من روائع البيان فى قوله تعالى (من دونه فكيدوني جميعا ثم ﻻ تنظرون )
وقوله(فإن كان لكم كيد فكيدون) وقوله {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ }
قال أبو السعود في تفسيره (من دونه فكيدوني جميعا ثم ﻻ تنظرون ) : وهذا من أعظم المعجزات فإنه عليه السلام كان رجلا مفردا بين الجم الغفير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد حقرهم وهيجهم بانتقاص آلهتهم وحثهم على التصدي له فلم يقدروا على مباشرة شئ وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا . انتهى كلامه
قال القرطبى { فكيدوني جميعا} أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري. { ثم لا تنظرون} أي لا تؤخرون. وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. وهو من أعلام النبوة، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه { فكيدوني جميعا} . وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش. وقال نوح صلى الله عليه وسلم { فاجمعوا أمركم وشركاءكم}
قال بن القيم رحمه الله فى الجواب الكافى
ولما علم نبي الله هود عليه السلام أن ربه على صراط مستقيم في خلقه وأمره ونهيه ، وثوابه وعقابه ، وقضائه وقدره ، ومنعه وعطائه ، وعافيته وبلائه ، وتوفيقه وخذلانه ، لا يخرج في ذلك عن موجب كماله المقدس ، الذي يقتضيه أسماؤه وصفاته ، من العدل والحكمة والرحمة والإحسان والفضل ، ووضع الثواب مواضعه ، والعقوبة في موضعها اللائق بها ، ووضع التوفيق والخذلان والعطاء والمنع والهداية والإضلال ، كل ذلك في أماكنه ومحاله اللائقة به ، بحيث يستحق على ذلك كمال الحمد والثناء ، أوجب له ذلك العلم والعرفان ، إذ نادى على رؤوس الملأ من قومه بجنان ثابت وقلب غير خائف بل متجرد لله إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .
ثم أخبر عن عموم قدرته وقهره لكل ما سواه ، وذل كل شيء لعظمته ، فقال : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، فكيف أخاف من ناصيته بيد غيره ، وهو في قهره وقبضته وتحت قهره وسلطانه دونه ، وهل هذا إلا من أجهل الجهل ، وأقبح الظلم ؟
ثم أخبر أنه سبحانه على صراط مستقيم ، فكل ما يقضيه ويقدره فلا يخاف العبد جوره ولا ظلمه ، فلا أخاف ما دونه ، فإن ناصيته بيده ، ولا أخاف جوره وظلمه ، فإنه على صراط مستقيم ، فهو سبحانه ماض في عبده حكمه ، عدل فيه قضاؤه ، له الملك وله الحمد ، ولا يخرج في تصرفه في عباده عن العدل والفضل ، إن أعطى وأكرم وهدى ووفق فبفضله ورحمته ، وإن منع وأهان وأضل وخذل وأشقى فبعدله وحكمته ، وهو على صراط مستقيم في هذا وهذا .
وفي الحديث الصحيح : ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه ، وأبدله مكانه فرجا ، قالوا : يا رسول الله ألا نتعلمهن ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن .
وهذا يتناول حكم الرب الكوني والأمري وقضاءه الذي يكون باختيار العبد وغير اختياره ، وكلا الحكمين ماض في عبده ، وكلا القضائين عدل فيه ، فهذا الحديث مشتق من هذه الآية ، بينهما أقرب نسب [الجواب الكافى]