تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: قل هو الله أحد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي قل هو الله أحد

    (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَم يَلِد وَلَم يُولَد وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ)

    قال الشيخ ابن باز رحمه الله
    دلت هذه السورة على أصول عظيمة: يستفاد منها: إثبات جميع صفات الكمال لله ونفي جميع صفات النقائص والعيوب.
    كما دلت على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الذات والصفات على سبيل المطابقة، وعلى توحيد الربوبية وذلك على طريق التضمن، وتوحيد العبادة بالالتزام.
    إذ أن دلالة الشيء على كل معناه يُسمَّى: مطابقة، ودلالته على بعضه يُسمَّى: تَضَمُّنًا، وعلى ما يلزم من جهة الخارج يسمى التزاماً" ا هـ.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قل هو الله أحد

    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي فى التنبيهات اللطيفة
    فإن قوله: (اللَّهُ أَحَدٌ) أي الله متفرِّد بالعظَمةِ والكمال، ومتوحِّد بالجلال والجمال والمجد والكبرياء، يحقق ذلك، قوله: (اللَّهُ الصَّمَدُ) أي الله السيد العظيم الذي قد انتهى في سؤدده ومجده وكماله، فهو العظيم الكامل في عظمته، العليم الكامل في علمه، الحكيم الكامل في حكمه، فهو الكامل في جميع نعوته وأسمائه وصفاته، ومن معاني الصمد أنه الذي تصمد إليه الخلائق كلها وتقصده في جميع حاجاتها ومهماتها، فهو المقصود، وهو الكامل المعبود.
    فإثبات الوحدانية لله ومعاني الصمدية كلها يتضمن إثبات تفاصيل جميع الأسماء الحُسنى والصِّفات العُلى، فهذا أحد نوعي التوحيد وهو الإثبات وهو أعظم النوعين،
    والنوع الثاني: التنزيه لله عن الولادة والنِّد والكفو والمثل وهذا داخل في قوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له مكافئ ولا مماثل ولا نظير، فمتى اجتمع للعبد هذه المقامات المذكورة في هذه السورة بأن نزّه الله وقدسه عن كل نقص وندّ وكُفؤ ومثيل، وشهد بقلبه انفراد الرّب بالوحدانية والعظمة والكبرياء وجميع صفات الكمال التي ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين وهما الأحد الصمد، ثم صمد إلى ربّه وقصده في عبوديته وحاجته الباطنة والظاهرة، متى كان كذلك تم له التوحيد العلمي الاعتقادي، والتوحيد العملي، فحُقّ لسورة تشتمل على هذه المعارف أن تعدِل ثُلُث القرآن.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قل هو الله أحد

    قال الشيخ محمد خليل هراس فى شرح العقيدة الواسطية
    اشتملتْ هذهِ السُّورةُ على علومِ التَّوحيدِ كلِّهَا، وتَضَمَّنَتِ الأصُولَ التَّي هيَ مجامعُ التَّوحيدِ العلمِيِّ الاعتقادِيِّ؟
    فنقولُ:
    إنَّ قولَهُ تعالى: {اللهُ أَحَدٌ}دلَّتْ على نفيِ الشَّرِيكِ مِن كلِّ وجهٍ: في الذَّاتِ، وفي الصِّفاتِ، وفي الأفعالِ؛ كمَا دلَّتْ على تفرُّدهِ سبحانَهُ بالعظمةِ والكمَالِ والمجدِ والجلالِ والكبرياءِ، ولهذا لا يُطْلَقُ لفظُ { أَحَدٌ } في الإِثباتِ إلاَّ على اللهِ عزَّ وجلَّ، وهوَ أبلغُ مِن واحدٍ.

    وقولُهُ: { اللهُ الصَّمَدُ } قدْ فسَّرَهَا ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بقولِهِ: ((السَّيِّدُ الذي قدْ كَمُلَ في عظمتِهِ وسُؤْدُدِهِ، والشَّرِيفُ الذي قدْ كَمُلَ في شرفِهِ, والعظيمُ الذي قدْ كَمُلَ في عظمتِهِ، والحليمُ الذي قدْ كمُلَ في حِلمِهِ، والغَنِيُّ الذي قدْ كَمُلَ في غِنَاهُ، والجبَّارُ الذي قدْ كَمُلَ في جَبَرُوتِهِ، والعليمُ الذي قدْ كمُلَ في علمِهِ، والحكيمُ الذي قدْ كَمُلَ في حكمتِهِ، وهوَ الذي قدْ كَمُلَ في أنْواعِ الشَّرَفِ والسُّؤدُدِ، وهوَ اللهُ عزَّ وجلَّ، هذهِ صفتُهُ، لا تنبغي إلاَّ لهُ، ليسَ لهُ كُفءٌ، وليسَ كمثلِهِ شيءٌ)).
    وقَدْ فُسِّرَ الصَّمَدُ أيضًا بأنَّهُ الذي لا جوفَ لهُ، وبأنَّهُ الذي تَصْمُدُ إليهِ الخليقةُ كلُّهَا وتقصدُهُ في جميعِ حاجاتِهَا ومهمَّاتِهَا.

    فإثباتُ الأحَديَّةِ للهِ تَتَضَمَّنُ نَفيَ المُشاركَةِ والمُمَاثلةِ وإثبات الصَّمديَّةِ بكلِّ معانِيهَا المتقدِّمَةِ تَتَضَمَّنُ إثباتَ جميعِ تفاصيلِ الأسماءِ الحُسنى والصفاتِ العُلى, وهذا هوَ توحيدُ الإِثباتِ.

    وأَمَّا النَّوعُ الثَّاني
    وهوَ توحيدُ التَّنْزيهِ -: فيُؤخذُ مِن قولِهِ تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ },
    كمَا يُؤخذُ إجمالاً مِن قولِهِ:
    ] اللهُ أَحَدٌ [؛
    أي: لمْ يتفرَّعْ عنهُ شيءٌ، ولمْ يتفرَّعْ هوَ عن شيءٍ، وليسَ لهُ مُكَافِئٌ ولا مُمَاثِلٌ ولا نَظيرٌ.

    فانْظرْ كيفَ تَضَمَّنَتْ هذهِ السُّورةُ توحيدَ الاعتقادِ والمعرفةِ، وما يجبُ إثباتُهُ للرَّبِّ تعالى من الأحَدِيَّةِ المُنَافيَةِ لمطلقِ المُشاركَةِ، والصمَدِيَّةِ المُثْبِتَةِ لهُ جميعَ صفاتِ الكمَالِ الذي لا يلحقُهُ نقصٌ بوجهٍ مِن الوُجوهِ، ونَفيَ الولدِ والوالدِ الذي هوَ مِن لوازمِ غِنَاهُ وصمَدِيَّتِهِ وأحديَّتِهِ، ثمَّ نفيَ الكُفءِ المتضمِّنُ لنَفيِ التَّشبِيهِ والتَّمثيلِ والنَّظيرِ؟
    فحُقَّ لسورةٍ تضمَّنتْ هذهِ المعارفَ كلَّهَا أنْ تَعدِلَ ثُلثَ القرآنِ.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قل هو الله أحد

    قال الشيخ صالح الفوزان
    (حَيْثُ يَقُولُ) اللهُ جلَّ شأنُه: (قُلْ) أي: يا محمّدُ، وفي هذا دليلٌ عَلى أنَّ القرآنَ كَلامُ اللهِ، إذ لو كان كَلامَ محمدٍ أو غيِره؛ لم يقلْ (قُلْ)، (اللهُ أَحَدٌ) أي: واحِدٌ لا نظيرَ له ولا وزيرَ ولا مثيلَ ولا شريكَ له. (اللهُ الصَّمَدُ) أي: السَّيِّدُ الذي كَمُلَ في سُؤْدَدِه وشَرَفِه وعَظمتِه، وفيه جميعُ صفاتِ الكمالِ، والذي تَصْمُدُ إليه الخلائقُ وتقصِدُه في جميعِ حَاجَاتِها ومُهِمَّاتِهَا.
    (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) أي ليس له ولدٌ ولا والدٌ، وفيه الرَّدُّ عَلى النَّصارى ومشركي العَرَبِ الَّذين نسبوا للهِ الولَدَ. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له مُكافِئٌ ولا مماثلٌ ولا نَظِيرٌ.
