تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أركان الايمان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي أركان الايمان

    قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح العقيدة الواسطية
    وَهُوَ الإيمانُ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالبَعْثِ بَعْد المَوْتِ، والإيمانُ بالقَدَر خَيْرِه وَشَرِّهِ.


    وقولُه: (باللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِه وَرُسُلِه والبَعْثِ بَعْدَ الموتِ، والإيمانُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) هذه هي أركانُ الإيمانِ السِّتَّةُ التي لا يَصِحُّ إيمانُ أحدٍ إلاَّ إذا آمن بها جميعا عَلى الوجْهِ الصَّحيحِ، الذي دلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، وهذه الأركانُ هي:
    1- الإيمانُ باللهِ ـ وهو الاعتقادُ الجازمُ بأنَّه رَبُّ كُلّ شيْءٍ ومَلِيكُه، وأنَّه متَّصِفٌ بصفاتِ الكمالِ، مُنزَّهٌ عَن كُلِّ عيبٍ ونقْصٍ، وأنَّه المستحِقُّ للعبادةِ وحدَه لا شريكَ له. والقيامُ بذلك عِلْما وعَملاً.
    2- الإيمانُ بالملائكةِ ـ أي التَّصديقُ بوجودِهم وأنَّهم كما وصفهم اللهُ في كتابهِ، كما في الآية (27) مِن سورةِ الأنبياءِ: (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وقد دلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ عَلى أصنافِ الملائكةِ وأوصافِهم، وأنَّهم موكَّلُونَ بأعمالٍ يؤدُّونَها كما أمرهم اللهُ، فيجبُ الإيمانُ بذلك كُلِّه.
    3- الإيمانُ بالكتبِ أي: التَّصديقُ بالكتبِ التي أنزلها اللهُ عَلى رُسُلِه وأنَّها كَلامُه، وأنَّها حَقٌّ ونورٌ وهُدًى، فيجبُ الإيمانُ بما سمَّى اللهُ منها؛ كالتَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ والقرآنِ، والإيمانُ بما لم يُسِمِّ اللهُ منها.
    4- الإيمانُ بالرُّسُلِ الَّذين أرسلهم اللهُ إلى خلْقِه، أي: التَّصديقُ بهم جميعا، وأنَّهم صادقون فيما أخبروا به وأنَّهم بلّغوا رسالاتِ رَبِّهِم ـ لا نفرِّقُ بين أحدٍ منهم، بل نؤمنُ بهم جميعاً، مَن سَمّى اللهُ منهم في كتابهِ ومَن لم يُسَمِّ منهم، كما قال تعالى: في الآيةِ (164) مِن سورةِ النِّساءِ: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) وأفضلُهم: أولو العَزْمِ وهم: نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمَّدٌ عليهمُ الصَّلاة والسَّلامُ، ثم بقيَّةُ الرُّسلِ ثم الأنبياءُ، وأفضلُ الجميعِ: خاتمُ الرُّسلِ نبيُّنا محمَّدٌ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ. وأصحُّ ما قِيل في الفرْقِ بين النبيِّ والرَّسولِ: أنَّ النبيَّ: مَن أُوحِيَ إليه بشَرْعٍ ولم يُؤْمَرْ بتبليغِه. والرَّسول: مَن أُوحِي إليه بشَرْعٍ، وأُمِر بتبليغِه.
    5- الإيمانُ بالبعْثِ: وهو التَّصديقُ بإخراجِ الموتى مِن قبورِهم أحياءً يومَ القيامةِ؛ لفَصْلِ القَضاءِ بينهم، ومُجَازَاتِهم بأعمالِهم عَلى الصّفةِ التي بيَّنها اللهُ في كتابهِ، وبيّنها الرَّسولُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ في سُنَّتِه.
    6- الإيمانُ بالقَدَرِخيرِه وَشرِّه: وهو التَّصديقُ بأنَّ الله سبحانَه عَلِم مَقَاديرَ الأشياءِ وأزمَانَها قبل وجودِهَا، ثم كتَبها في اللَّوْحِ المحفوظِ، ثم أوْجَدها بقُدْرَتِه ومشيئَتِه في مواعيدِهَا المُقَدَّرةِ. فكُلُّ مُحدَثٍ مِن خيْرٍ أوْ شَرٍّ، فهو صَادِرٌ عَن علمِه وتقديرِه ومشيئتِه وإرادتِه، ما شاءَ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يكُنْ.
    هذا شرحٌ مُجْمَلٌ لأصولِ الإيمانِ ,,,,,,,,,,


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أركان الايمان

    قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فى شرح الواسطية
    ((وَهُوَ الإيمانُ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالبَعْثِ بَعْد المَوْتِ، والإيمانُ بالقَدَر خَيْرِه وَشَرّهِ)).
    هذِهِ العقيدةُ أصَّلَهَا لنا النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جوابِ جبريلَ حِينَ سألَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا الإسلامُ؟ مَا الإيمانُ؟ مَا الإحسانُ؟ متى السَّاعةُ؟ فالإيمانُ –قَالَ لَهُ-: ((أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، وملائكتِهِ، وكتبِهِ، ورسلِهِ، واليومِ الآخرِ، والقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ)).
    ((الإيمانُ باللَّهِ)): الإيمانُ فِي اللُّغةِ: يقولُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّهُ التَّصديقُ، فصدَّقْتُ وآمنْتُ معناهُمَا لغةً واحدٌ، وقد سَبقَ لنَا فِي التَّفسيرِ أنَّ هَذَا القولَ لاَ يَصِحُّ، بلِ الإيمانُ فِي اللُّغةِ: الإقرارُ بالشَّيءِ عن تصديقٍ بِهِ، بدليلِ أنَّكَ تقولُ: آمنتُ بكذا، وأقررْتُ بكذا، وصدَّقتُ فلاناً. ولاَ تقولُ: آمنتُ فلاناً.
