طالب العلم ومعاني القرآن



د. باسم عبدرب الرسول

مما ينبغي على طالب العلم أن يعتني به ويحرص عليه تعلّم معاني القرآن، فالقرآن هو أكبر الآيات التي أتت بها الرسل على الإطلاق، أكبر من إحياء الموتى وقلب العصا حية، {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ}. {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}.
والانتفاع بالقرآن حقا هو الانتفاع بألفاظه ومعانيه والاهتداء بهديه والاستشفاء بشفائه. نور القرآن إذا نفذ إلى القلب بدد ظلمات المعاصي والغفلة والهوى، فتدبّ في القلب حياة جديدة: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}، وتحصل في النفس الهداية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}، ويتغير السلوك -بإذن الله-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}.
في كثير من اللقاءات العلمية أتعمد أن أسأل طلبة العلم مَن منهم قرأ كتابا كاملا في التفسير؟ ودائما ما تكون النسبة منخفضة، وهذا أمرٌ محزنٌ للغاية، ربما يمرّ على بعض طلبة العلم السنة تلو السنة وهو لا يهتم بتفسير كتاب الله عز وجل ولا يجعله في خطته الدراسية، أو يهمل فيه ويقدم غيره عليه، ويظل على ذلك سنوات مضيّعا على نفسه علما من أولى العلوم التي كان ينبغي أن يشتغل بها، كيف يزعم شخص أنه يطلب العلم الشرعي وهو لا يتعلم معاني القرآن؟ وهل العلم إلا العلم بالوحي؟ وأصل ذلك العلم بالقرآن ثم العلم بالسنة المبينة.
ولو أنه أكبّ على كتاب الله حفظا ومدارسةً لمعانيه لوجد أثر ذلك في ازدياد إيمانه أولا، ثم في ازدياد علمه بالشرع؛ فالقرآن أصل العلوم كلها، فيه معاني الإيمان والأحكام الفقهية والمواعظ النافعة وأصول الدعوة إلى الله -تعالى- وسياسة الأمم وغير ذلك من العلوم الشرعية الشريفة ممتزجة مترابطة بطريقة سلسة وبألفاظ جزلة وبأسلوب راقٍ لا مثيل له.
والعلوم المستفادة من القرآن لا نهاية لها؛ لذلك قيل فيه: «لا يشبع منه العلماء، ولا يخلَقُ على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه»، فكلما أعمل الإنسان فكره في معاني القرآن تجددت له علوم لا حصر لها.
ثم من فوائد الاشتغال بالتفسير أنه يحتاج إلى آلات من اللغة والأصول يترقّى فيها يوماً فيوماً طالبُ العلم المشتغل بالتفسير الحريص على تحصيله؛ فهو سبيل إلى تحصيل هذه العلوم كي يحسن فهم القرآن.
ومن أعظم فوائد الاشتغال بعلم التفسير أنه اشتغال بكلام الله -تبارك وتعالى- فينال طالب العلم من بركة القرآن ما يرى أثره في وقته وفهمه وحفظه وهمته.