    والشَّاهدُ مِن هذه السُّورةِ: أنَّها تضمَّنت وجمعَت بين النَّفيِ والإثباتِ، فقولُه: (اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) إثباتٌ. وقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) نَفْيٌ.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قل هو الله أحد

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فى شرح العقيدة الواسطية
    وقولُهُ: ((سورةُ الإخلاصِ)): إخلاصُ الشيءِ، بمعنى: تنقيتُهُ، يعني: الَّتِي نُقِّيَتْ ولَمْ يَشُبْهَا شيءٌ، وسُمِّيتْ بذلِكَ، قِيلَ: لأنَّها تتضمَّنُ الإخلاصَ لِلَّهِ - عزَّ وجلَّ -، وأنَّ مَنْ آمَنَ بِها فَهُوَ مُخْلِصٌ، فتكونُ بمعنى مُخْلِصةٍ لقارئِها، أيْ أنَّ الإنسانَ إِذَا قرأَهَا مؤمنًا بِهَا فَقَدْ أخلصَ لِلَّهِ - عزَّ وجلَّ -، وقِيلَ: لأنهَّا مُخْلَصَةٌ –بفتح اللاَّمِ-؛ لأنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أخْلَصَها لنَفْسِه، فلَمْ يَذْكُرْ فِيهِا شيئًا مَنَ الأحكامِ ولاَ شيئًا مِنَ الأخبارِ عَنْ غَيْرِهِ، بلْ هِيَ أخبارٌ خاصَّةٌ باللَّهِ، والوجهانِ صحيحانِ، ولاَ منافاةَ بَيْنَهُمَا.
    وقولُهُ: ((الَّتِي تعدلُ ثُلُثَ القرآنِ)): الدَّليلُ قولُ النبيِّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - لأصحابِهِ: ((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟)). فَشقَّ ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رَسُولُ اللهِ؟ قال: ((" اللَّهُ الواحد الصَّمَدُ" ثُلُثَ القُرْآنِ)).
    فهذِهِ السُّورةُ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ فِي الجزاءِ لاَ فِي الإجزاءِ، وذلِكَ كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ: ((مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، عَشْرَ مَراتٍ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ بَنِي إِسَماعِيلَ))، فهلْ يُجْزِئُ ذلِكَ عَنْ إعتاقِ أربعِ رقابٍ مِمَّنْ وجبَ عليْهِ ذلِكَ وقَالَ هَذَا الذِّكْرَ عَشْرَ مرَّاتٍ؟ فنقولُ: لاَ يُجزئُ. أمَّا فِي الجزاءِ فتَعدِلُ هَذَا، كَمَا قَالَ النَّبيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -، فلاَ يَلْزَمُ مِنَ المعادَلة فِي الجزاءِ المعادَلةُ فِي الإجزاءِ، ولِهَذَا لو قرأَ سُورةَ الإخلاصِ فِي الصَّلاَةِ ثلاثَ مرَّاتٍ، لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ قراءةِ الفاتحةِ.
    قَالَ العُلماءُ: ووجهُ كَوْنهِا تعدلُ ثُلُثَ القرآنِ: أنَّ مباحِثَ القُرآنِ خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ، وخبرٌ عَنِ المخلوقاتِ، وأحكامٌ، فهذِهِ ثلاثةٌ:
    1 – خبرٌ عنِ اللَّهِ: قالُوا: إنَّ سُورةَ: (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ): تتضمَّنُهُ.
    2 – خبرٌ عَنِ المخلوقاتِ، كالإخبارِ عن الأممِ السَّابِقَةِ، والإخبارِ عَنِ الحوادثِ الحاضرةِ، وعنِ الحوادثِ المستقبَلَةِ.
    3 – والثَّالثُ: أحكامٌ، مِثلُ: أَقِيموا، آتُوا، لاَ تُشرِكوا … ومَا أشْبَهَ ذلِكَ.
    وَهَذَا هُوَ أحسنُ مَا قِيلَ: فِي كَوْنِها تعدلُ ثلثَ القرآنِ.
    قولُهُ: ((حَيْثُ يقولُ: (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) )):
    (قُلْ): الخطابُ لكُلِّ مَنْ يَصحُّ خطابُهُ.
    وسببُ نزولِ هذِهِ السُّورةِ: أنَّ المشركينَ قالُوا للرَّسولِ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -: صِفْ لَنا ربَّكَ؟ فأنزلَ اللَّهُ هذِهِ السُّورةَ. وقِيلَ: بلْ اليهودُ هُمُ الذينَ زَعَمُوا أنَّ اللَّه خُلِقَ مَنْ كذا ومِنْ كذا ممَا يقولونَ مِنَ الموادِّ، فأنزلَ اللَّهُ هذِهِ السُّورةَ، وسواءٌ صحَّ السَّببُ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، فعلَيْنا إِذَا سُئِلْنا أيَّ سُؤالٍ عَنِ اللَّهِ أنْ نقولَ: (اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ).
    قولُهُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ): (هُوَ): ضميرٌ، وأيْنَ مَرجِعُهُ؟ قِيلَ: إنَّ مَرجِعَهُ المسئولُ عَنْهُ، كأنَّهُ يقولُ: الَّذِي سَألتُمْ عَنْهُ اللَّهَ. وقِيلَ: هُوَ ضميرُ الشَّأنِ، و(اللَّهُ): مبتدأٌ ثانٍ، و(أَحَدٌ): خبرُ المبتدأِ الثَّاني، وعَلَى الوجْهِ الأوَّلِ تكونُ (هُوَ): مبتدأً، (اللَّهُ): خَبرُ المبتدأِ، (أَحَدٌ): خبرٌ ثانٍ.
    (اللَّهُ): هُوَ العَلَمُ عَلَى ذاتِ اللَّهِ، المختصُ باللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، لاَ يتسمَّى بِهِ غيرُهُ، وكُلُّ مَا يأتي بَعدَهُ مِن أسماءِ اللَّهِ فَهُوَ تابعٌ لَهُ، إِلاَّ نادرًا.
    ومعنى (اللَّهُ): الإلَهُ، وإلَهٌ بمعنى مألوهٍ، أيْ: معبودٍ، لكنْ حُذِفَتِ الَهَمزةُ تخفيفاً لكثرةِ الاستعمالِ، كَمَا فِي (النَّاسِ)، وأَصْلُها: الأُناسُ، وكَمَا في: هَذَا خيرٌ مِنْ هَذَا، وأصلُهُ: أخيرُ مِنْ هَذَا، لكنْ لكثرةِ الاستعمالِ حُذِفَتِ الَهَمزةُ، فاللَّهُ - عزَّ وجلَّ - (أَحَدٌ).
    (أَحَدٌ): لاَ تأتي إلاَّ فِي النَّفيِ غالباً، أوْ فِي الإثباتِ فِي أيامِ الأسبوعِ، يُقالُ: الأحدُ، الاثنينِ… لكنْ تأتِي فِي الإثباتِ مَوصوفاً بها الرَّبُّ - عزَّ وجلَّ -؛ لأنَّهُ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى - أحدٌ، أيْ: متوحِّدٌ فيمَا يختصُّ بِهِ فِي ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، (أَحَدٌ)، لاَ ثانيَ لَهُ، ولاَ نظيرَ لَهُ، ولاَ نِدَّ لَهُ.
    قَوْلَهُُ: (اللَّهُ الصَّمَدُ): هذِهِ جملةٌ مستأنفةٌ، بَعْدَ أنْ ذكرَ الأحديَّةَ ذكَرَ الصَّمديَّةَ، وأتى بِها بجملةٍ مُعرَّفةٍ فِي طرفَيْها، لإفادةِ الحصرِ، أيْ: اللَّهُ وحدَهُ الصَّمدُ.
    فمَا معنى الصَّمَدِ؟
    قِيلَ: إنَّ (الصَّمَدُ): هُوَ الكاملُ فِي علمِهِ، فِي قدرتِهِ، فِي حكمتِهِ، فِي عزَّتِهِ، فِي سُؤْدُدِهِ، فِي كُلِّ صفاتِهِ، وقِيلَ: (الصَّمَدُ): الَّذِي لاَ جَوْفَ لَهُ، يعني: لاَ أمعاءَ ولاَ بَطْنَ، وَلِهَذَا قِيلَ: الملائكةُ صُمدٌ؛ لأنَّهم ليسَ لَهُم أَجوافٌ، لاَ يأكلونَ ولاَ يَشربونَ، هَذَا المَعْنَى رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، ولاَ ينافِي المَعْنَى الأوَّلَ؛ لأنَّهُ يدلُّ عَلَى غِناهُ بنَفْسِهِ عَنْ جميعِ خَلْقِهِ، وقِيلَ: (الصَّمَدُ) بمعنى المفعولِ، أيْ: المَصمودُ إليْهِ، أيْ الَّذِي تَصمدُ إِلَيْهِ الخلائقُ فِي حوائجِهِا، بمعنى: تميلُ إِلَيْهِ وتنتهِيَ إِلَيْهِ وترفعُ إِلَيْهِ حوائِجَهَا، فَهُوَ بمعنى الَّذِي يحتاجُ إِلَيْهِ كُلُّ أحدٍ.
    هذِهِ الأقاويلُ لاَ يُنافِي بعضُها بعضاً فيمَا يَتعلَّقُ باللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، وَلِهَذَا نقولُ: إنَّ المعانِي كلَّها ثابتةٍ، لعَدمِ المنافاةِ فيمَا بَيْنَها.
