محمد رسول الله (2)
أبو يونس العباسي
- أحبتي في الله : وهنا مسألة لا بد أن نتنبه إليها , ألا وهي : إن من آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأي نوع من انواع الإيذاء , فإن له عقوبة ثنائية , عقوبة في الدنيا , ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون , يدل على هذا الفهم , قول الله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا " , إذن فكل من يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مطرود من رحمة الله في الدنيا , مطرود من رحمة الله في الآخرة , بالإضافة إلى العذاب الذي سماه الله مهينا , قال الله تعالى : " إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" , والمقصود بالآية : يقول الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : إن الذي يبغضك هو المقطوع عن الخير , إذن فليصحوا ولينتبهوا على أنفسهم أولئك الذي يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بالانحراف عن المنهج الذي جاء به من عند ربه , وكلما ابتعد الإنسان عن منهج الله أكثر , كلما كان إيذاؤه للرسول أكبر , ياويلاه على الذين تركوا تحكيم الشريعة , يا ويلاه على اهل البدع , يا ويلاه على من جعل الدين ألعوبة , يستخدمه لتحقيق مصالحه ومآربه , يا ويلاه على من يوجه الدين بما يتوافق مع هواه ونفسه الأمارة بالسوء , بدلا من أن يكون الدين هو الموجه له , يا ويلاه على من والى ونصر وأحب ومدح من يسب اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل متاع دنيوي زائل , لكل هؤلاء نقول : إنكم تؤذون رسول الله , وإن لم تتوبوا فالعقوبة ستلحقكم في الدنيا قبل الآخرة , وإذا كانت هذه هي العقوبة لمن يؤذيه , لابد أن يكون هناك مثوبة لمن يطيعه ويأيده ويدنيه , وفي ثواب توقيره وتبجيله وتعزيره - صلى الله عليه وسلم - , يقول الله تعالى :" فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " , والإيمان به يعني : أن تؤمن إيمانا يقينيا بأنه - صلى الله عليه وسلم - نبي ورسول من عند الله , وهذا الإيمان له لازم , ولازمه ان تطيع هذا الرسول ولا تعصيه , لا في كبيرة ولا في صغيرة , وتعزيره - صلى الله عليه وسلم - إنما يقصد به : نصره , وتأييده وحمايته , من كل ما يؤذيه , وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - إنما يقصد به : إجلاله وتوقيره وتقديره وتشريفه , والجزاء على ذلك كله هو الفلاح , فماذا يقصد بالفلاح ؟ الفلاح هو أن تحصل على مطلوبك في الدارين , وان تنجوا مما تخاف منه وتخشاه في الدارين كذلك , قال الله تعالى : " لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " .
- أحبتي في الله : بعدما تحدثنا عن واجب نصرته - صلى الله عليه وسلم - فقد يتساءل احدكم : كيف ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ...... والجواب : إن نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصرة حقيقية تكون : باتباعه في كل صغيرة وكبيرة , بالاقتداء والتاسي به على قدر الاستطاعة , قال الله تعالى :" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دعوني ما تركتكم ، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " , وإن شهادتنا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق إلا بالإيمان به " اعتقادا وقولا وعملا " , وتصديقه فيما أخبر , وطاعته فيا امر , والانتهاء عا نهى عنه وزجر , وأن يعظم امره ونهيه - صلى الله عليه وسلم - ولا يقدم على قوله قول كائن من كان , وإن محبة أحدنا لربه - إن كان يحبه - لا تكون محبة حقيقية إلا إذا اتبعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قدر حبنا لله تعالى يكون اتباعنا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى :" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " .
- كثيرون هم الذين يشهدون ان محمدا رسول الله , وكثيرون هم الذين يناقضون ويخالفون هذه الشهادة , وإلا فكيف أجازوا لأنفسهم تنحية الشريعة التي جاء بها من عند ربه , وتحكيم القوانين الوضعية البشرية التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطان , قال الله تعالى :" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " وقال جل شأنه :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" , وقال سبحانه :"فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " وقال جل جلاله :" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ........ وغير ذلك من الآيات الكثير , كم هم كثيرون أوئك الذين يرفضون دخول الجنة , وهل يرفض احد دخول الجنة ؟!!! , استمع معي لهذا الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة : أن رسول الله قال : ": ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) . قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال: ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) , وبناء على ما سبق : فإنني أعلن كفري بكل المنظمات التي تشارك الله في حاكميته , واتبرأ من العصاة كل على حسب معصيته ومخالفته , وأعتقد أن تقديم قول احد على قول رسول الله , أو رفع قول احد على قول رسول الله كفر بواح مخرج من الملة , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " , وقال المولى - جل شأنه - في موضع آخر : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" , ومن المعلوم بالضرورة أن العمل لا يحبط إلا إذا كان الذنب كفرا , نسأل الله السلامة في الدين والدنيا والآخرة .
-أحبتي في الله : ومن واجباتنا نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحبه , ذلكم الحب الذي من لوازمه أن نطيعه , بل أن نقدم طاعته على طاعة غيره , مع العلم ان طاعته من طاعة الله - تبارك وتعالى - قال الله تعالى :" مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا " , وإن من يقدم طاعة أحد على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد أحبه اكثر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وهذا ما لا يجوز لمؤمن ان يقع فيه , أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " , بالأضافة للعقوبة الربانية لمن قدم محبة احد على محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , قال الله تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" , وإن المسلم لا يستطيع أن يذوق حلاوة الإيمان إلا يوم يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حقا وصدقا , أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
- أحبتي في الله : إن ربنا - جل جلاله يقول : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " , وعند الطبراني في الأوسط والحديث صحيح لغيره من حديث علي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - , ويا هنيئا لمن أكثر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء عند أبي داوود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة :إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :" من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر" , وعند الترمذي والحديث حسن لغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" وعند الترمذي كذلك وقال حسن صحيح عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك "
- إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة