قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات
(وآخِرُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهو خَاتَمُ النَّبِيِّينَ كَمَا قَالَ تعَالَى: {وَلَـكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لاَ نَبِيَّ بَعْدِي)). (وَهُوَ الَّذي كَسَّرَ صُوَرَ هَؤُلاَءِ الصَّالحِينَ) المَعْبُودَةَ عَلَى عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛ صُوَرَ وَدٍّ وسُوَاعٍ ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ.
فانْظُرْ إِلَى آثَارِ الشِّرْكِ وعُرُوقِهِ إِذَا عَلِقَتْ مَتَى تَزُولُ وتَنْمَحِي؟ فإنَّ هذه الأَصْنَامَ بَقِيَتْ مِن يَوْمِ عُبِدَتْ مِن دونِ اللهِ حَتَّى بُعِثَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَسَّرَهَا.

فالشِّرْكُ إِذَا وَقَعَ عَظِيمٌ رَفْعُهُ وشَدِيدٌ؛فإِنَّ نُوحًا مَعَ كَمَالِ بَيَانِهِ ونُصْحِهِ ودَعْوَتِهِ إِيَّاهُم لَيْلاً ونَهَارًا سِرًّا وجِهَارًا أَخَذَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا مَا أَجَابَهُ إلاَّ قَلِيلٌ، ومَعَ ذَلِكَ أَغْرَقَ اللهُ أَهْلَ الأَرْضِ كُلَّهُم مِن أَجْلِهِ، ومَعَ ذَلِكَ تِلْكَ الأَصْنَامُ الخَمْسَةُ مَا زَالَتْ حَتَّى بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَسَّرَهَا.

فيُفِيدُكَ:
عِظَمَ الشِّرْكِ إِذَا خَالَطَ القُلُوبَ صَعُبَ زَوَالُهُ، كَيْفَ أَنَّ أَصْنَامًا عُبِدَتْ عَلَى وَقْتِ أَوَّلِ الرُّسُلِ ومَا كَسَّرَهَا إِلاَّ آخِرُهُم.------------------------ قال الشيخ صالح الفوزان فى شرحه لكشف الشبهات
هذه حَالُ العَرَبِ قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، ودَعَاهُم إِلَى التَّوْحيدِ بِمَكَّةَ، وبَقِيَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يَدْعُوهُم إِلَى التَّوْحِيدِ، ويُنْكِرُ عَلَيْهِم عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، فاسْتَجَابَ له مَن أَرَادَ اللهُ له الهِدَايَةَ مِن الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ إنَّ اللهَ أَذِنَ لَهُم بالهِجْرَةِ إِلَى الحَبَشَةِ ثُمَّ إلى المَدِينَةِ.
وهَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إلَى المَدِينَةِ، واجْتَمَعَ حَوْلَه المُهَاجِرُونَ والأَنْصَارُ، وكَوَّنَ جُيُوشَ التَّوْحِيدِ وصَارُوا يَغْزُونَ المُشْرِكِينَ.. إِلَى أَنْ جَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِن الهِجْرَةِ إِلَى مَكَّةَ فَاتِحًا، وصَارَتْ مَكَّةُ تَحْتَ سُلْطَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وعندَ ذَلِكَ كَسَّرَ هذه الأَصْنَامَ الَّتِي عَلَى الكَعْبَةِ، وغَسَلَ الصُّوَرَ الَّتِي في جَوْفِ الكَعْبَةِ، وأَرْسَلَ إِلَى الأَصْنَامِ الَّتِي حَوْلَ مَكَّةَ (اللاَّتِ والعُزَّى ومَنَاةَ) مِن الصَّحَابَةِ مَن كَسَّرَهَا وهَدَمَهَا وانْتَشَرَ التَّوْحِيدُ وانْدَحَرَ الشِّرْكُ، وللهِ الحَمْدُ.
وهذا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ: (كَسَّرَ صُوَرَ هَؤُلاَءِ الصَّالِحِينَ) وذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وطَهَّرَ اللهُ بِهِ حَرَمَهُ الشَّرِيفَ مِن هذه الأَصْنامِ.
وامْتَدَّ التَّوْحِيدُ مِن بَعْثَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وعَهْدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وعَهْدِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ كُلِّهَا خَالِيًا مِن الشِّرْكِ، فَلَمَّا انْتَهَت القُرُونُ المُفَضَّلَةُ انْتَشَرَ التَّصَوُّفُ والتَّشَيُّعُ، وعندَ ذَلِكَ حَدَثَ الشِّرْكُ فِي الأُمَّةِ بعِبَادَةِ القُبُورِ والأَضْرِحَةِ وتَقْدِيسِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وهَذَا الشِّرْكُ مَوْجُودٌ فِي الأُمَّةِ، ولَكِنْ يُقَيِّضُ اللهُ -جَلَّ وعَلاَ- مَنْ يُقِيمُ الحُجَّةَ عَلَى العِبَادِ مِن الدُّعَاةِ المُخْلِصِينَ.