    ونَفْسِّرُهُ بتفسيرٍ جامعٍ، فنَقولُ: (الصَّمَدُ): هُوَ الكامِلُ فِي صفاتِهِ، الَّذِي افْتَقَرتْ إِلَيْهِ جميعُ مخلوقاتِهِ، فهِيَ صامدةٌ إِلَيْهِ.
    وحينئذٍ يتبينُ لكَ المَعْنَى العظيمُ فِي كلمةِ (الصَّمَدُ): أنَّهُ مستغنٍ عَنْ كُلِّ مَا سواهُ، كاملٌ فِي كُلِّ مَا يُوصفُ بِهِ، وأنَّ جميعَ مَا سواهُ مفتقرٌ إِلَيْهِ.
    فَلَوْ قَالَ لكَ قائلٌ: إنَّ اللَّه استوى عَلَى العرشِ، هَلْ استواؤُه عَلَى العرشِ بمعنى أنَّهُ مفتقرٌ إِلَى العرشِ بحَيْثُ لو أُزيلَ لسقطَ؟ فالجوابُ: لا، كلاَّ؛ لأنَّ اللَّهَ صمدٌ كاملٌ غيرُ محتاجٍ إِلَى العرشِ، بَلِ العرشُ والسَّماواتُ والكرسيُّ والمخلوقاتُ كلُّها محتاجةٌ إِلَى اللَّهِ، واللَّهُ فِي غِنًى عَنْها، فنأخذُهُ مِنْ كلمةِ (الصَّمَدُ).
    لو قَالَ قائلٌ: هَل اللَّهُ يأكلُ أوْ يشربُ؟ أقولُ: كلاَّ؛ لأنَّ اللَّهَ صمدٌ.
    وبهَذَا نعرفُ أنَّ (الصَّمَدُ) كلمةٌ جامعةٌ لجميعِ صفاتِ الكمالِ لِلَّهِ، وجامعةٌ لجميعِ صفاتِ النَّقصِ فِي المخلوقاتِ، وأنَّها محتاجةٌ إِلَى اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -.
    ثُمَّ قالَ: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ): هَذَا تأكيدٌ للصَّمديَّةِ والوحدانيَّةِ، وقُلْنَا: توكيدٌ لأنَّنا نَفْهَمُ هَذَا ممَّا سَبَقَ، فيكونُ ذِكْرُهُ تَوكِيداً لمعنَى مَا سَبَقَ، وتقريراً لَهُ، فَهُوَ لأحديَّتِهِ وصمديَّتِهِ لَمْ يَلِدْ؛ لأنَّ الوَلدَ يكونُ عَلَى مِثلِ الوالدِ فِي الخِلقةِ، وَفِي الصِّفةِ، وحَتَّى الشَّبهِ.
    لمَّا جاءَ مجززٌ المُدلجيُّ إِلَى زيدِ بنِ حارثةَ وابنِهِ أُسامةَ، وهمَا ملتحفانِ برداءٍ، قدْ بَدَتْ أقدامُهُما، نظرَ إِلَى القَدَمَيْنِ، فَقَالَ: إنَّ هذِهِ الأقدامَ بعضُها مَنْ بَعضٍ، فعَرفَ ذلِكَ بالشَّبهِ.
    فلِكَمالِ أحديَّتِهِ وكمالِ صمديَّتِهِ (لَمْ يَلِدْ)، والوالدُ محتاجٌ إِلَى الولدِ بالخدمةِ والنَّفقةِ، ويعينُهُ عِنْدَ العجزِ، ويُبْقِي نَسْلَهُ.
    (وَلَمْ يُولَدْ)؛ لأنَّهُ لو وَلَدَ لكَانَ مَسبوقاً بوالدٍ، مَعَ أنَّهُ - جلَّ وعَلاَ - هُوَ الأوَّلُ الَّذِي ليسَ قَبْلَهُ شيءٌ، وهُوَ الخالِقُ، ومَا سِواهُ مخلوقٌ، فكَيْفَ يُولدُ؟
    وإنكارُ أنَّهُ وُلِدَ أبلغُ فِي العقولِ مِن إنكارِ أنَّهُ والِدٌ، وَلِهَذَا لَمْ يدَّعِ أحدٌ أنَّ اللَّهَ والِداً، وادَّعى المفترونَ أنَّ لَهُ ولداً.
    وقَدْ نَفَى اللَّهُ هَذَا وهَذَا، وبدأ بنفِي الولدِ، لأهميةِ الردِّ عَلَى مُدَّعِيهِ، بلْ قالَ: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) ، حَتَّى وَلَو بالتَّسمِّي، فَهُوَ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يتَّخِذْ وَلداً، بنو آدمَ قدْ يَتَّخِذُ الإنسانُ مِنْهُمْ ولداً وهُوَ لَمْ يَلِدْهُ بالتَّبنِّي أوْ بالولايةِ أوْ بغيرِ ذلِكَ، وإنْ كَانَ التَّبنِّي غيرَ مشروعٍ، أمَّا اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -، فلمْ يَلِدْ ولَمْ يولَدْ، ولمَا كَانَ يَرِدُ عَلَى الذِّهنِ فَرضُ أنْ يكونَ الشَّيءُ لاَ والداً ولاَ مولوداً، لكنَّهُ متولِّدٌ، نَفَى هَذَا الوَهمَ الَّذِي قَدْ يَرِدْ، فَقَالَ: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ)، وإِذَا انْتَفَى أنْ يكونَ لَهُ كُفُواً أحدٌ، لزمَ أنْ لاَ يكونَ متولِّداً، (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ)، أيْ: لاَ يكافِئُهُ أحدٌ فِي جميعِ صفاتِهِ.
    فِي هذِهِ السُّورةِ: صفاتٌ ثُبوتيَّةٌ، وصفاتٌ سلبيَّةٌ:
    الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ: (اللَّهُ) الَّتِي تتضمَّنُ الألوهِيَّةَ، (أَحَدٌ) تتضمَّنُ الأحديَّةَ، (الصَّمَدُ) تتضمَّنُ الصَّمدِيَّةَ.
    والصِّفاتُ السَّلبيَّةُ: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدُ).
    ثلاثٌ إثباتٌ، وثلاثٌ نفيٌ، وَهَذَا النَّفيُ يتضمَّنُ مِن الإثباتِ كمالَ الأحديَّةِ والصَّمديَّةِ.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قل هو الله أحد

    قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد فى التنبيهات السنية
    ( سورةِ الإخلاصِ): أي سورةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فإنَّها اشتملتْ على النَّفي والإثباتِ: إثباتِ صفاتِ الكمالِ ونفيِ التَّشبيهِ والمثالِ، ومعاني التنـزيهِ ترجعُ إلى هذين الأصلين، وهذا عكسُ ما عليه أهلُ البدعِ من الجهميَّةِ والمعتزلةِ وغيرِهم. فإنَّهم يَنْفُونَ صفاتِ الكمالِ، ويُثبتون ما لا يوجدُ إلا في الخيالِ.
    قولُه: (الإخلاصِ): أي سورةُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) سُمِّيتْ بسورةِ الإخلاصِ لأنَّها أخلصتْ في صفةِ اللهِ، ولأنَّها تُخَلِّصُ قارِئَها من الشِّركِ العلميِّ الاعتقاديِّ.
    قوله: (تَعدلُ): عَدلُ الشَّيءِ بالفتحِ: ما سِوَاه من غَيرِ جِنْسِه، وبالكسرِ ما سواه من جِنْسِه).
    قولُه: (ثُلُثَ القُرْآنِ): وذلك لأنَّ معانِيَ القرآنِ ثلاثةُ أنواعٍ: توحيدٌ، وقَصصٌ، وأحكامٌ، وهذه السُّورةُ صفةُ الرَّحمنِ فيها التَّوحيدُ وحدَهُ، وفي صحيحِ البخاريِّ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا سمِعَ رَجُلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يردِّدُها، فلمَّا أصبح جاء إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فذكرَ له ذلك، وكأنَّ الرجلَ يَتَقالُّها، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِه إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ))، الحديثَ. والأحاديثُ بِكونِها تعدلُ ثلثَ القرآنِ تكادُ تبلغُ مبلغَ التَّواترِ، انتهى مِن كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمه اللهُ.
    وفي هذا الحديثِ دليلٌ على تفاضلِ القرآنِ، وكذلك تفاضلِ آياتِ الصِّفاتِ، وأنَّ علمَ التَّوحيدِ أفضلُ العلومِ، إذ شَرَفُ العلمِ بشرفِ موضوعِه.
    وسببُ نزولِ هذه السُّورةِ: هو ما رواه أحمدُ، عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ، أنَّ المشركين قالُوا للنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: انسبْ لنا ربَّك، فأنزلَ اللهُ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وأخرجَه التِّرمذيُّ والطَّبريُّ، فالمُشركون سألوا رسولَ اللهِ عن حقيقةِ ربِّه من أيِّ شيءٍ، فدلَّهم على نفسِه بصفاتِه فلم يجعلْ لهم سبيلاً إلى معرفةِ الذَّاتِ والكُنهِ، فحقيقةُ الذَّاتِ والكُنْهِ غيرُ معلومةٍ للبشرِ، فقال -سُبْحَانَهُ وتعالى: (قُلْ) يا محمَّدُ، لهؤلاءِ المُشركين (اللهُ أَحَدٌ) أي منفردٌ في ذاتِه، وأسمائِه، وصفاتِه، وأفعالِهِ، لا شريكَ له، ولا مثيلَ، ولا نظيرَ، (أَحَدٌ) بمعنى واحدٍ، ولا يُطلقُ هذا اللفظُ في الإثباتِ إلا عليه سُبْحَانَهُ، لأنَّه الكاملُ في جميعِ صفاتِه وأحكامِه، وفي هذا دليلٌ على أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، إذ لو كانَ كلامَ النَّبيِّ أو غيرِه لم يقلْ (قُلْ) ففيه الرَّدُّ على المعتزلةِ القائلينَ إنَّ القرآنَ كلامُ محمَّدٍ أو جبريلَ.
    قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى: فدلَّ على أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مُبَلِّغٌ عن اللهِ، فكان مُقتضى البلاغِ التَّامِّ أنْ يقولَ: (((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ففيه الرَّدُّ على الجهميَّةِ والمعتزلةِ وإخوانِهم ممَّن يقولُ هو كلامُه ابْتدَأَهُ من قِبَلِ نفسِه، ففي هذا أبلغُ ردٍّ لهذا القولِ، وأنَّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بَلَّغَ ما أُمِرَ بتبليغهِ، على وجههِ ولفظهِ، فقيلَ له: (قُلْ) فقال: (قُلْ) لأنَّه مبلِّغٌ محضٌ، فما على الرَّسولِ إلا البلاغُ المبينُ، وفيه دليلٌ على الجهرِ بالعقيدةِ والتَّصريحِ بِها.
    قولُه: (اللهُ الصَّمَدُ): قال أبو وائلٍ: الصـَّمدُ: السـَّيـِّدُ الَّذي انتهى سُؤدُده، والعربُ تـُسمِّي أشرافَها: الصَّمدَ، لكثرةِ الأوصافِ المحمودةِ للمسمَّى به، قال الشَّاعرُ:
    ألا بكَّرَ النَّاعي بخيرِ بني أسدٍ بعمرِ بنِ مسعودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدِ
    فإنَّ الصَّمدَ مَن تُصمدُ إليه القلوبُ بالرَّغبةِ والرَّهبةِ، وذلك لكثرةِ خصالِ الخيِرِ فيه. انتهى. وقال عكرمةُ عن ابنِ عبَّاسٍ: معنى الصَّمدِ: هو الَّذي يصمدُ إليه الخلائقُ في حوائِجهم ومسائِلهم.
    وقال الرَّبيعُ بنُ أنسٍ: هو الَّذي لم يلدْ ولم يولدْ، كأنَّه جعلَ ما بعدَهُ تفسيرًا له، وهو تفسيرٌ جيِّدٌ، وقد تقدَّمَ الحديثُ من روايةِ ابنِ جريرٍ عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ في ذلك وهو صريحٌ في ذلك. انتهى. من ابنِ كثيرٍ.
    قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ رحمهُ اللهُ تعالى: ومَن قالَ: إنَّ الصَّمَدَ هو الَّذي لا جوفَ له، فقولُه لا يُناقضُ هذا التَّفسيرَ، فإنَّ اللفظةَ من الاجتماعِ، فهو الَّذي اجتمعَتْ فيه صفاتُ الكمالِ ولا جوفَ له، فإنَّما لم يكنْ أَحَدٌ كفوًا له لمَّا كان صَمَدًا كاملاً في صمدانيَّتِه، فلو لم يكنْ له صفاتُ كمالٍ ونعوتُ جلالٍ ولم يكنْ له علمٌ ولا قدرةٌ ولا سمعٌ ولا بصرٌ ولا يقومُ به فعلٌ ولا يفعلُ شيئًا ألبتَّةَ ولا له حياةٌ ولا كلامٌ ولا وجهٌ، ولا يدٌ ولا فوقَ عرشِه ولا يَرضى ولا يغضبُ ولا يُرى ولا يمكنُ أنْ يُرى ولا يُشارُ إليه لكان العَدَمُ المحضُ كفوًا له، فإنَّ هذه الصِّفةَ منطبقةٌ على المعدومِ، فلو كان ما يقولُه المعطِّلونَ هو الحقَّ لم يكنْ صمدًا وكان العدمُ كفوًا له، فاسمُه الأحدُ دلَّ على نفيِ المشاركةِ والمماثلةِ، واسمُه الصَّمدُ دلَّ على أنَّه مُستحقٌّ لصفاتِ الكمالِ، فصفاتُ التَّنـزيهِ ترجعُ إلى هذين المَعْنيين: نفيِ النَّقائصِ عنه، وذلك من لوازمِ إثباتِ صفاتِ الكمالِ، فمَن ثبتَ له الكمالُ التَّامُّ انتفى عنه النُّقصانُ المضادُّ له، والكمالُ من مدلولِ اسمِهِ الصَّمدِ.
    والثَّاني: أنَّه ليسَ كمثلِه شيءٌ في صفاتِ الكمالِ الثَّابتةِ له، وهذا من مدلولِ اسمهِ الأحدِ، فهذان الاسمانِ العظيمانِ يتضمَّنان تنـزيهَهُ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ، وتنـزيهَه في صفاتِ الكمالِ أنْ يكونَ له مُماثِلٌ في شيءٍ منها، فالسُّورةُ تضمَّنَتْ كُلَّ ما يجبُ نفيُه عن اللهِ، وما يجبُ إثباتُه للهِ من وجهَيْنِ: من جهةِ اسمهِ الصَّمدِ، ومن جهةِ أنَّ كلَّ ما نُفِيَ عنهُ من الأصولِ والفروعِ والنَّظيِرِ استلزمَ ثُبوتَ صفاتِ الكمالِ، فإنَّ ما يمدحُ به من النَّفي فلابدَّ أن يتضمَّنَ ثبوتًا، وإلا فالنَّفيُ المحضُ عَدَمٌ محضٌ، والعدمُ المحضُ ليس بشيءٍ، فضلاً عن أنْ يكونَ صفةَ كمالٍ. انتهى مِن كلامِ الشَّيخِ تقيِّ الدِّينِ بنِ تيميةَ بتصرُّفٍ.
    قولُه: (لَمْ يَلِدْ): فيه الرَّدُّ على اليهودِ والنَّصارى والمُشركين، فإنَّ اليهودَ قالُوا: عُزيرٌ ابنُ اللهِ، وقالَتِ النَّصارى: المسيحُ ابنُ اللهِ، ومشركوا العربِ زعموا: أنَّ الملائكةَ بناتُ اللِه، تعالى اللهُ عن قولِهم.
    قولُه: (ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الكفوُ: المثلُ والشَّبيهُ، فهذه السُّورةُ تضمَّنت توحيدَ الاعتقادِ والمعرفةِ وما يجبُ إثباتُه للرَّبِّ من الأحديَّةِ المنافيةِ لمطلقِ المشاركةِ بوجهٍ من الوجوهِ، والصمديَّةِ المثبتةِ له جميعَ صفاتِ الكمالِ الَّذي لا يلحقُه فيها نقصٌ بوجهٍ من الوجوهِ، ونفيِ الولدِ والوالدِ الَّذي هو من لزومِ صمديَّتِه وغِناهُ وأحديَّتهِ، ونفيِ الكفؤِ المتضمِّنِ لنفيِ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ، فتضمَّنتْ هذه السُّورةُ إثباتَ كلِّ كمالٍ، ونفيَ كلِّ نقصٍ عنه، ونفيَ إثباتِ مثلٍ له، أو شبيهٍ له في كمالِه، ونفيَ مطلقِ الشَّريكِ عنه، فهذه الأصولُ هي مَجامِعُ التَّوحيدِ العلميِّ الاعتقاديِّ، الَّذي يباينُ به صاحبُه جميعَ فرقِ الضَّلالِ والشِّركِ، ولهذا كانتْ تعدلُ ثلثَ القرآنِ، فأخلصتْ سورةُ الإخلاصِ الخبرَ عنه، وعن أسمائهِ وصفاتهِ، فعدلتْ ثلثَ القرآنِ، وخلَّصتْ قارئَها المؤمنَ بها من الشِّركِ العلميِّ.اهـ.، مِن كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى ملخَّصًا.
    وفي هذهِ السُّورةِ الجمعُ بين النَّفيِ والإثباتِ، وفيها الإجمالُ في النَّفيِ، والتَّفصيلُ في الإثباتِ، وهذه طريقةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ خلافًا لأهلِ الكلامِ المذمومِ، وتضمَّنتْ هذه السُّورةُ أنواعَ التَّوحيدِ الثَّلاثةَ.
    التنبيهات السنية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •