رسالة إلى الريح الصقيع!
د. محمد بابا عمي

ليلا نزلتَ..
عند اشتداد الظلمة حللتَ..
مع عواء الذئاب سريتَ..
وفي جحور الخفافيش انتشيت..
حملتُ ريشتي لأكتب لك «احتجاجا»، أو بالأحرى، لأخطَّ عنك «مرافعةً».. فتصلَّبت أصابعي بسببك..
أصلًا، كلُّ شيء يتصلَّب في حضرتك..
ألستَ الذي تهجم على الأكواخ والبيوت والقصور، فتملأها حقدًا وحنقًا، فتغِير قلب الزوج على زوجته، وتنفِّر الابن عن والده؟!
ألستَ الذي تيتِّم الأيتام مرَّتين، وترمِّل الأرامل فتْرَتين.. فتزيد على حرمانهما حرمانًا أشدَّ، ولا تبالي؟!
ألستَ مَن حوَّلتَ وطننا «دشرةً» للمتصيِّدين والعملاء، فأغريت البعض منَّا على البعض الآخر، وسكبت روح الانتقام على القلوب، حتى بات الإخوة يكيدون لإخوتهم.. بلا حنوّ ولا رحمة؟!
لا تغترَّ، أيها الريح الصقيع، فعمرك قصير وحُلمك حقير، وظهرك قصيم، وغدك جحيم..
مِن هنالك..
من فوق هضبة بلدتي..
من شامخ القمم..
من غَوَر القلب الرحيم..
من جذور الفكر الحكيم..
مِن هنالك.. يلُوح لي شعاعٌ من النور، ويلوِّح لي طيف من الجنة، معلنا بأوضح عبارة: «نعم، أحلكُ وقت للظلام هو في الوقت نفسه بشائر أنوار الفجر. والليل يحمل جنين نور النهار، ويحمل بردُ الشتاء وثلجُه جنين الربيع»..
غدًا، ستشرق الشمس يا ولدي..
غدًا، سيعمُّ الدفء يا بلدي..
غدًا.. هو لنا، هو خالصٌ للقلوب المؤمنة الضارعة، وهو رهنُ إشارة الأفئدة المفعمة بالحب والصدق والصفاء، إنه ملك «العقل والمعقولية» بلا منازع..
غدًا.. هو حاضنٌ للقرآن، معانق للإيمان، ملازم للبيان..
آه لو تعرفون.. آه لو تصبرون.. بضع ساعات فقط، لا أكثرَ.. سيحلُّ الفجر.. أجل، سيسود الفجر.. وإن يك فجرًا كاذبًا، فالفجر الصادق يعقبه.. لكنه لن يجيء أبدًا إذا أنتم استعجلتم وتهالكتم، لن يأتي أبدًا إذا أنتم تقاعستم وتكاسلتم..
أمَّا إذا تشرنقتم وتمزَّقتم، فسيعود الزمن إلى الوراء، وسيسير القهقرى؛ ويقينًا سيطول ليلكم، بل ليلنا.. وليلُ البشرية بقدِّها وقديدها..
يا بطلَ الحقيقة، يا جيل الأمل، يا أحبتي.. يا شباب العشرة والعشرين حولًا.. باختصارٍ، أنتم طيف الأمل، مِن مُهجكم سيغدو الليل قصيًّا، وسيكون النهار دنيًّا.. بكم فقط، لا بغيركم.. فلا تبدِّدوا لحظة واحدة في التفاهات والسخافات والحماقات..
صِلوا الثانية بالثانية، والثالثة بالثالثة.. في نسج خيوط المستقبل، بلا توانٍ ولا تلكؤ..
ثقوا في أنفسكم، فنحن جميعنا ثقة فيكم..
لا تصغوا لمن سوَّد خاطركم، ولا تكترثوا بمن وضع أمامكم علامة السلب «ناقص»، فلم ير فيكم سوى الخراب والسراب..
لا تبدِّدوا.. صِلوا وثِقوا.. لا تصغوا ولا تكترثوا.. لكن، ارحموا، ووقروا، واحترموا، فكلُّ من عاش قبلكم أحبَّكم؛ حتى الذي سبَّكم- يومًا- إنما فعل ذلك حبًّا لكم؛ غير أنه لم يدرك ولم يع كيف يعبِّر عن كوامنه.. أمِن العقل أن تُردَّ هديته على وجهه، حتى وإن جاءت نتنة منتنة?!
أيها الريح الصقيع.. خطابي لك كلماتٌ وعباراتٌ، وخطاب جيل البطولة سيكون بالعمل، وبالحركة، وبالإبداع، وبالتفاني.. سيكون كلامهم فعلًا، وفعلهم فعلًا.. وسيعلم الذين ظلموهم «أيَّ منقلب ينقلبون».. بل سيقال لهم رغم أنفهم: «انتظروا إنا منتظرون»..
أيها الريح الصقيع.. لا تنتظر مني رسالة.. ولا احتجاجًا.. ولا مرافعة.. فقد ولَّى «زمن التنديد»، ولن يعود.. بحول الله لن يعود.. ذلك أنَّ الفعل غدَا هو الجواب، وشبابنا اليومَ هم فصل الخطاب..
أمَّا أنا، فحسبي أني قرأت فجر هذا اليوم قوله تعالى {ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو فاتخذه وكيلًا}، فجفَّ حلقي، وهطل كالشلال عرَقي.. وقلت: «إذن، اللهُ تعالى، ينتظر مني اللحظة، أن أتخذه، وأجعله وكيلًا لي؟! لكن، ما بالي تردَّدتُ، وما دهاني فسوَّفت؟!»..
وحينها تجمَّلت، وتشجَّعت، فقلت:
ياربِّ، وكَّلتك.. أنت وحدَك وكيلي.. أنت سبحانك حسبي.. اللهمَّ اهزم بقدرتك الصقيع الذي أطال ليل أمَّتي.. وابعث من جيل الأمل خالدا، وصلاح الدين، والفاتح.. آمين.. آمين.. آمين..
فاستغرقتُ في البكاء.. حتى غرقتُ في محيطات دمعي.. أملًا مشرقًا، وفجرًا جديدًا..

وقفتُ هناك في عرفة
نجاح عبدالقادر سرور- شاعر مصري
وقفتُ هناك في عرفة
أناجي الله في لهفةْ
دموعي كل عنواني
وأرجو العفو والرأفة
وقفتُ هناك في عرفة
رفعتُ إليه كَفّيّا
ودمعي ملء عينيَّا
يزلزل بالهدى فِيّا
وتاجي الطٌهر والعِفة
وقفتُ هناك في عرفة
أطهّر ها هنا قلبا
أناجي بالتقَي ربَّا
لساني لم يزل رطبا
بِذكر الله في أُلفة
وقفتُ هناك في عرفة
يطير القلب تَحنانًا
لكعبتنا وأقصانا
لِطِيبةَ ثم قُدسانا
فؤادي صار في لهفة
وقفتُ هناك في عرفة
جعلت القلب لاثنين
فؤادي صار نصفَينِ
أرى في النصف حرَمَيْنِ
وفي الأقصى أرى نصفَهْ
وقفتُ هناك في عرفة
أنا الإسلام لي فَخري
نبيِّي سيد البشَرِ
وأنوار الهدى قصري
وديني البحر والضفَّة
وقفتُ هناك في عرفة
أنا الإسلام ربَّاني
على حُبِّ وإيمانِ
ربيعي آيُ قرآني
وفِعْل الخير لي حِرفة
وقفتُ هناك في عرفة