    إذاً، فالإيمانُ يتضمَّنُ معنىً زائداً عَلَى مجرَّدِ التَّصديقِ، وَهُوَ الإقرارُ والاعترافُ المستلْزِمُ للقَبولِ للأخبارِ والإذعانِ للأحكامِ، هَذَا الإيمانُ، أمَّا مجرَّدُ أنْ تُؤمنَ بأنَّ اللَّهَ موجودٌ، فهَذَا ليسَ بإيمانٍ، حَتَّى يكونَ هَذَا الإيمانُ مستلْزِماً للقَبولِ فِي الأخبارِ والإذعانِ فِي الأحكامِ، وإلاَّ فليسَ إيماناً.
    والإيمانُ باللَّهِ يتضمَّنُ أربعةَ أُمورٍ:
    1- الإيمانُ بوجودِهِ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى -.
    2- الإيمانُ بربوبيَّتِهِ، أيْ: الانفرادُ بالرُّبوبِيَّةِ .
    3- الإيمانُ بانفرادِهِ بالألوهِيَّةِ.
    4- الإيمانُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ.
    لاَ يمكنُ أنْ يتحقَّقَ الإيمانُ إِلاَّ بذلِكَ.
    فمَنْ لَمْ يُؤمِنْ بوجودِ اللَّهِ، فليس بمؤمنٍ، ومَن آمَنَ بوجودِ اللَّهِ لاَ بانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ ، فَلَيْسَ بمؤمنٍ، ومَن آَمَن باللَّهِ وانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ لاَ بالأُلوهِيَّةِ، فَلَيْسَ بمؤمنٍ، ومَن آمَنَ باللَّهِ وانفرادِهِ بالرُّبوبِيَّةِ وبالأُلوهِيَّةِ ، لكنْ لَمْ يؤمنْ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، فليسَ بمؤمنٍ، وإنْ كَانَ الأخيرُ فِيهِ مَن يَسْلُبُ عَنْهُ الإيمانَ بالكُلِّيَّةِ،و فيِهِ مَن يَسلُبُ عَنْهُ كمالَ الإيمانِ.
    الإيمانُ بوجودِهِ:
    إِذَا قَالَ قائلٌ: مَا الدَّليلُ عَلَى وجودِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -؟
    قُلْنا: الدَّليلُ عَلَى وجودِ اللَّهِ: العقلُ، والحِسُّ، والشَّرْعُ، ثلاثةٌ كلُّها تَدلُّ عَلَى وجودِ اللَّهِ، وإنْ شِئْتَ، فَزِدْ: الفِطْرةَ، فتكونُ الدَّلائلُ عَلَى وجودِ اللَّهِ أربعةً: العقلُ، والحِسُّ، والفِطْرةُ، والشَّرْعُ، وأخَّرْنَا الشَّرْعَ، لاَ لأنَّهُ لاَ يستحِقُّ التَّقديمَ، لكنْ لأنَّنا نخاطِبُ مَنْ لاَ يُؤمِنُ بالشَّرْعِ.
    -فأمَّا دلالةُ العقلِ، فنقولُ: هل وجودُ هذِهِ الكائناتِ بنْفِسِها، أوْ وُجِدتْ هكذا صُدْفةً؟
    فإنْ قُلْتَ: وُجِدتْ بنَفْسِها، فمستحيلٌ عَقْلاً، مَا دامتْ هِيَ معدومةً، كَيْفَ تكونُ موجودةً وهِيَ معدومةٌ؟! المعدومُ لَيْسَ بشيءٍ حَتَّى يوجِدَ، إذاً لاَ يمكنُ أنْ تُوجِدَ نَفْسَها بنَفْسِها! وإنْ قُلْتَ: وُجِدَتْ صُدفةً، فنَقولُ: هَذَا يستحيلُ أيضاً، فأنتَ أيُّها الجاحِدُ، هَلْ مَا أُنْتِجَ مِن الطَّائراتِ والصَّواريخِ والسَّياراتِ والآلاتِ بأنواعِها، هل وُجِدَ هَذَا صُدفةً؟! فيقولُ: لاَ يمكنُ أنْ يكونَ، فكذلِكَ هذِهِ الأطيارُ، والجبالُ، والشَّمسُ، والقمرُ، والنُّجومُ، والشَّجرُ، والجَمْرُ، والرِّمالُ، والبِحارُ، وغيرُ ذلِكَ، لاَ يمكنُ أنْ تُوجدَ صُدفةً أبداً.
    ويُقالُ: إنَّ طائفةً من السُّمنيَّةِ جَاءُوا إِلَى أبي حنِيفةَ -رحمَهُ اللَّهُ- وهُمْ مِنْ أهلِ الهندِ، فناظَرُوهُ فِي إثباتِ الخالقِ - عزَّ وجلَّ -، وكَانَ أبو حَنِيفةَ مِن أَذْكَى العُلماءِ، فوَعدَهُم أنْ يأْتُوا بعدَ يومٍ أوْ يَوْمَيْنِ، فجاءوا، قالوا: مَاذَا قُلْتَ؟ قالَ: أنا أُفكِّرُ فِي سفينةٍ مملوءةٍ مِن البَضائعِ والأرزاقِ، جاءتْ تشُقُّ عُبابَ الماءِ حَتَّى أَرْسَتْ فِي الميناءِ، ونزَلَتِ الحُمولةُ، وذَهَبْتْ وليسَ فِيهَا قائدٌ ولاَ حمَّالونَ، قالوا: تُفَكِّرُ بهَذَا؟! قال: نعمْ، قالوا: إذاً لَيْسَ لَكَ عقلٌ! هل يُعْقَلُ أنَّ سفينةً تأْتِي بدونِ قائدٍ وتَنْزِلُ وَتَنْصَرِفُ؟! هَذَا ليسَ مَعقولاً! قالَ: كَيْفَ لاَ تَعقِلونَ هَذَا، وتعقلونَ أنَّ هذِهِ السَّماواتِ، والشَّمسَ، والقمرَ، والنُّجومَ، والجِبالَ، والشَّجرَ، والدوابَّ، والنَّاسَ كلَّها بِدُونِ صانعٍ؟! فعَرَفوا أنَّ الرَّجلَ خاطبَهُم بعقولِهم، وعَجَزُوا عن جوابِهِ هَذَا أوْ معناهُ.
