السؤال:
♦ الملخص:
استشارة حول أفضل أوقات الذكر والتسبيح، وأفضل أنواع الذكر والتسبيح.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أُخصِّص يوميًّا وقتًا - إن شاء الله - لذكر الله عز وجل وللتسبيح، أفيدوني بارك الله فيكم: أي ساعة أو وقت أفضل للذكر والتسبيح؟ وما أفضل الذكر والتسبيح؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولًا: اعلمي أيتها السائلة الكريمة أن ذكرَ الله تعالى من أفضل العبادات التي يعبد العبدُ بها ربَّه عز وجل.
فمن فضائل الذكر: أن الله تعالى يكون مع مَن يذكره معيةَ نصرٍ وتأييد، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَةً))[1].
ومن فضائل الذكر أيضًا: أن الله تعالى يذكر مَن يذكره؛ قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وفي الحديث المتقدم: ((فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خيرٍ منهم)).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وذكر الله لعبده: هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته، ومباهاته به، وتنويهه بذكره))[2].
ومن فضائل الذكر أيضًا: أن الذاكرين يسبقون غيرهم من المؤمنين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سبق المُفرِّدون، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))[3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن فقراء المهاجرين أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلا والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتِقون ولا نُعتِق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أُعلِّمكم شيئًا تدركون به مَن سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا من صنع مثلما صنعتم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين مرةً، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمِع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء))[4].
ومن فضائل الذكر أيضًا: أن الذكر فيه حياة القلوب؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه، مثل الحي والميت))[5].
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إن لكل شيء جِلاءً، وإن جلاءَ القلوب ذكر الله عز وجل"[6].
ثانيًا: اعلمي أيتها الأخت الكريمة أن الذكر مستحب في جميع الأوقات؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه))[7].
ثالثًا: إن كان الذكر مستحبًّا في جميع الأوقات، فإنه يتأكد استحبابه في جوف الليل الآخر؛ لحديث ضمرة بن حبيب قال: سمعت أبا أمامة يقول: حدثني عمرو بن عبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكُر الله في تلك الساعة فَكُنْ))[8].
فإن كنتِ تريدين تخصيص وقت للإكثار فيه من ذكر الله تعالى، فليكن جوف الليل الآخر.
رابعًا: أفضل الذكر لا إله إلا الله؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله))[9].
ثم يُستحبُّ التنويع بين الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان ينوِّع هو صلى الله عليه وسلم، فمما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قول: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّك على كَنْزٍ من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله))[10].
ومما ورد أيضًا قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس))[11]؛ أي: أحب إليَّ من أن أمتلك ما طلعت عليه الشمس، وهي جميع الأرض.
ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الذكر قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عَدْلَ عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به، إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك))[12].
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عَشْرَ مِرارٍ، كان كمن أعتق أربعةَ أَنْفُسٍ من ولد إسماعيل))[13].
ومما ورد أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم قول: سبحان الله، والحمد لله، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآنِ - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض))[14].
خامسًا: أفضل التسبيح قول: سبحان الله وبحمده، فقد ورد في فضل هذه الكلمة العظيمة عدة أحاديث:
الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه، وإن كانت مثل زَبَدِ البحر))[15].
الحديث الثاني: عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده))[16].
وفي لفظ لمسلم أيضًا عن أبي ذر رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أيُّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته، أو لعباده: سبحان الله وبحمده)).
الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلا أحدٌ قال مثلما قال أو زاد عليه))[17].
الحديث الرابع: عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غُرست له نخلة في الجنة))[18].
الحديث الخامس: عن جويرية رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتُكِ عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلمات، ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وَزِنَةَ عرشه، ومِداد كلماته))[19].
الحديث السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))[20].
هذا، ونسأل الله تعالى الإعانة على الطاعة، فهو سبحانه وليُّ ذلك والقادر عليه.
-----------------------
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
[2] جامع العلوم والحكم، (2/ 307).
[3] أخرجه مسلم، (2676).
[4] أخرجه مسلم، (595).
[5] متفق عليه: أخرجه البخاري (6407)، ومسلم (779).
[6] رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، (520).
[7] أخرجه مسلم (373).
[8] أخرجه الترمذي (3579)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1173).
[9] أخرجه الترمذي (3383)، وابن ماجه (3800)، والنسائي في "الكبرى" (10599)، وابن حبان (846)، والحاكم (1834).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1104).
[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (4205)، ومسلم (2704).
[11] أخرجه مسلم (2695).
[12] متفق عليه: أخرجه البخاري (3293)، ومسلم (2691).
[13] متفق عليه: أخرجه البخاري (6404)، ومسلم (2693).
[14] أخرجه مسلم (223).
[15] متفق عليه: أخرجه البخاري (6405)، ومسلم (2691).
[16] أخرجه مسلم، (2731).
[17] أخرجه مسلم، (2692).
[18] أخرجه الترمذي (3465)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه الألباني في الصحيحة، (64).
[19] أخرجه مسلم، (2726).
[20] متفق عليه: أخرجه البخاري (6406)، ومسلم (2694).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz69rDgv0uq