بناء السعادة


أم عبد الرحمن محمد يوسف

عندما نريد بناء بيت، فما الذي نبحث عنه في المقام الأول، ونحرص على أن يكون من ضمن أولوياتنا، فماذا نفعل قبل وأثناء وبعد عملية البناء؟ وكيف سنتعامل مع هذا البناء قبل، وأثناء وبعد عملية التشييد؟
بيتنا السعيد أولى:
بالمثال السابق، يتبين لنا أهمية ترتيب الأولويات لكي يخرج البناء ويكتمل في أتم صورة ينبغي أن يكون فيها، فإن بناء زواج ناجح وقوي يشبه إلى حد كبير عملية بناء بيت العمر، فنحن نتكلم عن الإعداد والأساسات، فلكما كان عملك متقنًا منذ البداية كان البيت أفضل، والبناء مهما كان كبيرًا في المساحة ومتسع ومترامي الأطرف، فله قواعد أساسية، وأما بقية الأشياء هي عوامل مساعدة.
ولذا يجدر بالزوجين الحبيبين أن يضعا معًا خطة لسير زواجهما، كما يضع من يبني بيتًا خطة لسير عملية البناء، وإلا فلن يكون البيت كما يرغبه في نهاية المطاف.
ويجب أن يعلم الزوجان (أن المؤسسات الزوجية الناجحة هي التي تقوم على نظام الأولويالت المدروسة دراسة وافية، وهكذا بعد وضوح هدف الزوجين في تكوين أسرة مسلمة عابدة لربها، قائمة بواجباتها، عليهما أن يجيدا التخطيط، ومن ثم إحسان التنفيذ، فلا يؤجلا عمل اليوم على الغد، ويراعيا ما استطاعا الأولويات في حياتهما) [أولويات المرأة المسلمة، خولة درويش، ص(74)، بتصرف].
ويجب أن يدرك الزوجان أن هناك حاجات أساسية هامة في حياة الإنسان، وهذه الحاجات إن لم نشبعها تصبح حياتنا فارغة وناقصة، وجوهر هذه الحاجات يمكن إنجازه في مقولة أن تعيش وتحب وتتعلم وتترك وراءك الأثر الطيب.
وضع الأمور في نصابها:
لابد للزوجين إذا أرادا حياة سعيدة من اعتبار الأولويات في الحياة الزوجية، وهي وضع كل شيء في مرتبته، فلا يؤخر ما حقه التقديم أو يُقدم ما حقه التأخير، ولا يُصغر الأمر الكبير، ولا يُكبر الأمر الصغير، وهذا ما تقضي به قوانين الكون، وما تأمر به أحكام الشرع.
فإذا جعلنا من أولى الأولويات الأسرة وما يفيدها، فعندها لن تأخذنا الموضة، ولن تنفق الزوجة أموالها في أدوات التجميل ولن نبذل وقتنا وعمرنا في تحصيل المظاهر الخادعة من أثاث وحلي، ولن يحتدم النقاش بين الزوجين ، ويزداد التوتر لحد الأزمة، لأن الزوجة تريد متابعة الأخبار، والزوج يريد مشاهدة المباراة.
فإن الأزواج والزوجات الذين يعيشون وفق المبادئ والمثل العليا يستمتعون أكثر بالحياة، فهم يفهمون جيدًا الأولويات، ويعيشون الحاضر فهم (أكثر مرونة وتلقائية، وعلاقتهم بالآخر أكثر غنى ونفعًا، يضعون الحدود لأنفسهم، فينفقون باتزان، ويدخرون ويستثمرون للمستقبل، فلديهم نظام نفسي سليم يكنهم من مواجهة المشكلات، فهم قادرون على تنفيذ ما يقولون، فلا نفاق ولا ازدواجية بين القول والعمل، فهم يعلمون أن العي وفق المبادئ ليس بالأمر الهين، ولكنه يحقق جودة أفضل للحياة) [إدارة الأولويات، ستيفن كوفي، ص(430- 434)، باختصار].
ويمكن اكتساب فن الأولويات من خلال مهارتين هما: المرونة- الالتزام.
1. المرونة:
المرونة....مهارة مطلوبة:
إن الزوجين وهما يضعان الأولويات في بيتهما، يجب أن يراعيا المرونة في وضع الأولويات، فالمرونة مطلوبة لمواجهة التغيير المستمر لتحديات الحياة.
قصة رائعة:
يُحكى عن أحد صيادي السمك أنه كان يصطاد، وكلما خرجت له سمكة صغيرة احتفظ بها، وفي كل مرة خرجت سمكة كبيرة ألقى بها في البحر مرة أخرى، فاقترب منه أحد الأشخاص وسأله، وقد غلب عليه الفضول: هل يمكن أن تشرح لي السر في أنك تلُقي بالسمك الكبير مرة أخرى في البحر، وتحتفظ فقط بالسمك الصغير؟!
فرد عليه الصياد قائلًا: أنا حزين جدًّا على هذا الفعل، ولكني مضطر إلى ذلك، ولا توجد أمامي أية طريقة أخرى، حيث أن القدر الذي أطهي فيه السمك صغير جدًّا، ولا أستطيع طهي السمك الكبير فيه، لذلك ألقي به إلى الماء مرة أخرى!
مفهوم خاطئ عن المرونة:
قد يمتلك الواحد منا مهاراتٍ عديدة، ويحوز إمكاناتٍ مديدة، وقد يكون ذا رغبةٍ مشتعلة، وهمةٍ متقدة، ولكن سرعان ما يقف في وجه العقبات ـ وحتمًا ستقف ـ وحينها لا يصبح للمهارة معنى، ولا للرغبة مكان، إذا لم يتحل هذا الإنسان بالمرونة الكافية، والتي تجعله يجتاز العقبات، ويقفز فوق الحواجز.
