الرميساء والدة أنس بن مالك صاحب رسول الله وخادمه

الرميساء أم سليم بنت ملحان الأنصارية، إحدى الصحابيات المميزات بالوعي التربوي والدعوة إلى الله، فكانت من أوائل الصحابيات المسارعات للإسلام، وحرصت على تربية ابنها "أنس بن مالك بن النضر" أحسن تربية، وحرصت على ملازمته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خادما ومتعلما ومتأدبا بأدب النبوة الشريف.
لقنت الرميساء ابنها أنس الذي ولد قبل هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنوات، قول لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وكانت تغرس فيه -على غير هوى والده مالك بن النضر- مبادئ الإيمان والشهادتين وكانت تغرس فيه محبة الله -تعالى-، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يراه، وتمنت لو كان كبيرا ليسافر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليراه ويلازمه في مكة، وما هي إلا فترة حتى هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة على عظمتها لأمة الإسلام جمعاء، إلا أنها جاءت بالرواء الروحي لأنس وأمه، الذين طالما تشوقا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
شاركت الرميساء وابنها أنس بن مالك أهل المدينة، فرحتهم بقدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما أن استقر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، حتى جاءته الرميساء -رضي الله عنها- ومعها (أنس بن مالك)، فقالت له: يا رسول الله هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك فادع الله له: فقال ((اللهم أكثر ماله وولده))[رواه مسلم].
قال أنس: فو الله إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى يتعادون على نحو مئة، وفضلا شرف ملازمته للرسول -صلى الله عليه وسلم- خادما له، فقد تعلم من أخلاقه وهديه وشمائله المباركة، وكان أنس -رضي الله عنه- شاهدا حيا على حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتخلق بأخلاقه.
وكما كان لأنس منزلة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان لأمه الرميساء منزله عالية، فكان يزورها كثيرا، ويدعو لها ولابنها أنس -رضي الله عنهما-، عن أنس قال: "كان الرسول إذا مر بجنبات أم سليم دخل فسلم عليها"[رواه البخاري].
وعن أنس قال: "كان النبي يدخل عليها، فقيل له في ذلك، فقال: ((إني أرحمها قتل أخوها معي))[متفق عليه].
وكان أخوها الذي عناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو حرام بن ملحان، شهد بدر، وقتل شهيدا يوم معونة سنة أربعة من الهجرة، وهو قائل العبارة الشهيرة: "فزت ورب الكعبة"[متفق عليه].
وذلك لما طعن من ورائه فطلعت الحربة من صدره -رضي الله عنه وأرضاه-.
وحظت الرميساء بمنزلة عظيمة بين قومها، مما جعلها مرغوبة للزواج بعد وفاة زوجها مالك بن النضر، فتقدم إليها أبو طلحة للزواج عارضا مهرا غاليا، إلا أنها رفضته في عزة؛ لأنه كان ما يزال مشركا، وكان هذا الرفض بمثابة المفاجأة المزلزلة لأبي طلحة الذي أحس بالضيق وجاء عارضا مهرا أكبر لكن الرد جاء من الرميساء أم سليم الأنصارية في عزة وأدب جم وقالت: "ما مثلك يرد يا أبا طلحة، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لها أن تتزوجك فقال: ما ذاك دهرك؟ قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء- أي الذهب والفضة- قالت: إني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، قال: فمن لي بذلك قالت: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق إلى النبي وهو جالس بين أصحابه، فلما رآه، قال: "جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام في عينيه"، فتزوجت من أبي طلحة وكان صداقها الإسلام.

رُزق أبو طلحة وأم سليم طفلا أحبه أبو طلحه كثيرا وكنوه -أبو عمير- مرض الغلام، وحزن عليه أبوه وكان يغدو ويروح عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي إحدى روحاته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، مات الغلام، فقامت الرميساء بتهيئة الصبي، فغسلته وكفنته وسجت عليه ثوبا، وأرسلت أنسا إلى أبي طلحة، وقالت له: ألا يخبره شيئا وعندما أتى سألها عن حال الغلام، فقالت: قد هدأت نفسه، أرجو أن يكون استراح، فظن أنه عوفي، وكان صائما، فقدمت له إفطارا وفي الليل تزينت وتطيبت ثم تعرض لها، فأصاب منها. فلم أصبح أراد أن يخرج قالت: "يا أبا طلحه أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوها؟ قال: ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداه إلى أهلها، فلما سمعت منه هذا الكلام. قالت: "إن الله أعارنا ابننا فلانا، فأخذه فاحتسبه عند الله" فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني، فراح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما كان بينهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بارك الله لكما في ليلتكما))[رواه البخاري].
وأثنى على فعلتها، ورزقهما الله تسعة أولاد، كلهم من رجال العلم وحفظة كتاب الله -تعالى-.
ولم تكف أم سليم بتأدية دورها التربوي والدعوي في نشر دعوة الإسلام بالبيان؛ بل حرصت على أن تشارك أبطال الإسلام في جهادهم، فقد كان لها يوم حنين موقف بطولي في تذكية نار الحماسة في صدور المجاهدين، ومداوة الجرحى، بل كانت مستعدة للدفاع مواجهة من يتعرض لها، فقد أخرج مسلم في صحيحه وابن سعد في الطبقات بسند صحيح: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحه: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر.
عاشت أم سليم حياتها تناصر الإسلام، وتشارك المسلمين في أعمالهم، وظلت تكافح حتى أتاها قدر الله، فماتت، ودُفنتْ بالمدينة المنورة -رحمها الله ورضي الله عنها-.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