حين رآه قلبي
سها محمد صلاح الدين فتال


حين رآه قلبي لأول مرة لم يصدق، لأول وهلة أصابه الذهول، لم يصدق كمّ الطهر والبراءة، لم يعِ هذا الجمال الآسر.
فقد كانت أول مرة، وكانت أيضا آخر مرة. أول مرة يتهاطل الفرح على قلبي، كما تتهاطل زخات مطر ندية على أرض مجدبة، أزهر النرجس وتفتح السوسن، وتسلقت أغصان الياسمين الغضة عرائش روحي، فحلقتْ مع النجوم، تجوب طرقات السماء، وتعانق القمر بشوق وحنين.
سألت قلبي صفه لي؟ فقال: جمدت الكلمات على لساني من روعة المنظر، ألححت بالسؤال فقال: هل رأيت ورود البستان تزهو بألوانها وتتيه بالبهاء؟ هو أجمل، ألححت بالسؤال فقال: هل تعرفين الغيمة البيضاء تسمو في السماء الزرقاء؟ هو أطهر، هل رأيت الياسمين الأبيض كيف يملأ الدنيا نقاء؟ هو أنقى هل سمعت شدو البلابل وتغريد الحساسين؟ دقات قلبه أطرب قلت له: أريد أن أحتضنه، أريد أن أحتويه بذراعي، أريد أن أختصر حب العالم بقبلة على جبينه، أريد أن أكحل مقلتي بابتسامة على طرف شفتيه، فمتى؟ متى يكون؟ قال لي قلبي: أبقيه عندي أرعاه وأحتويه، لا تخرجيه لهذه الدنيا الموجعة، سيعاني منها كما يعانون، ويألم كما يألمون، اتركيه هنا بسلام ينام، ويغفو بأمان.
لم أسمع كلام قلبي، ولم آبه لنصيحته، فكان ما قال. عانى وعانيت، وتألم وتألمت، ورحل فانتحبت، ولكنه وعدني كما وُعِد هو، إن حمدتِ واسترجعتِ فسألقاك في بيت الحمد، حيث لا آلام ولا عناء حيث تزهر ورود وينمو ياسمين وتشدو طيور، ولكن، لا كما عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فكان كما أراد لي، قلت ما قال، وحمدت واسترجعت، وهاأنذا أعيش أنتظر البشرى وهي كائنة لا محال كما وعند ذو الجلال