وهناك وهمٌ خاطئ عند الكثير من الأزواج والزوجات، الذين يرون أن المرونة ما هي إلا رضوخ للظروف، وأن التصلب والجمود على القرارات أو الآراء حتى لو كانت خاطئة هو قمة الفضيلة، وذروة القوة.
وهذا ليس بالصحيح؛ فالديناصورات العملاقة التي تفوق الخرتيت في حجمها ووزنها وطولها وقوة جسمها، لم تنفعها كل تلك الإمكانات، ولم يشفع لها تصلبها وفقدانها للمرونة وقوة التكيف مع الواقع، فلم تستطع أن تتأقلم مع التغيرات التي تطرأ على بيئتها، فانقرض الديناصور غير المرن، وبقي الخرتيت المرن.
أهم مميزات الشخص المرن:
عليكم أن تعلموا معاشر الأزواج والزوجان، أن أهم ما يميز الشخص المرن عن غيره، أنه يمتلك أكثر من حلٍّ لأي مشكلة، ولديه أكثر من طريق للوصول إلى هدفه، بحيث إذا جرب حلًّا لمشكلة ما، ولم يُجدِ معه هذا الحل نفعًا؛ لم يتوقف، ولم ينثنِ عزمه وإصراره، وإذا انسد طريق الوصول إلى هدفه؛ أخذ طريقًا آخر، ولم يقف حائرًا يفكر ماذا يصنع وقد انسد الطريق؟!
ولذا يقول "ألبرت أينشتاين": (السذاجة أن تعمل نفس الشيء، وبنفس الطريقة ثم تتوقع نتائج مختلفة) [صناعة النجاح، ص(85)]، فالشخص المرن له أكثر من طريقة وأكثر من أسلوب لكي يحقق الفوز، إذا فشلت وسيلة جرب الأخرى، والخطأ الذي يقع فيه أغلب الناس أنهم يتعلقون بالوسيلة، ويتشبثون بها، وينسون الهدف، فيفتقدون المرونة في حياتهم.
2.الالتزام:
لقد مكث الإمام البخاري، ستة عشر عامًا حتى استطاع جمع كتابه صحيح البخاري، الذي هو أصح كتابٍ بعد القرآن الكريم، وقد جمع صحيحه المكون مما يقرب من سبعة آلاف حديث من حوالي ستمائة ألف حديث، وكان يقول عن نفسه (أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح) [طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلى، ص(108)].
الالتزام يبدأ بالأشياء الصغيرة:
لكي ينمي كلًا من الزوجين صفة، يجب أن يتعوِّد على الالتزام بشيءٍ صغير، والإكثار من تكراره حتى يتحول إلى عادةٍ لديه، وعندما ينجح في ذلك؛ تكون عضلات قدرته على الالتزام والانضباط الذاتي قد قويت، وبالتالي يبحث عن شيءٍ أكبر ويلتزم بعمله، وهكذا يظل مرتقيًا في انضباطه وهمته، حتى يصير واحدًا من أفذاذ التاريخ.
وفي بعض الأحيان يصاب أحد الزوجين ببعض الفتور في الالتزام والانضباط، ويشعر بنوع من الكسل والتعب، وهذا أمر طبيعي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لكل عمل شرة، ولك شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح) [صححه الألباني].
ولكن إذا دق ناقوس الخطر، وبدأ أحد الزوجين يشعر أنك تنزل إلى أدنى الحدود المسموح بها من الكسل والتراخي، فعليك بسرعة التصرف، ولتقف مع نفسك وقفة حازمة، وتعيدها إلى عزمها وحماستها من جديد.
نصائح غالية للتغلب على الفتور للزوجين:
ننصح الأزواج ببعض النصائح للتغلب على الفتور:
1. التسليم والتقبل: أول علاج لأي مشكلةٍ هو أن يقبل الزوج أو الزوجة بوجود المشكلة من الأساس، فطول الرفض والنكران وعدم الاعتراف بوجود المشلكة لن يساعد في حل المشكلة بل سيؤدي إلى تفاقمها.
2. إعادة الشحن: وذلك بأن يقوم الشخص بالجلوس مع نفسه والتعرف على أسباب المشكلة التي تواجهه.
3. الدعاء والاستعانة: قد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء في حال الفتور، فقال: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) [صحيح].
ماذا بعد الكلام؟
على الزوجين أن يحدد أولوياتهما في الحياة، وأن يكون ذلك بصفة مستمرة، بمعنى أن يحددا ميعاد أسبوعي لتحديد آخر التحديات والأمور الهامة في حياتهما، وبذلك يعيدا دائمًا ترتيب الأولويات حسب الحاجة.
يجب أن يتدرب الزوجان على أداء المرونة وذلك من خلال:
تقوية الرغبة في المرونة: وذلك بكتابة الفوائد التي سيجنيها الزوجان من المرونة، والخسائر التي سينالاها إذا لم يصبح مرنين.
ممارسة تمرين المرونة مع كل هدف يريدان تحقيقه.
قيمة الالتزام هام في تحقيق وترتيب الأولويات لدى الزوجين ويمكن عمل ذلك من خلال:
تحديد كلا الزوجين للالتزامات التي على كل واحد منهما ومن ثم الالتزام بها.
كتابة المسئوليات الأسبوعية، وتحديد أهم معايير نجاحها، في دفتر الملاحظات، الخاص بكل واحد من الزوجين.
المصادر:
· أولويات المرأة المسلمة، خولة درويش.
· إدارة الأولويات، ستيفن كوفي.
· طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلى.