تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون

    من روائع البيان فى قوله تعالى (من دونه فكيدوني جميعا ثم ﻻ تنظرون )
    وقوله(فإن كان لكم كيد فكيدون) وقوله {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ }
    قال أبو السعود في تفسيره (من دونه فكيدوني جميعا ثم ﻻ تنظرون ) : وهذا من أعظم المعجزات فإنه عليه السلام كان رجلا مفردا بين الجم الغفير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد حقرهم وهيجهم بانتقاص آلهتهم وحثهم على التصدي له فلم يقدروا على مباشرة شئ وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا . انتهى كلامه
    قال القرطبى ‏ { ‏فكيدوني جميعا‏} ‏ أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري‏.‏ ‏ { ‏ثم لا تنظرون‏} ‏ أي لا تؤخرون‏.‏ وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى‏.‏ وهو من أعلام النبوة، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه ‏ { ‏فكيدوني جميعا‏} ‏‏.‏ وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش‏.‏ وقال نوح صلى الله عليه وسلم ‏ { ‏فاجمعوا أمركم وشركاءكم‏}
    قال بن القيم رحمه الله فى الجواب الكافى
    ولما علم نبي الله هود عليه السلام أن ربه على صراط مستقيم في خلقه وأمره ونهيه ، وثوابه وعقابه ، وقضائه وقدره ، ومنعه وعطائه ، وعافيته وبلائه ، وتوفيقه وخذلانه ، لا يخرج في ذلك عن موجب كماله المقدس ، الذي يقتضيه أسماؤه وصفاته ، من العدل والحكمة والرحمة والإحسان والفضل ، ووضع الثواب مواضعه ، والعقوبة في موضعها اللائق بها ، ووضع التوفيق والخذلان والعطاء والمنع والهداية والإضلال ، كل ذلك في أماكنه ومحاله اللائقة به ، بحيث يستحق على ذلك كمال الحمد والثناء ، أوجب له ذلك العلم والعرفان ، إذ نادى على رؤوس الملأ من قومه بجنان ثابت وقلب غير خائف بل متجرد لله إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .

    ثم أخبر عن عموم قدرته وقهره لكل ما سواه ، وذل كل شيء لعظمته ، فقال : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، فكيف أخاف من ناصيته بيد غيره ، وهو في قهره وقبضته وتحت قهره وسلطانه دونه ، وهل هذا إلا من أجهل الجهل ، وأقبح الظلم ؟

    ثم أخبر أنه سبحانه على صراط مستقيم ، فكل ما يقضيه ويقدره فلا يخاف العبد جوره ولا ظلمه ، فلا أخاف ما دونه ، فإن ناصيته بيده ، ولا أخاف جوره وظلمه ، فإنه على صراط مستقيم ، فهو سبحانه ماض في عبده حكمه ، عدل فيه قضاؤه ، له الملك وله الحمد ، ولا يخرج في تصرفه في عباده عن العدل والفضل ، إن أعطى وأكرم وهدى ووفق فبفضله ورحمته ، وإن منع وأهان وأضل وخذل وأشقى فبعدله وحكمته ، وهو على صراط مستقيم في هذا وهذا .

    وفي الحديث الصحيح : ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه ، وأبدله مكانه فرجا ، قالوا : يا رسول الله ألا نتعلمهن ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن .

    وهذا يتناول حكم الرب الكوني والأمري وقضاءه الذي يكون باختيار العبد وغير اختياره ، وكلا الحكمين ماض في عبده ، وكلا القضائين عدل فيه ، فهذا الحديث مشتق من هذه الآية ، بينهما أقرب نسب [الجواب الكافى]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون

    وهنا لم يبق لهود إلا التحدي . وإلا التوجه إلى الله وحده والاعتماد عليه . وإلا الوعيد والإنذار الأخير للمكذبين . وإلا المفاصلة بينه وبين قومه ونفض يده من أمرهم إن أصروا على التكذيب:

    (قال إني أشهد الله , واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه , فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم , ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها , إن ربي على صراط مستقيم . فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم , ويستخلف ربي قوما غيركم , ولا تضرونه شيئا , إن ربي على كل شيء حفيظ). .

    إنها انتفاضة التبرؤ من القوم - وقد كان منهم وكان أخاهم - وانتفاضة الخوف من البقاء فيهم وقد اتخذوا غير طريق الله طريقا . وانتفاضة المفاصلة بين حزبين لا يلتقيان على وشيجة وقد انبتت بينهما وشيجة العقيدة .
    قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
    وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وانعزاله عنهم وانفصاله منهم . ويشهدهم هم أنفسهم على هذه البراءة منهم في وجوههم ; كي لا تبقى في أنفسهم شبهة من نفوره وخوفه أن يكون منهم !
    وذلك كله مع عزة الإيمان واستعلائه . ومع ثقة الإيمان واطمئنانه !
    وإن الإنسان ليدهش لرجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا حمقى . يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا أن هذه المعبودات الزائفة تمس رجلا فيهذي ; ويروا في الدعوة إلى الله الواحد هذيانا من أثر المس ! يدهش لرجل يواجه هؤلاء القوم الواثقين بآلهتهم المفتراة هذه الثقة , فيسفه عقيدتهم ويقرعهم عليها ويؤنبهم ; ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي . لا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم , ولا يدعهم يتريثون فيفثأ غضبهم .
    إن الإنسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ شداد . ولكن الدهشة تزول عندما يتدبر العوامل والأسباب . .
    إنه الإيمان . والثقة . والاطمئنان . . الإيمان بالله , والثقة بوعده , والاطمئنان إلى نصره . . الإيمان الذي يخالط القلب فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة . لأنها ملء يديه , وملء قلبه الذي بين جنبيه , وليست وعدا للمستقبل في ضمير الغيب , إنما هي حاضر واقع تتملاه العين والقلب .
    (قال:إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه).
    إني أشهد الله على براءتي مما تشركون من دونه . واشهدوا أنتم شهادة تبرئني وتكون حجة عليكم:أنني عالنتكم بالبراءة مما تشركون من دون الله . ثم تجمعوا أنتم وهذه الآلهة التي تزعمون أن أحدها مسني بسوء .
    تجمعوا أنتم وهي - جميعا - ثم كيدوني بلا ريث ولا تمهل , فما أباليكم جميعا , ولا أخشاكم شيئا:
    (إني توكلت على الله ربي وربكم). .
    ومهما أنكرتم وكذبتم . فهذه الحقيقة قائمة . حقيقة ربوبية الله لي ولكم . فالله الواحد هو ربي وربكم , لأنه رب الجميع بلا تعدد ولا مشاركة . .
    (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها). .
    وهي صورة محسوسة للقهر والقدرة تصور القدرة آخذة بناصية كل دابة على هذه الأرض , بما فيها الدواب من الناس . والناصية أعلى الجبهة . فهو القهر والغلبة والهيمنة , في صورة حسية تناسب الموقف , وتناسب غلظة القوم وشدتهم , وتناسب صلابة أجسامهم وبنيتهم , وتناسب غلظ حسهم ومشاعرهم . . وإلى جانبها تقرير استقامة السنة الإلهية في اتجاهها الذي لا يحيد:
    (إن ربي على صراط مستقيم). .
    فهي القوة والاستقامة والتصميم .
    وفي هذه الكلمات القوية الحاسمة ندرك سر ذلك الاستعلاء وسر ذلك التحدي . . إنها ترسم صورة الحقيقة التي يجدها نبي الله هود - عليه السلام - في نفسه من ربه . . إنه يجد هذه الحقيقة واضحة . . إن ربه ورب الخلائق قوي قاهر: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها). . وهؤلاء الغلاظ الأشداء من قومه إن هم إلا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها ويقهرها بقوته قهرا . فما خوفه من هذه الدواب وما احتفاله بها ; وهي لا تسلط عليه - إن سلطت - إلا بإذن ربه ? وما بقاؤه فيها وقد اختلف طريقها عن طريقه ?
    من الاية 54 الى الاية 56
    إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)
    إن هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه , لا تدع في قلبه مجالا للشك في عاقبة أمره , ولا مجالا للتردد عن المضي في طريقه .
    إنها حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلوب الصفوة المؤمنة أبدا .
    وعند هذا الحد من التحدي بقوة الله , وإبراز هذه القوة في صورتها القاهرة الحاسمة , يأخذ هود في الإنذار والوعيد:
    (فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم). .
    فأديت واجبي لله , ونفضت يدي من أمركم لتواجهوا قوة الله سبحانه:
    (ويستخلف ربي قوما غيركم). .
    يليقون بتلقي دعوته ويستقيمون على هدايته بعد إهلاككم ببغيكم وظلمكم وانحرافكم .
    (ولا تضرونه شيئا). .
    فما لكم به من قوة , وذهابكم لا يترك في كونه فراغا ولا نقصا . .
    (إن ربي على كل شيء حفيظ). .
    يحفظ دينه وأولياءه وسننه من الأذى والضياع , ويقوم عليكم فلا تفلتون ولا تعجزونه هربا !

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •