تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

    السؤال:
    ما حكم تقسيم الدِّين إلى قُشورٍ ولُبٍّ، (مثل اللحية )؟
    الجواب:
    تقسيم الدين إلى قشور ولبّ: تقسيم خاطئ، وباطل؛ فالدين كله لُبٌّ، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله عز وجل، وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المرء، بزيادة إيمانه وإخباته لربه عز وجل؛ حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقربًا إلى الله عز وجل واتباعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يثاب على ذلك. والقشور كما نعلم لا ينتفع بها؛ بل تُرمى، وليس في الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما هذا شأنه؛ بل كل الشريعة الإسلامية لب ينتفع به المرء إذا أخلص النية لله، وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى الذين يروجون هذه المقالة، أن يفكروا في الأمر تفكيرًا جديًا؛ حتى يعرفوا الحق والصواب، ثم عليهم أن يتبعوه، وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات.
    صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة عظيمة؛ كأركان الإسلام الخمسة، التي بيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[1]، وفيه أشياء دون ذلك؛ لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان بل يرميها ويطرحها.
    وأما بالنسبة لمسألة اللحية: فلا ريب أن إعفاءها عبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وكل ما أمر به[2] النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه بامتثاله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بل إنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسائر إخوانه المرسلين، كما قال الله تعالى عن هارون: أنه قال لموسى: ﴿ قَالَ يَابْنَأُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ﴾ [طـه: 94]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها[3]، فإعفاؤها من العبادة، وليس من العادة، وليس من القشور كما يزعمه من يزعمه.
    سماحة الشيخ محمد بن عثيمين - «مجموع الفتاوى والرسائل» (ج3 / 124 - 125)


    ----------
    [1] البخاري (8)، ومسلم (16).
    [2] البخاري (5892، 5893)، ومسلم (259) من حديث ابن عمر، ومسلم (260) من حديث أبي هريرة .
    [3] مسلم (261) من حديث عائشة رضي الله عنها.


    رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/138051/#ixzz6AGb247cD
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة عظيمة؛ كأركان الإسلام الخمسة، التي بيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[1]، وفيه أشياء دون ذلك؛ لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان بل يرميها ويطرحها.
    نعم بارك الله فيك -فقه الاولويات مهم لان كثير من أدعياء الدين يستدلون بكلام بن عثيمين رحمه الله بترك الاهتمام بالاولويات وعدم تقديم الامور المهمة الكبيرة العظيمة على ما دونها تراهم لا يبدئون ولا يجعلون الاهم ما بدأ الله به وهذا هو واقع الكثير ممن تصدروا الدعوة- واليك هذا المقال -للشيخ صالح ال الشيخ فيه الجواب الشافى فى هذه المسألة- قال الشيخ - المهم والأهم مما تنافس في إدراكه العلماء والعقلاء؛ لأنه قد قيل في الأمثال السائرة بين العلماء: إن كل إنسان يعرف الخير من الشر؛ لأن الله جل وعلا هدى الإنسان إلى النجديين وهما طريقي الخير والشر، قالوا: والعاقل هو يعلم خير الخيريين لتحصيل ذلك الأخْيَر وشر الشرين ليجتنب الأشر عند تزاحم الخيرين أو عند توارد الشرين. الأهم والمهم: مما ينبغي لطالب العلم في نفسه أن يعلمه؛ بل ولكل مسلم أن يعلم ما يحتاج إليه منه، وينبغي للداعية أن يعلم ذلك وأن يكون بين عينيه، وكذلك ينبغي للآمر والناهي أن يكون رعاية الأهم والمهم أن تكون رعاية ذلك نصب عينه وفي قلبه. الأهم والمهم مأخوذ من وصية النبي عليه الصلاة والسلام، فهو أصل شرعي عليه دليله من الكتاب ومن السنة ومن النظر. وأصله الواضح من السنة قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذا إلى اليمن قال له «إِنّكَ تَأْتِي قَوْما أَهْلَ كِتَابِ فليكن أول ما تدعوهم إليه شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وأنّ محمداً رسولُ اللّهِ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمٍ وَاللَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم»، قال إمام هذه الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في مسائل كتاب التوحيد على هذا الحديث قال: وفيه البداءة بالأهم فالأهم. رعاية الأهم وتقديمه على المهم أصل شرعي دلّ عليه هذا الحديث، فإن الصلاة أعظم الأركان العملية في الإسلام ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة؛ ولكن التوحيد أهم منها ولهذا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته بالتوحيد، أمره ربه بأن يبدأ بذلك وقال له ?فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ?[محمد:19]، أمر معاذا أن يبدأ بالأهم وهو التوحيد ومعاذ داعية وهذا لاشك تقرير لأصل هذه المسألة وهو الأهم مقدم على المهم، فالصلاة مهمة للغاية وقدم عليها في الدعوة التوحيد لأنه الأصل ولأنه زبدة الرسالات الإلهية كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل هذه الجملة. رعاية الأهم ومعرفة المهم مصدرها الشرع، وليست العقول والأقيسة والاجتهادات بغير دليل مصدر ذلك، فقد يكون في الاجتهاد المماثلة؛ ولكن يظهر في نصوص الشرع المفارقة، فانظر مثلا إلى ركعتي الفجر مع أنها ركعتان كيف كانت مفضلة على الرباعية ?وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا?[الإسراء:78]، وكيف كانت هذه الصلاة فارقة بين المنافق والمؤمن، صلاة الفجر مثلا من حيث كونُها ركعتين متساوية في الصورة لصلاة النفل ركعتين؛ ولكن مع تساوي الصورة وتساوي القصد وهو الامتثال وتساوي الخشوع و الخضوع في الأصل فيهما؛ لكن الله جل وعلا جعل ركعتي الفجر -يعني الفريضة- مفضلة على ركعتي الفجر النافلة وعلى أي نافلة هي ركعتان. وهذا يدل على أن التفضيل وبيان الأهم من المهم إنما هو مصدره الشرع مصدره النصوص، فإن العقل المجرد قد يظن تساوي هذا وهذا. كذلك ريال يتصدق به وريال مثله يؤديه زكاة، الذي يؤديه في الزكاة أفضل من الريال الذي يؤديه صدقة مع تساويهما في الإحسان إلى المحتاج ومع تساويهما في القيمة؛ ولكن الله جل وعلا جعل هذا أفضل من ذاك وجعل الزكاة أهم من الصدقة. كذلك في الحج: حج الفرض يتساوى مع حج النفل في الصورة في الأعمال في الواجبات في الأركان؛ ولكن حج الفرض أهم وأهم من حج النافلة. كذلك العمرة، كذلك كثير من أعمال الشرع فإنها تتساوى في الصورة تتساوى في الأعمال في الأركان والواجبات وربما المستحبات؛ لكن تختلف مقاماتها عند الله جل وعلا وما يجب أن يقدّم عند التزاحم يختلف، وذلك ومصدر الاختلاف ومصدر التقديم عند المؤمن إنما هو النصوص. لهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «قال الله تعالى: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن استعاذني لأعيذنه ولئن سألني لأعطينه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من ذلك». دل الحديث على أن التفضيل وبيان الأهم عند المسلم مصدره الشرع مصدره النصوص، وهذا تبع لأصل عام وهو كما يقول العلماء: أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وجاءت لتقليل المفاسد أو درئها، جاءت الشريعة بتكميل المصالح وتحصيلها وجاءت بتقليل المفاسد أو درئها ودرئها أيضا، هذه القاعدة العظيمة معناها أن المصالح تحقيقها جزء من الشرع؛ بل غرض الشارع تحقيق المصالح أو استكمال المصالح. وإذا تقرر هذا فإن المصالح الشّرعية إنما تكون من أحد طريقين: الطريق الأول: أن يُنص في الشرع على المصلحة أو أن يكون الأمر الشرعي ظاهرا بيّنا في أمر ما، فإذا كان كذلك فحيث جاء النص فالمصلحة ثَمّ وليس العكس، حيث جاء النص فالمصلحة ثَم، فإذا جاءنا النص الشرعي فنعلم أن ما جاء به النص فهو الأهم وهو سبيل المصلحة. الطريق الثاني: ألا يعلم النص، أن تكون المسألة حادثة، أن تكون المسألة مجتهدا، فيها فهذا يجتهد فيه العلماء بحسب المصلحة، فما كانت المصلحة فيه أتم وأكثر فإننا نعلم بذلك أن الشرع أراد تحقيق المصالح أو تكميل المصالح، إذا كان ثَم مفسدة فإن الشرع يريد بتشريعه -من مقاصد الشارع في أحكامه- أن بدرء المفاسد أو أن يقللها، فإذا اشتبه الأمر ولا نص فإن رعاية المصالح أصل من أصول الشرع وإن درء المفاسد أصل من أصول الشرع. إذا تبين لك ذلك فإن رعاية هذه المسألة وتمييز المسلم فضلا عن الدّاعية فضلا عن طالب العلم، إنّ تمييزه بين المهم والأهم هذا من أعظم المقاصد التي لابد أن يحرص عليها المسلم والداعية وطالب العلم والعالم أيضا؛ لأن معرفة الترجيح بين هذا وهذا ينقض المرء من كثير من الإشكالات. ولهذا نقول: إن الصور التي يكون فيها مهم وأهم، إن الحالات التي يكون فيها مهم وأهم، يجب فيها أن يُقدم الأهم على المهم، ومعرفة الأهم والمهم مصدرها الشرع فيها جاءت النصوص به، أو مصدرها اجتهاد العلماء فيما جاء به اجتهاد العلماء؛ يعني في النوازل. فمن المسائل التي فيها أهم ومهم وهي كثيرة لا تفي بها هذه العجالة، منها أن شرائع الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الفرائض هذه تحصيلها مهم؛ ولكن تحصيل التوحيد أهم. وهذه القاعدة تنفع المسلم في إقباله على الحياة حيث إنه يعلم أن الأهم التوحيد، وأن الشرائع بعد ذلك، وذلك مستفاد من الحديث الذي سبق ذكره؛ وأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قدّم التوحيد على غيره في الدعوة وكذلك قدم التوحيد على غيره من أركان الإسلام فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «بُنِيَ الإسْـلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَدََا عبْدُه ورسُوله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رمَضَانَ وَحَجِ بَيْتِ الله الحرام» فالتوحيد أهم. يترتّب على ذلك أن يحرص المسلم على تصحيح عقيدته وتوحيده أعظم من حرصه على التفقه في فروع صلاته وأموره، نعم إن إتيانه بالصلاة والزكاة والصوم والحج واجب عليه، يجب عليه أن يأتي بها عن توحيد؛ ولكن تنقية التوحيد وتعلم التوحيد وما يضاد التوحيد أهم من تعلّم غيره؛ لأن بالتوحيد يثبت المرء في السؤال عند القبر، فإن المؤمن عند قبره فإن المقبور يسأل في قبره عن ثلاث مسائل كلها في التوحيد، عن ثلاثة أصول كلها في التوحيد وهي: من ربك؟ يعني من معبودك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ وإذا صلح توحيد المسلم كان ما بعده على رجاء العفو والغفران. في حق كل مسلم يجب عليه أن يرعى أن التوحيد أهم المهمات، وأن ما بعده من شرائع الإسلام مهم؛ قد يكون واجبا قد يكون مستحبا ولكنه ليس في منزلة التوحيد، يتفرّع عن ذلك الأحكام التي يصدرها المسلم على ما يرى من المجتمعات أو من الدول أو من الأوضاع أو من الدعوات أو غير ذلك، فإن العُمدة في ذلك رعاية الأهم وهو القيام بحق الله على العباد ألا وهو التوحيد، والقيام بنفي ضد ذلك ألا وهو الشرك. فإن ترك المعاصي ترك المحرمات ترك الكبائر مهم وأهم منه ترك الشرك والبعد عن الشرك لأن الشرك لا يغفر، والمعاصي إذا كانت واقعة من مسلم موحّد فإنها على رجاء الغفران. هذا ينفع المسلم فيها يأتيه ويذره، ينفع في تقييمه للأمور، ينفعه في تقييمه للأموال والأوضاع فهذه المسألة عظيمة الأهمية. المسألة الثانية أن الدعوة إلى الله جل وعلا مهمة، ورعاية فقه الأولويات فيها أهم، الله جل وعلا أمر بالدعوة فقال لنبيه ?وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ?[النحل:125]، وقال لنبيه ?قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي?[يوسف:108] وقال سبحانه ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?[فصلت:13]، وقال سبحانه ?ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?[النحل:125]. والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حث على الدعوة في أحاديث كثيرة ومنها قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لعلي في الحديث المتفق عليه الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال لعلي «لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم» يعني من الإبل الحمراء التي كان يتنافس فيها العرب في اقتنائها لعظم قيمتها، أمر الدعوة معلوم أهميته، معلوم قدره، معلوم فضل من عاناه وزاوله في أخص خاصته أم في أمر العامة، معلوم أهمية أمر الدعوة على سبيل الأفراد أو على سبيل الجماعات؛ ولكن من المهم في الدعوة أن يرعى فقه الأولويات فيها، معنى فقه الأولويات أن يُبدأ في الدعوة بالأولى فالأولى، فنبه على ذلك؛ بل أوضح ذلك نبينا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في رسالة لداعية من دعاة الإسلام وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال له «فليكن أول ما تدعوهم إليه» هذا فيه بيان لفقه الأولويات في الدعوة. الدعوة إلى شرائع الإسلام مطلوبة كلها مهمة. الدعوة إلى نفلٍ مهم، الدعوة إلى مستحب مهم؛ ولكن الدعوة إلى الفرائض أهم. الدعوة إلى ترك المكروهات مهمة؛ ولكن الدعوة إلى ترك الموبقات والمعاصي والكبائر أهم. الدعوة إلى ترك الصغائر مهمة؛ ولكن الدعوة إلى ترك الكبائر أهم. الدعوة إلى الإتيان بالفرائض العملية ولكن الدعوة إلى التوحيد أهم. يعني أن الدعوة مترتبا بترتيب أولوياتها هناك شيء مهم، هناك شيء أولي؛ ولكن هناك شيء أولى منه، وهكذا فمراتب الدعوة متنوعة، مراتب الدعوة درجات، وهذا إنما يظهر بالفقه في حال المدعوين، وهذا يختلف باختلاف البلاد، فهناك اختلاف البلاد بل واختلاف الأحوال والأشخاص، فالبلد التي يظهر فيها الشرك لا يعلم أهلها حق لله جل وعلا عليهم، فإن أول ما يدعى أهلها إليه أن يُدعوا إلى حق الله جل وعلا الأعظم عليهم وهو أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا، وهذه هي زبدة رسالات المرسلين جميعا ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ?[النحل:36] وهذا من أعظم ما يرعى. يكون الداعية في بلد يجهل أهلها بالعقيدة الصحيحة، يجهل أهلها التوحيد، فهذا يبدأ بهم بهذا الأمر الأعظم، ويدرجهم فيه الأهم فالأهم، كما قال الشيخ رحمه الله في مسائله: وفيه البداءة بالأهم فالأهم. والدعوة إذا تركت رعاية فقه الأولويات فإنها لا تصل إلى مبتغاها؛ لأنها قد فاتها الإتباع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في دعوته رعى الأولويات رعاية تامة، فدعوته في مكة معلومة تفاصيلها، ثم دعوته في المدينة معلومة تفاصيلها أيضا. دعوة الأفراد أيضا يُبدأ فيها بالأهم فالأهم، ما يأتيه المرء بالواجبات الشرعية يبدأ فيه بالأهم فالأهم، مثلا يأتي المرء ويبذل جهده وحسن خلقه؛ بل ويبذل من ماله لمن يدعوه خارج بيته، وربما هو في داخل بيته لا يبذل حسن، لا يبتذل مالا للدعوة، وهؤلاء أعني من بداخل البيوت بشر ومن هم خارج البيوت بشر، والجميع الدخول إلى قبولهم الدخول بطريقة واحدة؛ يعني في أصولها فرعاية البيوت أهم من رعاية من هم خارج البيوت، ولهذا تجد أن طائفة يدعون الناس خارج البيوت إلى أحسن ما تكون الدعوة في رعاية وحسن خلق وبذل مال وبذل عطاء ونحو ذلك؛ ولكنهم في بيتهم لا يبذلون ذلك مع أنّ نصيحة من في البيوت وتربية من في البيوت واجبة، ونصيحة من هم خارج البيت بيت المسلم ليست بواجبة إنما هي مستحبة على العين وقد تجب على الكفاية، الله جل وعلا قال لنبيه ?وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ?[الشعراء:214] وقال سبحانه ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا?[التحريم:6]. فإن البداءة في الدعوة مهمة من حيث الأشخاص بمن تبدأ في دعوتك والفشل كل الفشل أن يفشل المرء مع قرابتته وأهله؛ ولكنه تجده مع الأصدقاء أو من الزملاء أو مع من يعاشرهم ناجح، كيف صار ذلك؟ هذا من جراء عدم رعاية الأولويات والواجبات الأهم فالأهم، وإلا لو رأى ذلك لكان بذله وحسن خلقه عطاءه في بيته أعظم مما يفعله من ذلك خارج بيته. نسأل الله جل وعلا لنا ولأهلينا ولذرارينا التوفيق والهداية. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهم؛ لأن الله جل وعلا أمر به في كتابه فقال ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[آل عمران:104]؛ ولكن رعاية ما توجبه الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من الإتيان بمطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا يذكر علماء السنة في عقائدهم فصلا متعلقا بالأمر بالمعروف والنهي وهو ما يسمى بمنهج معاملة الخلق، فقال شيخ الإسلام مثلا في العقيدة الواسطية في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة قال: هم مع ذلك يأمرون-يعني من العقائد التي ذكرها في عقيدته- قال: وهم مع ذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. لأن الأمر والنهي قد ادعاه كثيرون، وادعته الخوارج، فإن الخوارج فيما فعلوا إنما فعلوا مريدين حقيقة الأمر والنهي، ادعته المعتزلة فيما فعلوا، ادعته الرافضة فيما فعلت، وهم في ذلك مجانبون لحسن الأمر والنهي، ولا يكون الأمر والنهي حسنا حتى يكون موافقا لما توجبه الشريعة، ولهذا قيده شيخ الإسلام في الواسطية بقوله: وهم مع ذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. فإذن رعاية الأمر والنهي مهم؛ ولكن رعاية ما توجبه الشريعة في الأمر والنهي أهم. ولهذا قال العلماء: ليكن أمرك بالمعروف من المعروف، وليكن نهيك عن المنكر بمنكر، وقال شيخ الإسلام في رسالته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من لم يتبين له وجه الترجيح بين المصالح والمفاسد فليس له الحق أن يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميدانه واسع، يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى الأفراد، يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى البلد، يدخل في الأمر والنهي على مستوى المجتمعات، يدخل فيه الأمر والنهي على ما هو أعظم من ذلك. فالأمر والنهي يحمد ومطلوب وواجب في الشرع؛ ولكن أهم منه أن يكون الأمر بالمعروف بالمعروف وأن يكون النهي عن المنكر ليس بمنكر، ولهذا قال (على ما توجبه الشريعة)، فهذا القيد أهم من الإتيان بالأمر والنهي. ولهذا اشترط العلماء في الآمر الناهي أن يكون عالما بما يأمر به وينهى عنه، عالما بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وغير ذلك من الشروط. ولهذا نستفيد من هذه أن الأمر والنهي إذا كان مهما، فأهم منه فقه الأمر والنهي، معرفة ما توجبه الشريعة في ذلك؛ لأن هذا به تصلح الأحوال، أرأيت أن رجلا لم يرع ذلك كيف سيخرجه عدم رعايته لما يوجبه الشرع من الأمر والنهي إلى أمور مخالفة لما أراده الله جل وعلا وأراده رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من معاملة الناس يأتي إلى رجل لا يصلي أصلا فيأمره بالوتر، يأتي إلى رجل لا يصلي أصلا فيأمره بأحد المستحبات، أو يأمره بأمر من الأمور بالأخرى من الذكر في الصباح والمساء، يأتي إلى رجل لا يحضر الصلاة فينهاه عن مشاهدة النساء، نعم نهيت وأمرت؛ ولكن ما رعيت فقه الأمر والنهي؛ لأن القلوب جعلها الله جل وعلا تقبل الحق شيئا فشيئا، لا تقبله جملة، وتترك الشر جملة، وإنما في الغالب أن تقلبه شيئا فشيئا. فإذن الإتيان بشروط الأمر والنهي هذا به يحصل المقصود، يتفرع عن هذا الأصل فرع آخر ذكره شيخ الإسلام وابن القيم وجماعة، وهو أنّ الغيرة على دين الله مهمّة؛ ولكن الأهم أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط الشرع وبأدلة الشرع. يقول ابن القيم رحمه الله في المدارج: إذا انغلق على المرء باب الغيرة على دين الله انغلق على قلبه محبة الله، وإذا انغلقت عن قلبه أبواب محبة الله انغلق على قلبه باعث العمل الصالح، وإذا فقد العمل الصالح قرب من كل شر وسوء. فالغيرة على دين الله، على محارم الله، على حدود الله، على الإسلام وأهله، هذا أمر واجب ومطلوب، وبه تفتح أبواب الخيرات على قلب العبد المؤمن؛ ولكن أهم منه أن تكون هذه الغيرة الواجبة قامت في القلب على وفق ما أرشد إليه الشرع، الفِرق التي ضلت في باب معاملات الصحابة، وفي باب معاملة الولاة وفي باب معاملة المسلمين من حيث تكفيرهم تكفير العصاة، ومن حيث تضليل الأمة ونحو ذلك أتى لهم ما قالوه أو فعلوه أو اعتقدوه من جهة الغيرة، كانوا أصحاب غيرة على دين الله، غاروا على القرآن، غاروا على الإسلام؛ ولكن غيرتهم لم تكن على وفق الشرع فصارت باطلة قادتهم إلى السوء. ولهذا قال العلماء: إن الغيرة تكون محمودة وتكون مذمومة، فإذا كانت على وفق الشرع كانت محمودة، وإذا كانت على وفق الهوى كانت مذمومة. وهذا الباب باب واسع، نعم الغيرة أمرها مطلوب؛ بل إنها ينفتح على القلب المؤمن الأعمال الصالحة ومحبة الله جل وعلا، النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار على حرمات الله، يُرى في وجهه الغضب على حرمات الله، والله جل وعلا أغير على حرماته من خلقه، إن الله جل وعلا يغار أن يزني عبده أو أن تزني أمته، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار على حرمات الله وكل مؤمن متبع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار الغيرة الشرعية. ولكن افترق الناس في هذه الغيرة، منهم من غار غيرة محمودة ومنهم من غار غيرة مذمومة. منهم من غار الغيرة المذمومة فقادته إلى مخالفة أمر الله في المنهج والسلوك والمواقف مع الناس ومع الجماعات ونحو ذلك، فيجب أن تكون الغيرة على وفق الشرع. الغيرة بمنهج أهل السنة والجماعة مطلوبة وواجبة؛ لكن الأهم منها أن تكون الغيرة على عقيدة أهل السنة والجماعة على ما أصّله أهل السنة والجماعة، فإن الغيرة عليها قد تنحرف بالمرء إلى مهاوي الردى بأن يغار بهواه، وتكون غيرته ناتجة عن سوء فهم، ويكون قصده صحيحا ولكن يكون فعله.... وقد كان في الأمة من هؤلاء كثير في كل زمن، فأهل السنة بين الغالي والجافي؛ منهم من غلا ومنهم من جفا، والمحققون المتابعون للسنة والجماعة بين هذا وهذا. فالغيرة على الدين، الغيرة على التوحيد، الغيرة على عقيدة أهل السنة والجماعة، الغيرة على علماء الإسلام، هذه يجب أن تكون على أصولها، وهذا أهم لأنها إن لم تكن على أصولها الشرعية قادت أصحابها إلى مهاوي الردى والعياذ بالله، ضلوا فأضلوا، أو زلوا فأزلوا، ولهذا كان دعاء العلماء وأخص الدعاء بالعلماء أنهم يقولون في دعائهم عند خروجهم من بيوتهم؛ بل وفي كل حال: اللهم إنا نعوذ بك أن نزل أو نزل، أو نضل أو نضل أو أن نجهل أو يجهل علينا. هذا من الدعاء العظيم؛ لأنه بالزلل يحصل الخلل والمرء يجب عليه أن يتابع الشرع في ذلك كله. إصلاح الظاهر بالمتابعة سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مهم؛ ولكن إصلاح الباطن بالإخلاص أهم؛ لأن المتابعة منها ما هو واجب ومستحب، وأما الإخلاص فهو واجب والإخلاص هو تصفية القلب من إرادة سوى الله جل وعلا بالقول أو بالعمل أو بالاعتقادات يخلص القلب عن إرادة ما سوى الله جل وعلا. إن الاتباع الظاهر للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وإن صلاح الظاهر مهم؛ ولكن إصلاح الباطن بحسن المعاملة والتعامل وصدق التعامل مع الله جل وعلا هذا أهم؛ لأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، فكم من إنسان لم يصلح قلبه وكان ظاهره صالحا، ثم ضل بعد ذلك لأجل عدم رعايته لصلاح قلبه، وقد قال العلماء في الحديث الذي جاء فيه أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ورجل آخر يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذارع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها قال العلماء: من عمل بعمل أهل الجنة في الظاهر ثم خُتم له بسوء الخاتمة، الغالب في هؤلاء أنهم لم يصلحوا باطنهم، وإنما كان ظواهرهم صالحة وأما بواطنهم ففيها من الشكوك والشبهات والشهوات ما الله بها عليم. فالواجب على العبد أن يرعى ظاهره لأنه مهم، ويرعى ما هو أهم من ذلك برعاية باطنه وهو قلبه بإصلاحه وإخلاص القصد والعمل والوجه لله جل وعلا، ولهذا قال تعالى فيمن ادعوا الجنة قال سبحانه ?وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ?[البقرة:111] بيّن أن البرهان صلاح الباطن وصلاح الظاهر، وقدّم صلاح الباطن على صلاح الظاهر لأهميته وقال سبحانه بعد هذه الآية ?بَلَى? يعني سيدخل الجنة ?مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ?[البقرة:112] من أسلم بالإخلاص وهو ومحسن وهو متابع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهو محسن بقوله وفعله. طلب العلم وتعليم العلم مهم، ورعاية التدرج فيه أهم، إن طلب العلم مهم، العلماء رفع الله قدرهم في الدنيا وفي الآخرة قال سبحانه ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ?[المجادلة:11] قال سبحانه ?وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا?[طه:114]، وقال ?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ?[الزمر:9]، طلب العلم مهم أُغْد عالما أو متعلما، تعليم العلم مهم، وأهم منه أن يكون ذلك التعلم والتعليم على وجه التدرج، ممتثلا فاعِلُ ذلك قولَ الله جل وعلا ?كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ?[آل عمران:79]، قال أبو عبد الله البخاري في صحيحه: الربانيون هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره. من المهم أن تطلب العلم؛ لكن أهم من ذلك أن تطلب العلم على تدرج، تأخذ المسألة فالمسألة، تأخذ الأولى فالأولى، تأخذ المرتبة الأولى ثم تصعد درجة إلى ما هو أصعب وهكذا، قال أبو شهاب الزهري فيما رواه ابن عبد البر في الجامع ورواه غيره قال: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة؛ ولكن يطلب العلم على مر الأيام الليالي. ... الذي حصّله العلماء الراسخون، لابد إن كنت من محبي العلم أن تسير في طلب العلم على التدرج؛ بالعناية بالمتون، العناية بأوائل العلوم، ثم تتدرج، لم تحسن الأوائل فتذهب إلى الكتب المطولة، لم تحسن الحكم حكما بدليله، معرفة المسألة بدليلها، فتذهب إلى اختلافات العلماء والأقوال في ذلك، هذا الإخلال بالتدرّج يحجب عنك الوصول إلى مبتغاك في العلم. تعليم العلم مهم، وأهم منه أن يجعل طالب العلم الذي يعلّم العلم أو العالم الذي يعلم العلم يجعل درسه على قاعدة التدرج، يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، إذا علّمتهم الألف والباء والتاء والثاء، فإنهم بعد ذلك، سيتعلمون تركيب الجمل؛ يعني إذا علمتهم المسائل الأولى في التوحيد المختصرات فيه، المختصرات في العقيدة، المختصرات في الفقه، بعد ذلك سينتقلون إلى مرحلة أكبر، سيكون التدرج كبناء البناء، إنما يكون شيئا فشيئا، وإذا جمعت للبناء عدّته من جميع أصناف ما يحتاج إليه ورسمت هذه على هذه دون تدرج، فإنك لا تصل إلى بغيتك والله جل وعلا خلق السماوات والأرض في ستة أيام، قال بعض أهل التفسير: ربنا جل وعلا قادر على أن يخلق ذلك وأعظم منه بكلمة، على أن بخلق ذلك في لحظة؛ ولكن خلق ذلك في ستة أيام لحكم كثيرة، منها أن يعلم خلقه الذين يشهدون هذا الملكوت أن الأمور العظام إنما تكون بالتدرج وبرعاية الأمور وبرعاية الشيء فالشيء. كثير منا من يُعلم العلم، كثير منا من يتعلم العلم؛ لكن إن فاتت المنهجية فات التدرج فاتك خير كثير؛ لأن العلم بالأهم فالأهم. يطلب الناس العلوم وهي كثيرة، هذا تجده يطلب السيرة، وذلك يطلب الحديث، يخرج الحديث يعرف الضعيف من السقيم والرواة والتجريح والتعديل، وذك يعلم تفاصيل في مسألة ألف رسالة؛ بل رسائل في مسائل؛ ولكنه لا يعلم مسائل التوحيد بأدلتها، لا يعلم مسائل عباداته التي يزاولها بأدلتها، هذا فاته أن يرعى الأهم، نعم إن طلب العلم مهم، وجميع العلوم المستحب منها والواجب كلها مهمة؛ لأنها من الشرع ولكن العلم درجات، والأهم يقدم على المهم. ولهذا تجد أن كثيرا من طلاب العلم في هذا الوقت، تجد أنهم يقرؤون كثيرا، ولا يحصلون كثيرا، يحصلون ماداموا قريبين من القراءة؛ لكن ما أسسوا العلم على أصوله؛ لأنه فاتهم الأهم وهو التدرج. فإذن هذه قاعدة وهي أن طلب العلم مهم ولكن التدرج في طلبه أهم، إن التعليم تعليم العلم مهم؛ ولكن التدرج في ذلك التعليم أهم. نقول أيضا: إن طلاب العلم ينبغي لهم أن يحرصوا على من يعلمهم صغار العلم قبل كباره، يحرصون على من يبدأ بهم بالأصول بالمتون، يأتي آت ويقول فلان الشيخ أو العالم أو طالب العلم ليس عنده تفصيل في المسائل، نعم إن عدم تفصيله الطويل في المسائل هذا هو الذي زينه وهذا هو الذي ينفعك لأن طالب العلم المعلم لا يأتي للمتعلمين بكل ما عنده، وإنما ينشئهم خطوة فخطوة وإلا لو أتى بما عنده فإنه يمكنه أن ينظر في الكتب ويأتي لهم بالمسألة الواحدة بما يدوم عندهم إلى عشرين جلسة مثلا، يؤلف منها كتابا يعرض الأقوال فيها كثيرة يوصل في المسألة الواحدة إلى خمسة أقوال تسعة أقوال عشرة أقوال؛ بل إلى أربعين قولا في بعض المسائل، هذا ليس العلم. العلم إحكام الأصول وإحكام مقاعد العلم، العلم بالقواعد، العلم بالأولويات حتى إذا علمت الأول، بعد ذلك يأتي إليك الثاني وقد تمرن ذهنك على الأول، فيرتقي ذهنك في إدراك العلوم، نعم إن طلب العلم مهم ولكن التدرج فيه أهم، إن التعليم مهم؛ ولكن التدرج في التعليم أهم. ثم إن الإخلاص في ذلك جميعا مهم ومهم ومهم، وأيضا أهم من كثرة الإلقاء، أهم أن يكون العبد مجاهدا نفسه في الإخلاص. قال العلماء ضابط الإخلاص في العلم أن ينوي رفع الجهالة في نفسه، سئل الإمام أحمد كيف يكون طالب العلم ذا نية في العلم؟ فقال: يكون طالب العلم ذا نية في العلم إذا نوى رفع الجهالة عن نفسه. يطلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه، أتى بالإخلاص فيه، بالنية الصالحة فيه، حتى يرفع الجهل عن نفسه ليعلم أمر الله ونهيه، ليعلم ما أخبر الله في كتابه وما أخبر النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في السنة من العقائد وأخبار الغيب ليعتقد ذلك، هذه نية صالحة. المعلم فنيته الصالحة بأن ينوي رفع الجهل عن غيره وعن نفسه؛ لأنه إذا علم فإنه سيستفيد هو ويفيد غيره. إذن فهذا الإخلاص في العلم، الإخلاص في التعلم، الإخلاص في التعليم، هذا مهم للغاية. إذن إرشاد الناس مهم؛ ولكن الكلمات في إرشادهم أهم، نعم إن الداعية يلقي الكلمات ويحاضر، إن العالم يبين الحق ويوضح المقال، وذلك كله مهم لأنه واجب في الشرع على الكفاية ويستحب في حق الأكثر؛ ولكن الأهم أن يتنبه الملقي لكلماته، لأن المتلقي للكلمات قد يحمل المجملات على فهمه هو؛ فيحمل فيها على غير مراد المتكلم، وقلة الكلام وضبط الكلام أولى من كثرة المسائل والفروع دون رعاية لما يأتي وما يذر حسب الاستطاعة. هذه القاعدة مهمة، أنت في لقاءٍ مع إخوانك فيما تتكلم، فيما تنقل فيه مع العلماء، وفيما تنقل منه من الدعاة، وليكن تعبيرك سليما، لا تعبّر بما تفهم دون تدقيق، كذلك المتكلم إذا تكلم ينتبه إلى أن يكون كلامه دقيقا حتى لا يُحمل على غير ما يريد. إن طلب الحق مهم، وإن الاعتراف بالخطأ أهم، إنّ إرشاد الناس إلى الحق أمر مهم، وقد يخطئ المرشد يخطئ الداعية فيما يرشد الناس إليه، فرجوعه عن خطئه أهم، ولهذا لما أفتى أحد علماء السلف في مسألة في الحج بفتوى أخطأ فيها، كان يظن أنه مصيب، ثم بعد ذلك أرشد إلى دليل في المسألة فرجع عن قوله فيها فاستأجر مناديا ينادي في فجاج منى: من أفتاه فلان فليقبل، من أفتاه فلان في مسألة فليقبل، حتى إذا اجتمعوا أخبرهم برجوعه عن كلامه. نعم إن المراجعات مهمة، إن الاعتراف بالخطأ مهم؛ لأنه يجعل المرء في نفسه يعلم أن نفسه تخطئ، وأنه ليس بمعصوم عن الخطأ، وكذلك يزيد في قدره عند الآخرين؛ لأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. هذه أصول مجملة مختصرة؛ لكن فيها إرشاد وبيان لمسائل أحسبها مهمة؛ لأنها ضوابط والضوابط تعصم العقل من الخطأ، وكذلك تعصم العمل من الضلال، وكذلك تعصم اللسان من الافتراء، فإن معرفة العبد الحقوق الشرعية والضوابط الشرعية بأدلتها هذا مهم وأهم للغاية؛ لأنه عند الاشتباه يحصل كثير من الزلل. بقي أن نقرر قاعدة وهي أن هذه التقاسيم من مهم وأهم، هذه إنما تستفاد من أهل العلم؛ لأنني ذكرت أن موردها ودليلها النصوص وليس العقل والاستحسان، فتقسيم الأشياء، تقسيم مراتب الأمور الشرعية ومراتب ما يزاوله المرء، هذا إذا كان فيه نص فإن العلماء يبينون الأهم والمهم من ذلك.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