    وقِيلَ: لأعرابيٍّ مِن البادِيَةِ: بِمَ عَرفتَ ربَّكَ؟ فَقَالَ: الأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى المسيرِ، والبَعْرةُ تدلُّ عَلَى البعيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ، وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ، ألاَ تدلُّ عَلَى السَّميعِ البصيرِ؟
    وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -: (أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ) [الطورُ: 35].
    فحينئذٍ يكونُ العقلُ دالاًّ دلالةً قطعيَّةً عَلَى وجودِ اللَّهِ.
    -وأمَّا دلالةُ الحسِّ عَلَى وجودِ اللَّهِ، فإنَّ الإنسانَ يَدْعُو اللَّهَ - عزَّ وجلَّ -، يقولُ: يا ربِّ! ويَدْعُو بالشَّيءِ، ثُمَّ يُسْتَجابُ لَهُ فِيهِ، وهذِهِ دلالةٌ حِسِّيَّةٌ، هُوَ نَفْسُهُ لَمْ يدْعُ إِلاَّ اللَّهَ، واستجابَ اللَّهُ لَهُ، رأى ذلِكَ رَأْيَ العَيْنِ، وكذلِكَ نحنُ نَسمعُ عمَّنْ سَبقَ وعمَّنْ فِي عَصْرِنا، أنَّ اللَّهَ استجابَ لَهُ.
    فالأعرابيُّ الَّذِي دَخلَ والرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ النَّاسَ يومَ الجمعةِ قالَ: هَلَكَت الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَت السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ، مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزْعَةٍ (أَي: قِطْعَةِ سَحَابٍ)، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ (جَبَلٍ فِي المَدينةِ تَأْتِي مِنْ جِهَتِهِ السُّحُبُ) مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ… وَبَعْدَ دُعاءِ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْراً خَرَجَتْ سَحَابةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، وَارْتَفَعَتْ فِي السَّمَاءِ وَانْتَشَرَتْ وَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ وَنَزَلَ المَطَرُ، فَمَا نَزَلَ الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ وَالمَطَرُ يَتَحَادَرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
    وَهَذَا أمرٌ واقعٌ يدلُّ عَلَى وجودِ الخالقِ دلالةً حِسِّيَّةً.
    وفِي القرآنِ كثيرٌ مِن هَذَا، مِثلُ: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) [الأنبياءُ: 83-84]، وغيرُ ذلِكَ مِن الآياتِ.
    -وأمَّا دلالةُ الفِطْرةِ، فإنَّ كثيراً مِن النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ تَنْحَرِفْ فِطَرُهُمْ يؤمنونَ بوجودِ اللَّهِ، حَتَّى البهائمُ العُجْمُ تُؤمِنُ بوجودِ اللَّهِ، وقِصَّةُ النَّملةِ الَّتِي رُوِيتْ عن سليمانَ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -، خَرَجَ يَستسْقِي فوَجدَ نَملةً مُستلْقِيةً عَلَى ظَهْرِهَا، رافِعةً قوائمَها نحوَ السَّماءِ، تقولُ: اللَّهُمَّ، أَنَا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ، فلاَ تَمْنَعْ عَنَّا سُقْياكَ، فَقَالَ: ارْجِعوا، فَقَدْ سُقيتُمْ بدَعْوةِ غيرِكُمْ.
    فالفِطَرُ مجبولةٌ عَلَى معرفةِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - وتوحيدِهِ.
    وقدْ أشارَ اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَى ذلِكَ فِي قولِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القِيَمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ) [الأعرافُ: 172-173]، فهذِهِ الآيةُ تدلُّ عَلَى أنَّ الإنسانَ مجبولٌ بفِطرَتِهِ عَلَى شَهادتِهِ بوجودِ اللَّهِ وربوبيتَّهِ، وسواءٌ أقلْنا: إنَّ اللَّهَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِن ظَهرِ آدمَ واستشهَدَهُم، أوْ قُلْنا: إنَّ هَذَا هُوَ مَا ركَّبَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي فِطَرِهِمْ مِن الإقرارِ بِهِ، فإنَّ الآيةَ تدلُّ عَلَى أنَّ الإنسانَ يَعْرِفُ ربَّهُ بفطرَتِهِ.
    هذِهِ أدلَّةٌ أربعةٌ تدلُّ عَلَى وجودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى -.
    -وأمَّا دلالةُ الشَّرعِ؛ فلأنَّ مَا جاءتْ بِهِ الرُّسلُ مِن شرائعِ اللَّهِ - تَعَالَى - المتضمِّنةِ لجميعِ مَا يُصْلحُ الخَلقَ، يدلُّ عَلَى أنَّ الَّذِي أَرْسَلَ بها ربٌّ رحيمٌ حكيمٌ، ولاَ سِيَّمَا هَذَا الْقُرْآنِ المجيدُ، الَّذِي أَعْجَزَ البَشرَ والجِنَّ أنْ يَأْتُوا بمثْلِه.
