أروع الأمثال في سرعة الامتثال


أ. إبراهيم عبدالفضيل





الحمد لله حقَّ حمدِه، والصلاة والسلام على محمد رسولِه وعبدِه، وعلى آله وصحبِه، وبعد:

فإن النفس جُبلتْ على الاتِّساء، وحبِّ تقليد القادة والعظماء، والمتصفِّحُ لكتب السنَّة، والمتنقلُ بين رياضها، يجد كثيرًا من الأمثلة التي تحكي مسارعةَ الصحب الكرام لتنفيذ أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم.



فإليك - أخي الكريم - بعضَ هذه النماذج المضيئات، والشهب النيرات؛ ففيها حثٌّ على المسارعة إلى الخيرات، والاستكثار من الطاعات:

1- لا آخذه أبدًا وقد طرَحَه رسولُ الله:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتمًا مِن ذهب في يد رجل، فنزعه فطرَحه، وقال: ((يعمِد أحدُكم إلى جمرة مِن نارٍ فيَجعلها في يده))، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خذْ خاتمك؛ انتفع به، قال: لا والله، لا آخُذُه أبدًا وقد طرحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ مسلم (2090).



2- فما راجعوها، ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل:

سألوا أنس بن مالك عن الفضيخ، فقال: ما كانت لنا خمرٌ غير فضيخكم هذا الذي تُسمُّونه الفضيخ، إني لقائم أسقيها أبا طلحة، وأبا أيوبَ، ورجالاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا، إذ جاء رجل، فقال: هل بَلَغَكم الخبرُ؟ قلنا: لا، قال: ((فإن الخمر قد حُرِّمتْ))، فقال: "يا أنس، أَرِقْ هذه القلال"، قال: "فما راجعوها، ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل"؛ مسلم (1980).



3- فما زلتُ أتحرَّاها بعدُ:

عن ابن عمرَ قال: مررتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي إزاري استرخاءٌ، فقال: ((يا عبدالله، ارفعْ إزارك))، فرفعتُه، ثم قال: ((زدْ))، فزدتُ، فما زلتُ أتحراها بعد، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: أنصاف الساقين؛ مسلم (2086).



4- فما زالتْ تلك طِعمتي بعدُ:

عن عمرَ بنِ أبي سلمة يقول: كنتُ غلامًا في حَجْرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصَّحْفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا غلامُ، سمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ مما يليك))، فما زالتْ تلك طِعمتي بعدُ؛ البخاري (5376).



5- أكره ما تَكره:

عن أبي أيوبَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزَل عليه، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في السُّفْل، وأبو أيوب في العُلْو، قال: فانتبَهَ أبو أيوب ليلةً، فقال: نمشي فوق رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فتنحَّوا فباتوا في جانب، ثم قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((السفل أرفَق))، فقال: لا أعلو سقيفةً أنت تحتها، فتحوَّلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في العُلو، وأبو أيوب في السفل، فكان يصنع للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعامًا، فإذا جيء به إليه، سأل عن موضِع أصابعه، فيتتبَّع موضع أصابعه، فصنع له طعامًا فيه ثُومٌ، فلما رُدَّ إليه سأل عن موضع أصابع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: لم يأكل، ففزِعَ وصعد إليه، فقال: أحرامٌ هو؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا؛ ولكني أكرهه))، قال: فإني أكره ما تكره - أو ما كرهتَ - قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُؤتَى[1] "؛ مسلم (2177).



6- يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه:

عن عوف بن مالك الأشجعيِّ قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ((ألا تبايعون رسولَ الله؟))، وكنا حديثَ عهدٍ ببيعة، فقلْنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟))، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟))، قال: فبسطْنا أيديَنا، وقلنا: قد بايَعْناك يا رسول الله، فعلامَ نُبايِعُك؟ قال: ((على أن تَعبدوا الله ولا تُشرِكوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتُطيعوا - وأسرَّ كلمةً خفية - ولا تسألوا الناس شيئًا))، فلقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقط سوطُ أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه"؛ مسلم (1043).



7- فما سببْتُ بعده حرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاة:

عن أبي جُرَيٍّ جابرِ بن سُلَيم، قال: رأيتُ رجلاً يَصدُر الناسُ عن رأيه، لا يقول شيئًا إلا صدَرُوا عنه، قلتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: عليك السلام يا رسول الله، مرَّتَين، قال: ((لا تقل: عليك السلام؛ فإن "عليك السلام" تحيةُ الميِّت، قل: السلام عليك))، قال: قلتُ: أنت رسول الله؟ قال: ((أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرٌّ فدعوتَه، كشَفَه عنك، وإن أصابك عامُ سنَةٍ فدعوتَه، أنبتَها لك، وإذا كنتَ بأرض قفراء - أو فلاة - فضلَّتْ راحلتُك فدعوتَه، ردَّها عليك))، قال: قلتُ: اعهدْ إليَّ، قال: ((لا تَسُبَّنَّ أحدًا))، قال: فما سببتُ بعده حرًّا، ولا عبدًا، ولا بعيرًا، ولا شاة، قال: ((ولا تحقرنَّ شيئًا مِن المعروف، وأنْ تُكلِّمَ أخاك وأنت مُنبسِط إليه وجهُك؛ إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيتَ فإلى الكعبين، وإياك وإسبالَ الإزار؛ فإنها مِن المَخِيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإنِ امرؤٌ شتَمَك وعيَّرَك بما يعلَمُ فيك، فلا تُعيِّرْه بما تعلمُ فيه؛ فإنما وبالُ ذلك عليه))؛ أبو داود (4084).



فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَم تَكونُوا مِثْلَهُمْ

إِنَّ التَشَبُّهَ بِالكِرامِ فلاحُ









[1] قال النووي في شرح صحيح مسلم: "معناه: تأتيه الملائكةُ والوحي، كما جاء في الحديث الآخر: ((إني أناجي من لا تناجي، وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم))، وكان - صلى الله عليه وسلم - يترك الثوم دائمًا؛ لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كلَّ ساعة".