عيون الأدلة في مسائل الخلاف لابن القصار يطبع كاملا
صدر تحقيق موسَّع وكامل لكتاب "عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار"، تأليف: "ابن القصَّار المالكي، القاضي علي بن عمر البغدادي" (ت 397هـ)، حيث قام بتحقيقه الباحث المحقق د. أحمد بن عبدالسلام مغراوي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة ابن الطفيل بالقنيطرة- المغرب، وأصل الكتاب أطروحة علمية نال بها الباحث درجة الدكتوراه من جامعة "القاضي عياض" بمراكش، المغرب، حيث قام بالإشراف على البحث د. "الحسين آيت سعيد"، وتعد هذه الطبعة هي الطبعة الكاملة لجميع أجزاء الكتاب الموجودة بخزائن المخطوطات - عدا قطعتين من الفرائض والرهن كثيرتي الطمس -، وقد سبق إخراج طبعة مبتسرة منه تضم فقط المقدمة الأصولية وكتاب الطهارة فقط، أما هذه الطبعة التي تصدر في ستة مجلدات فتضم بالإضافة لدراسة المحقق المطولة، وتحقيقه لمقدمة الكتاب الأصولية، وكتاب الطهارة: قطعة كبيرة من كتاب الصلاة (54 مسألة)، والجهاد (34 مسألة)، والنكاح (33 مسألة)، والمعاملات (37 مسألة)، وهذه المسائل تقارب ضعف المطبوع سابقًا، فعدد مسائل الطهارة (86 مسألة).
وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروعِ إصدارات "دار أسفار" لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت.
ويعدُّ كتاب "عيون الأدلة" لابن القصّار مرجع أصيل في الخلاف العالي عند المتقدمين، والكتاب ذو منزلة بين مصنفات الاستدلال والترجيح، فقد تأثر بمنهجه كثير ممن جاء بعده، سواء من علماء المالكية أو غيرهم ممن صنَّف في علم الخلاف، أو من عُني بمحاكمة الحجج والأدلة، من أهل القرن الخامس والسادس، إلى جانب أنَّه يعد من أقدم ما وصل إلينا من الكتب الفقهية المؤلَّفة في الخلاف العالي، إلى جانب كونه من الكتب التي أوْلت الاستدلال بالأدلة النقلية والعقلية عنايةً فقهية.
وقد جمع فيه ابن القصار المالكي جملةً كبيرةً من المسائل الخلافية حيث بلغت مسائه ألفًا وأربعمائة وأربعين مسألة (1440)، ويتبين فيه طول نفس المؤلف في ذكر المناقشات والرد على الاعتراضات وقد يتكرر هذا عدة مرات في الدليل الواحد نفسه.
وقد كان الدافع لتأليفه هو سؤال الطلبة له بجمع ما تفرّق من مسائل الخلاف بين الإمام مالك وفقهاء الأمصار، قال رحمه الله: "سألتموني - أرشدكم الله - أنَّ أجمع لكم ما وقع إليّ من مسائل الخلاف بين مالك بن أنس رحمه الله وبين من خالفه من فقهاء الأمصار رحمة الله عليهم، وأن أبيّن ما عَلِمْتُهُ من الحُجج في ذلك، وأنا أذكر جملة من ذلك...".
وقد اختار ابن القصار المالكي منهجًا مناسبًا للغرض الذي من أجله أُلّف الكتاب، إذ رتّب أبوابه على الترتيب الفقهي المعروف، مصدّرا لذلك بمقدّمة أصولية، ويبتدئ كلّ مسألة بقوله: "مسألة"، ويذكرها من غير عنوان غالبًا، وإذا فرّع عليها فرعًا سمّاه فصلًا، ويبدأ أوّلا بسياق المسألة على مذهب مالك، ويذكر الخلاف داخل المذهب إذا وُجِدَ، ثم يذكر أقوال غيره من الأئمة، ويسوق في كثير من المسائل أقوال عدد من أئمة التابعين وتابعيهم، وبعد أن يُنهي المؤلّف ذكر الخلاف في المسألة يَشرعُ في الاستدلال لمذهب مالك بقوله: "والدليل لصحة قولنا"، أو "والدليل لقولنا"، ونحو ذلك، وهو في كلّ ذلك يحرص على بيان وجه الاستدلال من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.
وقد يذكُر رحمه الله دليلًا لمالك ولا يرتضيه لعدم توافقه مع أصول المالكية أو مع أصول المخالف، فيذكر وجه مخالفته، ثم يذكر كيفية إلزام المُخالف من وجه آخر. ولا يُشِير المؤلّف في الغالب إلى المصادر التي يعتمدها في إملاء كتابه، لكن من خلال التتبع يظهر أنه اعتمد ما سمعه وتلقّاه عن شيوخه وخاصة عن الأبهري، كما وردت الإشارة في الكتاب إلى أسماء بعض المصادر كشرح مختصر الطحاوي لأبي بكر الرازي، والحاوي لأبي الفرج الليثي، وكتاب ابن جريج في الحديث، وشرح مختصر المُزني، وغيرها.
ونجد ثناء العلماء على هذا المصنف، وتلقيه بالقبول الحسن، فقد قال الشيرازي في ترجمة المؤلف: «وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم كتابًا في الخلاف أحسن منه»، وقال أبو حامد الإسفراييني عنه: «ما ترك صاحبكم - يعني ابن القصار - لقائلٍ ما يقول»، وقد اختصره القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي نتيجة لأهميته في كتاب طبع مرَّة باسم "عيون المسائل"، وأخرى باسم "عيون المجالس". وابن القصار المالكي مؤلف الكتاب هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الشهير بابن القصَّار الأبهري الشيرازي البغدادي، و(القصَّار) نسبة إلى حرفة القصارة، وهي غسيل الثياب وتبييضها ودقها بقطعة من الخشب أعدت لهذا الغرض، ولعل والده أو جده كان يمتهنُ هذه الحرفة.
وهو أحد كبار فقهاء المالكية، ولد في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، نشأ ببغداد وتلقى العلم بها. تفقَّه بأبي بكر الأبهري، وحدث عن: علي بن الفضل الستوري وغيره، ثم أصبح قاضيًا ببغداد، حتى توفي بها سنة (397 هـ).
وقد تتلمذ على يديه جملة من أهل العلم من أشهرهم: القاضي أبو محمد عبدالوهاب بن علي التغلبي، والإمام أبو ذر الحافظ، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وجملة غيرهم.
وابن القصار يعد من الأعلام الذين حُفِظ بهم مذهب مالك، وومن لهم جهود في تثبيت وإعلاء شأن المذهب المالكي في العراق، قال فيه تلميذه الهروي "هو أفقه من رأيتُ من المالكيين"، وقال القاضي عياض في ترجمته: «كان أصوليًّا نظارًا، ولي قضاء بغداد». وقال تلميذه أبو ذر الحافظ يصفه: «كان ثقةً قليل الحديث». ومن مصنفاته: كتاب "عيون الأدلة"، ورسالة "المقدمة في أصول الفقه" وهي أقدم نص أصولي بعد رسالة الإمام الشافعي على غير طريقة الحنفية.
رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/culture/0/138251/#ixzz6BYUi7EwA