    ((وملائكَتِهِ)): الملائكةُ جمعُ: ملأك، وأصلُ ملأكٍ: مألكُ؛ لأنَّهُ مِن الألوكةِ، والألوكةُ فِي اللُّغةِ الرِّسالةُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (جَاعِلِ المَلَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى) [فاطرٌ: 1].
    فالملائكةُ عالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلقَهُم اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - من نُورٍ، وجعلَهُمْ طائِعينَ لَهُ مُتذَلِّلِينَ لَهُ، ولِكُلٍّ مِنْهُم وظائفُ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا، ونَعلمُ مِن وظائِفِهمْ:
    أوَّلاً: جِبريلُ: مُوَكَّلٌ بالوَحيِ، يَنْزلُ بِهِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - إِلَى الرُّسُلِ.
    ثانياً: إسرافيلُ: مُوَكَّلٌ بنَفخِ الصُّورِ، وَهُوَ أيضاً أَحدُ حَمَلةِ العرشِ.
    ثالثاً: ميكائيلُ: مُوَكَّلٌ بالقَطْرِ والنَّباتِ.
    وهؤلاءِ الثَّلاثةُ كلُّهمْ مُوَكَّلُونَ بمَا فِيهِ حياةٌ، فجبريلُ مُوَكَّلٌ بالوَحيِ، وفِيهِ حياةُ القلوبِ، وميكائيلُ بالقَطْرِ والنَّباتِ، وفِيهِ حياةُ الأرضِ، وإسرافيلُ بنفخِ الصُّورِ، وفِيهِ حياةُ الأجسادِ يومَ الميعادِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتوسَّلُ بربوبيَّةِ اللَّهِ لهمْ فِي دعاءِ الاستفتاحِ فِي صلاةِ اللَّيلِ، فيقولُ: ((اللَّهُمَّ، رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، هَذَا الدُّعاءُ الَّذِي كَانَ يقولُهُ فِي قيامِ اللَّيلِ متوسِّلاً بربوبيَّةِ اللَّهِ لهُمْ.
    كذلِكَ نَعلَمُ أنَّ مِنْهُم مَن وُكِّلَ بقَبْضِ أرواحِ بَنِي آدمَ، أوْ بقَبْضِ رُوحِ كُلِّ ذِي رُوحٍ، وَهُمْ: مَلَكُ الموتِ وأعوانُه، ولاَ يُسمَّى عَزرائيلَ، لأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عن النَّبيِّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - أنَّ اسمَه هَذَا.
    قَالَ - تَعَالَى -: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) [الأنعامُ: 61]. وقَالَ - تَعَالَى -: (قُلْ يَتَوَفَّكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدةُ: 11].
    وقَالَ - تَعَالَى -: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) [الزمرُ: 42].
    ولاَ منافاةَ بينَ هذِهِ الآياتِ الثَّلاثِ، فإنَّ الملائكةَ تَقْبِضُ الرُّوحَ، فإنَّ مَلَكَ الموتِ إِذَا أخرجَها من البَدنِ تكونُ عندَهُ ملائكةٌ، إنْ كَانَ الرَّجلُ مِن أهلِ الجنَّةِ، فيكونُ مَعَهم حَنوطٌ من الجنَّةِ، وكَفَنٌ من الجنَّةِ، يأخذونَ هذِهِ الرُّوحَ الطَّيِّبةَ، ويَجعلونَهَا فِي هَذَا الكَفَنِ، ويَصْعَدُون بِهَا إِلَى اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، حَتَّى تَقِفَ بين يَدَيِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، ثُمَّ يقولَ: اكْتُبُوا كتابَ عبدِي فِي علِّيِّينَ، وأعيدوهُ إِلَى الأرضِ، فتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى الجسدِ مِن أجلِ الاختبارِ، مَنْ ربُّكَ؟ ومَا دينُكَ؟ ومَن نبيُّكَ؟ وإنْ كَانَ الميتُ غيرَ مؤمنٍ –والعياذُ باللَّهِ- فإِنَّهُ يَنْزِلُ ملائكةٌ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِن النَّارِ وحَنوطٌ من النَّارِ، يأْخُذونَ الرُّوحَ، ويجعلونَها فِي هَذَا الكَفَنِ، ثُمَّ يَصعدونَ بِهَا إِلَى السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أبوابُ السَّماءِ دُونهَا، وَتُطْرَحُ إِلَى الأرضِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكاَنٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]، ثُمَّ يقولُ اللَّهُ: اكْتُبوا كِتابَ عَبْدِي فِي سجِّينٍ، نَسألُ اللَّهَ العافِيةَ.
    هؤلاءِ مُوَكَّلونَ بقبضِ الرُّوحِ مِن مَلَكِ الموتِ إِذَا قبضَها، وملَكُ الموتِ هُوَ الَّذِي يُباشِرُ قبْضَها، فلاَ منافاةَ إِذًا، والَّذِي يَأمرُ بذلِكَ هُوَ اللَّهُ، فيكونُ فِي الحقيقةِ هُوَ المتوَفِّي.
    ومِنْهُمْ ملائكةٌ سيَّاحونَ فِي الأرضِ، يَلتمسونَ حِلقَ الذِّكرِ، إِذَا وَجَدوا حلقةَ العِلمِ والذِّكرِ، جلسُوا.