    من مظاهر عدم تقديم الاولويات والاهتمام بالمهم فالاهم - عدم الاهتمام -ببيان التوحيد والشرك - وأهمية الولاء والبراء وإظهارذلك - وكذلك توحيد المتابعة للنبى صلى الله عليه وسلم وبيان ذلك في الدروس والمحاضرات والمواعظ وخطب الجمعة والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وغيرها من وسائل الدعوة،- لابد من الاهتمام بهذين الأصلين في الدعوه لكونهما لبّ الدعوة وأسّها، وما بُعث الأنبياء إلا لبيانهما. و الضعف يظهر في عدم الاهتمام بهذين الاصلين والاكتفاء بمواضيع عامة يشترك في الاهتمام بها جميع الطوائف والنحل والفرق، مع مسيس الحاجة لبيان التوحيد والسنّة لكثرة المخالفين ودعاة الباطل في هذه الأزمنة. فبعض الدعاة من المنتسبين إلى السنّة إذا سمعته في دروسه ومحاضراته لا يظهر لك انتسابه إلى السنّة وتمسّكه بها من خلال كلامه، فتجده يتكلم كلاماً عاماً لا يظهر من خلاله التمسك بمنهج أئمة الاسلام وعلماء الدعوة، ولا تبدو منه تلك الصِّبغة في استدلاله واستشهاده وتقريراته وتنبيهاته على مسائل التوحيد والسنّة في ثنايا كلامه وغير ذلك مما ينبغي أن يكون عليه من التوحيد والاتباع، فلا يجد المستمع فرقاً واضحا بين هؤلاء وغيرهم من المخالفين للكتاب والسنة لعدم التمييز فى الطرح فى فقه الاولويات بل يهتمون فقط بما يرضى اهواء البعض ممن يؤمنون ببعض ايات الله ويكفرون ببعض - بل يتكلمون فى امور لا تسمن ولا تغنى من جوع

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

    تقسيم الدين إلى أصل وفرع
    فهذا التقسيم قد جنيّ عليه من كثير من الناس على اختلاف مشاربهم ومآخذهم .
    - فمنهم من أثبته على وجه باطل وباصطلاح عصري فيقول الدين ينقسم إلى قشر و لباب وهو لم يذهب إلى هذا التقسيم إلا ليلوذ به عند مطالبته الالتزام بأحكام الشرع وتلقف هذا التقسيم بعض المثقفين والعلمانيين والمنافقين فتجده معرض عن زبدة رسالة الانبياء والمرسلين حليق اللحية مسبل ثيابه لا يلتزم الهدي الظاهر زوجته كاسية عارية والصور والتماثيل تملأ أركان حجرته يعتقد ان الدين مجرد شعائر فى المسجد فقط فإذا أمرته بالتزام الشرع وحقيقة الدين قال يا أخي دعك من القشور وعليك بلباب الدين واصله فإذا سألته عن أصله ما هو ؟ تجده من أجهل الناس به وإن أجابك بشيء تجده أبعد الناس عن التزامه - فالقشور هو ما لا يلتزمه من الدين واللب هو ما ينشغل به لا ما يقرره الكتاب والسنة فيأخذ من الدين ما يخدم أفكاره ومنهجه المعوج وإنا لله وإنا إليه راجعون .
    - على الطرف المقابل قوم جعلوا الدين كله اصل لا فرع فيه بناءاً على أن الإيمان هو جملة الفرائض وأن الأيمان شيء واحد لا يتجزأ ولا يتفاضل وأنه إما أن يذهب كله أو يبقى كله وقرروا أن أي مخالفة هي ناقض لأصل الدين فكفروا بالمعاصي أو الإصرار على المعصية وهؤلاء هم الخوارج
    - وطائفة أخرى ترددت وتناقضت في نفيه وإثباته – أي التقسيم - فهي تنفيه ردة فعل أو سوء فهم ،ردة فعل للفريقين المتباينين السابقين- فقطعوا على هؤلاء وهؤلاء حجتهم - فلاذوا لكلام لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في بعض مواضع من كتبه وخلاصته أن تقسيم الدين إلى مسائل أصول ومسائل فروع تقسيم محدث لم يعرف عن الصحابة ولا السلف رضوان الله عليهم وإنما هو من إحداث المعتزلة وأهل الكلام ونقله من تأثر بهم من أهل الفقه وتجاهلوا تواتر هذا التقسيم عنه رحمه الله وكثرة استعماله له هو وغيره من أهل العلم ولم يكلفوا أنفسهم في توجيه كلامه رحمه الله في هذه المواضع فوقعوا في هذا التناقض .
    - وهذا الفهم المغلوط لكلام شيخ الإسلام رحمه الله كان له نتائج سيئة في تناول كثير من مسائل وقضايا العمل الإسلامي فميعت كثير من المفاهيم وغابت كثير من الحقائق ودخلت مسائل التوحيد فيما يزعمونه " الثوابت والمتغيرات" وفقد الرباط بين قضايا ومسائل الدين وأصله وصار القليل من الناس من يعرف كيف الربط بين أركان التوحيد وبين أصل الدين فلا يعرفون ( مثلاً ) علاقة الحكم بأصل الدين والتوحيد بل يظن الكثير من الناس أنه سياسة ولا علاقة لها بالدين فضلاً عن اصله وكذا الولاء وصلته بأصل الدين فرفعت الرايات الجاهلية من قومية ووطنية وفشت مظاهر الشرك بكل صورة من عبادة القبور وعبادة الطواغيت وغير ذلك مما لا يخفى على ذي لب وهذا كله من الجهل الذي هو ثمرة التباس المفاهيم .
    - هذا و كثير من المسائل والأحكام الشرعية يكون لها اعتبارات مختلفة فتختلف العبارات فيها لاختلاف الاعتبارات في النظر إليها ، فمثلا النظر إلى الدين من جهة القبول والانقياد والتصديق والاعتقاد فلا فرق من هذه الجهة بين أصل الدين وفرعه فالواجب على الخلق كلهم تصديق الرسول فيما أخبر وطاعته في ما أمر فإن كذّب الرسول في أمر علم أن الرسول قد اخبر به فهو كافر لا فرق بين أصول وفروع خلافا للمعتزلة وأهل البدع
    - أما بالنظر إلى الدين من جهة الإتيان والترك والموافقة والمخالفة فهنا يفرق بين الأصل والفرع
    والأصل في تقسيم الدين إلى أصل وفرع هو قوله تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا مبينا "
    ففي هذه الآية انقسم الدين إلى قسمين ( من جهة الضد )
    1- قسم هو الشرك وضده هو التوحيد أو الإسلام العام
    2- وقسم هو ما دون الشرك وضده هو الإيمان الواجب والكامل
    وهذا التوحيد الذي ضده الشرك هو أصل الدين وهو ما ندندن حوله نريد إثباته ونضع حدوده وخصائصه وهو أصل الدين الذي لا يقبل الله غيره من الأولين والآخرين.
    -قال صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " فليس الإتيان بلا إله إلا الله كالإتيان بإماطة الأذى عن الطريق هذا أمر معروف ولابد من تمييز أصل الدين عن فرعه حتى لا تلتبس المفاهيم وتغيب الحقائق كما هو الآن واقع .
    - لهذا ولغيره أكتب هذه الورقات التي أوضح فيها أن هذا التقسيم معروف ومقرر لدى أهل العلم بل ما من أحد استعمله وتواتر عنه مثل شيخ الإسلام رحمه الله في كل مؤلفاته فأقول والله الموفق :
    إن كلام شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله الذي ذكره في بعض مواضع من كتبه والذي يحتج به من يذهب إلى نفي هذا التقسيم ليس في نفي ذات التقسيم وإنما نفاه رحمه الله بحسب ما تعلق به من أحكام باطلة عند أهل البدع .
    وهذا أمر مقرر عند شيخ الإسلام رحمه الله في نفي الأسماء والأحكام يقول رحمه الله في :
    مجموع الفتاوى ص جـ7 صـ420:
    "… وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به فلا يجب إذا اثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام وهذا في كلام العرب وسائر الأمم لأن المعنى مفهوم مثال ذلك المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفى موضع آخر يقال ما هم منهم قال الله تعالي قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو الناكلين عن الجهاد الناهين لغيرهم الذامين للمؤمنين منهم وقال فى آية أخرى ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون وهؤلاء ذنبهم أخف فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهى ولا سلق بألسنة حداد ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين فى الباطن بقلوبهم وإلا فقد علم المؤمنون انهم منهم فى الظاهر فكذبهم الله وقال وما هم منكم وهناك قال قد يعلم الله المعوقين منكم فالخطاب لمن كان فى الظاهر مسلما مؤمنا وليس مؤمنا بأن منكم من هو بهذه الصفة وليس مؤمنا بل أحبط الله عمله فهو منكم فى الظاهر لا الباطن.."
    - وهذه القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام هي حقاً قاعدة ذهبية ومن يتأملها يجدها حلاً لكثير من الإشكالات سواء في توجيه كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة وغيرها من المسائل خاصة مسائل الإيمان والكفر أو في كلام الشارع كما بين رحمه الله بالأمثلة السابقة وغيرها موجود في موضعه .
    - ذلك وكل من يقرأ لشيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله لا يكاد يمر على كتاب من كتبه إلا ويجده مستعملاً لهذا المصطلح وهذا التقسيم وسوف أنقل عنه رحمه الله من ا لنقو لا ت ما يبين ذلك وأنه قد نفى هذا التقسيم باعتبارات معينة أذكرها إن شاء الله وقبل أن أذكرها أنقل ما يحتج به من يذهب إلى نفي هذا التقسيم حيث يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ص جـ23 صـ346:
    "……فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع فهذا الفرق ليس له اصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء فى كتبهم وهو تفريق متناقض فانه يقال لمن فرق بين النوعين ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع فان قال مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هى مسائل العمل قيل له فتنازع الناس فى محمد هل رأى ربه أم لا وفى أن عثمان افضل من على أم على افضل وفى كثير من معانى القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هى من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق……"
    وقال رحمه الله مجموع الفتاوى ص جـ13 صـ125 :
    "…….بل جعل الدين قسمين أصولا وفروعا لم يكن معروفا فى الصحابة والتابعين ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين أن المجتهد الذي استفرغ وسعه فى طلب الحق يأثم لا فى الأصول ولا فى الفروع ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة وأدخله فى أصول الفقه من نقل ذلك عنهم وحكوا عن عبيد الله بن الحسن العنبرى انه قال كل مجتهد مصيب ومراده انه لا يأثم وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما…."

    وقال أيضاً منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 88
    "….. وقالوا هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين لا في مسألة عملية ولا علمية قالوا والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره قالوا والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة فهي باطلة عقلا فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة…."
    إلى غير ذلك من المواضع التي أشار فيها شيخ الإسلام إلى نفي هذا التقسيم

    فأقول إن شيخ الإسلام رحمه الله في هذه النقولات إنما نفي تقسيم الدين لمسائل أصول ومسائل فروع باعتبارات معينة لا أنه ينفي أصل التقسيم والمتأمل في سياق ما سبق من نقولات عنه رحمه الله يتأكد لديه هذا والله أعلم .
    -الاعتبار الأول: نفي تقسيم الدين إلى أصول وفروع باعتبار الأصول الباطلة التي أبتدعها أهل البدع من المعتزلة وأهل الكلام وغيرهم وهذا يتضح من كلام شيخ الإسلام رحمه الله حيث يقول في:
    1- درء التعارض ج: 1 ص: 275:
    " وهؤلاء الذين يعارضون الكتاب والسنة بأقوالهم بنوا أمرهم على أصل فاسد وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها هي الأقوال المحكمة التي جعلوها أصول وجعلوا قول الله ورسوله من المجمل الذي لا يستفاد منه علم ولا هدى فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المحكم والمحكم من كلام الله ورسوله هو المتشابه كما يجعل الجهمية من المتفلسفة والمعتزلة ونحوهم ما أحدثوه من الأقوال التي نفوا بها صفات الله ونفوا بها رؤيته في الآخرة وعلوه على خلقه وكون القرآن كلامه ونحو ذلك جعلوا تلك الأقوال المحكمة وجعلوا قول الله ورسوله مؤولا عليها أو مردودا أو غير ملتفت إليه ولا متلقي للهدى منه ……… ثم هؤلاء يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المجملة دينا يوالون عليه ويعادون بل يكفرون من خالفهم فيما ابتدعوه ويقول مسائل أصول الدين المخطئ فيها يكفر وتكون تلك المسائل مما ابتدعوه……فهؤلا ء ارتكبوا أربع عظائم أحدها ردهم لنصوص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والثاني ردهم ما يوافق ذلك من معقول العقلاء والثالث جعل ما خالف ذلك من أقوالهم المجملة أو الباطلة هي أصول الدين والرابع تكفيرهم أو تفسيقهم أو تخطئتهم لمن خالف هذه الأقوال المبتدعة المخالفة لصحيح المنقول وصريح المعقول.."
    2- ويقول رحمه الله مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 305:
    "….والتزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفى صفات الرب مطلقا أو نفى بعضها لأن الدال عندهم على حدوث هذه الأشياء هو قيام الصفات بها والدليل يجب طرده والتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضا في غاية الفساد والضلال ولهذا التزموا القول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الآخرة وعلوه على عرشه إلى أمثال ذلك من اللوازم التي ألتزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده وأما الدين الذي قال الله فيه أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله فذاك له أصول وفروع بحسبه وإذا عرف أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن الرسول وأما من شرع دينا لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق…."
    3- ويقول رحمه الله : مجموع الفتاوى ج: 4 ص: 55
    "…ومن العجب أن أهل الكلام يزعمون أن أهل الحديث والسنة أهل تقليد ليسوا أهل نظر واستدلال وأنهم ينكرون حجة العقل وربما حكى إنكار النظر عن بعض أئمة السنة وهذا مما ينكرونه عليهم
    فيقال لهم ليس هذا بحق فإن أهل السنة والحديث لا ينكرون ما جاء به القرآن هذا أصل متفق عليه بينهم والله قد أمر بالنظر والاعتبار والتفكر والتدبر في غير آية ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة ولا أئمة السنة وعلمائها أنه أنكر ذلك بل كلهم متفقون على الأمر بما جاءت به الشريعة من النظر والتفكر والاعتبار والتدبر وغير ذلك ولكن وقع اشتراك في لفظ النظر والاستدلال ولفظ الكلام فإنهم أنكروا ما ابتدعه المتكلمون من باطل نظرهم وكلامهم واستدلالهم فاعتقدوا أن إنكار هذا مستلزم لإنكار جنس النظر والاستدلال وهذا كما أن طائفة من أهل الكلام يسمى ما وضعه أصول الدين وهذا اسم عظيم والمسمى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك قال المبطل قد أنكروا أصول الدين وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان فالدين ما شرعه الله ورسوله وقد بين أصوله وفروعه ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله كما قد بينا هذا في غير هذا الموضع فهكذا لفظ النظر والاعتبار والاستدلال……"
    4- ويقول رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية ج: 1 ص: 101
    "… فلا معنى لإنكار ما هو الحق الثابت بالشرع والعقل لاستلزام ذلك بطلان حجة مبتدعة أنكرها السلف والأئمة لأجل دعوى من ادعى من أهلها أنها أصل الدين الذي لا يعلم الدين إلا به فإنما هو أصل الدين الذي ابتدعوه كما قال تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله 4142 ليست أصلا لدين الله ورسوله بل أصل هذا الدين هو ما بينه الله ورسوله من الأدلة كما هو مبين في موضعه إذ من الممتنع أن يبعث الله رسولا يدعو الخلق إليه ولا يبين لهم الرسول أصل الدين الذي أمرهم به وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.."
    هذا ومن يتأمل سياق الكلام الذي ينفى فيه شيخ الإسلام رحمه الله هذا التقسيم يجد فيه هذا المعنى بل يجد فيه إثباته للتقسيم ولكن من جهة أخرى ولعل الأمر يتضح من الاعتبار الثاني الذي ينفي شيخ الإسلام رحمه هذا التقسيم لأجله .
    الاعتبار الثاني:
    -اعتبار التخطئة والتأثيم بل التكفير عند بعض أهل البدع لمن خالف في مسائل الأصول المبتدعة التي لديهم وهذا يتضح من قول شيخ الإسلام رحمه الله فيما سبق عنه […..وما قسموا المسائل الى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها …….] فقوله مسائل أصول يكفر بإنكارها يدل هذا التقييد على أن النفي ليس نفياً مطلقاً لذات التقسيم
    فإن أصل كلام شيخ الإسلام رحمه الله عن الاجتهاد وكيف أنه قد دخل العلم في كل أحواله ورفع الحرج عن العلماء والمجتهدين من الذين أخطئوا وأنهم لم يفرقوا في رجوعهم إلى العلم في اجتهادهم لا في الأصول ولا في الفروع ثم بين رحمه الله أن المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين لا في مسألة عملية ولا علمية وأن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام
    وأن فصل الخطاب فى هذا الباب أن المجتهد المستدل من إمام وحاكم وعلام وناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذى كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع وأنه لا يأثم في هذا الخطأ سواء في مسائل الأصول أو الفروع .
    1- يقول شيخ الإسلام رحمه الله : مجموع الفتاوى ج: 13 ص: 125
    "........وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم واتبعوا العلم وان الفقه من أجل العلوم وانهم ليسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن لكن بعضهم قد يكون عنده علم ليس عند الآخر إما بان سمع ما لم يسمع الآخر وإما بأن فهم ما لم يفهم الآخر …….. وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع بل جعل الدين قسمين أصولا وفروعا لم يكن معروفا فى الصحابة والتابعين ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين أن المجتهد الذي استفرغ وسعه فى طلب الحق يأثم لا فى الأصول ولا فى الفروع ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة وأدخله فى أصول الفقه…. والذين فرقوا بين الأصول والفروع لم يذكروا ضابطا يميز بين النوعين بل تارة يقولون هذا قطعي وهذا ظني وكثير من مسائل الأحكام قطعي وكثير من مسائل الأصول ظني عند بعض الناس فان كون الشيء قطعيا وظنيا أمر إضافي وتارة يقولون الأصول هى العلميات الخبريات والفروع العمليات وكثير من العمليات من جحدها كفر كوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتارة يقولون هذه عقليات وهذه سمعيات وإذا كانت عقليات لم يلزم تكفير المخطئ فان الكفر حكم شرعي يتعلق بالشرع وقد بسط هذا فى غير هذا الموضع."
    ولننظر في سياق آخر حيث يقول رحمه الله :
    2- منهاج السنة النبوية ج: 5 ص: 81
    فصل : قال الرافضي "وأما المطاعن في الجماعة فقد نقل الجمهور منها أشياء كثيرة حتى صنف الكلبي كتابا في مثالب الصحابة ولم يذكر فيه منقصة واحدة لأهل البيت والجواب أن يقال قبل الأجوبة المفصلة عما يذكر من المطاعن أن ما ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان:
    أحدهما: ما هو كذب إما كذب كله وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبي في ذلك ….
    النوع الثاني ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة منها التوبة الماحية وقد ثبت عن أئمة الإمامية أنهم تابوا من الذنوب المعروفة عنهم ومنها الحسنات الماحية….
    -ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة فنقول لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم
    فنقول الناس قد تكلموا في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم وعدم تأثيمهم في مسائل الفروع والأصول ونحن نذكر أصولا جامعة نافعة .
    الأصل الأول: أنه هل يمكن كل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق بل قال ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر ولم يكن هو الحق في نفس الأمر هل يستحق أن يعاقب أم لا هذا أصل هذه المسائل وللناس في هذا الأصل ثلاثة أقوال كل قول عليه طائفة من النظار
    الأول قول من يقول إن الله قد نصب على الحق في كل مسألة دليلا يعرف به يمكن كل من اجتهد واستفرغ وسعه أن يعرف الحق وكل من لم يعرف الحق في مسألة أصولية أو فروعية فإنما هو لتفريطه فيما يجب عليه لا لعجزه وهذا القول هو المشهور عن القدرية والمعتزلة و هو قول طائفة من أهل الكلام غير هؤلاء ……..
    الذين يقولون المصيب واحد في كل مسألة أصلية وفرعية وكل من سوى المصيب فهو آثم لأنه مخطئ والخطأ والإثم عندهم متلازمان وهذا قول بشر المريسي وكثير من المعتزلة البغداديين الثاني أن المسائل العملية إن كان عليها دليل قطعي فإن من خالفه آثم مخطئ كالعلمية وإن لم يكن عليها دليل قطعي فليس لله فيها حكم في الباطن وحكم الله في حق كل مجتهد ما أداه اجتهاده إليه وهؤلاء وافقوا الأولين في أن الخطأ والإثم متلازمان وأن كل مخطئ آثم لكن خالفوهم في المسائل الاجتهادية فقالوا ليس فيها قاطع والظن ليس عليه دليل عند هؤلاء وإنما هو من جنس ميل النفوس إلى شيء دون شيء فجعلوا الاعتقادات الظنية من جنس الإرادات وادعوا أنه ليس في نفس الأمر حكم مطلوب بالاجتهاد ولاثم في نفس الأمر أمارة أرجح من أمارة وهذا القول قول أبي الهذيل العلاف ومن اتبعه كالجبائي وابنه وهو أحد قولي الأشعري وأشهرهما وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي حامد الغزالي وأبي بكر بن العربي ومن اتبعهم وقد بسطنا القول في ذلك بسطا كثيرا في غير هذا الموضع
    والمخالفون لهم كأبي إسحاق الإسفراييني وغيره من الأشعرية وغيرهم يقولون هذا القول أوله سفسطة وآخره زندقة وهذا قول من يقول إن كل مجتهد في المسائل الشرعية الاجتهادية العملية فهو مصيب باطنا وظاهرا ولا يتصور عندهم أن يكون مجتهدا مخطئا إلا بمعنى أنه خفي عليه بعض الأمور وذلك الذي خفي عليه ليس هو حكم الله لا في حقه ولا في حق أمثاله وأما من كان مخطئا وهو المخطئ في المسائل القطعية فهو آثم عندهم.
    والقول الثاني في أصل المسألة إن المجتهد المستدل قد يمكنه أن يعرف الحق وقد يعجز عن ذلك لكن إذا عجز عن ذلك فقد يعاقبه الله تعالى وقد لا يعاقبه فإن له أن يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء بلا سبب أصلا بل لمحض المشيئة وهذا قول الجهمية والأشعرية وكثير من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم ثم قال هؤلاء قد علم بالسمع أن كل كافر فهو في النار فنحن نعلم أن كل كافر فإن الله يعذبه سواء كان قد اجتهد وعجز عن معرفة صحة دين الإسلام أو لم يجتهد وأما المسلمون المختلفون فإن كان اختلافهم في الفروعيات فأكثرهم يقول لا عذاب فيها وبعضهم يقول لأن الشارع عفا عن الخطأ فيها وعلم ذلك بإجماع السلف على أنه لا إثم على المخطئ فيها وبعضهم يقول لأن الخطأ في الظنيات ممتنع كما تقدم ذكره عن بعض الجهمية والأشعرية وأما القطعيات فأكثرهم يؤثم المخطئ فيها ويقول إن السمع قد دل على ذلك ومنهم من لا يؤثمه والقول المحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري هذا معناه أنه كان لا يؤثم المخطئ من المجتهدين من هذه الأمة لا في الأصول ولا في الفروع وأنكر جمهور الطائفتين من أهل الكلام والرأي على عبيد الله هذا القول وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدا مخطئا لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلى خلفه وقالوا هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين لا في مسألة عملية ولا علمية قالوا والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره قالوا والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة فهي باطلة عقلا فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة فمنهم من قال مسائل الأصول هي العلمية الإعتقادية التي يطلب فيها العلم والاعتقاد فقط ومسائل الفروع هي العملية التي يطلب فيها العمل قالوا وهذا فرق باطل فإن المسائل العملية فيها ما يكفر جاحده مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم شهر رمضان وتحريم الزنا والربا والظلم والفواحش وفي المسائل العلمية مالا يأثم المتنازعون فيه كتنازع الصحابة هل رأى محمد ربه وكتنازعهم في بعض النصوص هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم أم لا وما أراد بمعناه وكتنازعهم في بعض الكلمات هل هي من القرآن أم لا وكتنازعهم في بعض معاني القرآن والسنة هل أراد الله ورسوله كذا وكذا وكتنازع الناس في دقيق الكلام كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض ونحو ذلك فليس في هذا تكفير ولا تفسيق قالوا والمسائل العملية فيها علم وعمل فإذا كان الخطأ مغفورا فيها فالتي فيها علم بلا عمل أولى أن يكون الخطأ فيها مغفورا ومنهم من قال المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي قال أولئك وهذا الفرق خطأ أيضا فإن كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات الظاهرة ووجوب الواجبات الظاهرة ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ورأوا أنها حلال لهم ولم يكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا وقد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يؤثمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي وكذلك أسامة بن زيد وقد قتل الرجل المسلم وكان خطؤه قطعيا…….."

    - فمما سبق يتضح أن شيخ الإسلام رحمه الله إنما ينفي تقسيم الدين لأصول وفروع لهذين الاعتبارين ومن يتأمل السياق السابق بطوله يتأكد له ذلك وإلا فقد تواتر عنه رحمه الله هذا التقسيم ولنأتي على جملة من كلامه في هذا التقسيم وقبل ذلك أنبه :
    -أن مصطلح الأصول من الألفاظ المشتركة التي تحمل عدة معاني يقول شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 305 ".. وإذا عرف أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات …"
    ومن هذه المعاني :
    1- أصل الدين بمعنى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وهو المقصود عند الإطلاق وهذا هو ما يهمنا إثباته وتميزه ووضع خصائصه وحدوده لكي لا يلتبس بفرعه وتشكل مسائله ويشمل توحيد الربوبية والأسماء والصفات وهو التوحيد العلمي الخبري الإعتقادي وتوحيد الألوهية التوحيد العملي الإرادي الطلبي :
    ومن خصائص هذا الأصل
    ا- أنه دعوة كل الرسل فكل رسول كان أصل دعوته للتوحيد قال تعالى " وما أرسلتا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"
    يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
    "…وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبيا فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء ورأس الإسلام مطلقا شهادة أن لا إله إلا الله وبها بعث جميع الرسل كما قال تعالى ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت …"
    ب- أنه سابق على باقي الشرائع فهو أو ما يبدأ به الرسول دعوة قومه لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " يا معاذ إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " وفي رواية "أن يوحدوا الله "
    ج- أنه شرط في قبول الأعمال لقوله تعالى " لئن أشركت ليحبطن عملك .." الآية ،
    وقوله سبحانه " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "
    يقول سيخ الإسلام في درء التعارض ج: 1 ص: 233
    ".. فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس .."
    د- التوحيد هو الإسلام العام وهو الدين المشترك بين الأنبياء لقوله عليه الصلاة والسلام " نحن معاشر الأنبياء أخوة لعلات " وقال شيخ الإسلام في التحفة العراقية ج: 1 ص: 41
    "..ولهذا كان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا سواه كما قال تعالى آل عمران ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.."
    2- المعنى الثاني :
    أصول الدين بمعنى أصول الإيمان والإسلام والمعلوم من الدين بالضرورة
    المعنى الثالث :
    أصول الدين بمعنى الأصول الاعتقادية التي لم تبلغ حد التواتر التي تختص غالبا بأمور غيبية مثل عذاب القبر ورؤية الله يوم القيامة وغيرها وتكون عند أهل السنة من أصول الدين. " أصول الدين للبغدادي"
    المعنى الرابع :
    أصول الدين بمعنى الأدلة الشرعية وأصول الفقه أو أصول الشريعة ومصادر التشريع والأدلة القطعية التي تثبت بالنص والاستقراء . يقول شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى ج: 5 ص: 181
    "...كما يخالفون صرائح المعقول بما يدعونه من المعقول وكما يخالفون الكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين بما يضعونه من أصول الدين."

    -ولنبدأ في تقرير هذه المعاني من كلامه رحمه الله :
    1- يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 341
    " فصل : وإذا كانت الشهادتان هي أصل الدين وفرعه وسائر دعائمه وشعبه داخلة فيهما فالعبادة متعلقة بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وقال في الآية المشروعة في خطبة الحاجة يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .." 2- ويقول في درء التعارض ج: 1 ص: 233
    ".. ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلى ما لم يبينه الله ورسوله لم يكن الله قد أكمل للأمة دينهم ولا أتم عليهم نعمته فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس ومن هنا يعرف ضلال من ابتدع طريقا أو اعتقادا زعم أن الإيمان لا يتم إلا به مع العلم بأن الرسول لم يذكره.."
    3- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 1 ص: 18
    "..وحقوق العباد قسمان خاص وعام أما الخاص فمثل بر كل إنسان والديه وحق زوجته وجاره فهذه من فروع الدين لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه ولأن مصلحتها خاصة فردية ..."
    4- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 11 ص: 399
    "...ففضائل الأعمال ودرجاتها لا تتلقى من مثل هذا وإنما تتلقى من دلالة الكتاب والسنة ولهذا كان كثير من الأعمال يحصل لصاحبه فى الدنيا رئاسة ومال فأكرم الخلق عند الله أتقاهم ومن عبد الله بغير علم فقد أفسد أكثر مما يصلح وان حصل له كشف وتصرف وان اقتدى به خلق كثير من العامة وقد بسطنا الكلام فى هذا الباب فى مواضعه فهذا أصل ثان و أصل ثالث أن تفضيل العمل على العمل قد يكون مطلقا مثل تفضيل أصل الدين على فرعه وقد يكون مقيدا فقد يكون أحد العملين فى حق زيد أفضل من الآخر والآخر فى حق عمرو أفضل وقد يكونان متماثلين فى حق الشخص وقد يكون المفضول فى وقت أفضل من الفاضل وقد يكون المفضول في حق من يقدر عليه وينتفع به أفضل من الفاضل فى حق من ليس كذلك..."
    5- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 17 ص: 58
    "…فتفاضل الكلام من جهة المتكلم فيه سواء كن خبرا أو إنشاء أمر معلوم بالفطرة و الشرعة فليس الخبر المتضمن للحمد لله و الثناء عليه بأسمائه الحسنى كالخبر المتضمن لذكر أبي لهب و فرعون و إبليس و إن كان هذا كلاما عظيما معظما تكلم الله به و كذلك ليس الأمر بالتوحيد و الإيمان بالله و رسوله و غير ذلك من أصول الدين الذي أمرت به الشرائع كلها و غير ذلك مما يتضمن الأمر بالمأمورات العظيمة و النهي عن الشرك و قتل النفس و الزنا و نحو ذلك مما حرمته الشرائع كلها و ما يحصل معه فساد عظيم كالأمر بلعق الأصابع و إماطة الأذى عن اللقمة الساقطة و النهي عن القران فى التمر و لو كان الأمران و اجبين فليس الأمر بالإيمان بالله و رسوله كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد و الأمر بالإنفاق على الحامل و إيتائها أجرها إذا أرضعت.."
    6- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 399
    "..وذلك أن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان التعظيم للقبور بالعبادة ونحوها قال الله تعالى في كتابه وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال طائفة من السلف كانت هذه أسماء قوم صالحين فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وعبدوها ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها لأن التقبيل والاستلام إنما يكون لأركان بيت الله الحرام فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق وكذلك الطواف والصلاة والاجتماع للعبادات إنما تقصد في بيوت الله وهي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلا تقصد بيوت المخلوقين فتتخذ عيدا كما قال لا تتخذوا بيتي عيدا كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملا إلا به ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه وكما قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام وأعظمه فأعظم آية في القرآن آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وقال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والإله الذي يألهه القلب عبادة له واستعانة ورجاء له وخشية وإجلالا وإكرام.."ا
    7- ويقول رحمه الله في اقتضاء الصراط ج: 1 ص: 455
    "::ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدا وإن تنوعت شرائعه قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد والأنبياء أخوة لعلات و إن أولى الناس بابن مريم لأنا فليس بيني وبينه نبي فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت..."

    8- ويقول رحمه الله في اقتضاء الصراط ج: 1 ص: 459
    "..وإنما نبهنا فيه على رؤس المسائل وحبس الدلائل والتنبيه على مقاصد الشريعة وما فيها من إخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له وما سدته من الذريعة إلى الشرك دقه وجله فإن هذا هو أصل الدين وحقيقة دين المرسلين وتوحيد رب العالمين وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر والكلام ومن أهل الإرادة والعبادة حتى قلبوا حقيقته في نفوسهم..."

    9- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 1 ص: 75
    "...وكذلك الحج لا يحج إلا إلى بيت الله فلا يطاف إلا به ولا يحلق الرأس إلا به ولا يوقف إلا بفنائه لا يفعل ذلك بنبي ولا صالح ولا بقبر نبي ولا صالح ولا بوثن وكذلك الصيام لا يصام عبادة إلا الله فلا يصام لأجل الكواكب والشمس والقمر ولا لقبور الأنبياء والصالحين ونحو ذلك وهذا كله تفصيل الشهادتين اللتين هما أصل الدين شهادة أن لا اله إلا الله وشهادة أن محمدا عبده ورسوله والإله من يستحق أن يألهه العباد ويدخل فيه حبه وخوفه فما كان من توابع الألوهية فهو حق محض لله وما كان من أمور الرسالة فهو حق الرسول ولما كان أصل الدين الشهادتين كانت هذه الأمة الشهداء ولها وصف الشهادة..."

    10-ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 1 ص: 154
    "...ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يقروا بالتوحيد الذي جاء به لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها وفى صحيح البخاري عن أبى هريرة أنه قال قلت يا رسول الله أي الناس أسعد بشفاعتك يو م القيامة فقال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه وعنه فى صحيح مسلم قال قال رسول الله لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وإنى اختبأت دعوتى شفاعة يوم القيامة فهى نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا وفى السنن عن عوف بن مالك قال قال رسول الله أتانى آت من عند ربى فخيرنى بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهى لمن مات لا يشرك بالله شيئا وفى لفظ قال ومن لقى الله لا يشرك به شيئا فهو فى شفاعتى وهذا الأصل وهو التوحيد هو أصل الدين الذى لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا غيره وبه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى اليه أنه لا إله الا أنا فاعبدون وقال تعالى ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة وقد ذكر الله عز وجل عن كل من الرسل أنه افتتح دعوته بأن قال لقومه اعبدوا الله مالكم من إله غيره.."

    11- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 397
    "… وعبادة الله وحده هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب فقال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى قال له رجل ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده وقال لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن ما شاء الله ثم شاء محمد ونهى عن الحلف بغير الله فقال من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت..."

    12-ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 289
    "....فيقال لهم اسم الإيمان قد تكرر ذكره فى القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ وهو أصل الدين وبه يخرج الناس من الظلمات الى النور ويفرق بين السعداء والأشقياء ومن يوالى ومن يعادى والدين كله تابع لهذا وكل مسلم محتاج الى معرفة ذلك أفيجوز أن يكون الرسول قد أهمل بيان هذا كله ووكله إلى هاتين المقدمتين ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الايمان هو التصديق أنه من القرآن ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي أعظم من تواتر لفظ الكلمة فان الايمان يحتاج الى معرفة جميع الأمة فينقلونه بخلاف كلمة من سورة فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنيا على مثل هذه المقدمات..""

    13-ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 18 ص: 159
    "...وقوله أمر بى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين أمر مع القسط بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له وهذا أصل الدين وضده هو الذنب الذي لا يغفر قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل وأرسلهم به إلى جميع الأمم قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون..."

    14- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 608
    "...ولما كان أصل الدين هو الإيمان بالله ورسوله كما قال خاتم النبيين والمرسلين أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله كان أمر الدين توحيد الله والإقرار برسله ولهذا كان الصابئون والمشركون كالبراهمة ونحوهم من منكري النبوات مشركين بالله فى إقرارهم وعبادتهم وفاسدي الاعتقاد فى رسله..."