وهَكَذَا يَنْبَغِي ويَجِبُ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ والدُّعَاةِ أنْ يَهْتَمُّوا بِهَذَا الأَمْرِ،وأَنْ يَجْعَلُوا الدَّعْوَةَ للتَّوْحِيدِ وإِنْكَارِ الشِّرْكِ ودَحْضِ الشُّبُهَاتِ مِن أَوْلَوِيَّاتِ دَعْوَتِهِم، فَهَذَا هو الوَاجِبُ.
وهذه دَعْوَةُ الرُّسُلِ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ لأَِنَّ كلَّ أَمْرٍ يَهُونُ دُونَ الشِّرْكِ، مَا دَامَ الشِّرْكُ مَوْجُودًا فَكَيْفَ تُنْكَرُ الأُمُورُ الأُخْرَى! لاَ بُدَّ أَنْ نَبْدَأَ بإِنْكَارِ الشِّرْكِ أَوَّلاً، ونُخَلِّصَ المُسْلِمِينَ مِن هذه العَقَائِدِ الجَاهِلِيَّةِ، ونُبَيِّنَ لَهُم بالحُجَّةِ والبُرْهَانِ وبالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ إِذَا أَمْكَنَ ذلك، حتَّى تَعُودَ الحَنِيفِيَّةُ إلى المُسْلِمِينَ، كُلٌّ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ ومَقْدِرَتِهِ في كُلِّ مَكَانٍ وزَمَانٍ.
يَجِبُ عَلَى الدُّعَاةِ أَلاَّ يَغْفُلُوا عن هَذَا الأَمْرِ،ويَهْتَمُّوا بأُمُورٍ أُخْرَى ويَبْذُلُوا جُهُودَهُم فيها ويُغَطُّوا أَعْيُنَهُم عَن وَاقِعِ النَّاسِ الوَاقِعِينَ في الشِّرْكِ وعِبَادَةِ الأَضْرِحَةِ واسْتِيلاَءِ الخُرَافِيِّينَ وطَوَاغِيتِ الصُّوفيَّةِ عَلَى عُقُولِ النَّاسِ، هَذَا أَمْرٌ لاَ يَجُوزُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وكُلُّ دَعْوَةٍ لاَ تَتَّجِهُ للنَّهيِ عنه فهي دَعْوَةٌ نَاقِصَةٌ أو دَعْوَةٌ غَيْرُ صَالِحَةٍ أو دَعْوَةٌ غَيْرُ مُثْمِرَةٍ.
كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الإِقْرَارَ بتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لاَ يَكْفِي ولاَ يَنْفَعُ إلاَّ إِذَا كَانَ مَعَهُ الإِقْرَارُ بِتَوْحيدِ الأُلُوهِيَّةِ، وتَحَقُّقُهُ قَوْلاً وعَمَلاً واعْتِقَادًا؛ لأَِنَّ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِم نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- كَانُوا مُقِرِّينَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبيَّةِ، ولَمْ يَنْفَعْهُم إِقْرَارُهُم بِهِ لَمَّا كَانُوا جَاحِدِينَ لِتَوْحيدِ الأُلُوهِيَّةِ.------------------------------
-
قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح كشف الشبهات
قال: (وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين) (هو الذي كسر) يعني بنفسه أو بمن أرسل.
محمد-عليه الصلاة والسلام- لما دخل مكة عام الفتح دخل وكان حول الكعبة أصنام كثيرة، فجعل ينكتهم بعصاه -عليه الصلاة والسلام- ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}.
وكان من الأصنام:
إساف ونائلة، وكانت موجودة بجنب الكعبة.
ومنها:هبل، وكان هبل من الأصنام التي في داخل الكعبة؛ لأن الكعبة كان في داخلها صور وأصنام، وكان أيضاً بقربها - يعني على حافة الكعبة -كانت ثم أصنام، وهناك أصنام أيضاً بعيدة حول المطاف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كسر هذه جميعاً.
ومن العجائب في ذلك:
أن المؤرخين اتّفقوا على أن إساف رجل ونائلة امرأة، وأن إساف كان يتعشّق نائلة، وأنهما قدما حاجَّين، وأنه لم يتمكن منها إلا في غفلة من الناس، أتاها في الكعبة - والعياذ بالله - قال المؤرخون: فمسخا حجرين فأخرجوهما - مسخا حجرين في داخل الكعبة - فلما نظر الناس إليهما عرفوا أن هذه صورة إساف وصورة نائلة في الكعبة؛ فعلم أنهما أحدثا حدثًا، فأخرج الناس الحجرين إلى خارج الكعبة ليعتبر الناس بحال من عصى في الحرم، فيكون ذلك أبلغ في إبعاده، فأتى الزمان حتّى عُبِدَ (إساف) وعُبِدَت (نائلة).
(هبل)كان في داخل الكعبة، وكان هو أعظم الأصنام والصور التي في داخلها، وهكذا.
أما ودٌّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر فلم تكن من الأصنام التي حول الكعبة، وكانت متفرقة في العرب.
فقوله: (وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين) يعني: بمن أرسل، فإنه لما انتشر الإسلام فكل قوم فيهم هذا الوثن، أو هذا الصنم، كسره أصحابه بأمر النبي عليه الصلاة والسلام.

وقولنا: بأمر النبي، ليس أمرًا خاصًّا بهذا الصنم، ولكن أمراً عاماً بكسر الأصنام والأوثان، ومن أصنامهم اللات والعزى ومناة كما هو معروف.
تعبير الشيخ -رحمه الله- بقوله: (صور هؤلاء الصالحين) هذا مقصود؛ لأن أولئك جعلوا الصورة، وهل جعلهم الصورة لقصدها أم لأجل أنها توصل إلى صاحبها؟
معلوم أن المشركين ليسوا قاصدين للصور من حيث هي،لم يقصدوا الصنم من حيث هو، وإنما عندهم الصنم وسيلة إلى روح صاحبه، الوثن وسيلة إلى ما يحل بالبقعة، أو يحل بالشيء من أرواح.
فإذاً: هم قصدهم الأرواح التي تصعد إلى الملأ الأعلى فتوصل طلباتهم،وتوصل حوائجهم، وما يريدون إلى الله جل وعلا، فيستجيب الله -جل وعلا- بهذه الوساطة، هذه خلاصة شرك المشركين.
وأولئك الذين أشركوا هذا الشرك لم يكونوا بعيدين عن التعبد، بل كما ذكر الشيخ -رحمه الله- هنا: قال: (أرسله الله إلى أناس يتعبدون)