات 257: 262، ص 228: 230 من كتاب دلائل الإعجاز (نسخة الشيخ محمود شاكر – رحمه الله).