    وكذلِكَ هَنَاكَ ملائكةٌ يَكتبونَ أعمالَ الإنسانِ: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الإنفطارُ: 10-12]، (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
    دخَلَ أحدُ أصحابِ الإمامِ أحمدَ عَلَيْهِ وهُوَ مريضٌ -رحمَهُ اللَّهُ-، فوجدَهُ يئنُ مِن المرضِ، فقَالَ لَهُ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، تئنُّ وَقَدْ قَالَ طاوُسٌ: إنَّ المَلَكَ يَكتُبُ حَتَّى أنينَ المريضِ؛ لأنَّ اللَّهَ يقولُ: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]؟ فجعلَ أبو عبدِ اللَّهِ يَتصبَّرُ، وتَرَكَ الأنينَ؛ لأنَّ كلَ شيءٍ يُكْتَبُ، (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ): (مِن): زائدةٌ لتوكيدِ العمومِ، أيَّ قولٍ تقولُهُ يُكْتَبُ، لكنْ قد تُجَازى عَلَيْهِ بخيرٍ أوْ بِشرٍّ، هَذَا حسَبَ القولِ الَّذِي قِيلَ:
    ومِنْهُمْ أيضاً ملائكةٌ يَتعاقبونَ عَلَى بنِي آدمَ فِي اللَّيلِ والنَّهارِ، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعدُ: 11].
    وَمِنْهُم ملائكةٌ رُكَّعٌ وسُجَّد لِلَّهِ فِي السَّماءِ، قَالَ النَّبِيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -: ((أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ))، والأطيطُ: صريرُ الرَّحْلِ، أيْ: إِذَا كَانَ عَلَى البعيرِ حملٌ ثقِيلَ:، تسمعُ لَهُ صريراً من ثقلِ الحملِ، فيقولُ الرسولُ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -: ((أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابَعَ مِنْهَا إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهُِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ))، وعَلَى سِعَةِ السَّماءِ فِيهِا هؤلاءِ الملائكةُ.
    وَلِهَذَا قَالَ الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي البيتِ المعمورِ الَّذِي مرَّ بِهِ فِي ليلةِ المعراجِ، قالَ: ((يَطُوفُ بِهِ (أَوْ قَالَ: يَدْخُلُهُ) سَبْعُونَ أَلف مَلَكٍ كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ))، والمعنَى: كُلَّ يومٍ يأتي إِلَيْهِ سبعونَ ألْفِ مَلَكٍ غيرِ الَّذِينَ أَتَوْهُ بالأمسِ ولاَ يعودونَ لَهُ أبداً، يأتي ملائكةٌ آخرونَ غَيْرُ من سَبَقَ، وَهَذَا يدلُّ عَلَى كثرةِ الملائكةِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) [المدثر: 31].
    ومنْهُمْ ملائكةٌ مُوكَّلونَ بالجنَّةِ وموكَّلونَ بالنَّارِ، فخازِنُ النَّارِ اسمُهُ مالِكٌ، يقولُ أهلُ النَّارِ: (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) [الزخرفُ: 77]، يعني: ليُهْلِكْنا ويُمِتْنا، فَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أنْ يُميتَهُمْ؛ لأنَّهمْ فِي عذابٍ لاَ يُصْبَرُ عليْهِ، فيقولُ: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرفُ: 77]، ثُمَّ يُقالُ لَهُمْ: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرفُ: 78].
    المهمُ: أنَّهُ يجبُ علينا أنْ نؤمِنَ بالملائكةِ.
    وكَيْفَ الإيمانُ بالملائكةِ؟
    نؤمنُ بأنَّهمْ عالَمٌ غَيْبِيٌّ لاَ يُشاهَدونَ، وقد يُشاهَدونَ، إنَّما الأصلُ أنَّهمْ عالَمٌ غَيْبِيٌّ، مخلوقونَ مِن نورٍ، مكلَّفونَ بمَا كلَّفهم اللَّهُ بِهِ مِن العباداتِ، وَهُمْ خاضِعونَ لِلَّهِ - عزَّ وجلَّ - أتمَّ الخضوعِ، (لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
    كذلِكَ نؤمنُ بأسماءِ مَن عَلِمْنا بأسمائِهمْ، ونُؤْمِنُ بوظائفِ مَنْ عَلِمْنَا بوظائِفِهم، ويجبُ علَيْنا أنْ نؤمنَ بذلِكَ عَلَى مَا عَلِمْنَا.
    وهُمْ أجسادٌ، بدليلِ قولِهِ - تَعَالَى -: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةَ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ) [فاطر: 1]، ورأى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبريلَ عَلَى صورتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْها، لَهُ ستُّمِائَةِ جناحٍ، قَدْ سدَّ الأُفُقَ، خِلافاً لمَنْ قال: إنهم أرواحٌ.
    إِذَا قَالَ قائلٌ: هل لَهُم عقولٌ؟ نقولُ: هل لَكَ عَقْلٌ؟ مَا يسألُ عن هَذَا إِلاَّ رجلٌ مجنونٌ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، فهلْ يُثْنِي عليْهِم هَذَا الثَّناءَ وليسَ لَهُم عقولٌ؟! (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]، أنقولُ: هؤلاءِ ليْسَ لَهُم عقولٌ؟! يأتَمِرونَ بأمرِ اللَّهِ، ويفعلونَ مَا أمَرَ اللَّهُ بِهِ، ويبلِّغونَ الوَحْيَ، ونقولُ: ليسَ لَهُم عقولٌ؟! أحقُّ مَن يُوصَفُ بعدمِ العقلِ مَنْ قالَ: إنَّه لاَ عقولَ لَهُمْ!!
    و((كُتُبِه))، أيْ: كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أنزلَها مَعَ الرُّسُلِ.
