أريد أن أستعيد حقي من صديقتي


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال

الملخص:
فتاة تقدَّم لخطبتها شاب، وكان لديها صديقة أقنعتْها بالرفض، لكنها وافقتْ بعد ذلك عليه، ومِن ثَمَّ قامت هذه الصديقة بتشويه صورة الفتاة، من أجل أن يتركَها ويَخطب أختها، والآن تريد الفتاة أن تستعيد حقها وتنتقم من هذه الصديقة، وتسأل: هل هذا حرام شرعًا؟
التفاصيل:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم على هذا الموقع الرائع لأننا بأمسِّ الحاجة لاستشارتكم، أسأل الله أن يثيبكم خيرًا عنا.
أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، تقدم لخِطبتي شابٌّ من عائلة ثرية، توجد بين والده ووالدي صلةُ قرابة، ووالدي يحترمه ويحبه كثيرًا، حين تقدم لخِطبتي قمتُ بالتحدث مع صديقةٍ لي عنه، فما كان منها إلا أن بدأت بإقناعي بعدم الموافقة؛ متذرِّعة بأنه يقطن في الخارج - فهو يكمل دراسته في أوروبا - وربما يشرب الخمر، وأنه يشترط على مَن يتزوجها المكياج الكثير واللبس القصير؛ لذا فقد خفتُ منه، لم أكن أعلم أن صديقتي هذه تُدبِّرُ مكيدة لإبعادي عنه وأن تجعله لأختها، المهم أني بسبب ذلك الكلام ولأمور أخرى؛ منها:
أنه كان في ذهني شاب آخر، وأني كنت في فترة امتحانات ونفسيتي ضعيفة - قلت لوالدتي أن تخبرهم أني لا أريد الزواج الآن، بيد أن والدته أصرت على العودة بعد الامتحانات، وقد قررت أن أوافق عليه بعد الامتحانات، وعندما أخبرت صديقتي هذه بذلك، قامت هي ووالدتها بدعوة والدة الشاب وعرضت ابنتهم عليها، وقالوا لها أنني ووالدتي لا نفكر أصلًا في ابنها، وغيرتا أفكارها تجاهي أنا ووالدتي، وبعد الامتحانات سمعت خبر خطبة أختها من هذا الشاب، صُدمتُ أنا ووالداي جميعًا، وقد رسبتُ هذه السنة لشدة حزني من ذلك الأمر.

ما أود أن أستشيركم فيه هو أنني أوَد أن أستعيد حقي، وأطفئَ نارَ ذلك الألم المشتعل في صدري، فهل يجوز لي أن أخبرَ خطيبها بأن هذه الفتاة دخلت في علاقات مع شباب كُثُرٍ، وكلما تركت شخصًا دخلت في علاقة مع آخر؟
وهل يجوز فعل ذلك من خلال من كانت على علاقة به بأن أخبره أنها خدعته وتركتْه؛ لأنه فقط تقدم لها شخصٌ أفضل، ومثَّلت عليه أنها الفتاة البريئة، وهذا ما حدث بالفعل وكنت عليه شاهدة، وأطلُب منه أن يقول لخطيبها ما حدث، هل ما أوَد القيام به حرام شرعًا؟ وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194].