    -ولعل ما سبق من نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله يدل على المعنى الأول لأصل الدين وهو التوحيد الذي ضده الشرك وما سيأتي إن ساء الله يشمل المعاني الباقية إن شاء الله

    15- يقول رحمه الله : مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 294
    "…. فأجاب الحمد لله رب العالمين أما المسألة الأولى فقول السائل هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين لم ينقل عن سيدنا محمد فيها كلام أم لا سؤال ورد بحسب ما عهد من الأوضاع المبتدعة الباطلة فإن المسائل التي هي من أصول الدين التي تستحق أن تسمى أصول الدين أعني الدين الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا يجوز أن يقال لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها كلام بل هذا كلام متناقض في نفسه إذ كونها من أصول الدين يوجب أن تكون من أهم أمور الدين وأنها مما يحتاج إليه الدين ثم نفى نقل الكلام فيها عن الرسول يوجب أحد أمرين إما أن الرسول أهمل الأمور المهمة التي يحتاج الدين إليها فلم يبينها أو أنه بينها فلم تنقلها الأمة وكلا هذين باطل قطعا وهو من أعظم مطاعن المنافقين في الدين وإنما يظن هذا وأمثاله من هو جاهل بحقائق ما جاء به الرسول أو جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم أو جاهل بهما جميعا فإن جهله بالأول يوجب عدم علمه بما اشتمل عليه ذلك من أصول الدين وفروعه وجهله بالثاني يوجب أن يدخل في الحقائق المعقولة ما يسميه هو
    وأشكاله عقليات وإنما هي جهليات وجهله بالأمرين يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل والوسائل الباطلة وأن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك كما هو الواقع لطوائف من أصناف الناس حذا قهم فضلا عن عامتهم وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولا أو قولا وعملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد أو دلائل هذه المسائل أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس وهو من اعظم ما أقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول الله التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب…."
    -فمن الواضح من هذا النقل تقريره رحمه الله لمصطلح أصول الدين وكذلك التقسيم إلى أصول وفروع بل وتحديد الأصول كما في قوله (وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولا أو قولا وعملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد..) فكيف يقال أنه ينفي هذا التقسيم بإطلاق ؟

    16- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 254
    "…وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف بقدح فى الأصل بحفظ الفرع.."

    17- ويقول في مجموع الفتاوى ج: 27 ص: 276
    ".. ثم أنه بعد تقسيم الخلق قرر أصول الدين فقرر التوحيد أولا ثم النبوة ثانيا بقوله يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعملون ثم قرر النبوة بقوله وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأخبر انهم لا يفعلون ذلك كما قال قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ثم ذكر الجنة فقرر التوحيد والنبوة والمعاد وهذه أصول الإيمان."
    18- يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 1 ص: 18
    فصل:
    " قال فى الحديث المشهور فى السنن من رواية فقيهي الصحابة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وفى حديث أبى هريرة المحفوظ إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم فقد جمع فى هذه الأحاديث بين الخصال الثلاث إخلاص العمل لله ومناصحة أولى الأمر ولزوم جماعة المسلمين وهذه الثلاث تجمع أصول الدين وقواعده وتجمع الحقوق التى لله ولعباده وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة وبيان ذلك أن الحقوق قسمان حق لله وحق لعباده فحق الله أن نعبده ولا نشرك به شيئا كما جاء لفظه فى أحد الحديثن وهذا معنى إخلاص العمل لله كما جاء فى الحديث الآخر وحقوق العباد قسمان خاص وعام أما الخاص فمثل بر كل إنسان والديه وحق زوجته وجاره فهذه من فروع الدين لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه ولأن مصلحتها خاصة فردية…"

    19- ويقول رحمه الله : مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 303
    "… وإنما الغرض التنبيه على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من أصول الدين وإن أدخله فيه مثل المسائل والدلائل الفاسدة مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل…"

    20- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 4 ص: 154
    "… ثم مثل أبي محمد وأمثاله لم يكن يستحل أن يتكلم في كثير من فروع الفقه بالتقليد فكيف يجوز له التكلم في أصول الدين بالتقليد والنكتة أن الذام به إما مجتهد وإما مقلد أما المجتهد فلا بد له من نص أو إجماع أو دليل يستنبط من ذلك فإن الذم والحمد من الأحكام الشرعية وقد قدمنا بيان ذلك وذكرنا أن الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه…"

    21- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 12 ص: 87
    "…وقد ذكرنا فى المسائل الطبرستانية و الكيلانية بسط مذاهب الناس وكيف تشعبت وتفرعت فى هذا الأصل والمقصود هنا ان كثيرا من الناس المتأخرين لم يعرفوا حقيقة كلام السلف والأئمة فمنهم من يعظمهم ويقول انه متبع لهم مع انه مخالف لهم من حيث لا يشعر ومنهم من يظن أنهم كانوا لا يعرفون أصول الدين ولا تقريرها بالدلائل البرهانية وذلك لجهله بعلمهم بل لجهله بما جاء به الرسول من الحق الذى تدل عليه الدلائل العقلية مع السمعية…"

    22- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 16 ص: 251
    "فصل فى بيان أن الرسول صلى الله عليه و سلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين و هي الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع و توحيده و صدق رسوله صلى الله عليه و سلم و على المعاد إمكانا و وقوعا و قد ذكرنا فيما تقدم هذا الأصل غير مرة و أن الرسول صلى الله عليه و سلم بين الأدلة العقلية و السمعية التي يهتدي بها الناس إلى دينهم و ما فيه نجاتهم و سعادتهم فى الدنيا و الآخرة و أن الذين ابتدعوا أصولا تخالف بعض ما جاء به هي أصول دينهم لا أصول دينه و هي باطلة عقلا و سمعا كما قد بسط في غير موضع…"

    23- ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 16 ص: 371
    "…قال تعالى قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا فابتغوا معه آلهة أخرى و لم يثبتوا معه خالقا آخر فقال فى أعظم الآيات الله لا إله إلا هو الحي القيوم ذكره فى ثلاثة مواضع من القرآن كل موضع فيه أحد أصول الدين الثلاثة و هى التوحيد و الرسل و الآخرة هذه التى بعث بها جميع المرسلين و أخبر عن المشركين أنهم يكفرون بها في مثل قوله "و لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا و الذين لا يؤمنون بالآخرة و هم بربهم يعدلون"…"

    24-ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 19 ص: 230
    "…واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مثل الإقرار بوجود الخالق وبوحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته وعظمته والإقرار بالثواب وبرسالة محمد وغير ذلك مما يعلم بالعقل قد دل الشارع على أدلته العقلية وهذه الأصول التى يسميها أهل الكلام العقليات وهى ما تعلم بالعقل فإنها تعلم بالشرع لا أعنى بمجرد أخباره فان ذلك لا يفيد العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر فالعلم بها من هذا الوجه موقوف على ما يعلم بالعقل من الإقرار بالربوبية وبالرسالة وإنما أعنى بدلالته وهدايته.."
    ولعل بعد هذه النقولات عن شيخ الإسلام رحمه الله لا أظن أنه هناك مجال للشك في صحة هذا التقسيم إن شاء الله .

    ولي بعد ذلك تنبيه :
    هذا التقسيم مسالة اصطلاحية المقصود منها التميز والتعريف ووضع الحدود والخصائص كتقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية وأسماء وصفات لما ظن بعض الناس أن التوحيد هو مجرد الإقرار بالربوبية لزم التمييز وتحديد المعنى وإن لم يكن ذات التقسيم معروف لدى السلف ولكن كما يقال لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان المعنى صحيح ،وفي مسألتنا هذه التبست كثير من المفاهيم على بعض الناس حتى صار لا يفرق بين مسائل الدين الكبار مما يختص بالتوحيد وحق الله سبحانه وتعالى على عباده وبين بعض الواجبات الأخرى التي تدخل في الفروع فمثلا تجد الرجل مصلي عابد محافظ على بعض شعائر الإسلام يذهب لانتخاب العلمانيين في مجالس التشريع الوضعية أو ينادي بالديمقراطية أو غير ذلك لجهله بحقائق التوحيد وغياب المفاهيم فيأتي التقسيم ليبين أصل الدين وخصائصه وحدوده ،والخطأ في المسألة ليس هو في ذات التقسيم كما سبق لكن الخطأ يأتي من بناء الأحكام الباطلة على هذا التقسيم دون الرجوع إلى أدلة خاصة كما فعلت المعتزلة وغيرهم من أهل البدع .
    -ولقد اقتصرت في النقل على كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله دون غيره من أهل العلم وذلك لأنه لم يرد نفي هذا التقسيم فيما أعلم إلا عنه رحمه الله واقتصرت على بعض النقولات دون حصر لأن النقل عنه في هذه المسألة لا يسعه مجلد كبير لكني اقتصرت على ما يوضح ما ذهبت إليه وأرجو أن أكون وفيت إن شاء الله

    وأخيراً :
    يقول شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 19 ص: 134
    25- "…إذا عرف هذان النوعان فمن الناس من يسمى العلم والاعتقاد والحكم والقول الخبرى التابع علم الأصول وأصول الدين أو علم الكلام أو الفقه الأكبر ونحو ذلك من الأسماء المتقاربه وإن اختلفت فيها المقاصد والاصطلاحات ويسمى النوع الآخر علم الفروع وفروع الدين وعلم الفقه والشريعة ونحو ذلك من الأسماء وهذا اصطلاح كثير من المتفقهة والمتكلمة المتأخرين ومن الناس من يجعل أصول الدين اسما لكل ما اتفقت فيه الشرائع مما لا ينسح ولا يغير سواء كان علميا أو عمليا سواء كان من القسم الأول أو الآخر حتى يجعل عبادة الله وحده ومحبته وخشيته ونحو ذلك من أصول الدين وقد يجعل بعض الأمور الاعتقادية الخبرية من فروعه ويجعل اسم الشريعة ينتظم العقائد والأعمال ونحو ذلك وهذا اصطلاح غلب على أهل الحديث والتصوف وعليه أئمة الفقهاء وطائفة من أهل الكلام…"
    فكيف يقال بعد هذا أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع بدعة ويطلق القول بهذا.
    وأختم بقوله رحمه الله في مجموع الفتاوى ج: 10 ص: 236:
    "..وذلك هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا إلا إياه وهو حقيقة العبادة لرب العالمين فنسأل الله العظيم أن يثبتنا عليه ويكمله لنا ويميتنا عليه وسائر إخواننا المسلمين .
    هذا والله أعلم ‘ والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم"
    كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •