فضائل السنن الرواتب
أحمد عرفة


إن الحمد لله - تعالى-، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله - تعالى- من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله - تعالى- فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:
من أعظم الطاعات والقربات التي يتقرب بها المسلم لخالقه - سبحانه وتعالى - المحافظة على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ثم المحافظة على النوافل والمواظبة عليها لإكمال ما في الفريضة من نقص وخلل، وزيادة في الثواب والحسنات، وللسنن الرواتب للصلاة فضائل عظيمة دلنا عليها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هيا بنا نتعرف على هذه الفضائل.
أحاديث عامة في فضل صلاة النوافل:
عن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتِ أبي سُفْيَانَ - رضي الله عنهما - قالت: سمعت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ - تعالى -كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً غَيرَ الفَرِيضَةِ، إلاَّ بَنَى الله لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ، أو إلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ))، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتْينِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ العِشَاءِ"، وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كل أذانين صلاة)) قال في الثَّالِثةِ: ((لِمَنْ شَاءَ)).
سنة الفجر: وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين لنا فضل وثواب سنة الظهر ومنها:
1- مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها: عن عائشة - رضي الله عنها -: " أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَدَعُ أرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ"، وعنها قالت: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أشَدَّ تَعَاهُدَاً مِنهُ عَلَى رَكْعَتَي الفَجْر".
2- أنها خير من الدنيا وما فيها: عن عائشة - رضي الله عنها -: عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا))، قال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله -: " فيه دليل على تأكد ركعتي الفجر وعلو مرتبتها في الفضيلة"، وقال المباركفوري - رحمه الله -: " قوله: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)): أي من متاع الدنيا قاله النووي. وقال الطيبي - رحمه الله -: " إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما مجرى على زعم من يرى فيها خيراً أو يكون من باب أي الفريقين خير مقاماً، وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثواباً منها"، وقال الشاه ولي الله الدهلوي - رحمه الله -: " إنما كانتا خيراً منها لأن الدنيا فانية ونعيمها لا يخلو عن كدر النصب والتعب وثوابهما باق غير كدر"، وقال الإمام الصنعاني - رحمه الله - " قوله: (( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)): أي أجرهما خير من الدنيا، وكأنه أريد بالدنيا الأرض وما فيها أثاثها ومتاعها، وفيه دليل على الترغيب في فعلهما وأنها ليستا بواجبتين إذ لم يذكر العقاب في تركهما بل الثواب في فعلهما". وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: " لا تدع ركعتي الفجر ولو طرقتك الخيل". وقال عمر -رضي الله عنه-: " هما أحب إلى من حمر النعم"، وقال إبراهيم - رحمه الله-: " إذا صلى ركعتي الفجر ثم مات أجزأه من صلاة الفجر"، وقال علي -رضي الله عنه-: " سألت النبي - صلى الله عليه وسلم-، عن إدبار النجوم، فقال: (( ركعتين بعد الفجر))، قال على وأدبار السجود: ركعتين بعد المغرب".
سنة الظهر: وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين لنا فضل وثواب سنة الظهر ومنها:
1- مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها: عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا"، وعن عائشة - رضي الله عنها -: " أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَدَعُ أرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْر"، وعن عائشة - رضي الله عنها -: " قالت: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي في بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أرْبَعاً، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءِ، وَيَدْخُلُ بَيتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ".
2- أن من حافظ عليها حرمه الله على النار: عن أُمّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنها - قالت: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حَافَظَ عَلَى أرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)). وعن عبد الله بن السائب - رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي أرْبَعاً بَعْدَ أنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وقَالَ: ((إنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيها أبْوَابُ السَّمَاءِ، فَأُحِبُّ أنْ يَصْعَدَ لِي فيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ))، وعن عائشة - رضي الله عنها -: " أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا لَمْ يُصَلِّ أربَعاً قَبلَ الظُّهْرِ، صَلاَّهُنَّ بَعْدَهَا".
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم، تفتح لهن أبواب السماء ".
3- أربع ركعات قبل الظهر يعدلن بصلاة السحر: عن أبي صالح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أربع ركعات قبل الظهر، يعدلن بصلاة السحر)).
سنة العصر: وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين لنا فضل سنة العصر ومنها: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُؤْمِنِينَ . عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((رَحِمَ اللَّهُ امْرءاً صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أرْبَعاً)). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبلَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ".
سنة المغرب بعدها وقبلها:
وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين لنا فضل سنة المغرب ومنها: عن عبد الله بن مُغَفَّل - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ)) قال في الثَّالِثَةِ: ((لِمَنْ شَاءَ))، وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: " لَقَدْ رَأيْتُ كِبَارَ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِندَ المَغْرِبِ"، وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: " كُنَّا نصلِّي عَلَى عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ المَغْرِبِ، فَقِيلَ: أكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلاَّهما؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا". وعنه، قَالَ: كُنَّا بِالمَدِينَةِ فَإذَا أذَّنَ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ المَغْرِبِ، ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الغَريبَ لَيَدْخُلُ المَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أنَّ الصَّلاَةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا".
سنة العشاء بعدها وقبلها: وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين لنا فضل سنة العصر ومنها: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وحديث عبد الله بن مُغَفَّلٍ -رضي الله عنها-: ((بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ))". قال الإمام النووي - رحمه الله -: " باب استحباب جعل النوافل في البيت سواء الراتبة وغيرها والأمر بالتحول للنافلة من موضع الفريضة أَو الفصل بينهما بكلام"، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: " أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ إِلاَّ المَكْتُوبَةَ)) قال الإمام المناوي - رحمه الله -: " ((صلوا أيها الناس في بيوتكم)) أي النفل الذي لا تشرع جماعته (( فإن أفضل صلاة المرء)) أي الرجل يعني جنسه ((في بيته إلا)) الصلوات الخمس (( المكتوبة)) أي أو ما شرع فيه جماعة كعيد وتراويح ففعلها بالمسجد أفضل.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً))، قال الإمام النووي - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)) معناه: صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم؟ وقال القاضي عياض - رحمه الله -: " قيل: هذا في الفريضة ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم". قال: وقال الجمهور: بل هو في النافلة لإخفائها، وللحديث الآخر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. ثم قال الإمام النووي - رحمه الله -: الصواب أن المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه، ولا يجوز حمله على الفريضة، وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى، وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث الآخر وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً". وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا قَضَى أحَدُكُمْ صَلاَتَهُ في مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيباً مِنْ صَلاَتِهِ؛ فَإنَّ اللهَ جَاعِلٌ في بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً))، وعن عمر بن عطاءٍ: أنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ ابن أُخْتِ نَمِرٍ يَسأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ في الصَّلاَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الجُمُعَةَ في المَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإمَامُ، قُمْتُ في مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إلَيَّ، فَقَالَ: لاَ تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ. إِذَا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ فَلاَ تَصِلْهَا بِصَلاةٍ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ؛ فَإنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَنَا بِذلِكَ، أن لاَ نُوصِلَ صَلاَةً بِصَلاَةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ".
كانت هذه بعض الأحاديث الواردة في فضائل السنن الراتبة قبل الصلاة وبعدها جمعتها في مقال واحد كي يسهل على كل مسلم قراءتها والعمل بها، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ورزقنا وإياكم الإخلاص والقبول والصدق في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.