    ولكُلِّ رسولٍ كتابٌ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ) [الحديد: 25]، وَهَذَا يدلُّ عَلَى أنَّ كُلَّ رسولٍ مَعَهُ كتابٌ، لكنْ لاَ نعرِفُ كُلَّ الكتبِ، بلْ نَعرِفُ مِنْهُا: صُحُفَ إبراهِيمَ وموسَى، التَّوراةَ والإنجيلَ، الزَّبُورَ، القرآنَ، ستَّةً؛ لأنَّ صُحُفَ موسَى بعضُهُمْ يقولُ: هِيَ التَّوراةُ، وبعضُهُمْ يقولُ: غَيْرُها، فإنْ كانَت التوراةَ، فهِيَ خمسةٌ، وإنْ كانتْ غَيْرَها، فهِيَ ستَّةٌ،
    ولكنْ مَعَ ذلِكَ نَحْنُ نُؤمنُ بكُلِّ كتابٍ أنزَلَهُ اللَّهُ عَلَى الرُّسُلِ، وإنْ لَمْ نَعلمْ بِهِ، نؤمِنُ بِهِ إجمالاً.
    ((وَرُسُلِهِ))، أيْ: رُسُلِ اللَّهِ، وَهُم الَّذِينَ أَوْحَى اللَّهُ إليْهِمْ بالشَّرائعِ، وأَمَرَهُمْ بتبليغِها، وأوَّلَهُمْ نُوحٌ، وآخِرُهم محمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
    الدَّليلُ عَلَى أنَّ أوَّلَهُمْ نُوحٌ: قولُهُ - تَعَالَى -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ) [النساء: 163]، يعني: وَحْيًا، كإيحائِنا إِلَى نوحٍ والنَّبِيِّينَ مِن بعدِه، وهُوَ وَحْيُ الرِّسالةِ. وقولُهُ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ) [الحديد: 26] (فِي ذرِّيَّتِهما)، أيْ: ذُرِّيَّةُ نوحٍ وإبراهِيمَ، والَّذِي قَبْلَ نوحٍ لاَ يكونُ من ذُرِّيَّتِهِ. وكذلِكَ قولُهُ - تَعَالَى -: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [الذاريات: 46]، قدْ نقولُ: إنَّ قولَهُ: (مِن قَبْلُ): يدلُّ عَلَى مَا سَبَقَ.
    إذاً مِن القرآنِ ثلاثةُ أدلَّةٍ تدلُّ عَلَى أنَّ نوحاً أوَّلُ الرُّسُلِ.
    ومِن السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ فِي حديثِ الشَّفاعةِ: ((أَنَّ أَهْلَ الموْقِفِ يَقُولُونَ لِنُوحٍ: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلى أَهْلِ الأَرْضِ))، وَهَذَا صريحٌ.
    أمَّا آدمُ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -، فَهُوَ نبيٌّ، وليسَ بِرَسولٍ.
    وأمَّا إدريسُ، فذَهَبَ كثيرٌ مِن المؤرِّخِينَ أوْ أكثرُهُم وبعضُ المفسِّرينَ أيضاً إِلَى أَنَّهُ قبلَ نوحٍ، وأَنَّهُ مِن أجدادِهِ، لكنَّ هَذَا قولٌ ضعيفٌ جدّاً، والقرآنُ والسُّنةُ تَردُّهُ، والصَّوابُ مَا ذَكَرْنَا.
    وآخِرُهمْ محمَّدٌ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -، لقولِهِ - تَعَالَى -: (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40]، ولَمْ يَقُلْ: وخاتَمَ المُرْسَلينَ؛ لأنَّه إِذَا خَتَمَ النُّبوَّةَ، خَتَمَ الرِّسالَةَ مِن بابٍ أَوْلى.
    فإنْ قُلْتَ: عيسَى - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - يَنْزِلُ فِي آخرِ الزَّمانِ، وهُوَ رسولٌ، فمَا الجوابُ؟
    نقولُ: هُوَ لاَ ينـزلُ بشريعةٍ جديدةٍ، وإنمَا يحكمُ بشريعةِ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
    فَإِذَا قَالَ قائلٌ: مِن المتَّفقِ عَلَيْهِ أنَّ خَيْرَ هذِهِ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها أبو بكرٍ، وعيسَى يحكمُ بشريعةِ النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيكونُ مِن أتباعِهِ، فكَيْفَ يَصِحُّ قولنُا: إنَّ خَيْرَ هذِهِ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها أبو بكرٍ؟
    فالجوابُ: أحدُ ثلاثةِ وُجوهٍ:
    أولُها: أنَّ عيسَى - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - رسولٌ مستَقِّلٌ مِن أُولِي العَزْمِ، ولاَ يَخطرُ بالبالِ المقارنةُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الواحدِ مِن هذِهِ الأُمَّةِ، فكَيْفَ بالمفاضَلةِ؟! وعَلَى هَذَا يسقطُ هَذَا الإيرادُ من أصْلِهِ؛ لأنَّهُ من التَّنطُّعِ، وقدْ هَلكَ المُتَنَطِّعون، كَمَا قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
    الثَّاني: أنْ نقولَ: هُوَ خيرُ الأمةِ إِلاَّ عيسَى.
    الثَّالثُ: أنْ نقولَ: إنَّ عيسَى ليسَ مِن الأُمَّةِ، ولاَ يصحُّ أنْ نقولَ: إِنَّهُ مِن أمَّتِهِ، وَهُوَ سابقٌ عَلَيْهِ، لكنَّهُ مِن أتباعِهِ إِذَا نزلَ؛ لأنَّ شريعةَ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باقيةٌ إِلَى يومِ القيامةِ.
    فإنْ قَالَ قائلٌ: كَيْفَ يكونُ تابِعاً، وَهُوَ يقتلُ الخنـزيرَ، ويَكسِرُ الصَّليبَ، ولاَ يقبلُ إِلاَّ الإسلامَ مَعَ أنَّ الإسلامَ يُقِرُّ أهلَ الكتابِ بالجزيةِ؟!
    قُلْنا: إخبارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلِكَ إقرارٌ لَهُ، فتكونَ مِن شَرْعِهِ، ويكونُ نَسْخاً لِمَا سَبقَ من حُكْمِ الإسلامِ الأوَّلِ.
    ((وَالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ)): البعثُ بمعنَى الإخراجِ، يعني: إخراجَ النَّاسِ مِن قبورِهِم بعدَ موتِهِم.
    وَهَذَا من معتقَدِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ.
    وَهَذَا ثابتٌ بالكتابِ والسُّنَةِ وإجماعِ المسلمينَ، بلْ إجماعِ اليهودِ والنَّصارى، حَيْثُ يُقِرُّونَ بأنَّ هناكَ يوماً يُبْعَثُ النَّاسُ فِيهِ ويُجازَوْنَ،
    -أمَّا الْقُرْآنُ، فيقولُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ) [التغابن: 7]، وقَالَ - عزَّ وجلَّ -: (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 15-16].
    -وأمَّا فِي السُّنَّةِ، فجاءتِ الأحاديثُ المتواتِرةُ عن النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذلِكَ.
    -وأجمعَ المسلمِونَ عَلَى هَذَا إجماعاً قطعيًّا، وأنَّ النَّاسَ سيُبْعثونَ يومَ القيامةِ، ويلاقون ربَّهُمْ، ويجازَوْنَ بأعمالِهِمْ، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8].
    (يَأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَقِيهِ) [الانشقاق: 6]، فتذكَّرْ هَذَا اللِّقاءَ، حَتَّى تعملَ لَهُ، خَوْفاً مِنْ أَنْ تقِفَ بيَن يَدَيِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - يومَ القيامةِ، وليسَ عندَكَ شيءٌ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ، انظُرْ مَاذَا عَمِلْتَ ليومِ النَّقلةِ؟ ومَاذَا عملْتَ ليومِ اللِّقاءِ؟ فإنَّ أكثرَ النَّاسِ اليومَ يَنظُرونَ مَاذَا عمِلُوا للدُّنْيا، مَعَ العلْمِ بأنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي عَمِلُوا لَهَا لاَ يَدْرُونَ هَلْ يُدْرِكُونَها أمْ لا؟ قَدْ يُخَطِّطُ الإنسانُ لعملٍ دُنْيويٍّ يفعلُهُ غداً أوْ بعدَ غدٍ، ولكنَّهُ لاَ يُدْرِكُ غداً ولاَ بعدَ غدٍ، لكنَّ الشَّيءَ المتيقَّنَ أنَّ أكثرَ النَّاسِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا) [المؤمنون: 63]، وأعمالُ الدُّنْيَا يقولُ: (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِّن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) [المؤمنون: 63]، فأتى بالجملةِ الاسميةِ المُفيدةِ للثُّبوتِ والاستمرارِ: (وهُمْ لُهَا عَامِلُونَ)، وقَالَ - تَعَالَى -: (لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) [ق: 22]، يعني: يومُ القيامةِ، وقال تعالى:(فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق: 22].
    هَذَا البعثُ الَّذِي اتفقتْ عَلَيْهِ الأديانُ السماويةُ، وكُلُّ متدينٍ بدين، هُوَ أحدُ أركانِ الإيمانِ الستةِ، وَهُوَ من معتقداتِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، ولاَ ينكرُهُ أحدٌ ممن ينتسبُ إِلَى ملةٍ أبداً.
    ((وَالإيمانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) هَذَا الركنُ السادسُ: الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّه.
    القدرُ: هُوَ تقديرُ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - للأشياء.
    وقدْ كَتَبَ اللَّهُ مقاديرَ كُلِّ شيءٍ قَبْلَ أنْ يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفِ سنةٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاءِ والأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَبٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج: 70].
    وقولُهُ: ((خَيْرِهِ وشرِّه)): أمَّا وصفُ القدرِ بالخيرِ فالأمرُ فِيهِ ظاهرٌ، وأمَّا وصفُ القدرِ بالشرِّ فالمرادُ بِهِ شرُّ المقدورِ لاَ شرُّ القَدَرِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ اللَّهِ، فإنَّ فعلَ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - ليْسَ فِيهِ شرٌ، كلُ أفعالِهِ خَيْرٌ وحكمةٌ، لكنَّ الشرَّ فِي مفعولاتِهِ ومقدوراتِهِ، فالشرُّ هُنَا باعتبارِ المقدورِ والمفعولِ، أمَا باعتبارِ الفعلِ، فلا، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ -: ((والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ)).
    فمثلاً، نَحْنُ نجدُ فِي المخلوقاتِ المقدوراتِ شرًّا، ففِيهِا الحيَّاتُ والعقاربُ، والسباعُ، والأمراضُ، والفقرُ، والجدبُ، ومَا أشْبَهَ ذلِكَ، وكُلُّ هذِهِ بالنسبةِ للإنسانِ شرٌ، لأنَّها لاَ تلائِمُهُ، وفِيهِا أيضاً المعاصي، والفجورُ، والكفرُ، والفسوقُ، والقتلُ، وغيرُ ذلِكَ، وكُلُّ هذِهِ شرٌ، لكنْ باعتبار نِسبَتِها إِلَى اللَّهِ هِيَ خَيْرٌ؛ لأنَّ اللَّهَ - عزَّ وجلَّ - لَمْ يقدّرْها إِلاَّ لحكمةٍ بالغةٍ عظيمةٍ، عَرَفَها مَنْ عَرَفَها، وَجَهِلَهَا من جَهِلَهَا.
    وعَلَى هَذَا يجبُ أنْ تعرفَ أنَّ الشرَّ الَّذِي وُصِفَ بِهِ القدرُ إنمَا هُوَ باعتبارِ المقدوراتِ والمفعولاتِ، لاَ باعتبارِ التقديرِ الَّذِي هُوَ تقديرُ اللَّهِ وفِعْلُه.
    ثُمَّ اعلَمْ أيضاً أَنَّ هَذَا المفعولَ الَّذِي هُوَ شرٌ قدْ يكونُ شرًّا فِي نفسِهِ، لكنَّهُ خيرٌ من جهةٍ أُخْرَى، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِى البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، النَّتيجَةُ طَيِّبةٌ، وعَلَى هَذَا فيكونُ الشرُّ فِي هَذَا المقدورِ شرًّا إضافيًّا، يعني: لاَ شرًّا حقيقيًّا؛ لأنَّ هَذَا ستكونُ نتيجتُهُ خيراً.
    ولْنفرِضْ حدَّ الزَّانِي مَثَلاً إِذَا كَانَ غيرَ مُحْصِنٍ أنْ يُجْلَدَ مائةَ جلدةٍ، ويُسَفَّرَ عن البلدِ لمدَّةِ عامٍ، هَذَا لاَ شكَّ أَنَّهُ شرٌّ بالنسبةِ إليْهِ؛ لأنَّهُ لاَ يلائِمُهُ، لكنَّهُ خَيْرٌ مِن وجْهٍ آخرَ؛ لأنَّهُ يكونُ كفَّارةً لَهُ، فهَذَا خَيْرٌ؛ لأنَّ عقوبةَ الدُّنْيَا أهونُ من عقوبةِ الآخرةِ، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، ومِن خَيْرِهِ أنَّهُ ردعٌ لغيرِهِ ونكالٌ لغيْرِهِ، فإنَّ غَيْرَهُ لو همَّ أنْ يَزْنِيَ وهُوَ يعلَمُ أَنَّهُ سيُفعلُ بِهِ مثلُ مَا فُعِلَ بهَذَا، ارتدَعَ، بلْ قدْ يكونُ خيراً لَهُ هُوَ أيضاً، باعتبارِ أنَّهُ لنْ يعودَ إِلَى مثْلِ هَذَا العملِ الَّذِي سبَّبَ لَهُ هَذَا الشَّيءَ.
    أمَا بالنِّسبةِ للأمورِ الكونيَّةِ القدَريَّةِ فهناكَ شيءٌ يكونُ شرًّا باعتبارِه مَقْدُوراً، كالمَرَضِ مثلاً، فالإنسانُ إِذَا مَرِضَ، فلاَ شكَّ أنَّ المرضَ شرٌّ بالنِّسبةِ لَهُ، لكنْ فِيهِ خيرٌ لَهُ فِي الواقعِ، وخَيْرُهُ تكفيرُ الذُّنوبِ، قدْ يكونُ الإنسانُ عَلَيْهِ ذنوبٌ مَا كفَّرَها الاستغفارُ والتَّوبةُ، لوجودِ مانعٍ، مثلاً لعدَمِ صدقِ نيَّتِهِ مَعَ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، فتأتِي هذِهِ الأمراضُ والعقوباتُ، فتكفِّرُ هذِهِ الذُّنوبَ.
    ومِنْ خَيْرِهِ أنَّ الإنسانَ لاَ يَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بالصِّحَّةِ إِلاَّ إِذَا مَرِضَ، نَحْنُ الآنَ أصحَّاءُ، ولاَ نَدرِي مَا قَدْرُ الصِّحَّةِ، لكنْ إِذَا حَصَلَ المرضُ، عَرَفْنا قَدْرَ الصِّحَّةِ، فالصِّحَّةُ تاجٌ عَلَى رُءوسِ الأصِحَّاءِ، لاَ يعرفُها إِلاَّ المرضَى… هَذَا أيضاً خيرٌ، وَهُوَ أنَّكَ تَعرفُ قَدْرَ النِّعمةِ.
    ومِنْ خَيْرِهِ أنَّهُ قدْ يكونُ فِي هَذَا المرضِ أشياءُ تَقتلُ جراثيمَ فِي البدنِ لاَ يَقتلُها إِلاَّ المرضُ، يقولُ الأطباءُ: بعضُ الأمراضِ المعيَّنَةِ تَقتلُ هذِهِ الجراثيمَ الَّتِي فِي الجسدِ وأنتَ لاَ تدري.
    فالحاصلُ أَنَّنَا نقولُ:
    أَوَّلاً: الشرُّ الَّذِي وُصِفَ بِهِ القَدْرُ هُوَ شرٌّ بالنِّسبةِ لمقدورِ اللَّهِ، أمَّا تقديرُ اللَّهِ، فكلُّه خَيْرٌ، والدَّليلُ قولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ)).
    ثانياً: أنَّ الشَّرَّ الَّذِي فِي المقدورِ ليسَ شرًّا مَحْضًا، بلْ هَذَا الشَّرُّ قدْ يَنتجُ عَنْهُ أمورٌ هِيَ خَيْرٌ، فتكونُ الشَّرِّيَّةُ بالنِّسبةِ إِلَيْهِ أَمْراً إضافِيًّا.
    هَذَا، وسيتكَلَّمُ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللَّهُ- عَلَى القَدَرِ بكلامٍ مُوسَّعٍ يُبَيِّنُ درجاتِهِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •