هل أطلب الطلاق أم أتحمل من أجل أولادي؟


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة


السؤال

الملخص: امرأة متزوجة من رجل متزوج، تذكُر أن زوجها يفضِّل الأخرى عليها، ولا يعدِل، وتسأل: هل أطلب الطلاق أم أتحمَّل من أجل أولادي؟ التفاصيل: أنا امرأة متزوجة منذ ثماني سنوات، أعيش مع زوجي العربي في بلد أجنبي، كانت لدى زوجي زوجة أجنبية وطلَّقها وليس له منها إلا بنت، حدث أن أصابني - بعد زواجي بشهر - ورم خبيث تخلصت منه بعملية جراحية، وقد نصحني الأطباء بألَّا أنجبَ، لكن إرادة الله شاءت أن أنجب في تلك الفترة التي كنت فيها في المستشفى، ثم إنني اكتشفتُ أن زوجي قد عاد إلى زوجته الأولى (الأجنبية) في تلك الفترة، وأنجب منها طفلًا آخر، وبعد مشاكلَ طويلة رجعت إليه واعترف بها وبأطفالها.
زوجي رجل غني وذو قلب طيب فلا يضربني أو يهينني، وملتزم دينيًّا، فهو يصلي ويصوم، لكنه يفضل زوجته الأجنبية وأطفالها عليَّ وابنتي، فهو يأخذها وأطفالها كل عام للسياحة، وعندما أُناقشه في ذلك يرد عليَّ بأنه يأخذني إلى أهلي كل عام، وهذا أمر طبيعي فهو يُخيِّرني كل عام بين السياحة وبين زيارة أهلي، فأيهما أختار؟ من المؤكد سأختار أهلي، كذلك سلَّم مقاليد عمله هنا لها بحجة أنها من أهل البلد، وتتحدث لغتهم، وكذلك لا يطلعني على علاقاته الاجتماعية مع العرب هنا، بينما يختصها بذلك بحجة أنني مسلمةٌ محجبة، ولا أعرف لغتهم، بينما هي لا بد أن تتعلم التقاليد واللغة، وعندما تأتي أمُّه فإنه يأخذها عند زوجته الأجنبية بنفس الحجة، وهي: تعلم اللغة والتقاليد، كل ذلك وأنا صابرة محتملة لأجل بيتي، لكن علمت عن طريق الصدفة أنه قد أخذ زوجته الأجنبية إلى بيت أهله في بلدي، وكنت قد حذَّرته أن هذا الأمر سينهي كل شيء بيننا، لكنه يفعل ما يراه ولا يلتفت لما أقول ولا يأخذ رأيي في شيء، طلبت منه الطلاق، لكنه رفض وهددني بأن يأخذ الأطفال معه، أنا أعيش معه في نفس البيت ولا أحد من أهلي معي، ماذا أفعل في هذه المشكلة؟ أتركه يفرِّق بيننا هذه التفرقة وأتحمل، أم ماذا أفعل؟ أرجو توجيهكم وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد: أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ ولزوجكِ وأسرتكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير، وتمام العافية. ثانيًا: أحسنتِ أيتها الأخت الفاضلة في رجوعكِ لزوجكِ وصيانتكِ لبيتكِ والحفاظ عليه، ولا نرى فيما ذكرتِه ظلمًا كبيرًا تحتاجين معه لطلب الطلاق، فما ذكرتِهِ من تفضيلٍ لزوجته الأولى الأجنبية قد تفرضه عليه العادات الاجتماعية التي تخص بلد إقامتكم، وهذا لا يعني بحالٍ أن يفرط في حقكِ أو يمنعكِ ما ترغبين بالمعروف، فلا يجوز لكِ طلب الطلاق لمجرد زواجه عليكِ أو إرجاع زوجته الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا من غيرِ بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ))؛ [رواه الترمذي (1187) وحسَّنه، وصححه الألباني في (الإرواء: 7/ 100)]. ولا بد أن تفرِّقي أيتها الأخت الفاضلة بين العدل والمساواة، فالزوج مطالب بالعدل، والعدل لا يلزم منه المساواة في العطية في كل شيء، فما تحتاجه زوجةٌ لديها ثلاثة أبناء ليس كما تحتاجه من لديها ولد واحد، بل المقصود الكفاية والقيام بالواجب لها، وقد تختلف الكفاية من امرأة لأخرى من حيث الكم والكيف، مع مراعاة الحالة الاجتماعية لكلٍّ منهما، والحاصل لا يميل لواحدة ويهمل الثانية أو يجور عليها. والعدل بين الزوجات واجبٌ في المسكن والمأكل والملبس والمبيت، وفي كل شيء ظاهر يمكنه العدل فيه، وأما العدل القلبي فلا يملكه العبد، فلا يؤاخَذ عليه شرعًا. قال النووي: "وأما محبة القلب، فكان يحب عائشة أكثر منهنَّ، وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها، ولا يلزمه التسوية فيها؛ لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وإنما يُؤمَر بالعدل في الأفعال"؛ [شرح مسلم: (15/ 205)]. أما عن إخفاء زوجكِ الرجوعَ لزوجته الأولى، فليس عليه إثم ولا لوم في ذلك شرعًا، وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل تُوفِّيَ وترك زوجةً وأولادًا، وبعد وفاته علمت الزوجة والأسرة بأنه كان متزوجًا بامرأة أخرى منذ عدة سنوات دون علم الزوجة الأولى والأولاد، فهل يأثم المتوفَّى على إخفاء خبر زواجه على أهله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: "لا يأثم المتوفى على إخفاء تزوجه بالمرأة، لكن يجب إعلان النكاح لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك، فإذا كان النكاح معلنًا كما لو كان نكاحًا في قرية أخرى، وأُعلن في القرية فإنه يكفي، وإن أخفى ذلك على أهله وعلى زوجته الأولى"؛ [فتاوى نور على الدرب: (10/ 261)]. والنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة: أن تتقي الله في زوجكِ وأن تعطيه حقه، وأن تعينهِ على العدل بينك وبين زوجته الأولى، وإذا شعرتِ بنوعِ ظلمٍ من زوجكِ؛ فاصبري واحتسبي ولكِ الأجر والمثوبة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بالنسبة للزوجة المضرورة المظلومة، فأشير عليها بالصبر والاحتساب، وأخبرها أنها بالصبر واحتساب الأجر من الله تعالى تكون مُثابَةً على ذلك، وأبشِّرها بأن دوام الحال من المحال، وأنها مع تقوى الله عز وجل والصبر ربما يسخِّر الله لها زوجها، فيعود ويعدل بينها وبين الزوجة الأخرى"؛ [فتاوى نور على الدرب: (10/ 258)]. وننصحكِ بالتسامح، فهو من قوام الحياة الزوجية، وسببٌ في زيادة محبتكِ في قلب زوجكِ. وختامًا: ننصح الزوج بالعدل وعدم الجور بين الزوجات؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقُّه مائلٌ))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع (6515)]. وعلى ذلك كان حال السَّلف في العدل بين الزوجات: فعن جابر بن زيد قال: "كانت لي امرأتان، وكنت أعدِل بينهما حتى في القُبَلِ"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (17544)]. وعن مجاهد قال: "كانوا يستحبُّون أن يعدلوا بين النساء، حتى في الطِّيب؛ يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (17545)]. وكان محمد بن سيرين يقول فيمن له امرأتان: "يُكره أن يتوضَّأ في بيت إحداهما دون الأخرى"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (17546)]. هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.