فإن كان حرامًا، فكيف يمكن لي أن آخذَ حقي؟ أرجو توجيهكم فأنا أتألَّم من هذا الأمر منذ سنتين وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
أولًا:
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ الهداية والتوفيق والسداد.
ثانيًا: نعيب عليكِ أيتها الأخت الفاضلة عدمَ اختيار الرفيقة الصالحة التي تعينكِ على صِعاب الحياة وتُقدِّم لكِ المشورة، وتعينكِ على طاعة الله؛ قال ابن قدامة في بيان الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته: "أن يكون عاقلًا، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا"؛ [مختصر منهاج القاصدين، ص: (99)].
ثالثًا: وضع العلماء ضوابط للمعاملة بالمثل، ومن هذه الضوابط ألَّا يكونَ الفعل محرمًا كالكذب والزنا واللواط وشرب الخمر، فلا يجوز أن نكذب للإضرار بمن كذب علينا، وهكذا.
وعليه؛ فما ترغبين فيه من الانتقام وإخبار الخاطب بما فعلتْه خطيبته من علاقات محرمة مع شباب قبل الخِطبة - لا يجوز؛ لِما فيه من إشاعة للفاحشة، وإفساد لِذَاتِ البَيْنِ، وهتك سِتْرِ فتاة، ولا سيما إذا تابت هذه الفتاة من علاقاتها، ومع احتمال أن تكون ما تعرفينه عنها غير صحيح، وأن رغبتكِ في الانتقام من أختها منعتكِ من التحقق والوصول للحقيقة. فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستر الله على عبدٍ في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)؛ [مسلم: (2590)].
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ أحلف عليهن: لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ... لا يستر الله عز وجل عبدًا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة))؛ [رواه أحمد: (23968)، وصححه الألباني في الصحيحة: (1387)].
فالمعاملة بالمثل جائزة ما لم تكن محرمة في ديننا، ولبيان معنى الآية التي استشهدتِ بها نذكر لكِ كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية يوضح المراد منها: "وقال: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]؛ الآية، فإن كان الشخصان قد اختَصما، نظر أمرهما، فإن تبين ظلم أحدهما، كان المظلوم بالخِيارِ بين الاستيفاء والعفو، والعفو أفضل، فإن كان ظلمه بضربٍ أو لَطْمٍ، فله أن يضربه أو يلطِمه كما فعل به عند جماهير السلف وكثير من الأئمة، وبذلك جاءت السنة، وقد قيل:
إنه يؤدَّب ولا قِصاصَ في ذلك.
وإن كان قد سبَّه، فله أن يسبَّه مثلما سبه إذا لم يكن فيه عدوان على حقٍّ محضٍ لله، أو على غير الظالم. فإذا لعَنه أو سماه باسم كلب ونحوه، فله أن يقول له مثل ذلك، فإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأنه لم يظلمه، وإن افترى عليه كذبًا، لم يكن له أن يفتريَ عليه كذبًا؛ لأن الكذب حرام لحِّق الله، كما قال كثير من العلماء في القصاص في البدن:
أنه إذا جرحه أو خنقه أو ضربه، ونحو ذلك، يفعل به كما فعل، فهذا أصح قولَي العلماء، إلا أن يكون الفعل محرمًا لحق الله كفعل الفاحشة أو تجريعه الخمر، فقد نهى عن مثل هذا أكثرهم، وإن كان بعضهم سوَّغه بنظير ذلك، وإذا اعترف الظالم بظلمه وطلب من المظلوم أن يعفوَ عنه ويستغفر الله له، فهذا حَسَنٌ مشروع"؛ [مجموع الفتاوى: (11/ 547 - 548)].
والنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة: أن تُعرضي عن هذا الأمر، وأن تنشغلي بإصلاح نفسكِ، فالذي يظهر من رسالتكِ أنكِ مقصرة في الطاعة وعندكِ بعض التجاوز في المعاملة، وعليكِ أن تحسني اختيار رفيقتكِ التي تعينكِ على طاعة الله، وتعينكِ على مصائب الحياة، وتقدم لكِ العون والاستشارة عند الحاجة إليها.
ولا تحزني على فوات خِطبتكِ من هذا الشاب، فما أصابكِ لم يكن ليخطئكِ، وما أخطأكِ لم يكن ليصيبكِ، فقَدَرُ الله كله خير مع الصبر والاحتساب.
وننصحكِ بالعفو والمسامحة فهو أفضل؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].
قال الأبشيهي: "والذي يجب على العاقل إذا أَمْكَنه الله تعالى ألَّا يجعل العقوبة شِيمتَهُ، وإن كان ولا بدَّ مِن الانتقام، فليرفق في انتقامه، إلَّا أن يكون حدًّا مِن حدود الله تعالى"؛ [المستطرف، ص: (197)].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6ANHz3QZn